تفسير الآية : (( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ... وأمهات نسآئكم ... )) . حفظ
ثم قال الله تعالى: (( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ... )) (( حرمت )) من المحرم ؟ الله عزوجل ، وحذف الفاعل للعلم به ، وأصل الحرام باللغة المنع ومنه حريم البئر وهو ما حولها مما يكون حماية لها ويمنع غير مالكها من تملكه ، فأصل الحرام في اللغة المنع أي منعتم من أمهاتكم (( حرمت عليكم أمهاتكم )) وأمهات جمع أم أو أمهة ، ويقال في جمع أم في العاقل أمهات ، وفي غير العاقل أمات بحذف الهاء ، فيقال: هذه الشياة أمات هذه الأطفال أطفال الشياة ، وقوله: (( أمهاتكم )) يشمل الأم الدنيا والأم العليا كالجدة وأم الجدة وأم الأب وأم الأم وأم الجد وأم الجدة ، المهم أن نقول فيها كما قلنا في قوله: (( آبائكم )) يعني أنها تشمل القريبة والبعيد من الأمهات من جهة الأب ومن جهة الأم . (( وبناتكم )) البنات جمع بنت ويشمل البنت وبنت الابن وبنت البنت وإن نزل ، ويشمل أيضا البنت من الزنا على قول جمهور أهل العلم وإن كانت لا تنسب إليه شرعا لكنها خلقت من مائه فهي على قول الراجح داخلة كما سنبينها إن شاء الله في الفوائد . (( وأخواتكم )) من الأخوات ؟ الأخوات جمع أخت ، وهن فروع الأب الأدنى . (( وعماتكم )) جمع عمة ، وهن فروع الأب الأعلى يعني فروع الجد ، فروع أب الجد ، وفروع جد الجد ، وهلم جرا ، وليعلم أن عمة الرجل عمة له ولذريته من بنين وبنات ، انتبه لهذا ، عمة أبيه عمة لك ولأولادك وبناتك وأولاد أبنائك وأولاد بناتك . (( وخالاتكم )) من الخالة ؟ الخالات فروع أب الأم وإن علا ، والعمات فروع أب الأب والخالات فروع أب الأم يعني أخوات أمك . (( وبنات الأخ )) وإن نزلن ، ويشمل الأخ الشقيق والأخ لأب والأخ لأم . ما نسبتك إلى بنات الأخ ؟ عم ، وبنات الأخت ؟ تكون خالا لهن ، بنات الأخوات حرام على الإنسان وإن نزل ، انتهى المحرمات من النسب وهن سبع كما يظهر ذلك: أمهاتكم ، وبناتكم ، وأخواتكم ، وعماتكم ، وخالاتكم ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ، هذه سبع محرمات بالنسب ، ويقال في حصرهن على طريق الفقهاء: الأصول والفروع وفروع الأصل ألدنى وإن نزل وفروع الأصل الأعلى دون فروعهن ، واضح ؟ نعم ، الأصول مثل الأمهات والجدات ، الفروع كالبنات وإن نزلن ، فروع الأصل الادنى وإن نزلن ؟ هؤلاء الأخوات وإن نزلن ، بنات الأخوات ، فروع الأصل الأعلى لصلبهم خاصة ؟ العمات والخالات ، لكن صلبه خاصة يعني دون من نزل ، فبنت العمة مثلا حلال وبنت الخالة حلال ، هذا على طريق الفقهاء ، أما على طريق العبد وهو أفصح شيء وهو كلام الله عزوجل فلا يحتاج إلى كبير التأمل ، لا يحتاج إلى كبير التأمل ، ولذلك لو تقول لعامي: يحرم عليك نكاح الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ، ذهب واضحا له مطمئنا متضحا له الأمر ، لكن لو تقول: يحرم عليك الأصول والفروع ، يقول ويش الأصول والفروع ؟ وفروع الأصل الأدنى وإن نزلن ، وفروع الأصل الأعلى لصلبهم خاصا دون من نزل ، قال هذا شيء م ... ذهب يطلب ترجمة لهذا الشيء ، ولذلك سبحان الله العظيم القرآن أبلغ شيء مهما كان مهما تكلم أحد في بلاغته فإن القرآن أبلغ منه وأوضح وأبين . ثم قال عز وجل: (( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم )) هذا صنف آخر ، لأن المحرمات أصناف: بالنسب ، بالرضاعة ، بالمصاهرة ، فيقول هنا: (( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم )) والرضاعة معروف وهو امتصاص الثدي أو امتصاص الرضيع للثدي ، أو إسقائه إياه بعد انفصاله عن الثدي كما لو جعل في فنجال أو في ثدي صناعي أو ما أشبه ذلك ، وقوله: (( اللاتي أرضعنكم )) كلمة ط أرضع " فعل والفعل في الأصل الإطلاق والإطلاق يصدق بمرة واحدة ، فإذا قلت مثلا: ضربت ، كم ؟ يصدق لمرة واحدة ، إذا (( أرضعنكم )) يصدق لمرة واحدة أي بروعة واحدة (( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم )) فالآية تدل على أن مطلق الرضاع يثبت به التحريم ، وسيأتي إن شاء الله في الفوائد بيان أن السنة قيدت ذلك . (( وأخواتكم من الرضاعة )) من الأخوات من الرضاعة ؟ هن بنات المرأة التي أرضعتك وبنات زوجها ، صح ؟ الأخوات من الرضاعة بنات المرأة التي أرضعتك وبنات زوجها منها أو من غيرها ، هن بنات المرأة التي أرضعتك ، صح ؟ وبنات زوجها صح أو لا ؟ صحيح ، بنات الزوجة التي أرضعتك وبنات زوجها ، لأن بنات زوجها يكن أخوات من الأب ، وبنات التي أرضعتك أخوات لك من الأب والأم يعني شقائق أو لأم يعني قد ترضعك بلبن زيد ولها بنات من عمرو فتكون بناتها من عمرو أخوات لك من الأم ، المهم أن قوله: (( أخوات من الرضاعة )) يشمل الشقيقات ، واللاتي للأب ، واللاتي للأم ، واضح ؟ لا ، واضح ما فيه ملاحظات . متى يكن شقيقات ؟ إذا أرضعتك من لبن أبيهن ، إذا أرضعتك من لبن أبيهن صرن شقيقات ، ومتى يكن لأب ؟ إذا كان للزوج الذي أرضعتك بلبنه بنات من غيره ، من غير الذي أرضعتك ، لأن الأب واحد ، هذا أبوك من الرضاعة وأبو هؤلاء النساء من النسب ، ومتى يكن الأخوات من الأم ؟ إذا كانت لها بنات من غير الزوج الذي أرضعتك وهي بحباله يكن أخوات لك من الأم ، المهم إن الأخوات من الرضاعة يشمل الشقيقات أو لأب أو لأم ، وهل يشمل من تقدم مثلا إذا رضعت مع الطفل المسمى محمدا ولها بنت قبله اسمها فاطمة هل تتزوجها أو لا ؟ لا تتزوجها ، لأنها أختك من الرضاعة . يقول: (( وأمهات نسائكم )) من الأم ؟ الأم كما قلنا إذا أطلقت فهي التي ولدت الإنسان ، قال الله تعالى: (( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم )) فأمهات النساء يعني اللاتي ولدن نسائكم ، اللاتي ولدن نسائكم ، انتبهوا لهذه النقطة ! وقوله: (( نسائكم )) أي زوجاتكم ، ولا تكون المرأة زوجة إلا بعقد صحيح فلابد من أن يكون العقد صحيحا ، ومن هنا ابتدئ الصنف الثالث ، المحرمات بأيش ؟ المصاهرة ، (( أمهات نسائكم )) من يعرف أمهات النساء ؟ اللاتي ولدنهن ، ما هو الدليل على هذا ؟ قوله تعالى: (( إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم )) ، السناء قلنا لابد أن يكون النكاح صحيحا ، لأنه إذا لم يكن صحيحا لم تكن المرأة من نسائه ، فلا تكون النساء إلا بعد صحة العقد ، (( وربائبكم اللاتي في حجوركم )) ربائب جمع ربيبة كصحائف جمع صحيفة ، (( وربائبكم اللائي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن )) فكلمة (( اللاتي في حجوركم )) صفة لربائب ، و (( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن )) بيان لها يعني الربائب من هؤلاء النساء اللاتي دخلتم بهن ، و(( من نسائكم )) يعني ؟ زوجاتكم اللاتي عقدتم عليهن عقدا صحيحا إذ لا تكون المرأة من نساء الرجل إلا بعقد صحيح (( اللاتي دخلتم بهن )) (( اللاتي )) هنا صفة لقوله: (( من نسائكم )) (( اللاتي دخلتم بهن )) والمراد بالدخول بهن الجماع ، المراد بالدخول بهن الجماع دون الخلوة ، فهنا نفرق بين الدخول الذي هو الجماع وبين الخلوة ، الخلوة لا تؤثر ، الربائب ذكر الله فيهن قيدين ، القيد الأول: أن تكون في حجر الإنسان ، تزوج امرأة ولها بنت من غيره ويضم البنت مع الأم تكون عنده ، هذه في حجره ، القيد الثاني: أن تكون المرأة قد دخل بها الزوج أي جامعها ، فهل هذان القيدان معتبران أو أحدهما هو المعتبر ؟ في هذا خلاف بين العلماء ، فالجمهور على أن القيد الأول غير معتبر وهو قوله: (( اللاتي في حجوركم )) وأن هذا بناء على الأغلب أو بيانا للحكمة من التحريم ، وهي أنها في حجرك فتكون كبنتك ، والقول الثاني: أن القيد الأول غير معتبر ، القول الثاني أن القيد الأول غير معتبر وهو رأي الجمهور ، يعني معناه أن بنت الزوجة حرام عليك سواء كانت في حجرك أم لم تكن ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: (( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم )) حيث صرح بمفهوم القيد الثاني وسكت عن مفهوم القيد الأول ، فدل هذا على أن القيد الأول غير معتبر ، لأن الله سكت عنه ولو كان معتبرا لقال: فإن لم تكونوا دخلتم بهن أو لم يكن في حجوركم فلا جناح عليكم ، ولما سكت عن هذا علم أنه قيد ليس بمعتبر ولكنه إما ... الغالب أو لبيان الحكمة (( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم )) . ما هو القول الصحيح ؟ الصحيح قول الجمهور ، ذكرنا القول الثاني ؟ نعود مرة ثانية حتى لا تتلخبطوا علينا كما تلخبط من قبل ، في الآية قيدان ، القيد الأول: (( اللاتي في حجوركم )) ، والقيد الثاني: (( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن )) فهل القيدان معتبران ؟ فيه قولان للعلماء ، القول الأول: أنهما معتبران وأن الربيب إذا لم تكن في حجر الإنسان في حلال أو لم يكن دخل بأمها فيه حلال وأنها لا تحرم إلا إذا اجتمع القيدان ، وقد دخل بأمه ، واضح ؟ نعم ، القول الثاني قول الجمهور أن المعتبر هو القيد الثاني وهو قوله: (( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن )) وأما القيد الأول فليس بمعتبر وإنما ذكر بناء على الأغلب أو بيانا للحكمة ، واستدل الجمهور لرأيهم هذا بأن الله تعالى صرح بمفهوم القيد الثاني ولم يصرح بمفهوم القيد الأول فقال: (( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم )) ولو كان قيد الأول معتبرا لقال: فإن لم تكونوا دخلتم بهن أو لم يكن في حجوركم فلا جناح عليكم ، لو سكت الله عن المفهوم ولم يقل: (( فإن لم دخلتم بهن )) لكان القيد معتبرا وكانت الحجة مع من جعله شرطا ، فالمراتب ثلاث: الأولى أن يقال: ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم يكن في حجوركم أو لم تدخلوا بأمهاتهم فلا جناح عليكم ، ففي هذه المرتبة يكون القيدان معتبرين لاشك ، ثانيا أن يقال: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وحلائل أبنائكم ، فهنا القيدان معتبران ، الثالث كما في الآية أن يقول: (( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم )) فهذا يلزم بأن القيد الثاني معتبر والقيد الأول غير معتبر وهذا هو رأي الجمهور وهو الصحيح ، والله أعلم .