1 - تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... واعترض على الدليل الفطري: أن ذلك إنما كان لكون السماء قبلة للدعاء، كما أن الكعبة قبلة للصلاة، ثم هو منقوض بوضع الجبهة على الأرض مع أنه ليس في جهة الأرض ؟. وأجيب على هذا الاعتراض من وجوه: أحدها: أن قولكم: إن السماء قبلة للدعاء - لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله به من سلطان، وهذا من الأمور الشرعية الدينية، فلا يجوز أن يخفى على جميع سلف الأمة وعلمائها. الثاني: أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فإنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل القبلة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة، أو إن له قبلتين: إحداهما الكعبة والأخرى السماء - فقد ابتدع في الدين، وخالف جماعة المسلمين. الثالث: أن القبلة: هي ما يستقبله العابد بوجهه، كما تستقبل الكعبة في الصلاة والدعاء، والذكر والذبح، وكما يوجه المحتضر والمدفون، ولذلك سميت"وجهة "، والاستقبال خلاف الاستدبار، فالاستقبال بالوجه، والاستدبار بالدبر، فأما ما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه أو جنبه فهذا لا يسمى"قبلة"، لا حقيقة ولا مجازا، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، وهذا لم يشرع، والموضع الذي ترفع اليد إليه لا يسمى"قبلة"، لا حقيقة ولا مجازا، ولأن القبلة في الدعاء أمر شرعي تتبع فيه الشرائع، ولم تأمر الرسل أن الداعي يستقبل السماء بوجهه، بل نهوا عن ذلك. ومعلوم أن التوجه بالقلب، واللجأ والطلب الذي يجده الداعي من نفسه أمر فطري، يفعله المسلم والكافر والعالم والجاهل، وأكثر ما يفعله المضطر والمستغيث بالله، كما فطر على أنه إذا مسه الضر يدعو الله، مع أن أمر القبلة مما يقبل النسخ والتحويل، كما تحولت القبلة من الصخرة إلى الكعبة، وأمرالتوجه في الدعاء إلى الجهة العلوية مركوز في الفطر، والمستقبل للكعبة يعلم أن الله تعالى ليس هناك، بخلاف الداعي، فإنه يتوجه إلى ربه وخالقه، ويرجو الرحمة أن تنزل من عنده..." . أستمع حفظ
2 - تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح . : " ... وأما النقض بوضع الجبهة فما أفسده من نقض، فإن واضع الجبهة إنما قصده الخضوع لمن فوقه بالذل له، لا بأن يميل إليه إذ هو تحته! هذا لا يخطر في قلب ساجد. ولكن يحكى عن بشر المريسي أنه سمع وهو يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل!! تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. وإن من أفضى به النفي إلى هذه الحال حري أن يتزندق، إن لم يتداركه الله برحمته، وبعيد من مثله الصلاح، قال تعالى: (( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة )) ، وقال تعالى: (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم )) . فمن لم يطلب الاهتداء من مظانه يعاقب بالحرمان. نسأل الله العفو والعافية. وقوله:" وقد أعجز عن الإحاطة خلقه "- أي لا يحيطون به علما ولا رؤية، ولا غير ذلك من وجوه الإحاطة، بل هو سبحانه محيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء... " . أستمع حفظ
3 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية : " ... قوله: " ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وكلم الله موسى تكليما، إيمانا وتصديقا وتسليما ". قال تعالى: (( واتخذ الله إبراهيم خليلا )) وقال تعالى: (( وكلم الله موسى تكليما )). الخلة: كمال المحبة. وأنكرت الجهمية حقيقة المحبة من الجانبين، زعما منهم أن المحبة لا تكون إلا لمناسبة بين المحب والمحبوب، وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدث توجب المحبة! وكذلك أنكروا حقيقة التكليم، كما تقدم، وكان أول من ابتدع هذا في الإسلام هو الجعد بن درهم، في أوائل المائة الثانية فضحى به خالد بن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواسط، خطب الناس يوم الأضحى فقال: أيها الناس ضحوا، تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل فذبحه، وكان ذلك بفتوى أهل زمانه من علماء التابعين رضي الله عنهم، فجزاه الله عن الدين وأهله خيرا. وأخذ هذا المذهب عن الجعد - الجهم بن صفوان، فأظهره وناظر عليه، وإليه أضيف قول"الجهمية". فقتله سلم بن أحوز أمير خراسان بها، ثم انتقل ذلك إلى المعتزلة أتباع عمرو بن عبيد، وظهر قولهم في أثناء خلافة المأمون، حتى امتحن أئمة الإسلام، ودعوهم إلى الموافقة لهم على ذلك. وأصل هذا مأخوذ عن المشركين والصابئة، وهم ينكرون أن يكون إبراهيم خليلا، وموسى كليما؛ لأن الخلة هي كمال المحبة المستغرقة للمحب، كما قيل: قد تخللت مسلك الروح مني *** ولذا سمي الخليل خليلا ولكن محبته وخلته كما يليق به تعالى، كسائر صفاته. ويشهد لما دلت عليه الآية الكريمة ما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله )، يعني نفسه. وفي رواية: ( إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ) . وفي رواية: ( إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ). فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا يصلح له أن يتخذ من المخلوقين خليلا. وأنه لو أمكن ذلك لكان أحق الناس به أبو بكر الصديق. مع أنه صلى الله عليه وسلم قد وصف نفسه بأنه يحب أشخاصا، ( كقوله لمعاذ: والله إني لأحبك ). وكذلك قوله للأنصار. وكان زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنه أسامة حبه. وأمثال ذلك. وقال له عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك ؟ قال: (عائشة ) ، قال: فمن الرجال ؟ قال: (أبوها ) ..." مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ