شرح قول المصنف "... ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان... ". حفظ
الشيخ : نفي الصحة يقتضي الفساد، نفي الصحة يقتضي الفساد فإذا قرأ بقراءة خارجة عن مصحف عثمان فصلاته فاسدة على كلام المؤلف، وما المراد بالصحة إذا قال العلماء في العبادات تصح أو لا تصح؟ قال العلماء الصحيح ما سقط به الطلب، ما سقط به الطلب وبرئت به الذمة والفاسد ما ليس كذلك، فإذا فعل الإنسان عبادة ولم يسقط الطلب بها عنه باختلال شرط أو وجود مفسد قلنا إنها فاسدة وإذا فعل عبادة وسقط بها الطلب وبرئت بها الذمة قلنا إنها صحيحة.
وقوله " بقراءة خارجة عن مصحف عثمان " ما مصحف عثمان؟ مصحف عثمان رضي الله عنه هو الذي جمَع الناس عليه في خلافته وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تُوفّي والقرأن لم يُجمع، تُوفّي والقرأن لم يجمع بل كان في صدور الرجال وفي عُصَب النخل وفي اللخاء، في الحجارة البيضاء الرهيفة وما أشبه ذلك ثم جمع في خلافة أبو بكر رضي الله عنه حين استحرّ القتل في القراء في اليمامة ثم جُمِع في عهد عثمان رضي الله عنه، في عهد عثمان سبب جمعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن القرأن أنزل على سبعة أحرف فكان الناس يقرؤون بهذه الأحرف وقد اختلفت لهجات الناس فصار فيه خلاف في الأجناد الذين يُقاتلون في أطراف المملكة الإسلامية فخشِي بعض القواد من الفتنة فكتبوا إلى عثمان رضي الله عنه في ذلك فاستشار الصحابة فجمع المصحف بل القراءات على حرف واحد وهو لغة قريش يعني على لغة واحدة وهي لغة قريش واختارها لأنها أشرف اللغات حيث إنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم وهي أعرب اللغات أيضا يعني أرسخُها في العربية فجمع المصاحف كلها على مصحف واحد وأحرق ما سواها فاجتمعت الأمة على هذا المصحف ونُقِل إلينا نقلا متواترا ينقله الأصاغر عن الأكابر ولم تختلف فيه الأيدي ولا النقلة بل هو محفوظ بحفظ الله عز وجل إلى يوم القيامة لكن هناك قراءات خارجة عن هذا المصحف الذي أمر عثمان بجمع المصاحف عليه، وهذه القراءات صحيحة ثابتة عمن قرأ بها عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنها تعتبر عند القراء إصطلاحا تعتبر شاذة، تعتبر شاذة وإن كانت صحيحة وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه القراءة الشاذة في أمرين، الأمر الأول هل تجوز القراءة بها أو لا تجوز وعلى القول بالجواز فهل تجوز القراءة بها في الصلاة وخارج الصلاة أو خارج الصلاة فقط.
الأمر الثاني اختلف العلماء الذين يقولون لا يُقرأ بها هل هي حجة في الحكم أو ليست بحجة؟ فمنهم من قال إنها ليست بحجة ومنهم من قال إنها حجة وأصح هذه الأقوال أنه إذا صحّت هذه القراء عن من قرأ بها من الصحابة فإنها مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصح القراءة بها في الصلاة وخارج الصلاة هذا هو الأصحّ، أصح الأقاويل في هذا لأنها إذا صحّت موصولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما المانع؟ نعم، لا نقرأ بها أمام العامة لأننا إذا قرأنا بها أمام العامة حصل بذلك فتنة وحصل بذلك تشويش وحصل بذلك قلّة اطمئنان إلى القرأن الكريم وقلة ثقة به وهذا لا شك أنه مؤثر ربما على العقيدة فضلا عن العمل لكن الكلام فيما بين الإنسان وبين نفسه أو فيما بينه وبين طلبة العلم الذين يفهمون حقيقة هذا الأمر، لا يقول قائل إذا صحّت وصحّحتم الصلاة بها وصحّحتم القراءة بها وأثبتم الأحكام بها، لا يقول قائل لماذا لا تقرؤونها على العامة؟ لأننا نقول إن حد الصحابة رضي الله عنهم ألا تحدث الناس بحديث لا تبْلغه عقولهم كما في حديث علي رضي الله عنه حدّثوا الناس بما يعرفون أي بما يمكن أن يعرفوه ويهضموه وتبلغه عقولهم، أتريدون أن يكذّب الله ورسوله، لأن العامي إذا جاءه أمر غريب عليه نفر على طول وكذّب وقال هذا شيء محال مستحيل أنا لا أؤمن بهذا الشيء، ربما يقول هكذا، مشكلة هذه.
وقال ابن مسعود إنك لا تحدّث قوم حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة وصدق رضي الله عنه فلهذا نحن لا نحدث العامة بشيء لا تبْلغه عقولهم لأن لا تحدث فتنة ويتضرّر في عقيدته وفي عمله، ومن ذلك ما يكثر السؤال عنه من الطلبة وهو أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه لما قرأ قوله تعالى (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا )) أنه وضع إبهامه وسبابته على أذنه وعلى عينيه فقال هل يجوز أن أفعل هذا؟ فجوابنا على هذا أن نقول لا تفعله أمام العامة لأن العامة ربما ينتقلون بسرعة إلى اعتقاد المشابهة والمماثلة بخلاف طالب العلم ثم هذا فعل من الرسول عليه الصلاة والسلام وليس أمرا، ما قال لنا ضعوا أصابعكم على أعينكم وأذانكم حتى نقول لا بد من تنفيذ أمر الرسول، هو فِعْل قصد به تحقيق هذا الأمر لا التعبّد بذلك فيما يظهر لنا فلماذا نُلزم أنفسنا ونقول أو يعني نكرّر السؤال عن مثل هذا من أجل أن نقوله أمام العامة.
الحاصل إنه ينبغي لطالب العلم أن يكون معلما مربيا والشيء الذي يخشى منه الفتنة وليس أمرا لازما لا بد منه ينبغي للإنسان أن يتجنّبه، طيب.
إذًا يقول المؤلف رحمه الله " لو قرأ بقراءة خارجة عن مصحف عثمان لم تصح الصلاة " مثال ذلك قوله تعالى في أية كفارة اليمين (( فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم )) في قراءة ابن مسعود (( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة )) فلو قرأ الإنسان في الصلاة فصيام ثلاثة أيام متتابعة بطلت، بطلت صلاته، لماذا؟ قالوا لأن هذه الكلمة ليست من كلام الله، ما نعتبرها من كلام الله حُكما وإن كان قد تكون من كلام الله حقيقة لكننا لا نعتبرها حكما من كلام الله فتكون من كلام الآدميين وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام ( إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الآدمين ) ولكن هذا القول إذا تأمّلته وجدته ضعيف وكيف تكون من كلام الآدمين وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها ولا سيما قراءة ابن مسعود الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أرد أن يقرأ القرأن غضا كما أنزل ) أو قال ( طريا كما أنزل فليقرأ ) أو ( فعليه بقراءة ابن أم عبد ) يعني قراءة ابن مسعود، فقراءة أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يقول قائل بعد صِحّتها وثبوتها عن ابن مسعود إن الصلاة لا تصح بها؟ ولهذا كلما تأمّلت هذا القول وجدته ضعيفا ولكن احذروا أن تقرؤوا بها أمام العامة لما علمتم من خوف الفتنة.
قال " ولا تصح الصلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان رضي الله عنه " .