1 - تعليق الشيخ على قول شارح الطحاوية " ... ولهذا كان أئمة السنة لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه "غيره "، ولا أنه" ليس غيره ". لأن إطلاق الإثبات قد يشعر أن ذلك مباين له، وإطلاق النفي قد يشعر بأنه هو، إذ كان لفظ " الغير "فيه إجمال، فلا يطلق إلا مع البيان والتفصيل: فإن أريد به أن هناك ذاتا مجردة قائمة بنفسها منفصلة عن الصفات الزائدة عليها - فهذا غير صحيح، وإن أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة - فهذا حق، ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها، وإنما يعرض للذهن ذات وصفة، كل وحده، ولكن ليس في الخارج ذات غير موصوفة، فإن هذا محال. ولو لم يكن إلا صفة الوجود، فإنها لا تنفك عن الموجود، وإن كان الذهن يفرض ذاتا ووجودا، يتصور هذا وحده، وهذا وحده، لكن لا ينفك أحدهما عن الآخر في الخارج. وقد يقول بعضهم: الصفة لا عين الموصوف ولا غيره. وهذا له معنى صحيح، وهو: أن الصفة ليست عين ذات الموصوف التي يفرضها الذهن مجردة بل هي غيرها، وليست غير الموصوف، بل الموصوف بصفاته واحد غير متعدد. فإذا قلت:" أعوذ بالله "، فقد عذت بالذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال المقدسة الثابتة التي لا تقبل الانفصال بوجه من الوجوه. وإذا قلت:" أعوذ بعزة الله "، فقد عذت بصفة من صفات الله، ولم تعذ بغير الله. وهذا المعنى يفهم من لفظ" الذات "، فإن" ذات "في أصل معناها لا تستعمل إلا مضافة، أي: ذات وجود، ذات قدرة، ذات عز، ذات علم، ذات كرم، إلى غير ذلك من الصفات. فـ" ذات كذا "بمعنى صاحبة كذا: تأنيث ذو. هذا أصل معنى الكلمة. فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه، وإن كان الذهن قد يفرض ذاتا مجردة عن الصفات، كما يفرض المحال. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ). ولا يعوذ صلى الله عليه وسلم بغير الله. وكذا قال صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا ). وقال صلى الله عليه وسلم: ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ). وكذلك قولهم: الاسم عين المسمى أو غيره ؟ وطالما غلط كثير من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه: فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك - فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحمن من أسماء الله ونحو ذلك - فالاسم هاهنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره، لما في لفظ الغير من الإجمال: فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم - فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى ". أستمع حفظ
2 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية " ... وكذلك قولهم: الاسم عين المسمى أو غيره ؟ وطالما غلط كثير من الناس في ذلك، وجهلوا الصواب فيه: فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك - فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي، والرحمن اسم عربي، والرحمن من أسماء الله ونحو ذلك - فالاسم هاهنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره، لما في لفظ الغير من الإجمال: فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم - فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى ..." مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
3 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية " ... والشيخ رحمه الله أشار بقوله: " ما زال بصفاته قديما قبل خلقه " إلى آخر كلامه - إلى الرد على المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة. فإنهم قالوا: إن الله - تعالى - صار قادرا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرا عليه، لكونه صار الفعل والكلام ممكنا بعد أن كان ممتنعا، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي ! وعلى ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما، فإنهم قالوا: إن الفعل صار ممكنا له بعد أن كان ممتنعا منه. وأما الكلام عندهم فلا يدخل تحت المشيئة والقدرة، بل هو شيء واحد لازم لذاته. وأصل هذا الكلام من الجهمية، فإنهم قالوا: إن دوام الحوادث ممتنع، وإنه يجب أن يكون للحوادث مبدأ؛ لامتناع حوادث لا أول لها، فيمتنع أن يكون الباري - عز وجل - لم يزل فاعلا متكلما بمشيئة، بل يمتنع أن يكون قادرا على ذلك، لأن القدرة على الممتنع ممتنعة ! وهذا فاسد، فإنه يدل على امتناع حدوث العالم وهو حادث، والحادث إذا حدث بعد أن لم يكن محدثا فلا بد أن يكون ممكنا، والإمكان ليس له وقت محدود، وما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت فيه، فليس لإمكان الفعل وجوازه وصحته مبدأ ينتهي إليه، فيجب أنه لم يزل الفعل ممكنا جائزا صحيحا، فيلزم أنه لم يزل الرب قادرا عليه، فيلزم جواز حوادث لا نهاية لأولها ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
4 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية " ... قالت الجهمية ومن وافقهم: نحن لا نسلم أن إمكان الحوادث لا بداية له، لكن نقول: إمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا بداية له، وذلك لأن الحوادث عندنا تمتنع أن تكون قديمة النوع، بل يجب حدوث نوعها ويمتنع قدم نوعها. لكن لا يجب الحدوث في وقت بعينه، فإمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا أول له، بخلاف جنس الحوادث. فيقال لهم: هب أنكم تقولون ذلك، لكن يقال: إمكان جنس الحوادث عندكم له بداية، فإنه صار جنس الحدوث عندكم ممكنا، بعد أن لم يكن ممكنا، وليس لهذا الإمكان وقت معين، بل ما من وقت يفرض إلا والإمكان ثابت قبله، فيلزم دوام الإمكان، وإلا لزم انقلاب الجنس من الامتناع إلى الإمكان من غير حدوث شيء، ومعلوم أن انقلاب حقيقة جنس الحدوث، أو جنس الحوادث، أو جنس الفعل، أو جنس الإحداث، أو ما أشبه هذا من العبارات - من الامتناع إلى الإمكان وهو: مصير ذلك ممكنا جائزا بعد أن كان ممتنعا من غير سبب تجدد، وهذا ممتنع في صريح العقل. وهو أيضا انقلاب الجنس من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي، فإن ذات جنس الحوادث عندهم تصير ممكنة بعد أن كانت ممتنعة، وهذا الانقلاب لا يختص بوقت معين، فإنه ما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله، فيلزم أنه لم يزل هذا الانقلاب ممكنا، فيلزم أنه لم يزل الممتنع ممكنا ! وهذا أبلغ في الامتناع من قولنا: لم يزل الحادث ممكنا، فقد لزمهم فيما فروا إليه أبلغ مما لزمهم فيما فروا منه ! فإنه يعقل كون الحادث ممكنا، ويعقل أن هذا الإمكان لم يزل، وأما كون الممتنع ممكنا فهو ممتنع في نفسه، فكيف إذا قيل: لم يزل إمكان هذا الممتنع ؟ ! وهذا مبسوط في موضعه..." مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ