قال المؤلف :" ولا يجوز إلى رمضان آخر من غير عذر " حفظ
الشيخ : ثم قال " ولا يجوز إلى رمضان أخر من غير عذر " ولا يجوز أي تأخير القضاء إلى رمضانٍ أخر، يجب التنوين هنا لأنه نكرة وزيادة الألف والنون لا تمنع من الصرف إلا إذا انضاف إلى ذلك عَلَمية أو وصفية وهنا ليس عَلَما ولا وصفا، إذا قلنا رمضانٍ أخر فما شرطه التعريف إذا كان نكرة فإنه ينصرف هذا الضابط، ما يُشترط في منعه من الصرف العلمية فإنه إذا زالت العلمية لم يمتنع من الصرف إذًا نقول هنا إلى رمضان أخر، ممنوع من الصرف للعلمية والعدل من غير عذر.
وعُلِم من كلام المؤلف أنه يجوز أن يُؤخّر القضاء إلى أن يبقى عليه عدد أيامه من شعبان لقوله " ولا يجوز إلى رمضان أخر " فيجوز أن يقضي في شوال، في ذي القعدة، في ذي الحجة في أي شهر بشرط أن لا يكون الباقي من شعبان بقدر ما عليه فإذا بقيَ من شعبان بقدر ما عليه فحينئذ يلزمه أن يقضِيَ متتابعا.
وعُلِم من قوله " من غير عذر " أنه لو أخّره لعذر فإنه جائز مثل أن يكون مسافرا فيستمر به السفر أو يكون مريضا فيستمر به المرض أو تكون امرأة حاملا فيستمر بها الحمل ويزيد عن تسعة أشهر أو امرأة مرضعا فتحتاج إلى الإفطار كل السنة، المهم أنه إذا كان لعذر فلا بأس أن يؤخّره لأنه إذا جاز أن يُفطر في رمضان وهو أداء فجواز الإفطار في أيام القضاء من باب أولى.
قال " ولا يجوز إلى رمضان أخر من غير عذر " ولم يتكلّم المؤلف عن الصيام قبل القضاء فهل يجوز أن يصوم قبل القضاء؟ وهل يصح لو صام؟ ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك وقال مادام الوقت موسّعا فإنه يجوز أن يتنفّل كما لو تنفّل في وقت الصلاة قبل أن يُصلّي فمثلا الظهر يدخل وقتها من الزوال وينتهي إذا صار ظل كل شيء مثله، له أن يؤخّرها إلى أخر الوقت في هذه المدة هل له أن يتطوّع؟ الجواب نعم، لأن الوقت موسّع فقال بعض العلماء يجوز أن يتطوّع بصوم النفل من عليه القضاء ما لم يضق الوقت وقاسوا ذلك على الصلاة وقالوا هذه الصلاة وهي أوكد من الصيام يجوز للإنسان في حال السعة أن يتطوّع بجنسها ولا حرج عليه وهذا القول أظهر وأقرب إلى الصواب لأن القياس فيه ظاهر ولكن هل هذا أولى أو الأولى أن يبدأ بالقضاء؟ الثاني، الأولى أن يبدأ بالقضاء حتى مثلا لو مرّ عليه عشر ذي الحجة أو يوم عرفة فإننا نقول صم القضاء في هذه الأيام وربما تُدرك أجر القضاء وأجر صيام هذه الأيام وعلى فرض أنك لا تدرك إلا القضاء فإن القضاء أفضل من تقديم النفل لكن الكلام على الصحة وعدم التأثيم بصيام النفل فالذي يظهر أنه لا يأثم وأن النفل يكون صحيحا، أما المذهب فإنه لا يصح ويأثم، لا يصح أن يتطوّع بصوم قبل القضاء ويكون آثما لأنه لا يمكن أن تؤدّى النافلة قبل الفريضة والجواب على هذا التعليل أن نقول الفريضة وقتها في هذه الحال إيش؟ موسّع فهو لم يُفرض عليّ أن أفعلها حتى أقول إنني تركت الفرض بل هذا فرض في الذمّة وسّع الله تعالى فيه فإذا صمت النفل فلا حرج إلا أن هنا مسألة ينبغي التنبّه لها وهي أن الأيام الستة من شوال لا تُقدّم على قضاء رمضان فلو قُدّمت صارت نفلا مطلقا ولم يحصل على ثوابها الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وأله وسلم ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ) وذلك لأن الحديث يقول فيه ( من صام رمضان ) ومن كان عليه قضاء فإنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان وهذا واضح وقد ظن بعض طلبة العلم أن الخلاف في صحّة صوم التطوّع قبل القضاء ينطبق على هذا وليس كذلك بل هذا لا ينطبق عليه لأن الحديث فيه واضح أنه لا ست إلا بعد قضاء رمضان، فإن قال قائل ما هو الدليل على جواز التأخير وما هو الدليل على منع التأخير إلى ما بعد رمضان أخر؟ قلنا أما الأول فدليله قوله تعالى (( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )) يعني فعليه عدّة من أيام أخرى ولم يقيّدها الله تعالى بالتتابع، لو قُيّدت بالتتابع للزم من ذلك الفورية ولكن الله تعالى لم يذكر التتابع فدل هذا على أن الأمر فيه سعة.
وأما الدليل على أنه لا يؤخّر إلى ما بعد رمضان الثاني فلأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت " كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيَه إلا في شعبان " فقولها "ما أستطيع أن أقضيه" دليل على أنه لا يؤخّر إلى ما بعد رمضان لأنها لا تستطيع أن تؤخّره إلى ما بعد رمضان والإستطاعة هنا الإستطاعة شرعية يعني لا أستطيع شرعا وأما التعليل فلأنه إذا أخّره إلى ما بعد رمضان صار كمن أخّر صلاة فريضة إلى وقت الثانية من غير عذر ومعلوم أنه لا يجوز أن تؤخّر صلاة فريضة إلى وقت الثانية إلا لعذر.