شرح قول المصنف "... السلام عليك أيها النبي...". حفظ
الشيخ : ثم قال " السلام عليك أيها النبي " "السلام عليك أيها النبي" "السلام" قيل إن المراد بالسلام اسم الله عز وجل، اسم الله عز وجل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله هو السلام ) كما قال عز وجل في كتابه (( الملك القدوس السلام )) وبناءً على هذا القول ما معنى كون الله على الرسول، السلام الله على الرسول ما معناه؟ أي بالحفظ والكلاءة والعناية وغير ذلك فكأننا نقول الله عليك أي رقيبٌ حافظٌ معتنٍ بك وما أشبه ذلك وقيل السلام اسم مصدر سلّم بمعنى، بمعنى إيش؟ إذا قلنا السلام اسم مصدر سلّم كان بمعنى إيش؟ لا إله إلا الله بمعنى التسليم يا أخي، إذا قلت كلام اسم مصدر من كلّم ويش يصير معنى كلام؟ تكليم، سلام اسم مصدر سلّم إذًا بمعنى تسليم (( يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما )) فما معنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم معناه أننا ندعوا له بالسلامة من كل آفة، بالسلامة من كل آفة.
إذا قال قائل قد يكون هذا الدعاء في حياته عليه الصلاة والسلام واضحا لكن بعد مماته كيف ندعوا له بالسلامة وقد مات صلى الله عليه وسلم؟ الجواب أن نقول ليس الموت تكون به السلامة، الموت لا تكون به السلامة هناك أهوال، أهوال يوم القيامة ولهذا كان دعاء الرسل إذا عبر الناس على الصراط يقولون "اللهم سلّم، اللهم سلّم" فلا ينتهي المرء من المخاوف والآفات بمجرّد موته، هذه واحدة.
إذًا ندعوا للرسول صلى الله عليه وسلم بالسلامة من هوْل الموقف ومن خوفه، طيب، ونقول أيضا قد يكون بمعنًى أعمّ، السلام على شرعه وسنّته كما قال العلماء (( فرُدّوه إلى الله والرسول )) قالوا إليه في حياته وإلى سنّته بعد وفاته فيكون دعاؤك بالسلام على محمد صلى الله عليه وسلم بعد موته دعاءً بسلامة شرعه وسنّته من أن تنالها أيدي العابثين، واضح يا جماعة؟ طيب.
ثم قوله السلام عليك أيها النبي، هل هو خبر أو دعاء؟ يعني هل أنت تخبر بأن الرسول مسلّم وإلا تدعو بأن الله يُسلّمه؟ تدعو بأن الله يُسلّمه إذًا هو خبر بمعنى الطلب، هو خبر بمعنى الطلب فكأنه من صفاتك اللازمة أو من الأمر المستقر أن تدعو للرسول صلى الله عليه وسلم بالسلامة من كل آفة.
وعلى الوجه الثاني ولسنّته وشريعته أيضا بالسلامة من كل آفة، طيب، ثم هنا يقول "السلام عليك" فهل هذا خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام كخطاب الناس بعضِهم بعضا؟ الجواب لا، لو كان كذلك لبطلت الصلاة به لأن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الآدميّين ولكن كما قال شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" لقوّة استحضارك للرسول عليه الصلاة والسلام حين السلام عليه كأنه أمامك تخاطبه، كأنه أمامك تُخاطبه ولهذا كان الصحابة يقولون "السلام عليك" وهو لا يسمع ويقولون "السلام عليك" وهم في بلد وهو في بلد ونحن نقول "السلام عليك" ونحن في بلد غير الذي تُوفّي فيه وهو أيضا قد توفّي، فليس هذا من باب الخطاب المعتاد بين الناس ولذلك نقول إنه يقول "السلام عليك أيها النبي" في حياته وبعد وفاته، في حياته وبعد وفاته.
وأما ما ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنهم كانوا يقولون بعد وفات الرسول صلى الله عليه وسلم "السلام على النبي ورحمة الله وبركاته" فهذا من اجتهادته رضي الله عنه التى خالفه فيها من هو أعلم منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في التشهّد "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله" كما رواه مالك في الموطّأ بسند من أصحّ الاسانيد، قاله عمر بمحضر الصحابة رضي الله عنه وأقرّوه على ذلك ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام علّم أمته، علّمها حتى إنه كان يُعلّم ابن مسعود وكفُّه بين كفّيه من أجل أن يستحضر هذا اللفظ وكان يُعلّمهم أياه كما يُعلّمهم السورة من القرأن وهو يعلم أنه سيموت لأن الله قال له (( إنك ميّت وإنهم ميّتون )) ولم يقل وبعد موتي قولوا "السلام على النبي" بل علّمهم التشهّد بهذا اللفظ كما يُعلّمهم السورة من القرأن بلفظها وعلى هذا فيكون ما جاء عن ابن مسعود اجتهادا منه خالفه فيه من هو أعلم منه من الصحابة رضي الله عنهم فلا يُعوّل عليه بل يُقال "السلام عليك أيها النبي" وقوله "أيها النبي" هذه منادى حُذفت منها يا النداء والأصل "يا أيها النبي" وحُذفت ياء النداء لكثرة الإستعمال والتخفيف والبداءة بالإشارة أو بالكناية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله "أيها النبي" يقال النبيء ويُقال النبيُّ، أما إذا قيل النبيء فهو فعيل من النبئ بمعنى الخبر لكنه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول؟ بمعناهما جميعا، فهو مُنبِئٌ مُنبَأ، أليس كذلك؟ (( يا أيها المدثر قم فأنذر )) فهو مُنبِئٌ مُنبَؤٌ، هذا إذا كانت بالهمز وإن كانت بالتخفيف أو بالتسهيل النبيّ فإما أن تكون أصلها مهموزًا وحُذفت الهمزة تخفيفا وإما أن تكون من النَبْوَة وهي الإرتفاع وسُمِّيَ بذلك لارتفاع رتبته صلى الله عليه وسلم، ألا يُمكن أن نقول إنها النبيّ بالياء من الأمرين جميعا؟ من النَبْوة والإرتفاع وإلا من النبأ والخبر؟ يُمكن وإلا ما يُمكن؟ يُمكن، وقد مرّ علينا مثل هذه المعاني وذكرنا قاعدة مفيدة وهي " أن اللفظ إذا احتمل معنيين لا يتنافيان حُمِل عليهما جميعا " ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مقامه أرفع المقامات وأنه مُنبّؤٌ ومُنْبِئ، "أيها النبي".