بيان حكم اتخاذ السترة مع بيان أدلة أقوال أهل العلم المختلفين في ذلك. حفظ
الشيخ : وعلم من كلامه أنها ليست بواجبة أن السّترة ليست بواجبة وأن الإنسان لو صلى إلى غير سترة فإنه لا يأثم وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم أن السّترة ليست بواجبة لأنها من مكمّلات الصلاة ولا يتوقّف عليها صحّة الصلاة وليست داخل الصلاة حتى نقول إن فقدها مفسد لأنها ليست من ماهية الصلاة ولكنّها شيء يراد به كمال الصلاة فلم تكن واجبة وهذه هي القرينة التي أخرجت بها إلى النّدب وقالوا ظاهر حديث أبي سعيد الخدري ( إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فاراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ) فإن قوله ( فليصل أحدكم إلى شيء يستره ) يدل على أن المصلي قد يصلي إلى شيء يستره وقد لا يصلي لأن مثل هذه الصيغة لا تدل على أن كل الناس يصلون بل تدل على أن بعضهم يصلي وبعضهم لا يصلي واستدلوا أيضا بحديث ابن عباس أنه أتى في منى والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها بأصحابه إلى غير جدار واستدلوا أيضا بحديث ابن عباس في السّنن " رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم يصلي في فضاء ليس بين يديه شيء " وكلمة شيء هذه عامة تشمل كل شيء وهذا الحديث فيه ... لكن يؤيّد حديث أبي سعيد وحديث ابن عباس " يصلي إلى غير جدار " ولكن الذين قالوا بالوجوب أجابوا عن حديث ابن عباس " يصلي في فضاء إلى غير شيء " بأنه ضعيف وعن حديث إلى غير جدار بأن نفي الجدار لا يستلزم نفي غيره وحديث أبي سعيد يدل على أن الإنسان يصلي إلى سترة وإلى غير سترة لكن دلّت الأدلة على أنه لا بد أن يصلي إلى سترة ولكن أدلّة القائلين بأن السترة سنة وهم الجمهور أقوى ولو لم يكن منها إلا الأصل براءة الذّمّة فلا تشغل الذّمّة بواجب ولا يحكم بالعقاب إلا بدليل واضح وأجابوا عن جواب هؤلاء في حديث ابن عباس " إلى غير جدار " قالوا إن ابن عباس أراد أن يستدل به على أن الحمار لا يقطع الصلاة وهذا يقتضي أنه قال إلى غير جدار أي إلى غير شيء يستره وعلى كل حال فالأدلة فيها متقاربة لكن الأرجح أنها سنّة وأنها ليست بواجبة، أما المأموم فلا يسن له اتّخاذ السّترة لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلّم ولم يتّخذ أحد منهم سترة ولكن هل يجوز المرور بين أيديهم أو لا يجوز ؟ نعم فيه قولان لأهل العلم القول الأول : أنه لا يجوز أن يمر بين يدي المصلي واستدلوا بعموم الأدلة ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ) قالوا وهذا عام ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ) وتعللوا أيضا بتعليل قالوا إن الإشغال الذي يكون للإمام والمنفرد حاصل بالمرور بين يدي المأموم يشغلون المأموم وربما يكثر المارّة فيشعر الإنسان بأنه منفصل عن إمامه لأن الناس يمرون منه حتى يكون كالجدار بين يديه لا سيما في المساجد الكبيرة كالمسجد الحرام والمسجد النبوي وعلى هذا فلا يجوز لأحد المرور بين يدي المصلي والقول الثاني : في المسألة أن المأموم كما أن سترة الإمام له سترة فلا بأس بالمرور بين يديه واستدلوا بفعل ابن عباس رضي الله عنه حينما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسّلام وهو يصلي بالناس بمنى وهو راكب على حمار أتان، أتان يعني أنثى فدخل في الصّفّ وأرسل الأتان ترتع ترعى وقد مرّت بين أيدي الصّفّ قال " ولم ينكر ذلك عليّ أحد " لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصّحابة وهذا الإقرار يخصّص عموم ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ) فالصّحيح أن الإنسان لا يأثم ولكن كلما وجد مندوحة عن المرور بين يدي المأمومين فهو أفضل لأن الإشغال بلا شكّ حاصل وتوقي إشغال المصلين أمر مطلوب لأن ذلك من كمال صلاتهم وكما تحب أنت أن لا يشغلك أحد عن صلاتك فينبغي أن تحب أن لا تشغل أحدا عن صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .