شرح قول المصنف : " ومن لزمت غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه أجزأت ". حفظ
الشيخ : " ومن لزِمت غيره فطرته " صح؟ لزِمت غيره فطرتُه وإلا غيرُه فطرته؟ ما هو بالفاعل مرفوع؟ الفاعل مرفوع يا هداية الله؟ أين الفاعل الغير ولا الفطرة؟ الفطرة، إذًا غيرَ مفعول مقدم كقوله تعالى (( وإذ ابتلى إبرهيم ربه )) طيب، " ومن لزمت غيرَه فطرته " مثل من؟ كالزوجة تلزم زوجها فطرتها وكالأب تلزم فطرة ابنه إياه وما أشبه ذلك، فأخرج عن نفسه بغير إذنه أجزأت.
قوله " أخرج عن نفسه " من المخرج؟ الغير، لا، المخرج من تلزم فطرتُه غيرَه ما هو الغير يعني فأخرج أي من تلزم فطرته غيره "عن نفسه بغير إذنه" أي بغير إذن من تلزمه فطرته فإنها تجزئ.
مثال ذلك الزوجة تجب فطرتها على زوجها فأخرجت بغير إذن زوجها، تجزئ وذلك لأن الواجب أصلا عليها ووجوبُها على زوجها تحمّلا فإذا أخرجت عن نفسه فقد أخرج الأصل عن الفرع، أخرج عن نفسه فيُجزئ سواء أذِن الزوج أم لم يأذن وهذا تسليم من الفقهاء رحمهم الله، تسليم منهم بأن الإنسان نفسه مخاطب بإيش؟ بإخراج الزكاة عن نفسه وقد سبق لنا أن هذا هو القول الراجح الصحيح، طيب.
أجزأت وفُهِم من قوله "من لزمت غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه" أن من أخرج عمن لا تلزمه فطرته فإنه لا بد من إذنه، لو أن زيدا من الناس أخرج عن عمرو بغير إذنه فإنها لا تجزئ لأن زيدا لا تلزمه فطرة عمرو والزكاة عبادة فلا بد فيها من نيّة إما ممن تجب عليه أو من وكيله وهذا مبني على قاعدة معروفة عند العلماء يسمّونها التصرّف الفضولي بمعنى أن الإنسان يتصرّف لغيره بغير إذنه فهل يبطل هذا التصرّف مطلقا أو يتوقّف على رضا الغير؟ هذه المسألة فيها خلاف والراجح أنه يجزئ، إذا رضي الغير أجزأ والدليل على هذا : ( أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم وكّل أبا هريرة في حفظ صدقة الفطر فكان وكيلا على حفظها فجاء الشيطان ذات ليلة وأخذ من التمر أمسكه أبو هريرة ما هذا فادعى الشيطان أنه فقير وذو عيال وقال لا ءاتي بعد هذه الليلة فلما كان في الصباح جاء أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وأله وسلم قال : ما فعَلَ أسيرك البارحة؟ قال يا رسول الله ادعى أنه فقير وذو عيال فأطلقته قال : أما إنه كذَبَك وسيعود ) ( كذبك ) _ يعني أخبرك بالكذب - ( وسيعود ، يقول فترقبته في الليلة الثانية وعلِمْت أنه سيعود لأن النبي صلى الله عليه وأله وسلم قال : سيعود ، فعاد وأخذ فأمسكه قال لأرفعكن إلى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فأقسم له أن لا يعود، أطلقه، نعم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : كذبك وسيعود ، في الليلة الثالثة عاد أمسكه أبو هريرة، الأن أرفعك إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأقسم له قال ما يمكن لا بد من الرفع ثلاث مرات فقال : ألا أدلك على شيء يحفظك ، قال : بلى قال : اقرأ أية الكرسي كل ليلة فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فأخبر أبو هريرة النبي صلى الله عليه وأله وسلم بذلك فقال : صدَقَك وهو كذوب ) ( صدقك ) - يعني أخبرك بالصدق وهو كذوب - وفي هذا دليل على أن الكذوب قد يصْدق وأن العدو قد ينصح لكن من نصح الشيطان في هذه الحال ليس نصحا حقيقيا ولكن خوفا من أن يُرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وإلا هو كذّاب ما قصده النصح لأبي هريرة ودّه يأخذ أبو هريرة وما معه لكن خوفا من أن يُرفع إلى الرسول صلى الله عليه وأله وسلم.
الشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز هذا التصرّف من أبي هريرة وجعله مجزئا مع أنه زكاة وأبو هريرة وكيل في الحفظ لا وكيل في التصريف، فدل هذا على أن التصرّف الفضولي إذا أجازه من هو له فإنه لا بأس به وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الإنسان لو ضحّى بأضحية غيره فإنها تقع عن الغير وإن لم يأذن له، إنسان له أضحية معيّنة فضحّى بها شخص فتكون لصاحبها وإن لم يأمر بذلك.