شرح قول المصنف : " ولا يباع مكيل بجنسه إلا كيلا ولا موزون بجنسه إلا وزنا ولا بعضه ببعض جزافا " حفظ
الشيخ : قال المؤلف " ولا يُباع مكيل بجنسه إلا كيلا ولا موزون بجنسه إلا وزنا " لما بيّن المؤلف رحمه الله الضابط فيما فيه الربا بيّن بأي طريق نصِل إلى المساواة لأن بيع الشيء بجنسه من الأموال الربوية يُشترط فيه الحلول والقبض فبأي شيء يكون القبض وبأي شيء نعرف فيه المساواة؟ إذا بيع الربوي بجنسه وجب فيه الحلول والقبض والتساوي، فما هو الطريق إلى العلم بالتساوي؟ بيّنه بقوله " ولا يُباع مكيل بجنسه إلا كيلا ولا موزون بجنسه إلا وزنا " وعلى هذا فالتساوي في المكيل عن طريق إيش؟ الكيل، وفي الموزون عن طريق الوزن، والفرق بينهما أن المكيل تقدير الشيء بالحجم والوزن تقديره بالثِقل والخفة، هذا هو الفرق فالمكيل يُقدّر بحجم الشيء والوزن بماذا؟ بالخفة والثِقَل هذا هو الفرق بينهما فالبر مكيل، إذا بيع ببر فلا بد من أن يكون طريق التساوي هو الكيل فلو وُزِن يعني بيع بجنسه وزنا فإنه لا يصح ولا يُعتبر ذلك تساويا حتى فيما لا يختلف بالوزن والكيل كالأدهان والألبان فإن الأدهان والألبان من القسم المكيل لأن كل مائع مكيل، كل مائع يجري فيه الربا فهو مكيل فعلى هذا تكون الألبان من المكيلات ولا يختلف بها الوزن والكيل ومع ذلك لو بيعت وزنا فإنها على كلام المؤلف لا يصح يعني لو بيع لبن بلبن من جنسه وزنا فإنه لا يصح مع أنه لو كيل لكان متساويًا واختار شيخ الإسلام رحمه الله أنه إذا كان الكيل والوزن يتساويان فلا بأس أن يُباع المكيل بجنسه كيلا أو وزنا لأن النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم قال ( مثلا بمثل ) والمثلية هنا متحقّقة أما ما يختلف بالكيل والوزن فلا بد أن يكون المكيل يُباع كيلا والموزون يباع وزنا، طيب، ولا موزون بجنسه إلا وزنا مثل اللحم لو باع إنسان لحما من خروف بلحم من خروف أخر فهذا موزون فلو أراد أن يُقطّع اللحم قطعا صغيرة ويضعه في إناء ويبيعَه بجنسه كيلا فإنه لا يصح لأن معيار اللحم هو الوزن وقال بعض العلماء إنه يجوز أن يُباع المكيل وزنا فيُعتبر بالوزن ولا العكس يعني فلا يباع الموزون كيلا بخلاف المكيل فإنه يجوز أن يباع وزنا لكن الاحتياط أن لا يباع المكيل إلا كيلا ولا يباع الموزون بمثله إلا وزنا إلا ما يتساوى فيه الكيل والوزن فلا شك في أن بيعه كيلا أو وزنا جائز.
وقول المؤلف " ولا يباع مكيل " كلمة مكيل نكرة في سياق النفي تشمل القليل والكثير والمساوي في الجودة والمُخالف فلو باع الإنسان تمرة بتمرة فالتساوي بماذا؟ بالكيل وإلا بالوزن؟
السائل : بالكيل.
الشيخ : بالكيل، التساوي بالكيل، تمرة بتمرة، لا بد من أن يتساويا كيلا لكن كيف تُكال التمرة؟ يؤتى بإناء صغير كملعقة مثلا توضع التمرة في هذه الملعقة ويوضع التمرة الأخرى فيها وقال بعض أهل العلم ما لا يوزن لقلّته وحقارته فإنه لا يعتبر فيه التماثل كتمرة بتمرتين مثلا فلا بأس فمن أخذ بعموم الحديث التمر بالتمر مثلا بمثل قال هذا يشمل التمر القليل والكثير ومن أخذ بما تعارف به الناس وقال إنه لا يُمكن أن تكال التمرة قال هذا محمول على ما يعرفه الناس مما يُمكن فيه الكيل لكن المؤلف يعني ظاهركلامه " ولا يباع مكيل " إنه يشمل القليل والكثير، نعم، " ولا موزون بجنسه إلا وزنا " قال " ولا بعضه ببعض جُزافا " يعني ولا يباع بعض المكيل بالمكيل جزافا ولا بعض الموزون بالموزون جزافا لأنه لا بد فيه من العلم بإيش؟ بالتساوي، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل يعني حتى لو فُرِض أننا أتينا بخارِصٍ حاذق وقال هذه الكومة من البر تُساوي هذه الكومة من البر فإنه لا يجوز تبايُعُهما لأنه لا بد من إيش؟ العلم بالتساوي عن طريق الكيل إلا أنه يُستثنى مسألة واحدة تأتينا إن شاء الله وهي العرايا فإن العرايا يجوز أن تُباع خرْصا والعرايا أن يكون هناك رجل فقير لا يجد مالا ويحتاج إلى الرطب وليس عنده إلا تمر فيأتي إلى صاحب البستان ويقول أنا أريد أن أشترِيَ منك رُطَبا بهذا التمر فهذا يجوز على أن يخرص الرطب بمثل التمر بعد جفافه وتحوّله إلى التمر وهذه المسألة مستثناة مما يُشترط فيه العلم بالكيل "ولا بعضه ببعض جزافا"، طيب، لو باع بعضه ببعض جزافا وقبل التقابض كال كل منهما ما ءال إليه فوجده مساويا للأخر فهل يصح العقد؟ الجواب نعم يصح العقد لأن المحذور قد زال وليس هناك جهل، المبيع معلوم من الطرفين وإنما العلة هو معياره وقد علمنا الأن أنهما سواءٌ في المعيار الشرعي "ولا بعضه ببعض جزافا".