قال المؤلف :" أو استعط أو احتقن أو اكتحل بما يصل إلى حلقه " حفظ
الشيخ : قال " أو استعط " استعط يعني تناول السَعوط والسَعوط ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف فإنه أيضا مفطّر لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم للقيط بن صبِرة ( بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ) فقوله صلى الله عليه وسلم ( إلا أن تكون صائما ) يدل على أن الصائم لا يُبالغ في الاستنشاق ولا نعلم لهذا علة إلا أن المبالغة تكون سببًا لوصول الماء إلى المعدة وهذا مخِل بالصوم وعلى هذا فنقول كل ما وصل إلى المعدة عن طريق الأنف فإنه مفطّر ودليله ما ذكرناه من حديث لقيط بن صبِرة رضي الله عنه.
قال المؤلف " أو احتقن " الاحتقان هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر وهو معروف ولا يزال معروفا فإذا احتقن فإنه يُفطر بذلك، لماذا؟ لأن العلة وصول الشيء إلى الجوف والحقنة تصل إلى الجوف يعني تصل إلى شيء مجوّف في الإنسان تصل إلى الأمعاء فتكون مفطّرة بناءً على أن العلة وصول الطعام والشراب إلى الجوف فإذا وصل إلى الجوف عن طريق الفم أو الأنف أو أي منفذ كان فإنه يكون مفطّرا وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وعليه أكثر أهل العلم وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا فِطْر في ذلك، أن الحقنة لا تفطّر لأنها لا يُطلق عليه اسم الأكل والشرب لا لغة ولا عُرْفا وليس هناك دليل في الكتاب والسنّة أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف، لو كان هناك دليل لقلنا كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه مفطّر لكن الكتب والسنّة دل على شيء معيّن وهو الأكل والشرب وهذا ليس أكلا ولا شربا لا عرفا ولا لغة وليس مناط الحكم أن يصِل الشيء إلى الجوف حتى نقول إن هذا مفطّر لكن بعض العلماء المعاصرين يقول إن الحقنة إذا وصلت إلى الأمعاء فإن البدن يمتصّها عن طريق الأمعاء الدقيقة وإذا امتصها انتفع منها فكان ما يصل إلى هذه الأمعاء الدقيقة كالذي يصل إلى المعدة من حيث التغذّي به وهذا من حيث المعنى قد يكون قويّا لكن قد يقول قائل إن العلة في تفطير الصائم بالأكل والشرب ليست مجرّد التغذية وإنما هي التغذية مع التلذّذ بالأكل والشرب فتكون العلّة مركّبة من جزأين، أحدهما الأكل والشرب أو أحدهما وصول الشيء إلى الجوف والثاني التلذّذ بالأكل والشرب لأن التلذّذ بالأكل والشرب مما تطلبه النفوس والدليل على هذا أن المريض إذا غُذّي بالإبر لمدة يومين ثلاثة تجده في أشد ما يكون شوقا إلى الطعام والشراب مع أنه متغذٍّ فلقائل أن يقول ليست العلة هي وصول الشيء إلى الجوف بل العلة مركبة من شيئين أحدهما ذلك والثاني التلذّذ.
وبناءً على هذا وليس هذا ببعيد نقول إن الحقنة لا تفطّر مطلقا ولو كان الجسم يتغذّى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة فيكون القول الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية مطلقا ولا التفات إلى ما قاله بعض المعاصرين وهو أن الحقنة لا تفطّر ومن الحقن المعروفة الأن ما يوضع في الدبر عند شدة الحمى فإن هذا معروف عند الأطباء ومنها أيضا ما يُدخل في الدبر من أجل العلم بحرارة المريض وما أشبه ذلك فكل هذا لا يفطّر ثم لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم وهو أننا إذا شكَكنا في الشيء أمفطّر هو أم لا؟ فما الأصل؟ الأصل عدم الفِطْر فلا نجرؤ على أن نُفسد عبادة متعبّد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجّة عند الله عز وجل فالحقنة مثلا لا شك أنها ليست أكلا ولا شربا ولا يحصل بها ما يحصل بالأكل والشرب من التلذّذ فلذلك لا نُلحقها بالأكل والشرب إلا بشيء نعتمد عليه بيّن واضح.
قال " أو اكتحل بما يصل إلى حلقه " "اكتحل" الكحل معروف "إذا اكتحل بما يصل إلى الحلق فإنه يفطّر" لأنه وصل إلى شيء مجوّف في الإنسان وهو الحَلْق، هذا هو تعليل من قال إن الكُحْل يفطّر ولكن هذا التعليل فيه نظر ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى ان الكُحْل لا يفطّر ولو وصل طعم الكحل إلى حلقه وقال إن هذا لا يسمّى أكلا ولا شربا ولا بمعنى الأكل والشرب ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب وليس عن النبي صلى الله عليه وأله وسلم حديث صحيح صريح يدل على أن الكحل مفطر والأصل عدم التفطير وسلامة العبادة حتى يثبت لدينا ما يُفسدها وما ذهب إليه رحمه الله هو الصحيح وأن الكُحْل لا يفطّر ولو وجد الإنسان طعمه في حلقه وبناءً على ذلك لو أنه قطّر في عينه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه فإنه لا يُفْطر بناءً على ما اختاره شيخ الإسلام وهو الحق إن شاء الله.