1 - تتمة التعليق على قول شارح الطحاوية : " ... ولو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره، لصح أن يقال للبصير: أعمى، وللأعمى: بصير! لأن البصير قد قام وصف العمى بغيره، والأعمى قد قام وصف البصر بغيره! ولصح أن يوصف الله تعالى بالصفات التي خلقها في غيره، من الألوان والروائح والطعوم والطول والقصر ونحو ذلك ... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
2 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وبمثل ذلك ألزم الإمام عبد العزيز المكي بشرا المريسي بين يدي المأمون ، بعد أن تكلم معه ملتزما أن لا يخرج عن نص التنزيل، وألزمه الحجة، فقال بشر: يا أمير المؤمنين، ليدع مطالبتي بنص التنزيل، ويناظرني بغيره، فإن لم يدع قوله ويرجع عنه، ويقر بخلق القرآن الساعة وإلا فدمي حلال. قال عبد العزيز: تسألني أم أسألك؟ فقال بشر: اسأل أنت، وطمع في فقلت له: يلزمك واحدة من ثلاث لا بد منها: إما أن تقول: إن الله خلق القرآن، وهو عندي أنا كلامه - في نفسه، أو خلقه قائما بذاته ونفسه، أو خلقه في غيره؟ قال: أقول: خلقه كما خلق الأشياء كلها. وحاد عن الجواب. فقال المأمون: اشرح أنت هذه المسألة، ودع بشرا فقد انقطع. فقال عبد العزيز: إن قال خلق كلامه في نفسه، فهذا محال، لأن الله لا يكون محلا للحوادث المخلوقة، ولا يكون فيه شيء مخلوق وإن قال خلقه في غيره فهو أيضا محال فيلزم في النظر والقياس أن كل كلام خلقه الله في غيره فهو كلامه، فهو محال أيضا، لأنه يلزم قائله أن يجعل كل كلام خلقه الله في غيره - هو كلام الله! وإن قال خلقه قائما بنفسه وذاته، فهذا محال: لا يكون الكلام إلا من متكلم، كما لا تكون الإرادة إلا من مريد، ولا العلم إلا من عالم، ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته. فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقا، علم أنه صفة لله. هذا مختصر من كلام الإمام عبد العزيز في"الحيدة"... "مع تعليق الشيخ . أستمع حفظ
3 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وعموم كل في كل موضع بحسبه، ويعرف ذلك بالقرائن. ألا ترى إلى قوله تعالى: (( تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ))، ومساكنهم شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح؟ وذلك لأن المراد تدمر كل شيء يقبل التدمير بالريح عادة وما يستحق التدمير. وكذا قوله تعالى حكاية عن بلقيس: (( وأوتيت من كل شيء )) ، المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك، وهذا القيد يفهم من قرائن الكلام. إذ مراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك، غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها، ولهذا نظائر كثيرة. والمراد من قوله تعالى: (( خالق كل شيء )) ، أي: كل شيء مخلوق، وكل موجود سوى الله فهو مخلوق، فدخل في هذا العموم أفعال العباد حتما، ولم يدخل في العموم الخالق تعالى، وصفاته ليست غيره، لأنه سبحانه وتعالى هو الموصوف بصفات الكمال، وصفاته ملازمة لذاته المقدسة، لا يتصور انفصال صفاته عنه، كما تقدم الإشارة إلى هذا المعنى عند قوله: " ما زال قديما بصفاته قبل خلقه ". بل نفس ما استدلوا به يدل عليهم. فإذا كان قوله تعالى: (( الله خالق كل شيء )) مخلوقا، لا يصح أن يكون دليلا... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
4 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وأما استدلالهم بقوله تعالى: (( إنا جعلناه قرآنا عربيا ))، فما أفسده من استدلال! فإن " جعل " إذا كان بمعنى خلق يتعدى إلى مفعول واحد. كقوله تعالى: (( وجعل الظلمات والنور ))، وقوله تعالى: (( وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا )). وإذا تعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق، قال تعالى: (( ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا )). وقال تعالى: (( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم )) . وقال تعالى: (( الذين جعلوا القرآن عضين )) وقال تعالى: (( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك )) وقال تعالى: (( ولا تجعل مع الله إلها آخر )) . وقال تعالى: (( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا )) . ونظائره كثيرة. فكذا قوله تعالى (( إنا جعلناه قرآنا عربيا )) .... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
5 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... وما أفسد استدلالهم بقوله تعالى: (( نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة )) . على أن الكلام خلقه الله تعالى في الشجرة فسمعه موسى منها! وعموا عما قبل هذه الكلمة وما بعدها، فإن الله تعالى قال: (( فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن )) ، والنداء هو الكلام من بعد، فسمع موسى عليه السلام النداء من حافة الوادي، ثم قال: (( في البقعة المباركة من الشجرة )) . أي: أن النداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة، كما يقول سمعت كلام زيد من البيت، يكون من البيت لابتداء الغاية، لا أن البيت هو المتكلم! ولو كان الكلام مخلوقا في الشجرة، لكانت الشجرة هي القائلة: (( يا موسى إني أنا الله رب العالمين )) . وهل قال: (0 إني أنا الله رب العالمين ))، غير رب العالمين؟ ولو كان هذا الكلام بدا من غير الله لكان قول فرعون: (( أنا ربكم الأعلى )) صدقا، إذ كل من الكلامين عندهم مخلوق قد قاله غير الله! وقد فرقوا بين الكلامين على أصولهم الفاسدة: أن ذاك كلام خلقه الله في الشجرة، وهذا كلام خلقه فرعون !! فحرفوا وبدلوا واعتقدوا خالقا غير الله. وسيأتي الكلام على مسألة أفعال العباد، إن شاء الله تعالى.... " مع تعليق الشيخ . أستمع حفظ
6 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... فإن قيل: فقد قال تعالى: (( إنه لقول رسول كريم )) . وهذا يدل على أن الرسول أحدثه، إما جبرائيل أو محمد. قيل: ذكر الرسول معرف أنه مبلغ عن مرسله، لأنه لم يقل أنه قول ملك أو نبي، فعلم أنه بلغه عمن أرسله به، لا أنه أنشأه من جهة نفسه. وأيضا: فالرسول في إحدى الآيتين جبريل، وفي الأخرى محمد، فإضافته إلى كل منهما تبين أن الإضافة للتبليغ، إذ لو أحدثه أحدهما امتنع أن يحدثه الآخر. وأيضا: فقوله رسول أمين ، دليل على أنه لا يزيد في الكلام الذي أرسل بتبليغه ولا ينقص منه، بل هو أمين على ما أرسل به، يبلغه عن مرسله. وأيضا: فإن الله قد كفر من جعله قول البشر، ومحمد صلى الله عليه وسلم بشر، فمن جعله قول محمد، بمعنى أنه أنشأه - فقد كفر. ولا فرق بين أن يقول: أنه قول بشر، أو جني، أو ملك، والكلام كلام من قاله مبتدئا، لا من قاله مبلغا. ومن سمع قائلا يقول: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل... - قال: هذا شعر امرئ القيس، ومن سمعه يقول: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ): قال: هذا كلام الرسول، وإن سمعه يقول: (( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين )): قال: هذا كلام الله، إن كان عنده خبر ذلك، وإلا قال: لا أدري كلام من هذا؟ ولو أنكر عليه أحد ذلك لكذبه. ولهذا من سمع من غيره نظما أو نثرا، يقول له: هذا كلام من؟ هذا كلامك أو كلام غيرك؟ وبالجملة، فأهل السنة كلهم، من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف، متفقون على أن كلام الله غير مخلوق. ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون في أن كلام الله هل هو معنى واحد قائم بالذات، أو أنه حروف وأصوات تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلما، أو أنه لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وأن نوع الكلام قديم. وقد يطلق بعض المعتزلة على القرآن أنه غير مخلوق، ومرادهم أنه غير مختلق مفترى مكذوب، بل هو حق وصدق، ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين. والنزاع بين أهل القبلة إنما هو في كونه مخلوقا خلقه الله، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته؟ وأهل السنة إنما سئلوا عن هذا، وإلا فكونه مكذوبا مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه. ولا شك أن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع - معترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن عقلهم دلهم عليه، وإنما يزعمون أنهم تلقوا من الأئمة الشرائع.... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ