تفسير الآية : (( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعًا عليمًا )) . حفظ
تفسير الآية الكريمة: (( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما )) . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال الله تبارك وتعالى: (( لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم )) لا يخفى أن هذه الجملة جملة خبرية منفية (( لا يحب الله الجهر بالسوء )) والجهر بالسوء معناه أن يقول فلان ظلمني ، فلان أخذ حقي ، وفلان جحده ، وما أشبه ذلك ، فالله لا يحب هذا إلا من ظلم ، إلا من ظلم بأخذ حقه والعدوان عليه فإن محبة الله لا تنتفي بحقه ، مثال المظلوم لو أن إنسانا آذاه جاره فصار يتكلم عند الحاكم أو عند الأمير أو عند من يستطيع أن يزيل مظلمته ويجهر بهذا السوء وليس المراد بالجهر أن يصوت بين الناس ، المراد أن يبينه لغيره ، فإن هذا مظلوم ، فله أن يقول ذلك ، ومن هذا القصة الجار الذي كان يؤذي جاره فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرج متاعه عن بيته فيمر الناس به فيقول ما هذا ؟ فيقول آذاني جاري ، فيكون في هذا فضيحة للجار بالقول أو الفعل ؟ بالفعل ، ومن الجهر بالسوء ممن ظلم أن يسبك إنسان أماك ويقول أنت بخيل ، أنت جبان ، أنت سفيه ، وما أشبه ذلك فلك أن ترد عليه بمثل ما وصفك به من العيب ، فتقول السفيه أنت ، الجبان أنت ، البخيل أنت ، كما قال بدون زيادة ، لقوله تعالى: (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) ولقوله: (( فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به )) ولقوله تعالى: (( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم )) ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتدي المظلوم ) كل هذه النصوص تدل على أنه يجوز الجهر بالقول ممن كان مظلوما ، ومن ذلك ما يفضيه الإنسان إلى صديقه ورفيقه في شكاية الحال كما لو كان الإنسان ظلمه شخص وجاء إلى صديقه يتحدث ويقول فلان فعل بي كذا فعل بي كذا فعل بي كذا ، ومن ذلك أيضا الزوجة تشكوا ما يحصل من زوجها إلى أخواتها ، إلى أمها ، وما أشبه ذلك ، لأن كل هؤلاء مظلومون وقد استثنى الله تعالى من ظلم ، ومن ذلك إذا قال لعنك الله فقل لعنك الله أنت ، لأن هذا اعتداء بمثل ما اعتدى عليك ، وعلى هذا نقول إن الجهر بالسوء من القول إذا كان من مظلوم فإن محبة الله لا تنتفي عنه ، وهذا من نعمة الله عزوجل ورفع الحرج عن الأمة ، لأنه لو كان الله لا يحب الجهر بالسوء من القول حتى من المظلوم صار في ذلك حرج لأن المظلوم يكاد يشقق صدره حتى يتحدث عما في صدره من الظلامة فيخف عليه الأمر . (( وكان الله سميعا عليما )) (( سميعا )) لأقوالكم (( عليما )) بما في قلوبكم يعني فاحذروه ، احذروا أن تقولوا ما لا يرضاه ، احذروا أن تخفوا في صدوركم ما لا يرضاه .