1 - تتمة تعليف الشيخ على شرح الطحاوية : " ... وكذلك هرقل ملك الروم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، طلب من كان هناك من العرب، وكان أبو سفيان قد قدم في طائفة من قريش في تجارة إلى الشام، وسألهم عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل أبا سفيان، وأمر الباقين إن كذب أن يكذبوه، فصاروا بسكوتهم موافقين له في الأخبار، سألهم: هل كان في آبائه من ملك؟ فقالوا: لا، قال: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فقالوا: لا، وسألهم: أهو ذو نسب فيكم؟ فقالوا: نعم، وسألهم: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقالوا: لا، ما جربنا عليه كذبا، وسألهم: هل اتبعه ضعفاء الناس أم أشرافهم؟ فذكروا أن الضعفاء اتبعوه؟ وسألهم: هل يزيدون أم ينقصون؟ فذكروا أنهم يزيدون، وسألهم: هل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ فقالوا: لا، وسألهم: هل قاتلتموه؟ قالوا: نعم، وسألهم عن الحرب بينهم وبينه؟ فقالوا: يدال علينا مرة وندال عليه أخرى، وسألهم: هل يغدر؟ فذكروا أنه لا يغدر، وسألهم: بماذا يأمركم؟ فقالوا: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. وهذه أكثر من عشر مسائل، ثم بين لهم ما في هذه المسائل من الأدلة، فقال: سألتكم هل كان في آبائه من ملك؟ فقلتم: لا، قلت: لو كان في آبائه من ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتكم هل قال هذا القول فيكم أحد قبله؟ فقلتم: لا، فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله لقلت: رجل ائتم بقول قيل قبله، وسألتكم هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقلتم: لا، فقلت: قد علمت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله، وسألتكم أضعفاء الناس يتبعونه أم أشرافهم؟ فقلتم: ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل، يعني في أول أمرهم، ثم قال: وسألتكم هل يزيدون أم ينقصون؟ فقلتم، بل يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتكم هل يرتد أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ فقلتم: لا، وكذلك الإيمان، إذا خالطت بشاشتة القلوب لا يسخطه أحد وهذا من أعظم علامات الصدق والحق، فإن الكذب والباطل لا بد أن ينكشف في آخر الأمر، فيرجع عنه أصحابه، ويمتنع عنه من لم يدخل فيه، والكذب لا يروج إلا قليلا ثم ينكشف. وسألتكم كيف الحرب بينكم وبينه؟ فقلتم: إنها دول، وكذلك الرسل تبتلى وتكون العاقبة لها، قال: وسألتكم هل يغدر؟ فقلتم: لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وهو لما كان عنده من علمه بعادة الرسل وسنة الله فيهم أنه تارة ينصرهم وتارة يبتليهم وأنهم لا يغدرون - علم أن هذه علامات الرسل ، وأن سنة الله في الأنبياء والمؤمنين أن يبتليهم بالسراء والضراء، لينالوا درجة الشكر والصبر. كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له ) والله تعالى قد بين في القرآن ما في إدالة العدو عليهم يوم أحد من الحكمة فقال: (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )) ، الآيات. وقال تعالى: (( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون )) ، الآيات. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على سنته في خلقه وحكمته التي بهرت العقول. قال: وسألتكم عما يأمر به؟ فذكرتم أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، وهذه صفة نبي، وقد كنت أعلم أن نبيا يبعث، ولم أكن أظنه منكم، ولوددت أني أخلص إليه، ولولا ما أنا فيه من الملك لذهبت إليه، وإن يكن ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين وكان المخاطب بذلك أبو سفيان بن حرب، وهو حينئذ كافر من أشد الناس بغضا وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان بن حرب: فقلت لأصحابي ونحن خروج، لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه ليعظمه ملك بني الأصفر، وما زلت موقنا بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم سيظهر، حتى أدخل الله علي الإسلام وأنا كاره ... " . أستمع حفظ
2 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... ومما ينبغي أن يعرف: أن ما يحصل في القلب بمجموع أمور، قد لا يستقل بعضها به، بل ما يحصل للإنسان - من شبع وري وشكر وفرح وغم - فأمور مجتمعة، لا يحصل ببعضها، لكن ببعضها قد يحصل بعض الأمر. وكذلك العلم بخبر من الأخبار، فإن خبر الواحد يحصل للقلب نوع ظن، ثم الآخر يقويه، إلى أن ينتهي إلى العلم، حتى يتزايد ويقوى. وكذلك الأدلة على الصدق والكذب ونحو ذلك ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
3 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وأيضا: فإن الله سبحانه أبقى في العالم الآثار الدالة على ما فعله بأنبيائه والمؤمنين من الكرامة، وما فعله بمكذبيهم من العقوبة، كثبوت الطوفان، وإغراق فرعون وجنوده، ولما ذكر سبحانه قصص الأنبياء نبيا بعد نبي، في سورة الشعراء، كقصة موسى وإبراهيم ونوح ومن بعده، يقول في آخر كل قصة: (( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم )) وبالجملة: فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول إنه رسول الله، وأن أقواما اتبعوهم، وأن أقواما خالفوهم، وأن الله نصر الرسل والمؤمنين، وجعل العاقبة لهم، وعاقب أعداءهم: هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها. ونقل أخبار هذه الأمور أظهر وأوضح من نقل أخبار من مضى من الأمم من ملوك الفرس وعلماء الطب، كبقراط وجالينوس وبطليموس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأتباعه ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
4 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... ونحن اليوم إذا علمنا بالتواتر من أحوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم - علمنا يقينا أنهم كانوا صادقين على الحق من وجوه متعددة: منها: أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم وخذلان أولئك وبقاء العاقبة لهم. ومنها: ما أحدثه الله لهم من نصرهم وإهلاك عدوهم، إذا عرف الوجه الذي حصل عليه، - كغرق فرعون وغرق قوم نوح وبقية أحوالهم - عرف صدق الرسل. ومنها: أن من عرف ما جاءت به الرسل من الشرائع وتفاصيل أحوالها، تبين له أنهم أعلم الخلق، وأنه لا يحصل مثل ذلك من كذاب جاهل، وأن فيما جاءوا به من المصلحة والرحمة والهدى والخير ودلالة الخلق على ما ينفعهم ومنع ما يضرهم - ما يبين أنه لا يصدر إلا عن راحم بر يقصد غاية الخير والمنفعة للخلق. ولذكر دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات وبسطها موضع آخر، وقد أفردها الناس بمصنفات، كالبيهقي وغيره ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
5 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... بل إنكار رسالته صلى الله عليه وسلم طعن في الرب تبارك وتعالى، ونسبة له إلى الظلم والسفه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، بل جحد للرب بالكلية وإنكار. وبيان ذلك: أنه إذا كان محمد عندهم ليس بنبي صادق، بل ملك ظالم، فقد تهيأ له أن يفتري على الله ويتقول عليه، ويستمر حتى يحلل ويحرم، ويفرض الفرائض، ويشرع الشرائع، وينسخ الملل، ويضرب الرقاب، ويقتل أتباع الرسل وهم أهل الحق، ويسبي نساءهم ويغنم أموالهم وديارهم، ويتم له ذلك حتى يفتح الأرض، وينسب ذلك كله إلى أمر الله له به ومحبته له، والرب تعالى يشاهده وهو يفعل بأهل الحق، وهو مستمر في الافتراء عليه ثلاثا وعشرين سنة، وهو مع ذلك كله يؤيده وينصره، ويعلي أمره، ويمكن له من أسباب النصر الخارجة عن عادة البشر، وأبلغ من ذلك أنه يجيب دعواته، ويهلك أعداءه، ويرفع له ذكره، هذا وهو عندهم في غاية الكذب والافتراء والظلم، فإنه لا أظلم ممن كذب على الله وأبطل شرائع أنبيائه وبدلها وقتل أولياءه، واستمرت نصرته عليهم دائما، والله تعالى يقره على ذلك، ولا يأخذ منه باليمين، ولا يقطع منه الوتين. فيلزمهم أن يقولوا: لا صانع للعالم ولا مدبر، ولو كان له مدبر قدير حكيم، لأخذ على يديه ولقابله أعظم مقابلة، وجعله نكالا للصالحين. إذ لا يليق بالملوك غير ذلك، فكيف بملك الملوك وأحكم الحاكمين؟ ... "مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
6 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... ولا ريب أن الله تعالى قد رفع له ذكره، وأظهر دعوته والشهادة له بالنبوة على رؤوس الأشهاد في سائر البلاد، ونحن لا ننكر أن كثيرا من الكذابين قام في الوجود، وظهرت له شوكة، ولكن لم يتم أمره، ولم تطل مدته، بل سلط الله عليه رسله وأتباعهم، وقطعوا دابره واستأصلوه. هذه سنة الله التي قد خلت من قبل، حتى إن الكفار يعلمون ذلك. قال تعالى: (( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ))، أفلا تراه يخبر أن كماله وحكمته وقدرته تأبى أن يقر من تقول عليه بعض الأقاويل، لا بد أن يجعله عبرة لعباده كما جرت بذلك سنته في المتقولين عليه. وقال تعالى: (( أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك )) وهنا انتهى جواب الشرط، ثم أخبر خبرا جازما غير معلق: أنه يمحو الباطل ويحق الحق. وقال تعالى: (( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ))، فأخبر سبحانه أن من نفى عنه الإرسال والكلام لم يقدره حق قدره. وقد ذكروا فروقا بين النبي والرسول، وأحسنها. أن من نبأه الله بخبر السماء، إن أمره أن يبلغ غيره، فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره، فهو نبي وليس برسول. فالرسول أخص من النبي، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة، إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل، فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم، بل الأمر بالعكس. فالرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها. وإرسال الرسل من أعظم نعم الله على خلقه، وخصوصا محمدا صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ))، وقال تعالى: (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
7 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وقد ذكروا فروقا بين النبي والرسول، وأحسنها. أن من نبأه الله بخبر السماء، إن أمره أن يبلغ غيره، فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره، فهو نبي وليس برسول. فالرسول أخص من النبي، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، ولكن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة، إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل، فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم، بل الأمر بالعكس. فالرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها. وإرسال الرسل من أعظم نعم الله على خلقه، وخصوصا محمدا صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ))، وقال تعالى: (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
8 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... قوله: " وإنه خاتم الأنبياء " . قال تعالى: (( ولكن رسول الله وخاتم النبيين ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ( مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بناؤه، وترك منه موضع لبنة، فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه، إلا موضع تلك اللبنة، لا يعيبون سواها، فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل ) ، أخرجاه في الصحيحين. وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر، الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي )، وفي صحيح مسلم عن ثوبان، قال: قال رسول الله: ( وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي )، الحديث. ولمسلم: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» ..." مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ