شرح قول المصنف : " والزكاة كالدين في التركة ". حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف " والزكاة كالدين في التّركة " يعني إذا مات الرّجل وعليه زكاة فإن الزكاة كالدّين لا يستحق الوارث شيئا إلا بعد أداء الزكاة فإذا قدّرنا أن رجلا لزمه عشرة ألاف زكاةً ثم تلِف ماله إلا عشرة ألاف ومات وخلّف عشرة ألاف فقط فإلى أين تصرف هذه العشرة؟ تصرف في الزكاة ولا شيء للورثة ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وأله وسلّم ( اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) على هذا تكون الزكاة مقدّمة على الوصية وعلى الإرث وهذا فيما إذا كان الرجل لم يتعمّد تأخيرَ الزكاة فإننا نخرجها من تركته وتجزئ عنه وتبرأ ذمّته كرجل يزكي كل سنة وتَمّ الحول في هذه السّنة التي هي أخر سنواته في الدّنيا ثم مات فور تمام الحول فهنا نُخرج الزكاة من ماله وتبرأ بها ذمّته أما إذا كان الرّجل قد تعمّد ترك إخراج الزكاة وقال الزكاة يعني متى سهّل الله أخرجتها وما أشبه ذلك المهم منعها بخلا ثم مات فهل تُخرج من تركته وتبرأ بها ذمّته؟ يقول ابن القيم رحمه الله إنها لا تبرأ منها ذمّته ولو أخرجوها من تركته لأن الرّجل مصرّ على عدم الإخراج فكيف ينفعه عمل غيره وقال إن نصوص الكتاب والسّنّة أو قواعد الشّرع تدل على هذا وما قاله رحمه الله صحيح في أنه لا يُجزئ ذلك عن ذمّته ولا تبرأ بها ذمّته مادام الرجل مصرا حال حياته على عدم الإخراج ولكن كونُنا نسقطها عن المال هذا محل نظر فإن غلّبنا جانب العبادة قلنا لا نُخرجها من المال لأنها عبادة لا تنفع صاحبها وإن غلّبنا جانب الحق أي حق أهل الزّكاة قلنا نُخرجها نؤدّي حقّهم وإن كانت عند الله لا تنفع صاحبها وهذا أحْوط أننا نُخرجها من تركته لتعلق حق أهل الزكاة بها ولكنها لا تنفعه عند الله لأن الرجل مصرّ على عدم إخراجها، واضح الأن؟ طيب.
إذًا إذا مات الإنسان وعليه زكاة فالزكاة حكمها حكم الدّين في أنها تُقدّم على الوصية وعلى الورثة، ثانيا هل هذا في حقّ من تركها بُخْلا حتى مات أو من كان يقول كل يوم أخرجها ولكن عاجله الأجل؟ المذهب العموم والصّحيح الثاني وأن من كان منعها بُخْلا فإنها لا تبرأ ذمّته ولو أخرجها الورثة من بعده لأن الرّجل مصمم على عدم إخراج الزّكاة فكيف ينفعه عمل غيره لكن بالنسبة لحق أهل الزكاة ينبغي أن تُخرج لسبق حقّهم على حقّ الورثة ولأن حقّهم حق آدمي فلا ينبغي أن نسقطه بظلم من عليه الحقّ لأن المزكي الذي منع الزّكاة هو الظالم فكيف نُسقطها عنه والورثة نقول لهم إن حقّكم لا يرد إلا بعد إخراج الواجب السّابق والزكاة سابقة على حقّهم.
ثم قال المؤلف رحمه الله، طيب، قوله " والزكاة كالدّين في التركة " لو اجتمع دين وزكاة أيهما يُقدّم؟ طيب، الأن اختلفتم على قولين أحدهما أن يُقدّم الدّين والثاني تقدّم الزكاة، مثاله رجل خلّف مائة ريال وعليه زكاة مائة ريال وعليه دين لآدمي مائة ريال فهل نقدّم حق الآدمي أو الذي له الدّين أو نقدّم الزّكاة؟ نعم؟
السائل : ... .
الشيخ : قولان.
السائل : فيه قول ثالث.
الشيخ : فيه قول ثالث؟
السائل : ... .
الشيخ : نعم، على كل حال الآدمي رجعت عن قولك، طيب.
يقول بعض العلماء يُقدّم دين الآدمي لأنه مبني على المشاححة ولأن الآدمي محتاج لدفع حقّه إليه في الدّنيا أما حق الله فالله غني عنه وهو مبني حقه سبحانه وتعالى مبني على المسامحة، وقال بعض العلماء يُقدّم حق الله لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) وقال بعض العلماء وهو المذهب إنهما يتحاصّان فإذا كان عليه دين مائة وزكاة مائة ولم يخلّف إلا مائة فللزكاة خمسون وللدين خمسون وهذا أصحّ، إنهما يتحاصّان ويُجاب عن قوله صلى الله عليه وأله وسلّم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحكم بدينين أحدهما للآدمي والثاني لله فقال ( إن الله أحق ) وإنما أراد القياس لأنه سأل ( أرأيت لو كان على أمّك دين أكنت قاضيته؟ قالت " نعم " قال اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) فكأنه قال إذا كان يُقضى دين الآدمي فدين الله من باب أولى، وهذا القول بالتّحاصص هو الراجح.