تتمة تفسير الآية : (( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ولا تعضلوهن ... )) . حفظ
تتمة تفسير الآية الكريمة: (( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) .
ثم قال الله عزوجل: (( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ... )) سبق لنا أن الخطاب إذا ابتدئ بالنداء فإنه دليل على أهميته والعناية به ، وسبق لنا أنه إذا صدر بهذا الوصف (( يا أيها الذين آمنوا )) كان دليلا على أن امتثاله من مقتضيات الإيمان وأن مخالفته نقص في الإيمان ، وثبت لنا أيضا أن فيه دليلا على اتخاذا . المغري بالشيء يعني الحاث بالشيء ، لقوله: (( ... )) كأنه يغريهم على قبول ما سيوجه إليهم ، لأن الوصف إذا ذكر على وجه يهيج الإنسان كان هذا إغراء به كما تقول: يا أيها الكريم لا تبخل على الضيف ، يا أيها الرجل لا تغلب كالنساء ، فإن هذا يوجب الإنسان أن يأخذه الحماس حتى ينتصر ، يقول: (( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )) ونفي الحل يقتضي التحريم ، والمحلل والمحرم هو الله عزوجل ، ولهذا ... بالتحريم وأحيانا بنفي الحل ، ففي هذه الآية قال: (( لا يحل )) وسيأتي بعدها بآيات التصريح بالتحريم في قوله: (( حرمت عليكم ... )) ، يقول: (( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )) (( كرها )) يعني كرها عليهن بحيث لا يرضين على ذلك وأنتم تجبرونهن على هذا الميراث ، الميراث هل معناه أنهم يرثونهن كما يرثون المال بمعنى أنهم يسترقونهن ؟ أو أنهم يخلفون أزواجهن فيهن دون تملك ؟ الثاني ، لأنهم ليسوا يرثون النساء كما يرثون المال ، بل يرثون النساء أي يخلفون أزواجهن فيهن فسماه الله ميراثا .من خلف غيره في شيء فهو وارث له ، قال الله تعالى: (( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها )) مع أنه عزوجل مالك لها من قبل ومالك لمن . أنه يفني من عليها ويبقى هو سبحانه وتعالى ، وقال تعالى عن زكريا: (( هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث آل يعقوب )) أي يخلفني في قومي في العلم والنبوة ، وليس يرثه ميراث ميعاد وذلك لأن الأنبياء لا يورثون ، إذا (( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )) أي تخلفوا أزواجهن فيهن كرها ، وقوله: (( كرها )) هذا القيد ... وإذا كان لبيان الواقع فلا يدل على أنهن لو رضين أن يخلفهم ، أن يخلف الرجال أزواجهن فإن ذلك جائز ، لأن هذا لا يجوز إلا بعقد نكاح شرعي ، وذلك أنهم كانوا إذا مات الرجل جاء ورثته من بعده ومنعوا المرأة أن تتزوج ... وإذا كانوا من بني عمه اختارها أحدهم فتزوجها قهرا عليها وعدوانا ، فلهذا نهى الله عنه ، قال: (( لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها )) وعلى هذا فيكون القيد بيانا للواقع ، وما كان باينا للواقع فإنه لا مفهوم له ، وعلى هذا فلا يحل أن ...
قال: (( ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن )) هذه مسألة أخرى تشابه ما سبق (( لا تعضلوهن )) أي لا تمنعوهن حقوقهن فتلجئهن إلى . (( لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن )) وهذا يقع كثيرا من بعض الأزواج الظلمة ، يعضل زوجته فيمنعها فإذا ضاقت به ذرعا اضطرت إلى أن تفتدي نفسها منه ، لماذا ؟ أخذا لما أعطاها من قبل إما الكل وإما البعض ، وقوله: (( لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن )) لو قال قائل: لو عضلها ليأخذ كل ما أعطاها فهل يدخل في النهي ؟ لأنه من باب (( أن يأتين بفاحشة مبينة )) وفي قراءة: (( مبينة )) يعني إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فلكم ، وما هي الفاحشة المبينة ؟ الفاحشة المبينة فيها أقوال ، قيل: إنها الزنا ، فإذا زنت فله أن يعضلها من أجل أن تفتدي منه ، لأن الإنسان . زانية ، ولا تطيب نفسه ن يطلقها هكذا فيذهب ماله ، فله في هذه الحال أن ويمنع حقها من أجل أن تخال تفتدي أو تفتدي نفسها منه ، وقيل: المراد بالفاحشة المبينة بذاءة اللسان أن تكون سليقة اللسان عليه وعلى أهله فإن ذلك مستفحش عرفا ، فإذا حصل من المرأة هذا فله أن يعضلها حتى تفتدي منه ، وقيل: المراد سوء العشرة ، بحيث حقه على وجه الرضى والانبساط والانشراح ، إذا دعاها إلى فراشه .ويحمر وجهها ويصفر ولا تجيب ، إذا أمرها بحاجة هذه الحاجة التي يجب عليها أن . فهذا من الفاحشة المبينة ، وهذا الأخير يشمل القولين قبله ، لأنه من سوء العشرة أن تخدع المرأة زوجها فتزني ـ والعياذ بالله ـ ولاشك أن من سوء العشرة بذاءة اللسان وطول اللسان ، فعله يكون المعتمد أن المراد بالفاحشة المبينة سوء العشرة بأي شيء يكون سواء ممن يستفحش شرعا كالزنا أو عرفا مع أن الزنا يستفحش عرفا وشرعا ، (( وعاشروهن بالمعروف )) هذه جملة ثالثة (( عاشروهن )) أي النساء (( بالمعروف )) أي بما يتعارفه الناس ولا ينكره الشرع ، والمعاشرة مفاعلة تكون من الجانبين ، لأن الغالب أن الفعل الذي يكون مصدره مفاعلة أنه واقع من الجانبين ، هذا الغالب مثل جاهد مجاهدة ، قاتل مقاتلة ، ياسر مياسرة ، عاصر معاصرة ، عاشر معاشرة ، وقد لا يكون من الجانبين كسافرة فإن هذا السفر لا يكون إلا من واحد ، (( عاشروهن بالمعروف )) أي ليعاشر كل منكم الآخر بالمعروف أي بما يتعارفه الناس ولا ينكره الشرع ، انتبه ! بما يتعارفه الناس ولا ينكره الشرع ، فإن كان مما يتعارفه الناس ولكن الشرع ينكره فإنه لا يجوز ليس هو بالمعروف بل هو منكر . هل المراد بالقول والفعل والبذل ؟ بالقول يعني يلين القول لها وتلين القول له ، وبالفعل الخدمة وما أشبهها ، وبالبذل بذل النفقات من كسوة وطعام وشراب ومسكن وقضاء دين ؟ ما تقولون ؟ لا ، لا يلزمه قضاء دينها ولا يلزمها قضاء دينه اللهم إلا أن تستدين لنفقة واجبة عليه فإن استدانت لنفقة واجبة عليه وجب عليه قضاء هذا الدين لأنه لازم له ، (( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) يعني قد يكره الإنسان الزوجة فلا يعاشرها بالمعروف ، لأنه من طبيعة الإنسان أنه إذا كره شيئا لا ينقاد له ولا يفرح به ، فيقول الله عزوجل: (( إن كرهتموهن )) بسوء أخلاقهن أو غير ذلك (( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) وهذا إشارة إلى أننا نصبر ، إلى أن نصبر عليهن يعني فاصبروا إن كرهتموهن فاصبروا (( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) لا تتوقعونه ، ومن الخير أن يقدر الله بينهما ولدا صالحا فإن هذا من أعظم الخيرات ، ومن الخير أيضا أن يقلب الله أحوالها وصفاتها التي كان يكرهها من أجلها إلى أحوال وصفات يرضاها ، وحينئذ يطمئن إليها ويعيش معها عيشة حميدة.