1 - تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية " .... وهنا سؤال مشهور، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فكيف طلب له من الصلاة مثل ما لإبراهيم، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه ؟ وكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين ؟ وقد أجاب عنه العلماء بأجوبة عديدة، يضيق هذا المكان عن بسطها، وأحسنها: أن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طلب للنبي صلى الله عليه وسلم ولآله من الصلاة مثل ما لإبراهيم وآله - وفيهم الأنبياء - حصل لآل محمد ما يليق بهم، فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم لمحمد صلى الله عليه وسلم، فيحصل له من المزية ما لم يحصل لغيره. وأحسن من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، بل هو أفضل آل إبراهيم، فيكون قولنا :" كما صليت على آل إبراهيم "- متناولا الصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم. كما في قوله تعالى: (( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ))، فإبراهيم وعمران دخلا في آل ابراهيم وآل عمران، وكما في قوله تعالى: (( إلا آل لوط نجيناهم بسحر )) . فإن لوطا داخل في آل لوط، وكما في قوله تعالى: (( إذ نجيناكم من آل فرعون )) وقوله: (( أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ))، فإن فرعون داخل في آل فرعون. ولهذا والله أعلم، أكثر روايات حديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما فيها كما صليت على آل إبراهيم, وفي كثير منها: كما صليت على إبراهيم ولم يرد: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إلا في قليل من الروايات وما ذلك إلا لأن في قوله: كما صليت على إبراهيم، يدخل آله تبعا. وفي قوله: كما صليت على آل إبراهيم، هو داخل آل إبراهيم, وكذلك لما جاء أبو أوفى رضي الله عنه بصدقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (( اللهم صل على آل أبي أوفى )) ..." . أستمع حفظ
3 - تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... ولما كان بيت إبراهيم عليه السلام أشرف بيوت العالم على الإطلاق، خصهم الله بخصائص: منها: أنه جعل فيه النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من أهل بيته. ومنها: أنه سبحانه جعلهم أئمة يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكل من دخل الجنة من أولياء الله بعدهم فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم. ومنها: أنه سبحانه اتخذ منهم الخليلين، كما تقدم ذكره. ومنها: أنه جعل صاحب هذا البيت إماما للناس. قال تعالى: (( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )) . ومنها: أنه أجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قياما للناس ومثابة للناس وأمنا، وجعله قبلة لهم وحجا، فكان ظهور هذا البيت في الأكرمين. ومنها: أنه أمر عباده أن يصلوا على أهل البيت. إلى غير ذلك من الخصائص...". أستمع حفظ
5 - تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح : " ... قوله: " ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين " . هذه الأمور من أركان الإيمان، قال تعالى: (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله )) - الآيات، وقال تعالى: (( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين )) - الآية. فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة، بقوله: (( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا )). وقال صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق على صحته، حديث جبرائيل وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) . فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل. وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع -: فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها، وأعظم الناس لها إنكارا الفلاسفة المسمون عند من يعظمهم بالحكماء، فإن من علم حقيقة قولهم علم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر، فإن مذهبهم أن الله سبحانه موجود مجرد لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها، وكل موجود في الخارج فهو جزئي، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته، وإنما العالم عندهم لازم له أزلا وأبدا، وإن سموه مفعولا له فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ، وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته! فهذا إيمانهم بالله، وأما كتبه عندهم، فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا يكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته، لينال من العلم أعظم مما يناله غيره! وقوة النفس، ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة ! وقوة التخييل، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان...". أستمع حفظ