قال المؤلف :" كتاب الصيام " حفظ
الشيخ : باب الأنية باب الوضوء باب الغسل باب التيمم باب الحيض باب إزالة النجاسة هذه هي القاعدة عندهم أن الكتاب للجنس والباب للنوع والفصل لمفردات المسائل.
إذا طال الباب جعلوه فصولا، كتاب الصيام هذا جنس لأن ما سبق في الصلاة والزكاة وهذا هو الصيام ورتّب العلماء رحمهم الله الفقه في باب العبادات رتّبوه على حسب حديث جبريل وعلى حسب حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في بعض ألفاظه فقد فقدّموا الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج والطهارة قبل الصلاة لأنها شرطُها وهي مفتاح الصلاة فقدّموها على الصلاة وإلا لكان من المتوقع أن يجعلوها ضمن شروط الصلاة يعني في أثناء كتاب الصلاة لكن لما رأوا أنها مفتاحه وأن الكلام عليها كثير قدّموها على كتاب الصلاة.
الصيام في اللغة مصدر صام يصوم ومعناه أمسك فالإمساك في اللغة والصيام بمعنًى واحد ومنه قوله تعالى (( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا )) صوما يعني إمساكا عن الكلام بدليل قوله (( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً )) يعني إذا لم تري أحدا (( فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمانِ صَوْماً )) أي إمساكا عن الكلام (( فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا )) ومنه قولهم صامت عليه الأرض إذا أمسكته وأخفته أما في الشرع فهو " التعبّد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس " ، " التعبّد لله بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس " ويجب التفطّن لإلحاق كلمة التعبّد في التعريف لأن كثيرا من الفقهاء لا يذكرونها بل يقول "هو الإمساك عن المفطرات من كذا إلى كذا" في الصلاة يقولون "الصلاة هي أقوال وأفعال معلومة" ولكن ينبغي أن نزيد كلمة التعبّد حتى لا تكون مجرّد حركات أو مجرّد إمساك بل تكون عبادة، التعبّد لله عز وجل بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وحُكْمه الوجوب بالنص والإجماع ومرتبته في الدين الإسلامي أنه أحد أركانه فهو ذو أهمية عظيمة في مرتبته في الدين الإسلامي ثم اعلم أن من حكمة الله عز وجل أن الله نوّع العبادات في التكليف ليختبر المكلّف كيف يكون امتثاله لهذه الأنواع هل يمتثل ويقبل ما يُوافق هواه وطبعه أم يمتثل ما به رضا الله عز وجل؟ فإذا تأمّلنا العبادات الخمس الصلاة والزكاة والصوم والحج وجدنا أن بعضها بدني محض وبعضها مالي محض وبعضها مركّب حتى يُبتلى الشحيح من الجواد، ربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة ولا يبذِل درهما واحدا، أليس كذلك؟ نعم، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصلي ركعة واحدة، هكذا، فجاءت الشريعة بالتقسيم والتنويع حتى يُعرف من يمتثل تعبّدا لله ومن يمتثل تبعًا لهواه فالصلاة مثلا عبادة بدنية محضة وما يجب لها مما يحتاج إلى المال كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان وثياب لستر العورة فهو تابع وليس داخلا في صلب العبادة والزكاة مالية محضة وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحق فهذا يُعتبر تابعا ليس داخلا في صلب العبادة والحج مركّب من مال وبدن إلا في أهل مكة فقد لا يحتاج إلى المال لكن هذا شيء نادر بالنسبة أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة، الجهاد في سبيل الله مركّب من مال وبدن وربما يستقل بالمال وربما يستقل بالبدن فالجهاد من حيث التركيب أعمّ العبادات لأنه قد يكون بالمال فقط وقد يكون بالبدن فقط وقد يكون بهما جميعا ثم إن التكليف أو العبادات المكلّف بها تتنوّع من وجه أخر إلى كفّ عن المحبوبات وإلى بذل للمحبوبات وهذا نوع تكليف أيضا، كفّ عن المحبوبات مثل الصوم، بذْل للحبوبات كالزكاة فإن المال محبوب إلى النفس ولا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحبّ إليه منه وكذلك الكفّ عن المحبوبات هو أيضا تكليف وربما يهون على المرء أن يُنفق ألف درهم ولا يصومَ يوما واحدا أو بالعكس ومن ثمّ استحسن بعض العلماء استحسانا مبنيا على اجتهاد لكنه سيء حيث أفتى بعض الأمراء أن يصوم شهرين متتابعين بدلا عن عتق الرقبة في الجماع في نهار رمضان وقال إن ردْع هذا الأمير بصيام شهرين متتابعين أبلغ من ردعه بإعتاق رقبة لأنه ربما يعتق ألف رقبة ولا يهون عليه أن يصوم يوما واحدا لكن هذا اجتهاد فاسد لأنه مقابل للنص ولأن المقصود بالكفارة ليس هو تعذيب الإنسان بل تطهير الإنسان وتطهيره بالإعتاق الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ( أن من اعتق عبدا فإن الله يُعتق بكل عضو منه عضوا من النار ) فهو فكَاك من النار فيكون أفضل وأعظم والمقصود بالكفّارات هو التهذيب وإن كان فيها شيء من التأديب لكن أهم شيء هو التهذيب وتطهير المرء فالحاصل أنك إذا تأمّلت الشريعة الإسلامية والتكاليف الإلاهية وجدتها في غاية الحكمة والمطابقة والامتحان والاختبار.