1 - تتمة التعليق على قوله في شرح الطحاوية : "... قوله: " وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد " . اختلف الناس في أفعال العباد الاختيارية، فزعمت الجبرية ورئيسهم الجهم بن صفوان السمرقندي أن التدبير في أفعال الخلق كلها لله تعالى، وهي كلها اضطرارية، كحركات المرتعش، والعروق النابضة، وحركات الأشجار، وإضافتها إلى الخلق مجاز ! وهي على حسب ما يضاف الشيء إلى محله دون ما يضاف إلى محصله ! وقابلتهم المعتزلة، فقالوا: إن جميع الأفعال الاختيارية من جميع الحيوانات بخلقها، لا تعلق لها بخلق الله تعالى. واختلفوا فيما بينهم: أن الله تعالى يقدر على أفعال العباد أم لا ؟ ! وقال أهل الحق: أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة، وهي مخلوقة لله تعالى، والحق سبحانه وتعالى منفرد بخلق المخلوقات، لا خالق لها سواه. فالجبرية غلوا في إثبات القدر، فنفوا صنع العبد أصلا، كما غلت المشبهة في إثبات الصفات، فشبهوا. والقدرية نفاة القدر جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى. ولهذا كانوا " مجوس هذه الأمة "، بل أردأ من المجوس، من حيث أن المجوس أثبتوا خالقين، وهم أثبتوا خالقين ! ! وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فكل دليل صحيح تقيمه الجبري، فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل على أن العبد ليس بفاعل في الحقيقة ولا مريد ولا مختار، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار... " . أستمع حفظ
2 - تعليق الشيخ على ما تقدم قراءته من الشرح " ... وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فكل دليل صحيح تقيمه الجبري، فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، وأن أفعال العباد من جملة مخلوقاته، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل على أن العبد ليس بفاعل في الحقيقة ولا مريد ولا مختار، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار. وكل دليل صحيح يقيمه القدري فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأنه مريد له مختار له حقيقة، وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق، ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى - فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة، من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال، وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم وهذا هو الواقع في نفس الأمر، فإن أدلة الحق لا تتعارض، والحق يصدق بعضه بعضا. ويضيق هذا المختصر عن ذكر أدلة الفريقين، ولكنها تتكافأ وتتساقط، ويستفاد من دليل كل فريق بطلان قول الآخرين. ولكن أذكر شيئا مما استدل به كل من الفريقين، ثم أبين أنه لا يدل على ما استدل عليه من الباطل..... " . أستمع حفظ
3 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية :" ... فمما استدلت به الجبرية، قوله تعالى: (( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ))، فنفى الله عن نبيه الرمي، وأثبته لنفسه سبحانه، فدل على أنه لا صنع للعبد. قالوا: والجزاء غير مرتب على الأعمال، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ( لن يدخل أحد الجنة بعمله ) . قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال:( ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) . ومما استدل به القدرية، قوله تعالى: (( فتبارك الله أحسن الخالقين )) . قالوا: والجزاء مرتب على الأعمال ترتب العوض، كما قال تعالى: (( جزاء بما كانوا يعملون ))، . (( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )). ونحو ذلك. فأما ما استدلت به الجبرية من قوله تعالى: (( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )) - فهو دليل عليهم؛ لأنه تعالى أثبت لرسوله صلى الله عليه وسلم رميا، بقوله: (( إذ رميت ))، فعلم أن المثبت غير المنفي، وذلك أن الرمي له ابتداء وانتهاء: فابتداؤه الحذف، وانتهاؤه الإصابة، وكل منهما يسمى رميا، فالمعنى حينئذ - والله تعالى أعلم: وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أصاب. وإلا فطرد قولهم: وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى ! وما صمت إذ صمت ! وما زنيت إذ زنيت ! وما سرقت إذ سرقت ! ! وفساد هذا ظاهر... " مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ
4 - قراءة الطالب لشرح الطحاوية :" ... وأما ترتب الجزاء على الأعمال، فقد ضلت فيه الجبرية والقدرية، وهدى الله أهل السنة، وله الحمد والمنة. فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات، فالمنفي في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل أحدكم الجنة بعمله )، - باء العوض، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة، كما زعمت المعتزلة أن العامل يستحق دخول الجنة على ربه بعمله ! بل ذلك برحمة الله وفضله. والباء التي في قوله تعالى: (( جزاء بما كانوا يعملون )) ، ونحوها، باء السبب، أي بسبب عملكم، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته ..." مع تعليق الشيخ. أستمع حفظ