فوائد الآية : (( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعًا عليمًا )) . حفظ
فوائد الآية الكريمة: (( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما )) . في هذه الآية الكريمة: إثبات المحبة لله أي أن الله يحب ، ووجه الدلالة أننا استدللنا على الإثبات من النفي ، كيف نستدل على إثبات بالنفي ؟ لأن هذا النفي خص بحال معين فيكون دليلا على أن ما سوى ذلك تثبت به المحبة ، والمحبة محبة الله عزوجل للعبد هي غاية ما يتمناه الإنسان وأكمل مراتب الإنسان ، ولهذا قال الله تعالى: (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) ولم يكن الجواب على ما يتوقع من أن يقال: فاتبعوني تصدق في دعواكم ، بل قال: (( فاتبعوني يحببكم الله )) وهذا هو الغاية ، ومحبة الله عزوجل تنال بهذا الشرط وهو شرط يسير لمن يسره الله عليه ـ نسأل الله أن ييسره لنا ولكم ـ وهو اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام ظاهرا وباطنا في العقيدة والقول والفعل ، إذا حققت ذلك فإن محبة الله سوف تنالك ، أنكر قوم محبة الله كالأشاعرة ـ نسأل الله أن يعفوا عن الأموات منهم وأن يهدي الأحياء ـ أنكروا المحبة وقالوا إن الله لا يحب ، لكن إنكارهم إياها ليس إنكار جحود إذ لو كان إنكار جحود لكفروا لأنه تكذيب لما أثبته الله لنفسه ، لكنه إنكار تأويل قصدوا به تنزيه الله لكن ضلوا ، قالوا إن المحبة لا تقع إلا بين متجانسين والله عز وجل مباين للخلق (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) إذا ما معنى المحبة التي جاءت في الكتاب والسنة ؟ قالوا إن المحبة هي الإحسان ، ففسروها بأمر بائن منفصل عن الله ، أو هي إرادة الإحسان لأن الإرادة عندهم ثابتة لله عزوجل ، فيقال لهم هل الإحسان إلا ثمرة المحبة ؟ وهل إرادة الإحسان إلا ثمرة المحبة ؟ لأن الله لا يحسن إلى من لا يحب إلا على سبيل الاستدراج ، ولهذا إذا رأيت الله ينعم على العبد مع إقامته على معاصيه فاعلم أن ذلك استدراج (( والذين كفروا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )) ، إذا عقيدتنا أن الله عزوجل يحب وأنه يحب جل وعلا ، وأن محبته أعلى المراتب وأفضل المنازل . ومن فوائدها: حسن الإسلام وأن الإسلام يدعوا إلى التراضي وعدم الجهر بالسوء وألا تفضح أحد بسوئه ، ولهذا كانت الغيبة من كبائر الذنوب وهي ذكرك أخاك بما يكره . ومن فوائدها: عدالة الإسلام ، وجه ذلك أنه رخص للمظلوم أن يجهر بالقول لكن بحسب مظلمته ، لا يزيد ، فإن زاد فكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( على البادئ منها ما لم يعتدي المظلوم ) . ومن فوائدها: أن الدين الإسلامي لا يكفت النفوس بل يوسع لها ويشرح الصدور ويدخل السرور ، ولهذا نهي الإنسان أن يتعرض لما فيه الغم والهم والوساوس والأوهام حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام قال للذي يشك: ( هل خرج منك ريح أو لا ، قال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) والمعنى حتى يتيقن مثل يقين الشمس ، أما مجرد التخيل أنه خرج من بطنه شيء أو من دبره شيء أو من قبله شيء فهذا يجب أن يطرح ، لماذا ؟ لئلا يقع الإنسان في تذبذب وتردد ، الدين الإسلام يريد منك أن تكون دائما في ، وجه ذلك في هذه الآية أنه رخص للمظلوم أن يجهر بالسوء بقدر مظلمته لأن ذلك تنفيس عن نفسه بلاشك . ومن فوائدها: إثبات هذين الاسمين لله عزوجل ، وهما: السميع ، والعليم ، أما السميع فقال العلماء إنه ينقسم إلى قسمين: سمع بمعنى إدراك المسموع ، وسمع بمعنى الاستجابة ، والسمع الذي بمعنى إدراك المسموع يتنوع أيضا ، تارة يراد به بيان إحاطة الله تعالى بكل مسموع ، وتارة يراد به التأييد والنصر ، وتارة يراد به التهديد على حسب ما تقتضيه الحال والسياق ، فمن الأول قول الله تبارك وتعالى: (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله )) وهذه المرأة كانت في حجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، في الأرض والرب عزوجل في السماء فوق عرشه ، وتقول عائشة ( الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد كنت في الحجرة وإنه ليخفى علي بعض حديثها والله عزوجل يقول سمع قول التي تجادل ويسمع تحاوركما ) هذا سمع يراد به أيش ؟ بيان الإحاطة لله بكل مسموع ، وتارة يراد به التأييد والنصر مثل قول الله تبارك وتعالى لموسى وهارون: (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) يعني فأؤيدكما وأنصركما ، وقد يراد بذلك في هذه الآية التهديد أيضا ، تهديد من ؟ تهديد فرعون ، وأما الذي للتهديد فمثل قوله تعالى: (( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء )) من هم الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء يا أخ ؟ اليهود ، قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ، قال الله تعالى: (( سنكتب لهم ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير الحق ونقول ذوقوا عذاب الحريق )) هذا لاشك أن المقصود به التهديد ، وكذلك قوله تعالى: (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) فهو مسموع مكتوب ، وستكون القراءة متى ؟ يوم القيمة (( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا )) قال بعض السلف " والله لقد أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك " خذ هذا الكتاب اقرأ وحاسب نفسك ، القسم الثاني من أقسام السمع: سمع الاستجابة ، أن الله يستجيب ، وذلك فيما إذا أضيف إلى الدعاء أو نحو ذلك مثل قوله تعالى: (( إن ربي لسميع الدعاء )) أي لمجيب ، وليس مراد ابراهيم عليه الصلاة والسلام أن الله يسمع دعائه فقط ، لأن سميع الدعاء لاشك أنه كمال وأن الله تعالى مدرك لكل مسموع ، لكن المقصود من دعاء الداعي أيش ؟ الاستجابة ، فيكون معنى (( إن ربي لسميع الدعاء )) أي مستجيب الدعاء ، قالوا ومن ذلك قول المصلي " سمع الله لمن حمده " أي استجاب ، وهذا حق ويؤيد ذلك أنه عدي باللام " سمع الله لمن حمده " ولو كان المراد إدراك الحمد أو إدراك قول الحامد لقال " سمع الله من حمده " . أما العليم فهذه أوسع شيء ، علم الله تعالى محيط بكل شيء ، محيط بالظاهر والباطن ، محيط بالماضي والمستقبل ، بالواجب والممكن والمستحيل ، ولهذا لا شيء أعم من العلم فيما يحضرني الآن ، العلم شامل جدا ، فهو يتعلق بالماضي والمستقبل ، ولذلك قول موسى عليه الصلاة والسلام حين سأله فرعون (( ما بال القرون الأولى )) ؟ قال: (( علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى )) سبحان الله ، لا يضل جهلا ولا ينسى ذكرا ، بل هو جل وعلا عالم بكل شيء ، ولا ينسى الماضي بينما العالم من سوى الله أهل للنسيان ، كذلك علم الله عزوجل محيط بالظاهر والباطن ، (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )) ولا شيء أخفى من هذا ، ما توسوس به نفسك وتحدثك به نفسك فالله تعالى يعلم به ، وأما الظاهر فظاهر علم الله به ، وكذلك أيضا علم الله محيط بالواجب والممكن والمستحيل ، أما المستحيل فكقوله تعالى: (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )) هذا خبر ، خبر عن علم أو عن غير علم ؟ عن علم ، ومن المعلوم أنه لا يمكن أن يكون في السموات والأرض آلهة سوى الله ، مستحيل غاية الاستحالة ، فهذا خبر عن مستحيل صادر عن علم ، أما العلم بالواجب فعلم الله تعالى عن نفسه وبما له من الأسماء والصفات فإن هذا من العلم بالواجب ، وهو أعلم بنفسه من غيره ، وأما تعلقه بالممكن فعلمه بما يحدث في الكون ، كل ما يحدث في الكون من غير ما يتعلق بالله عزوجل فهو ممكن ، لأن الكون كله حادث بعد أن لم يكن ، ( كان الله تعالى ولم يكن شيء قبله ) وفي لفظ ( ولم يكن شيء معه ) فكل الكون حادث ، كل الكون قابل للزوال ، لأن كل حادث قابل للزوال بدليل عدمه قبل وجوده ، وكلمة قابل ليس معناها أن كل موجود فاني لكنه قابل للفناء ، وإنما قلنا ذلك لئلا يرد علينا الروح ، الروح مخلوقة بعد العدم لكنها باقية لا تفني ، الولدان والحور في الجنة مخلوقة ولكنها لا تفنى ، تبقى أبد الآبدين ، الجنة أيضا مخلوقة وتبقى أبد الآبدين ، النار مخلوقة وتبقى أبد الآبدين ، ولهذا نقول كل موجود قابل للزوال لا لأنه زائل لأن من المخلوقات لا يزول ، لكن كونه حادثا بعد أن لم يكن دليل على أنه من أقسام الممكن القابل للعدم والوجود ، ووجه ذلك أنه لو لم يكن قابلا للوجود لم يوجد ، ولو لم يكن قابلا للعدم لم يعدم أولا ، المهم أن علم الله تعالى محيط بكل شيء ، ويا إخواني إيماننا بعلم الله ليس أن نؤمن بهذه الصفة العظيمة الواسعة الشاملة لكن المهم أن نحذر من أن يعلم في قلوبنا ما لا يرضاه عنا ، أو أن يعلم من أفعالنا ما لا يرضاه عنا ، أو من أقوالنا ما لا يرضاه عنا ، أو مما نترك ما لا يرضاه عنا ، هذا هو المهم ، ولهذا يجب أن يركز طالب العلم على الفوائد المسلكية التي تستفاد من أسماء الله و صفاتها لا على أقسامها و تقسيمها وعمومها وشمولها لا ، أهم الشيء أن تعدها من منهجك ومن مسلك ، ولهذا قال الله عزوجل: (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) اعبدوه بها ، أن تعبدوا بمقتضى هذه الأسماء ، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) ومن إحصائها التعبد لله بمقتضاها ـ وفقني الله وإياكم بذلك ـ .