شرح قول المصنف " ... ثم يقول اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد...". حفظ
الشيخ : ثم يقول، ثم يقول في أي تشهّد؟ في التشهّد الأخير لأنه لما فصل، لأن المؤلف لما فصل وقال "ثم يقول" دل على أن ما يُقال بعد ثم لا يُقال في التشهّد الأول وعلى هذا فلا يُستحب أن تصلّيَ على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهّد الأول، لا يُستحب وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف وهو ظاهر السنّة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُعلّم ابن مسعود وابن عباس إلا هذا التشهّد فقط وقال ابن مسعود كنا نقول قبل أن يُفرض علينا التشهّد وذكر التشهّد الأول فقط ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فلا يُسنّ أن يُصلّيَ الإنسان على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهّد الأول لأنه لو كان سنّة لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يُعلّمهم أياها في التشهّد وأما قولهم يا رسول الله علِمْنا كيف نُسلّم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فهو سؤال عن الكيفية وليس فيه ذكر الموضع وفرق بين أن يُعيّن الموضع أو تُبيّن الكيفية ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف هذا التشهّد ثم ذكر الحديث أنه كان كأنما يجلس على الرضف يعني الحجارة المحمّات من شدّة التعجيل وهذا الحديث وإن كان في سنده نظر لكن هو ظاهر السنّة أي أنه لا يزيد على هذا وأظنه في صحيح ابن خزيْمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتشهّد في هذا الجلوس ولا يدعو وقوله لا يدعو يشمل الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بالتعوّذ من عذاب جهنم وعذاب القبر ومع ذلك لو أن أحدا من الناس صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع ما أنكرنا عليه لكن لو سألنا أيُّما أحسن قلنا الإقتصار على التشهّد فقط ولكن لو أنه صلي فلا يؤمر بالإعادة أو يُنهى عن هذا الشيء لأنه زيادة خير وفيه احتمال وإن كان ضعيفا أنه يُصلى عليه في هذا المكان.
ثم يقول " اللهم صلي على محمد وعلى أل محمد كما صليت على أل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى أل محمد كما باركت على أل إبراهيم إنك حميد مجيد " قال ثم "اللهم صلي على محمد" "اللهم" معناها يا الله لكن حُذفت منها ياء النداء وعُوّض عنها الميم، عُوّض عنها الميم وجُعِلت الميم في الأخر تيمّنا بالبداءة باسم الله عز وجل وكانت ميما ولم تكن جيما ولا حاءً ولا خاءً لأن الميم أدلُّ على الجمع ولهذا تجتمع الشفتان فيها فكأن الداعي جَمَع قلبه على ربه ودعا فقال اللهم وعليه فنُعرب "اللهم" نقول الله منادى مبنيّ على الضمّ في محل نصب ومعنى الله أي ذو الألوهية، ذو الألوهية الذي يألهه كل من تعبّد له سبحانه وتعالى.
"صلي على محمد وعلى أل محمد" قوله "صلي على محمد" قيل إن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الإستغفار ومن الآدميّين الدعاء فإذا قالوا صلّت عليه الملائكة يعني استغفرت له وإذا قال صلى عليه الخطيب يعني دعا له وإذا قيل صلى عليه الله يعني رحِمه وهذا مشهور بين أهل العلم لكن الصحيح خلاف ذلك وأن الصلاة أخصّ من الرحمة ولذا أجمع المسلمون على جواز الدعاء بالرحمة لكل مؤمن واختلفوا هل يُصلى على غير الأنبياء ولو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فرق لكان كما ندعوا لفلان بالرحمة نصلى عليه وأيضا فقد قال الله تعالى (( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة )) فعطف الرحمة على الصلوات والعطف يقتضي المغايَرة فتبيّن بهذا بدلالة الأية الكريمة واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع على أن الصلاة ليست هي الرحمة إذًا فما هي؟ أحسن ما قيل فيها ما ذكره أبو العالية رحمه الله أن صلاة الله على نبيّه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى ثناؤه عليه في الملإ الأعلى، اللهم صلى عليه اثني عليه في الملإ الأعلى فإذا قال قائل هذا بعيدا من اشتقاق اللفظ، هذا بعيد اشتقاق اللفظ، الصلاة في اللغة الدعاء، الصلاة في اللغة الدعاء ليست الثناء فالجواب على هذا أن الصلاة أيضا من الصلة، من الصلة ولا شك أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملإ الأعلى من أعظم، من أعظم الصلات لأن الثناء على الإنسان قد يكون أحيانا يعني أهم عند الإنسان من كل مال فالذكرى الحسنة صلة عظيمة، صلة عظيمة وعلى هذا فالقول الراجح أن الصلاة يعني أو تعني الثناء عليه في الملإ الأعلى فأنت إذا قلت اللهم صلي على محمد أي أثني عليه في الملإ الأعلى أي عند الملائكة المقربين.
وقوله "على محمد" "على محمد" قد يقول قائل لماذا لم يقل على النبي أو على نبيك محمد وإنما ذكره باسمه العَلَم فقط؟ فكيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى (( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا )) ؟ الجواب أن هذا من باب الخبَر والخبَر أوسع من الدعاء يعني أوسع من أن تدعُوَه باسمه فجاز أن يكون بلفظ محمد "وعلى أل محمد" يعني وصلي على أل محمد وأل محمد قيل إنهم أتباعه على دينه لأن أل الشخص كل من ينتمي إلى الشخص، كل من ينتمي إليك فهو من ألك سواءٌ انتمى إليك بنسب أو انتمى إليك بحميّة ومعاهد وموالاة أو انتمى إليك باتباع كما قال الله تعالى (( ويوم تقوم الساعة أدخلوا أل فرعون أشدّ العذاب )) فيكون أله هم أتباعه على دينه وقيل أل النبي صلى الله عليه وسلم القرابة والقائل بذلك خصّ القرابة بالمؤمنين يعني المؤمنين من قرابته صلى الله عليه وسلم فخرج بذلك سائر الناس وخرج بذلك كل من كان كافر من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فيقول هذا القائل أله المؤمنون من قرابته ولكن الصحيح الأول وأن الأل هم الأتباع، نعم، لو قرن الأل بغيره فقيل على محمد وأله وأتباعه صار المراد بالأل المؤمنين من قرابته، نعم، "وعلى أل محمد كما صليت على أل إبراهيم"، "كما صليت" الكاف هنا للتشبيه أو للتعليل ولننظر فأكثر العلماء يقولون إنها للتشبيه، يقولون إنها للتشبيه وهؤلاء فتحوا على أنفسهم إيرادًا يحتاجون إلى الجواب عنه وذلك لأن القاعدة أن المشبّه دون المشبّه به وعلى هذا فأنت سألت، سألت الله صلاة دون الصلاة على أل.