شرح قول المصنف "...وينظر مسجده...". حفظ
الشيخ : قال المؤلف في مبتدأ درس اليوم " وينظر مسجده " أي موضع سجوده "ينظر" الضمير يعود على المصلي وهو شامل لمن يُصلي وحده أو مع الإمام وللإمام أيضا يعني يشمل الإمام والمأموم والمنفرد أنه ينظر انتبه، أنه ينظر موضع سجوده وعلى هذا كثير من أهل العلم واستدلوا بحديث رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا أنه كان ينظر إلى موضع سجوده في حال صلاته وكذلك قالوا في تفسير قوله تعالى (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون )) قالوا إن الخشوع أن ينظر إلى موضع سجوده وقال بعض العلماء بل ينظر إلى حيث كان وجهه، تلقاء وجهه إلا إذا كان جالسا فإنه ينظر إلى يده حيث يشير عند الدعاء وإلا فإنه ينظر تلقاء وجهه وفصّل بعض العلماء بين الإمام والمنفرد وبين المأموم فقال إن المأموم ينظر إلى إمامه ليتحقق من متابعته ولهذا قال أبو الدرداء كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لم يحني أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده، قالوا فهذا دليل على أنهم ينظرون إليه واستدلوا أيضا بما جرى في صلاة الخسوف حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أنه عرضت عليه الجنة وعرضت عليه النار وقال فيما عُرضت عليه الجنة قال حيث رأيتموني تقدّمت وفيما عرضت عليه النار قال حينما رأيتموني تأخّرت وهذا يدل على أن المأموم ينظر إلى إمامه والأمر في هذا واسع ينظر الإنسان ما هو أخشع له إلا في الجلوس فإنه ينظر إلى أصبعه يرمي ببصره إلى أصبعه حيث تكون الإشارة كما جاء ذلك في صحيح مسلم واستثنى أهل العلم من هذه المسألة بل بعض أهل العلم استثنى ما إذا كان في صلاة خوف واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عيْنا فجعل ينظر إلى ناحية الشعب وهو يصلي لينظر إلى هذا العين والعين هو الجاسوس ولأن الإنسان يحتاج إلى النظر يمينا وشمالا في حال الخوف والعمل ولو كان كثيرا في حال الخوف مغتفر فكذلك عمل البصر وهذا الاستثناء صحيح واستثنى بعض العلماء المصلِّيَ في المسجد الحرام وقالوا ينبغي أن ينظر إلى الكعبة لأنها قبلة المصلي ولكن هذا القول ضعيف فإن النظر إلى الكعبة يُشغل المصلي بلا شك لأنه إذا نظر إلى الكعبة نظر إلى الناس وهم يطوفون فأشغلوه والصحيح أن المسجد الحرام كغيره ينظر فيه المصلي إما إلى موضع سجوده أو تلقاء وجهه وأما النظر إلى فوق إلى السماء فإنه محرّم بل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك واشتد قوله فيه حتى قال ( لينتهن ) يعني الذين يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتُخطفن أبصارهم ) وفي لفظ ( أو لا ترجع إليهم ) وهذا وعيد والوعيد لا يكون إلا على شيء من كبار الذنوب بل قال بعض العلماء إن الإنسان إذا رفع بصره إلى السماء وهو يصلي بطلت صلاته واستدلوا لذلك بوجهين، الوجه الأول أنه انصرف بوجهه عن جهة القبلة لأن الكعبة في الأرض وليست في السماء والثاني أنه فعل محرما منهيا عنه في الصلاة بخصوصها والفعل المحرم المنهي عنه في العبادة بخصوصها يقتضي بطلانها يقتضي بطلانها ولكن جمهور أهل العلم على أن صلاته لا تبطل برفع بصره إلى السماء لكن هو على القول الراجح ءاثم بلا شك لأن الوعيد لا يأتي على فعل مكروه فقط.
إذًا ينظر المصلي إما تلقاء وجهه وإلا إلى موضع سجوده ولكن أيهما أرجح ينبغي أن يختار ما هو أخشع لقلبه، طيب، إلا في موضع واحد بل في موضعين، في حال الخوف وفيما إذا جلس فإنه يرمي ببصره إلى موضع إشارته إلى أصبعه كما جاء في السنّة عن النبي صلى الله عليه وسلم أما في حال الصلاة في المسجد الحرام والنظر إلى الكعبة فإن القول الصحيح أنه لا ينظر ومن العجيب أن القوم الذين قالوا ينظر إلى الكعبة قالوا لأن النظر إلى الكعبة عبادة وهذا التعليل يحتاج إلى دليل، من أين لنا أن النظر إلى الكعبة عبادة؟ يحتاج إلى دليل هذا لأن إثبات أي عبادة إن لم يكن له أصل من الشرع فإنه يكون بدعة.