تفسير الآية : (( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ... )) . حفظ
ثم قال الله تعالى: (( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم )) يعني وحرمت عليكم المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، (( المحصنات )) اسم مفعول من فعل رباعي وهو " أحصن " يعني اسم المفعول يكون فعله مبنيا للمفعول ، والإحصان يطلق على عدة معاني: فيطلق على الحرائر ، ويطلق على العفيفات ، ويطلق على المتزوجات ، وكل هذا جاء في القرآن ، قال الله تعالى في الأول: (( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم )) المراد بالمحصنات هنا الحرائر ، ومن الثاني قوله تعالى: (( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة )) المحصنات يعني العفيفات عن الزنا ، ومن الثالث المتزوجات هذه الآية (( المحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم )) . فإن قال قائل: مثل هذه الألفاظ المشتركة لعدة معاني كيف نعرف تعيين المعنى المقصود من هذه المعاني ؟ نقول: نعرفه بالسياق ، فإن لم يكن السياق يعين فالصحيح أنه يجوز استعمال الاسم المشترك في جميع معانيه ويكون شاملا لها ، كما يشمل اللفظ العام جميع أفراده ، فاللفظ المشترك بين معنيين فأكثر يكون عاما للمعنيين إذا لم يوجد قرينة تعين أحد المعنيين ، انتبهوا لهذه الفائدة ! كما أن لفظ العام يشمل جميع أفراده ، فاللفظ المشترك يشمل جميع معانيه ، لننظر الآن في الأمثلة الثلاثة: المثال الأول أن المراد بالمحصنات الحرائر ، ما هو السياق الذي يعين ذلك ؟ قوله: (( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم )) (( مما ملكت أيمانكم )) إذا المحصنات غير المملوكات ، حرائر ، والثاني (( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة )) يعينها قوله: (( الغافلات المؤمنات )) غافلات عن الزنا ولم يد ... لهن على بال فهن عفيفات ، الثالثة: المتزوجات ، هذه ليس في اللفظ الذي في الآية الكريمة ما يعين المراد لكن السنة جاءت به ، فا المحصنات وما معنى قوله: (( إلا ما ملكت أيمانكم )) ؟ هل معناه أن الرجل إذا كان له أمة متزوجة فإنه يجوز أن يجامعها ؟ لا ، لكن المسألة وقعت في شيء معين وهي المرأة المسبية ، مسبية القتال مع الكفار إذا كانت ذات زوج ثم ملكها المسلمون فإنها تحل لانفساخ نكاح زوجها الأول بسبيها ، إذا المحصنات يعني المتزوجات اللاتي يسبين بالجهاد ، فإذا سبين بالجهاد صرن ملكا للسابي وحينئذ تحل له ، إذا (( المحصنات )) يعني المتزوجات (( من النساء )) يعني المسبيات من نساء المسبيات ، وذلك في قتال من ؟ الكفار ، أما في قتال المؤمنين فإنه لا سبي للنساء ولو كان قتالا محرما كأهل البغي مثلا فإن نسائهم لا يسبين لكن المراد نساء الكفار ، (( إلا ما ملكت أيمانكم )) يعني فإنهن حلال ، لكن يجب أن يلاحظ حلال ما يملكن من المحرمات قد تكون أخت الإنسان أو عمته أو ما أشبه ذلك ، (( إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم )) (( كتاب )) قيل: إنه مفعول لفعل محذوف أي إلزموا كتاب الله عليكم ، أي إلزموا فريضة الله عليكم ، لأن الكتاب هنا بمعنى مكتوب أي مفروض ، والكتب يأتي بمعنى الفرض كما في قوله: (( كتب عليكم الصيام )) إلزموا كتاب الله عليكم أي إلزموا فريضة الله عليكم لا تتجاوزوها ، وأكد الله ذلك لأهميته ويحتمل أن يكون (( كتاب الله )) مصدرا لفعل محذوف أي كتب الله كتاب الله عليكم ، فيكون مصدرا لفعل محذوف دل عليه السياق ، لكن المعنى الأول كأنه الأوضح (( كتاب الله عليكم )) أي فرضه مفروض عليكم (( وأحل لكم ما وراء ذلكم )) (( أحل )) وفي قراءة سبعية: (( أحل )) بل قراءة السبعية (( أحل )) أليق بقول الله : (( كتاب الله عليكم )) وقراءة الأخرى السبعية (( أحل )) أليق بالسياق في قوله: (( حرمت عليكم أمهاتكم )) يعني (( حرم )) مبني للمفعول ، (( أحل )) مبني للمفعول ، فيكون التناسب بين اللفظين الدالين على هذين الحكمين ، وعلى كل حال فالقراءة التي فيها بناء للمفعول حذف الفاعل لأنه معلوم ، لأن الخلق أو الشرع إذا بني للمفعول فإن ذلك للعم بالفاعل ، لأنه لا خالق إلا الله ولا شارع إلا الله عزوجل ، وقوله: (( أحل لكم ما وراء ذلكم )) (( ما وراء )) هنا بمعنى دون أو سوى يعني ما سوى ذلك فهو حلال ، وهذا حلال عام (( ما وراء ذلكم )) يعني " ما " اسم موصول للعموم فتشمل كل ما سوى ذلك ، وحينئذ نرجع إلى الآية ننظر ماذا . العمة من الرضاعة ؟ حلال ، هل ذكرت ؟ أخواتكم من الرضاعة ؟ نقول قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) فيكون هذا الحكم مما زادت به السنة وما جاء عن رسول الله فهو كما جاء عن الله ، من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن يعص الرسول فقد عصى الله ، إذا تحريم العمة من الرضاعة والخالة من الرضاعة يستفاد من أين ؟ من السنة ، إذا (( أحل لكم ما وراء ذلكم )) دخل التخصيص ، ما هو ؟ العمة من الرضاعة والخالة من الرضاعة . (( وأن تجمعوا بين الأختين )) لو جمع الإنسان بين المرأة وعمتها ؟ لا يجوز ؟ لا ، الله قال: (( بين الأختين )) ولاشك أن بين الأختين من الروابط ما ليس بين غيرهما ، نقول جاءت به السنة ( لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ) إذا عندنا الآن أربعة: العمة من الرضاعة ، الخالة من الرضاعة ، والجمع بين المرأة وعمتها ، والجمع بين المرأة وخالتها ، كل ذلك مما جاءت به السنة فيكون مخصصا لعموم قوله: (( وأحل لكم ما وراء ذلكم )) وهنا نسأل عن التحريم لأننا نسينا أن نأتي به ، التحريم بين الأختين إلى متى ينتهي ؟ إلى أن تموت أو تطلق أو يفسخ النكاح ، إذا طلقت هل هناك تفصيل أو لا ؟ نقول إذا طلقت طلاقا رجعينا وجب الانتظار حتى تنتهي العدة يعني لو طلق امرأته ولها أخت طلاق رجعية ـ وعرفتم طلاق الرجعية من قبل ـ فإنه يجب الانتظار بالإجماع حتى تنتهي العدة ، إذا كان الطلاق بائنا بل قل: إذا كان الفراق بائنا بطلاق ثلاثة أو طلاق على عوض أو فسخ فيجب الانتظار حتى تنتهي العدة أو له أن يتزوج أختها ؟ المشهور من مذاهب الحنابلة أنه يجب الانتظار ، يجب الانتظار حتى تنتهي العدة ، لأنها إلى الآن مشغول بحق من حقوق الزوجة ، مشغولة بحق من حقوق الزوج فيجب الانتظار ، وقال بعض العلماء: إذا كان الفراق بائنا بفسخ أو طلاق على عوض أو طلاق ثلاث فإنه يصح أن يتزوج أختها .