1 - تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... ومن تأول" فوق "، بأنه خير من عباده وأفضل منهم، وأنه خير من العرش وأفضل منه، كما يقال: الأمير فوق الوزير، والدينار فوق الدرهم -: فذلك مما تنفر عنه العقول السليمة، وتشمئز منه القلوب الصحيحة! فإن قول القائل ابتداء: الله خير من عباده، وخير من عرشه - من جنس قوله: الثلج بارد، والنار حارة، والشمس أضوأ من السراج، والسماء أعلى من سقف الدار، والجبل أثقل من الحصى، ورسول الله أفضل من اليهود، والسماء فوق الأرض!! وليس في ذلك تمجيد ولا تعظيم ولا مدح، بل هو من أرذل الكلام وأسمجه وأهجنه! فكيف يليق بكلام الله، الذي لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لما أتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ؟ ! بل في ذلك تنقص، كما قيل في المثل السائر: ألم تر أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا . ولو قال قائل: الجوهر فوق قشر البصل وقشر السمك! لضحك منه العقلاء، للتفاوت الذي بينهما، فإن التفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم وأعظم. بخلاف ما إذا كان المقام يقتضي ذلك، بأن كان احتجاجا على مبطل، كما في قول يوسف الصديق عليه السلام (( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار )) ، وقوله تعالى: (( آلله خير أما يشركون )) ، (( والله خير وأبقى )) . ... " . أستمع حفظ
2 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... .وإنما يثبت هذا المعنى من الفوقية في ضمن ثبوت" الفوقية "المطلقة من كل وجه، فله سبحانه وتعالى فوقية القهر، وفوقية القدر، وفوقية الذات. ومن أثبت البعض ونفى البعض فقد تنقص. وعلوه تعالى مطلق من كل الوجوه . فإن قالوا: بل علو المكانة لا المكان ؟ فالمكانة: تأنيث المكان، والمنزلة: تأنيث المنزل، فلفظ " المكانة والمنزلة "تستعمل في المكانات النفسانية والروحانية، كما يستعمل لفظ"المكان والمنزل"في الأمكنة الجسمانية، فإذا قيل: لك في قلوبنا منزلة، ومنزلة فلان في قلوبنا وفي نفوسنا أعظم من منزلة فلان، كما جاء في الأثر:" إذا أحب أحدكم أن يعرف كيف منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله في قلبه، فإن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من قلبه ". فقوله:"منزلة الله في قلبه": هو ما يكون في قلبه من معرفة الله ومحبته وتعظيمه وغير ذلك، فإذا عرف أن"المكانة والمنزلة": تأنيث المكان والمنزل، والمؤنث فرع على المذكر في اللفظ والمعنى، وتابع له، فعلو المثل الذي يكون في الذهن يتبع علو الحقيقة، إذا كان مطابقا كان حقا، وإلا كان باطلا. فإن قيل: المراد علوه في القلوب، وأنه أعلى في القلوب من كل شيء - قيل: وكذلك هو، وهذا العلو مطابق لعلوه في نفسه على كل شيء، فإن لم يكن عاليا بنفسه على كل شيء، كان علوه في القلوب غير مطابق، كمن جعل ما ليس بأعلى أعلى... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
3 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... علوه سبحانه وتعالى كما هو ثابت بالسمع، ثابت بالعقل والفطرة. أما ثبوته بالعقل، فمن وجوه: أحدها: العلم البديهي القاطع بأن كل موجودين، إما أن يكون أحدهما ساريا في الآخر قائما به كالصفات، وإما أن يكون قائما بنفسه بائنا من الآخر. الثاني: أنه لما خلق العالم، فإما أن يكون خلقه في ذاته أو خارجا عن ذاته، والأول باطل: أما أولا: فبالاتفاق، وأما ثانيا: فلأنه يلزم أن يكون محلا للخسائس والقاذورات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والثاني: يقتضي كون العالم واقعا خارج ذاته، فيكون منفصلا، فتعينت المباينة؛ لأن القول بأنه غير متصل بالعالم وغير منفصل عنه - غير معقول. الثالث: أن كونه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه -: يقتضي نفي وجوده بالكلية؛ لأنه غير معقول، فيكون موجودا إما داخله وإما خارجه. والأول باطل، فتعين الثاني، فلزمت المباينة ..." مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
4 - تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح ." ... وأما ثبوته بالفطرة، فإن الخلق جميعا بطباعهم وقلوبهم السليمة يرفعون أيديهم عند الدعاء، ويقصدون جهة العلو بقلوبهم عند التضرع إلى الله تعالى. وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمذاني حضر مجلس الأستاذ أبي المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: كان الله ولا عرش وهو الآن على ما كان! فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا ؟ فإنه ما قال عارف قط: يا الله، إلا وجد في قلبه ضرورة تطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا ؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه ونزل، وأظنه قال: وبكى! وقال: حيرني الهمذاني حيرني! أراد الشيخ: أن هذا أمر فطر الله عليه عباده، من غير أن يتلقوه من المرسلين، يجدون في قلوبهم طلبا ضروريا يتوجه إلى الله ويطلبه في العلو. وقد اعترض على الدليل العقلي بإنكار بداهته؛ لأنه أنكره جمهور العقلاء، فلو كان بديهيا لما كان مختلفا فيه بين العقلاء، بل هو قضية وهمية خيالية ؟...". أستمع حفظ