تتمة شرح قول المؤلف :" باب عقد الذمة وأحكامها: لا يعقد لغير المجوس وأهل الكتابين ومن تبعهم " حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمان الرحيم، قال المؤلف رحمه الله تعالى في مؤلفه "زاد المستقنع في اختصار المقنع" باب عقد الذمة وأحكامها، هذا الباب كما ترون اشتمل على مسألتين، المسألة الأولى عقد الذمة ويتضمن من تُعقد له الذمة وما معنى عقد الذمة والثاني أحكام هذه الذمة يعني ما الذي يلزم المسلمين نحو أهل الذمة وما الذي يلزم أهل الذمة نحو المسلمين.
والذمة في اللغة العهد قال الله تعالى (( لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة )) الإل القرابة والذمة العهد وذلك لأن الأصل أن الإنسان يحتمي بأمرين، إما بالقرابة وإما بالعهد قال الله تعالى (( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا )) فالذمة العهد ومعنى أو تعريفه اصطلاحا " إقرار بعض الكفار على دينهم على وجه معيّن " إقرار بعض الكفار على دينهم على وجه معيّن، الوجه المعيّن يأتي في أحكام أهل الذمة وقولنا إقرار بعض الكفار على دينهم على وجه معيّن يُفيد أن الأصل عدم إقرار الكافر على دينه وهو كذلك لقول النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم ( أمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) ووجه هذ الأصل الذي دلّت عليه السنّة بل ودل عليه القرأن كما سنذكره إن شاء الله وجه هذا الأصل أن الخلق عبادٌ لله يجب عليهم أن يقوموا بمقتضى هذه العبودية من التذلل له والتزام أحكام شريعته فإذا خالفوا ذلك خرجوا عن مقتضى هذه العبودية فكان يجب أن يُردّوا إليها لأنهم خُلِقوا من أجلها هذا وجه كون الأصل عدم إقرار الكافر على دينه لكن لنا أن نُقِرّه على دينه بالذمة والعهد كما سيُبيَّن إن شاء الله.
يقول والأصل في هذا يعني الأصل في عقد الذمة قوله تبارك وتعالى (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )) والخطاب في قوله قاتلوا للمسلمين عامة فيكون قتالهم فرضَ كفاية وقوله (( من الذين أوتوا الكتاب )) من هنا يتعيّن أن تكون لبيان الجنس وليست للتبعيض وذلك لأن جميع أهل الكتاب لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ولو جعلنا من للتبعيض لكان بعض أهل الكتاب على دين ومؤمنا ولكن الأمر ليس كذلك فمن هنا يتعيّن أن تكون إيش؟ لبيان الجنس كقوله تعالى (( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم )) فإن من هنا لبيان الجنس يعني صنّف الكفرة إلى قسمين، أهل كتاب ومشركين.
قال " لا يُعقد لغير المجوس وأهل الكتابين ومن تبعهم " "لا يُعقد" بالبناء للمجهول وسيأتي أن الذي يتولّى عقدها هو الإمام أو نائبه.
" لا يُعقد لغير المجوس " المجوس تُعقد لهم الذمة وهم الذين يعبدون النار ويقولون بالأصلين الظلمة والنور وهم فرقة يعني فرق لكن هذه من فرقهم من يقول بالأصلين الظلمة والنور ويقولون إن الحوادث إما خير وإما شر فالخير خلقه النور والشر خلقته إيش؟ الظلمة ومع ذلك لا يرون أن هذين الإلهين متساويين بل يقولون إن النور خير من الظلمة ويقولون إن النور قديم ويختلفون في الظلمة هل هي حادثة أو لا ولهذا قال شيخ الإسلام لم يُعلم أن أحدا من أرباب المقالات قال إن للخلق إلهين متساويين أبدا حتى القائلين بالتثنية لا يرون أن هذا مساوٍ لهذا.
ودليل أخذها من المجوس ما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم أخذ الجزية من مجوس هَجَر، هَجَر اسم للأحساء وما حوله أخذ منهم النبي صلى الله عليه وسلم الجزية ومعلوم أن السنّة أصل في الدليل.
قال " وأهل الكتابين " الكتابان هما التوراة والإنجيل، أنزل الله التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والمتمسّكون بالتوراة يُقال لهم اليهود وبالإنجيل يُقال لهم النصارى، هؤلاء يُعقد لهم بنص القرأن (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية )) (( من الذين أوتوا الكتاب )) فصار الذي نص الدليل على عقد الذمة لهم ثلاثة أصناف، اليهود والنصارى والمجوس.
قال " ومن تبعهم " عندي بالشرح يقول فتديّن بأحد الدينين كالسامرة والفرنج والصابئين لعموم قوله تعالى (( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم )) فالذين تبعوهم في دينهم وإن لم يكونوا من بني إسرائيل فإنهم لهم حكمهم لأن العبرة بالدين لا بالنسب أو بالجنس، هذا ما ذهب إليه المؤلف أنه لا يُعقد إلا لهذه الأصناف الثلاثة، هم أحمد؟
السائل : اليهود والنصارى والمجوس.
الشيخ : اليهود والنصارى والمجوس، اليهود والنصارى دليلهم من؟
السائل : ... من الكتاب.
الشيخ : من الكتاب، والمجوس؟
السائل : من السنّة.
الشيخ : من السنّة، هل يُعقد لغيرهم؟ نقول لا على كلام المؤلف لأنه قال " لا يُعقد لغير المجوس وأهل الكتابين " وهو صريح وذهب بعض العلماء إلى أنه يُعقد لكل كافر وهذا هو الصحيح ويدل عليه ما رواه مسلم من حديث بريدة بن حصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المجاهدين خيرا أو من المسلمين خيرا وذكر فيه ( فإن أبوا الإسلام فخذ منهم الجزية ) فدل ذلك على أن الجزية تؤخذ من من كل كافر والمعنى يقتضي ذلك لأنه إذا جاز أخذها من أهل الكتاب والمجوس فغيرهم مثلهم إذ أن المقصود إقرار الكافر على دينه على وجه معيّن أو مخصوص وهو حاصل في كل كافر وعلى هذا فلو أن أحدا من المشركين طلب الجزية ويُقَرَ على دينه ورأينا المصلحة في ذلك فإننا نفعل، قال، ما دليل من خصّها بهؤلاء؟ يقول لأن هؤلاء هم الذين نص عليهم الكتاب والسنّة وما عداهم أو ومن عداهم فالأصل وجوب مقاتلته حتى يُسلم ( أمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ) فقوله مادام هذا هو الأصل فإننا نستثني من استثناهم القرأن والسنّة والباقي على الأصل ولكن يُقال نعم، لو لم يرد حديث بريدة بن حصيب لكان الأمر كما قال أي أنه لا يُعقد إلا لهؤلاء الأصناف الثلاثة.