تتمة تفسير الآية : (( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسآئكم ... )) . حفظ
بقي المحرمات بالرضاعة وهو الصنف الثاني ، قال: (( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم )) وهنا وقفنا أظن ؟ يعني كأننا أجلنا الشروط عند الفوائد . (( وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم )) كل هذه من محرمات بالصهر ، قال: (( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم )) حلائل جمع حليلة ، وتشمل الزوجة والمملوكة ، لكن الزوجة تحرم على أب الزوج بمجرد العقد ، وأما فلا تحرم على أب السيد إلا بالوطء ، إذا وطئها ، وذلك أن ... قبل أن يجامعها يحتمل أن تكون السلعة تباع وتشترى ، فإذا جامعها فقد اختارها لنفسه ، فالحلائل إذا جمع حليلة وهي الزوجة التي استحلها بالعقد أو الأمة التي استحلها بالوطء ، وقوله: (( حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم )) لم يذكر الله عزوجل فيها قيدا فتشمل كل زوجة سواء دخل بها الابن أم لم يدخل بها ، وعلى هذا فزوجة الابن حرام على أبيه وإن طلقها قبل الدخول وإن طلقها قبل الخلوة لعموم الآية ، وقوله تعالى: (( الذين من أصلابكم )) أصلاب جمع صلب وهو الظهر ، المراد الأبناء الذين ولدوا من مائه ، لأن هذا هو الصلب (( الذين من أصلابكم )) وهذا قيد ، قيد ماذا يخرجه ؟ جمهور العلماء على أنه يخرج به أبناء التبني الذين كان من عادة الناس في الجاهلية أن يتبنى الإنسان ابنا له ويقول أنت ابني ويجعله كابنه في الميراث وغيره ، فقيد الابن هنا لكونه من الصلب ليخرج ابن التبني ، هذا هو رأي الجمهور ، ولكنه لا مانع من أن يقال إنه يشمل ابن التبني وابن الرضاع لأن ابن الرضاع ليس من صلبه ، وابن الرضاع يسمى ابنا شرعا ، لكن ابن التبني قد أبطله الشرع ، قال الله تعالى: (( وما جعل أدعياءكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل )) فإذا كان قد أبطل شرعا فلا حاجة إلى قيد يخرجه ، لماذا ؟ لأنه غير داخل في معنى البنوة عند الإطلاق ، غير داخل شرعا ولا حسا كذلك أيضا ، لأنه ليس من مائه ، وعلى هذا فيكون هذا القيد لإخراج ابن الرضاع أظهر منه لإخراج ابن التبني لأن ابن التبني غير معترف به شرعا فلا حاجة إلى قيد يخرجه من معنى البنوة ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وإن كان يظن أنه خالف الناس في هذا لكن قوله عند التأمل هو الصواب ، أن المصاهرة لا تجري في الراضع ولا علاقة للرضاع فيه لأن الحديث: ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) وأب الزوج وابن الزوج إنما هو حرام بأيش ؟ بالمصاهرة ، فكيف ندخل في الحديث ما لم يدخل فيه ؟ وكذلك أيضا في الآية الكريمة . ثم قال: (( وأن تجمعوا بين الأختين )) وهنا محرم ليس علينا ولكنه عمل وهو الجمع يعني وحرم علينا أن نجمع بين الأختين ، انتبه ! ولهذا لا يصح التعبير بأن نقول تحرم أخت الزوجة أو تحرم عمة الزوجة لأن ذلك ليس وارد لا في القرآن ولا في السنة ، ففي القرآن: (( وأن تجمعوا بين الأختين )) وفي السنة: ( لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالها ) فالحكم معلق بعمل وهو الجمع وليس بعين وهي الأخت أو العمة، ولهذا نقول إن تعبير بعض العلماء " تحرم أخت زوجته وعمتها وخالتها " فيه تساهل ، والصواب أن يقال: يحرم الجمع بين الأختين وبين العمة وبين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ، هذا هو الصواب . وقوله: (( وأن تجمعوا بين الأختين )) يشمل الأختين الشقيقتين والأختين من الأب والأختين من الأم ، لأن الآية مطلقة ، وقوله: (( إلا ما قد سلف )) نقول فيها كما قلنا في قوله تعالى: (( ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء إلا ما قد سلف )) يعني لكن ما قد سلف معفو عنه ، وإنما ذكر الله عزوجل لي ... المقام ولئلا ينشغل الإنسان بفعله السالف الذي وقع على الوجه المنهي عنه ، وبناء على ذلك الولد الحاصل من النكاح بما سلف ماذا يكون ؟ للواطئ أو لا ؟ يعني لو كان إنسان قد نكح زوجة أبيه في الجاهلية وأتت منه بولد وأسلم يفرق بينهما لأن سبب التحريم باق ، لكن الولد الذي حصل من النكاح الأول ينسب إليه شرعا ، وهذا والله أعلم هو الحكمة من قوله: (( إلا ما قد سلف )) لأجل أن يزول ما في قلب الإنسان نهائيا ، لأنه قد يقول إذا كان حراما علي فما موقفي أمام الولد الذي خلق مني في ذلك الوقت ؟ فطمئن الله العباد بقوله: (( إلا ما قد سلف )) وهذا مما فتح الله به الآن ، أن هذا هو الحكمة في استثناء ما سبق أو استدراك ما سبق وإلا قد يقول قائل: ما سبق كيف يجري عليه ؟ كيف يرجع التحريم عليه ؟ بما يسمى أثر رجعيا ؟ نقول: الحكمة من ذلك هو عظم مقام ، والثاني: أنه لو تولد ولد في ذلك النكاح فالولد ولد شرعي لا قلق فيه ولا ... لأنه معفو عنه وعن آثاره (( إن الله كان غفورا رحيما )) هذه مرت علينا كثيرة وفيها تأكيد ، تأكيد اسمين من أسماء الله بمؤكدين: إن ، وكان ، لأن كان كما أسلفنا مسلوبة الزمان تفيد تحقيق الوصف ، وقوله: (( إن الله كان غفورا رحيما )) الغفور هذه صيغة مبالغة من الغفلة وهو ستر الذنوب وعدم المؤاخذة عليها ، و" الرحيم " كذلك صيغة مبالغة من الرحمة ، والرحمة صفة ذاتية لله عزوجل ، ولكن لها آثارا مثل: نزول المطر ، سعة الرزق ، كثرة العلم ، اتجاه الناس اتجاها سليما ، وما أشبه ذلك ، فهذه الأشياء من آثار رحمة الله وليست هي رحمة ولكن يطلق عليها الرحمة لأنها آثار رحمة الله كما قال الله في الجنة: ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) .