بيان أقوال العلماء في تحديد ضابط مدة السفر للمسافر وبيان متى ينقطع سفره مع بيان الراجح في هذه المسألة. حفظ
الشيخ : وهذه المسألة من مسائل الخلاف التي كثُرت فيها الأقوال فقد زادت الأقوال فيها على عشرين قولا لأهل العلم رحمهم الله وسبب ذلك أنه ليس فيها دليل فاصل ينقطع به النزاع فلهذا اضطربت فيها أقوال أهل العلم فأقوال المذاهب المتبوعة هي أولا مذهب الحنابلة رحمهم الله المشهور عندهم أنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام انقطع حكم السفر في حقه ولزمه الإتمام لكن لا ينقطع بالنسبة للجمعة لأن الجمعة يُشترط فيها الاستيطان وهذا غير مستوطن.
وبناءً على هذا القول ينقسم الناس إلى مسافر ومستوطن ومقيم غير مستوطن، المسافر أحكام السفر في حقه ثابتة والمستوطن أحكام الاستيطان في حقه ثابتة ولا يُستثنى من هذا شيء والمقيم غير المستوطن تثبت في حقه أحكام السفر من وجه وتنتفي من وجه أخر.
طيب لكن هذا التقسيم يقول شيخ الإسلام إنه ليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنّة ولا من الإجماع، تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام مسافر ومستوطن ومقيم غير مستوطن هذا لا دليل عليه.
القول الثاني من أقوال المذاهب المتبوعة يقول إذا نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يلزمه الإتمام لكن لا يُحسب منها يوم الدخول ويوم الخروج، يوم الدخول ما يُحسب ويوم الخروج ما يُحسب وعلى هذا تكون أيام ستة، يوم الدخول ويوم الخروج وأربعة بينهما وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي.
القول الثالث إذا نوى إقامة أكثر من خمسة عشر يوما أتمّ وإن نوى دونها قصَر وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
في أيضا مذاهب أخرى لا حاجة لنا لأنها مذاهب فردية مثل ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما بأنه إذا نوى إقامة تسعة عشر يوما قصَر وما زاد فإنه لا يقصر.
طيب ولكن إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والسنّة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو القول الصحيح وهو أن المسافر مسافر سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو نوى إقامة أربعة أو دونها وذلك لعموم الأدلة الدالة على ثبوت رُخَصِ السفر للمسافر بدون تحديد، لم يُحدّد النبي عليه الصلاة والسلام بل لم يُحدّد الله سبحانه وتعالى في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم المدة التي ينقطع بها حكم السفر، ففي القرأن (( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )) (( وإذا ضربتم في الأرض )) وهذا عام يشمل كل ضارب ومن المعلوم أن الضرب في الأرض أحيانا يحتاج إلى مدة، قال الله تعالى (( وأخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله )) فالذين يضربون في الأرض للتجارة مثلا هل التاجر يكفيه أن يُقيم أربعة أيام فأقل في البلد؟ ربما يكفيه وربما لا يكفيه، قد يكفيه يوم واحد يُصفّي ويمشي وقد تكون السلعة ثقيلة المشي يتأخّر أربعة أيام خمسة أيام، عشرة أيام وقد يكون هو يطلب سلعة لا تحصل في أربعة أيام، يُجمّعها من هنا وهناك، فعلى على كل حال الأية عامّة (( إذا ضربتم في الأرض )) والنبي صلى الله عليه وسلم أقام مددا مختلفة يقصر فيها فأقام في تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما يقصر الصلاة وأقام في مكة عام حجّة الوداع عشرة أيام يقصر الصلاة لأن أنس سُئل رضي الله عنه كم أقمتم في مكة يعني في حجة الواداع قال أقمنا بها عشرا لأنه أضاف أيام الحج إلى الأيام المتقدّمة يعني الأيام الأربعة ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام قدِم مكة في يوم الأحد الرابع من ذي الحجة وخرج في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة فتكون الإقامة عشرة أيام.
طيب فإن قال قائل ما تقولون في دليل من يرى أنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام لزمه الإتمام وهو الاحتجاج بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام أربعة أيام قبل أن يخرج إلى منى؟ فالجواب على هذا أن نقول إن هذا دليل عليهم وليس دليلا لهم، هو في الحقيقة دليل عليهم لمن تأمّله وليس دليلا لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في اليوم الرابع كما قلنا اتفاقا ولا أحد يشُك في هذا وهل عندنا دليل على أنه لو قدِم في اليوم الثالث أتمّ؟ ما في دليل، بل نعلم أنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم بأن الناس يقدمون للحج قبل اليوم الرابع، يعني ليس كل الحجاج لا يقدمون إلا من الرابع فأقل، يقدمون قبل الرابع، يقدمون في أول ذي الحجة في ذي القعدة، في شوال لأن أشهر الحج تبتدأ من شوال ولم يقل للأمة من قدم مكة قبل اليوم الرابع فليُتمّ ومن المعلوم لو كانت شريعة الله أن من قدِم قبل اليوم الرابع من ذي الحجة إلى مكة لزمه أن يُتمّ، لو كانت هذه شريعة الله لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبيّنها لدعاء الحاجة إلى البلاغ والتبيين فلما لم يُبيّن ولم يقل للناس من قدِم قبل اليوم الرابع فإنه يلزمه الإتمام عُلِم أنه لا يلزمه فيكون هذا الحديث دليلا على أنه لا يلزم الإتمام من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام.
ثم نقول سبحان الله أربعة أيام كم من ساعة؟ ستة وتسعين ساعة، كذا؟ ستة وتسعين ساعة، نقول من نوى إقامة ستة وتسعين ساعة فله أن يقصر ومن نوى إقامة ستة وتسعين وعشر دقائق فليس له أن يقصر لأن الأول مسافر والثاني غير مسافر، مقيم.
طيب أين هذا التحديد؟ أين هذا التحديد في الكتاب والسنّة حتى نقول بأنه واجب والصلاة كما نعلم أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين؟ فكيف نقول للأمة هذا الرجل الذي نوى إقامة ستة وتسعين ساعة وعشر دقائق لو قصر قلنا صلاته باطلة؟ مسألة عظيمة ما هي هيّنة ومثل هذا لا يمكن أن يترك بلا بيان وترك البيان بيان، ترك البيان بيان في الحقيقة، ترك البيان في موضع يحتاج إلى البيان يُعتبر بيانا إذ لو كان خلاف الواقع هو الواجب لبُيّن وعلى هذا فنقول إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن المسافر مسافر ما لم ينوي واحدا من أمرين، الإقامة المطلقة أو الاستيطان والفرق بينهما أن الاستيطان ينوي أن يتخذ هذا البلد وطنا، وطنا انتهى، طلّق جميع البلدان سواه بالثلاثة واتخذ هذا البلد وطنا، الإقامة المطلقة أنه يأتي لهذا البلد ويرى أن الحركة فيه كبيرة أو طلب العلم فيه قويّ فينوي الإقامة مطلقا بدون أن يُقيّدها بزمن أو بعمل لكن نيته أنه مقيم لأن البلد جاز له إما بكثرة العلم أو بقوّة التجارة أو إنسان موظف الحكومة وضعته هنا كالسفراء مثلا، فالأصل الأصل عدم السفر في هذا وإلا السفر؟ عدم السفر لأنه نوى الإقامة فنقول هذا ينقطع حكم السفر في حقه أما من قيّد الإقامة بعمل أو بزمن، بعمل ينتهي أو بزمن ينتهي فهذا مسافر ولا تتخلف أحكام السفر عنه ثم إننا إذا تأمّلنا القول بأنه تنقطع أحكام السفر إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام وجدنا هذا القول متناقضا، وجه التناقض؟ ذكرناه قبل قليل أنه في الجمعة في حكم المسافرين وفي غير الجمعة في حكم المقيمين، أين هذا التفصيل؟ فمثل هذه الأمور تحتاج إلى دليل وتوقيف ولهذا ما أحسن قول صاحب المنذري رحمه الله لما ذَكَر أن تحديد السفر بالمسافة مرجوح قال "إن التحديد توقيف" التحديد توقيف حد من حدود الله يحتاج إلى دليل فأي إنسان يُحدّد شيئا أطلقه الشارع فعليه الدليل، أي إنسان يُخصّص شيئا عمّمه الشارع فعليه الدليل، لماذا يا إخوان؟ لأن التقييد زيادة شرط والتخصيص أيضا إخراج شيء من نصوص الشارع ولا يحِل لأحد أن يضيف إلى ما أطلقه الشارع شرطا ولهذا قلنا في المسح على الخفين الصحيح أنه لا يُشترط فيه ما اشترطه الفقهاء من كونه ساترا لمحل الفرض بحيث لا يتبيّن فيه ولا موضع الخرز وقلنا إن ما سُمِّيَ خُفا فهو خف سواء كان مخرّقا أو كان رقيقا أو ثخينا أو سليما لأن الشرع إذا أطلق شيء فلا يحِل لنا أن نُقيّده كما أنه إذا عمّم شيئا لا يحل لنا أن نُخرج بعض أفراده بتخصيص إلا بدليل ولنا في هذه المسألة رسالة كتبناها أظن في عام ألف وأربعمائة وخمسة تقريبا، نعم، ربما إن شاء الله نقرأها في الدرس القادم لأنها مفيدة جدا وتٌبيّن من اختار هذا القول من العلماء، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، شيخنا عبدالرحمن بن سعدي، الشيخ محمد رشيد رضا وبعض الإخوان المتخرّجين من الجامعة الإسلامية كتبوا في هذا مؤلفا وعلى كل حال نحن لا نعرف الحق بكثرة رجاله إنما نعرف الحق بموافقة الكتاب والسنّة، نعم؟
السائل : يزيد الفقهاء ... وهم يقولون يعني من جواز إقامة الرسول صلى الله عليه وسلم عشرين يوما والجواب عن هذا هم يقولون يعني كل من نوى خمسة عشرا يوما وإلا أربعة نوى وبعد يُتمّ الصلاة ومن لم ينوى ولو كان سكن في محل واحدة سنة كاملة يعني ... .
الشيخ : هذه إن شاء الله ستأتينا في كلام المؤلف، اسمه أبو البراء غسان بن يوسف البرقاوي الظاهر لي إنه من خريجي الجامعة الإسلامية، نعم، فيه هل القصر واجب أم سنّة، بيان مسافة القصر، متى يبدأ القصر، المدة التي يقصر فيها المسافر، أي نعم، أربع مسائل، تحبون نقرأ هذه وإلا نقرأ الرسالة اللي كتبنا؟
السائل : مطبوعة يا شيخ؟
الشيخ : مطبوعة إيه، الرسالة هذه اللي بنقرأ الأن مطبوعة.
السائل : الشيخ الرسالة بكرة.
الشيخ : الرسالة الأخرى اللي أنا كاتب؟ لا ما طبعت.
السائل : شيخ يعني قراءة سرد وإلا ستعقب عليها؟
الشيخ : سرد واللي يحتاج إلى تعقيب نُعقب، نعم؟