تابع لفوائد قول الله تعالى : (( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ))
ومِن فوائدِها أنَّ هذه الأشياء وَاجِبَة لِقولِه: (( إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ))، لأن (عَزْم) بمعنى مَعْزُوم أي مُوجَب و(الأُمُور) الشُئُون.
ومِن فوائِد الآية الكَرِيمة أنَّه ينبغي لِلأَب أن يَقْرِنَ موعظَتَه لِابنِه بالتَّرْغِيب والتَّرْهِيب فإنَّ قولَه: (( إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )) تَأْكيدٌ وحَقٌّ على الابن أن يقومَ بهذه الوَصَايا الأَرْبَع، نعم.
الطالب: .... في سورة الشورى (( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )) هذا ....؟
الشيخ : يحتَاج إِلى تَأَمُّل.
الطالب: التَلُطُّف يا شيخ.
الشيخ : نعم، هذه أخذْناها مِن قَبْل، مِن كُلِّ الوصايا هذه (يَا بُنَيَّ) (يَا بُنَيَّ) يُؤْخَذُ مِنها تَلَطُّف الإنسان بِمُخَاطَبة ابنِه لاسِيَّمَا في مَقَام الموعِظَة، فيَتَفَرَّع على هذا أيضًا بيانُ سوءِ مُعَاملةِ بعض الآباء إذا أراد أن يَعِظَ ابنَه عامَلَه بالعُنْف والشِدَّة وهذا خَطَأ وقد قال النَبِي عليه الصلاة والسلام: ( إنَّ الله يُعْطِي بِالرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى العُنْفِ ) وأنتَ إذا عمِلْت بهذا الشَيْء فإنَّك سوف تَتعَامَل بالرِّفْق، لأنَّ الرَّسُول أخْبَر بأن الله يُعْطِي بالرفق ما لا يُعْطي على العُنْف، فإذا كان يحصُل لك مَقْصُودُك بالعُنْف فإنَّ حصُولَه بالرِّفق مِن بَابِ أَوْلَى، وعلى هذا فينبغِي الرِّفْق في الأُمُور لاسِيَّمَا في مَقَامِ الوَعْظ لِهَؤُلَاءِ الأبْنَاء الذين لا يُحِيطُون عِلْمًا بما هم عليه، أمَّا المـُعَانِد والمُسْتَكْبِر فهذا له حَالٌ أُخْرى لكن كلامُنا في مَقَامِ الدَّعْوة وفي مَقَامِ التَّوْجِيه والإِرْشَاد فإنه يَنْبَغي التَلَطُّف وعَدَم العُنْف.
الطالب: ....
الشيخ : كل وَاحِد كل أَحَد حتى على .. إي نعم.
الطالب: ....
الشيخ : ما هو بدَائِم ليس بِدَائِم (( فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا )) (( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الوُسْطَى وقُومُوا للهِ قَانِتِينَ )) ...
1 - تابع لفوائد قول الله تعالى : (( يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ))
(( وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا )) قال: (ولا تمشِ) هذا مجزُوم بحذفِ الياء (( فِي الأَرْضِ )) أي على الأرض (( مَرَحًا )) قَال المؤلف: " أي خُيَلَاء " المَرَح بمعنى البَطَر والأَشَر، والخُيلَاءُ مِن ذلك، فلا تكون مُتَبَخْتِرًا في مِشْيَتِك مُتَعَالِيًا في نفسِك ولكن امْشِ مِشْيَةَ المُتَذَلِّل الخَاضِعُ لله عَز وجَل غَيْرُ المُتَعَلِّي على عِبَادِ الله.
وقولُه: (( إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )) نعم، ذَكَرَ هنا ( لَا تُصَعِّرْ خدَّك لِلناسِ ولَا تمشِ في الأرضِ مَرَحًا ) فالأوَّل في مُعَامَلَة النَّاس (( لا تُصَعِّر خَدَّك للناس ))، والثاني في هَيْئَتِه بِنَفْسِهِ ألَّا يَمْشِيَ في الأرْضِ مَرَحًا وإنَّمَا يَمشِي كما يَمشِي عِبَادُ الرحْمَن(( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )).
(( إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )) (( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ )) مُتَبَخْتِرٍ في مَشْيِه (( فَخُورٍ )) عَلَى النَّاسِ " (مُخْتَال) أي فَاعِل لِلخُيَلَاء، و(فَخُور) أي مُفْتَخِرٍ بِنَفْسِه، والفرْقُ بينهما أنَّ الاخْتِيَالَ يكونُ بالنَّفْس والفَخْر يكون بالقَوْل، فهذا الرَّجُل عنده خُيَلَاءُ في نفسِه واخْتِيالٌ على عِبَادِ الله، وعنده فَخْرٌ بلسَانِه يَفْخُرُ بنفسِه ويقول: أنا فُلَانُ بن فُلَان. فيَمْتَدِحُ نفسَه، ولكن هذا - كَمَا جَاءَ في .. الفَوَائِد - ما لم يَكُنْ في الحرْب فإن كَان في الحَرْب فلا بأسَ أن يفْخَرَ الإنْسَان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أَنَا النَبِيُّ لَا كَذِب أنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب ) ورأى بعضَ أصحابِه يَمْشِي مِشْيَة المـُتَبَخْتِر فقال: ( إنَّ هَذِه لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا الله إلا في هذا الـمَوْقِف ) ففي بَابِ الحرْب يجوزُ للإِنْسَان أن يَفْتَخِر ويجوزُ أن يتَعَاظَمَ في نفسِه لأنَّه أمَامِ أعداءِ الله الذِين يَنْبَغِي إذْلَالُـهُم.
2 - تفسير قول الله تعالى : (( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ))
(( وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )) (مِن) هذه لِلتبعيض مَا قال: اغْضُضْ صَوتَك. بل قال: مِنْهُ. وذلك لأنَّ الإنسان لا يُحْمَد على رَفْعِ الصَّوْتِ جدًّا ولا على خَفْضِهِ جدًّا، والنَّاس مِنهم مَن يَكُون عَالِيَ الصَّوْت إِذَا قَام يَتَكَلَّم وإذَا هو كأنَّمَا يَتَكَلَّمُ على جَمَاعَةٍ بَعِيدِين، ومِن الناس مَن يكُون بالعَكْس يُكَلِّمُك رُبَّمَا لا تَفْهَمُ مِنْه إلا الكَلِمَة بعْد الكَلِمة كُلُّ هذا لَيْس بِجَيِّد، ولهذا قَال: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )) ولم يقل: اغْضُضْه كُلَّه. فلا ينبَغِي هذا ولا هذا بل يكُون أيضًا قَصْدًا بين رَفْعِ الصَّوْت والإخْفَاء، وقولُه: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِك )) الـمُرَاد عند المـُخَاطَبَة، نعم، عند المـُخَاطَبَة، ثم إنَّ (مِن) هنا تُفِيدُ التبعيض في الكَيْفِيَّة وكذلك في الكَمِّيَّة، في بعض أحيان يكون الأفضَل أن تَرْفَع صَوتَك ألَيْسَ كذلِك؟ افْرِضْ أنَّك تُنَادِي قومًا بعيدِين في تَرَامِي الأطْرَاف تُريد أن تَحُثَّهم على قِتَال أو ما أشْبَهَ ذلك يَجُوز رَفْعُ الصَّوْت ولَّا لا؟ يَجُوز، ولهذا العَبَّاس بن عَبْد المُطَّلِب في الحديث الصَّحيح لمـَّا انصرفَ الناس أمرَه النبيُّ عليه الصَّلَاةُ والسَّلَام أن يُنَادِي فقال -بأعلى صوتِه-: ( يَا أَهْل الشَّجَرَة! يَا أصْحَابَ سُورَةِ البَقَرَة! ) بأعلى صوتِه، وهذا لا شَك أنَّه ليس غَضًّا مِن الصوْت لأنَّ الله تعالى يَقُول: (( اُغْضُضْ مِن صَوْتِك )) فصارَ الغَضُّ مِن الصَّوْت باعتبَار الكَمِّيَّة وباعْتِبَارِ الكَيْفِيَّة كيفَ ذلك؟ نقُول: إذا كُنت تُخَاطبُ مِن إِلى جَانِبِك لا تَرْفَعِ الصَّوْت ولا تَخْفِضْهُ بِحَيْثُ لا يَسْمَع، هذا باعتِبَار ايش؟ الكَيفِيَّة، باعتبار الكَمِّيَّة يعني أحيانًا رُبَّمَا تُضطَّـــرُّ إلى رَفْعِ الصوت ولهذا قال: (( اغْضُضْ مِن صَوتِك )) يعني أحيانًا، لكنْ في بعضِ الأحيان تَسْتَدْعي الحَال أن تَرْفَعَ صَوْتَك بِقَدْرِ ما تُسْمِع.
ثُمَّ علَّلَ -سُبحانَه وتعالى- أو يَكُون مِن كَلام لُقمان لأن قولَه: (( إِنَّ أَنْكَرَ )) يَحتَمِل أن يَكُون مِن كلام لُقْمَان، لأنه الأصْل، ويحتَمِل أن يَكُونَ مِن كلامِ الله خَتَمَ اللهُ به الآيَة، وقولُه: (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ )) تَعْلِيلٌ لقولِه: (( اغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ))، (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ )) يعني أقبحَها وأبْشَعَهَا ولَيْسَ أعْلَاها لكنْ أَنْكَرَهَا، لأنَّ في الحَيْوَان مَن هو أعلَى صوْتًا مِن الحِمَار لَكنْ في القُبْح ليس فِيه أَقْبَح مِن صَوتِ الحَمِير، وقولُه: (( أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِير )) الجُمْلة هذه مُؤَكَّدَة بِمُؤَكِّدَين وهي (إنَّ) واللام، ووَجْهُ ذلك ما ذكرَه المؤلِّف أنَّ أوَّلَه زَفِير وآخِرَه شَهِيق، نعم، كيف؟ وش الفَرْق بين الزَّفِير والشَّهِيق؟ ما هُو؟
الطالب: الزفير: خروج الهواء، والشهيق: ..
الشيخ : نعم، الشَّهِيق يكونُ بَاطِنًا في الصَّدْر، والزفِير يكُون خَارِجًا ولهذا قال الله تعالى: (( إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ))[الفرقان:12]
الطالب: (( لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ )).
الشيخ : وكذلك الآية الثانية: (( لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ )) هذا باعتبار السَّاكِنِين ، وقال في آيَةٍ أُخْرَى: (( سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ )) فَذكَرَ الله تعالى لِلنار زَفِير وشَهِيق كما أنَّ لِسَاكِنِيها -أيضًا- زَفِيرًا وشَهِيقًا -نَعُوذُ باللهِ مِنه- نعم، قال: (( إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتَ الْحَمِيرِ )) انْتَهَت الوِصَايَة النَّافِعَة التي هِي مِن الحِكْمَة التي أَعْطَاهَا اللهُ تعالى لُقْمَان
تفسير قول الله تعالى : (( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ))
وقولُه: (( أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ )) (سَخَّرَ) بمعنى ذَلَّل ذَلَّلَها لَكم أو لِمَصَالِحِكُم ومَنَافِعِكُم (( مَا فِي السَّمَاوَاتِ )) يقول المؤلف: " مِن الشَّمس والقمَر والنُّجُوم " وهذا على سبيل التمْثِيل وإلَّا فَإِنَّه قَد سَخَّرَ لَنَا أَيْضًا الرِيَاح وهي بَينَ السَّمَاء والأَرْض وسَخَّر لَنا السَّحاب كما قال تعالى: (( وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والْأَرْضِ )) وهو لنا فهو عامٌّ لِكُلِّ مَا سَخَّرَهُ اللهُ تعالى ...
(( وما في الأرض )) مِن الثِّمار والأنهَار والدَوَابّ وغيرُها أيضًا حتَّى الـمَعَادِن وغيرُها سَخَّرَها الله لنا وذَلَّلَها لَنا، فهذه كُلُّ ما في الأرض مُسَخَّرٌ مُذَلَّل لكنَّ بَعضَه مُسَخَّرٌ بِطَبِيعَتِه، وبعضُه مُسَخَّرٌ بِوَاسِطَة، فالحدِيد والمعادِن وما أشبَهَها مُسَخَّرَة لكنَّها بواسِطَة، والدَوَاب والأنهَار والأشْجَار مُسَخَّرَة بِدُونِ وَاسِطَة، يَجِدُها الإنْسَان مُهَيَّأَة كَامِلَة. وقولُه: (( وَأَسْبَغَ )) فَسَّرَها المؤلِّف بأمْرَيْن بالسَّعَة والإِتْمَام أي " أَوْسَعَ وَأَتَمّ " ومنه إسْبَاغُ الوُضُوءِ على المَكَارِه يعني: إتْمَامُ الوُضُوء، ومعنى (أَسْبَغ) يعني أَوسَعَ وأتَمّ، أمَّا (أتَم) فمثالُه ما ذَكَرْت: إسْبَاغُ الوُضُوءِ على المَكَارِه، وأمَّا (أَوْسَع) فَمِنهُ قولُه تعالى: (( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات )) أي دُرُوعًا سَابِغَات: وَاسِعَة، نعم، ومنها أيضا قولُهم: ثَوْبٌ سَابِغ يعني: وَاسِع ويدْخُل فيه الإتْمَام أيضًا، فالـمُهِم أنَّ الإسْبَاغ يَتَنَاوَل شَيْئَيْن إِتْمَامُ الشَيْء والثاني: تَوْفِيرُه، والنِّعَم التي أنعَمَ اللهُ بها عَليْنَا شَامِلَةٌ لِلْأَمْرَيْن فَهِي وَاسِعَة (( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا )) وهي أيضًا تامَّة ليس فيها نَقْص، كُلُّ ما يحتاجُه الإنسان في حياتِه بل وكُلُّ ما يحتاجُه في دينِه فإنَّ اللهَ تعالى قد أتمَّه والحَمْدُ لله .
وقولُه: (( ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )) فسَّر المؤلف الظُّهُور بأنها الحِسِّية الظَّاهِرة، والبَاطِنَة هي المعرِفَة وغيرُها.
الطالب: هي المعروف.
الشَّيخ: لا، المعرفة هي المعرفة -وهو الظاهِر- طيب، النِّعم جعَلَها اللهُ تعالى ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة: ظَاهِرَة للعِيَان وذكر المؤلِّف مِن أَمْثِلَتِها حُسْنُ الصُّورَة واسْتِقَامَة ُالخَلْق وما أشبَه ذلك، والباطِنَة يقول: " هي المَعْرِفة "، لأنَّها في القَلْب غيرُ مَعْلُومة وهذا لا شَكَّ أنَّه تَفْسِير نَاقْص جِدًّا، والظاهِرَة أَعَمّ آا؟
الطالب: يقول: المعرُوفة.
الشيخ : لا المَعْرِفة ... المعروف المعْرِفة معْرِفة في القلب يعني العِلْم، الصَّوَاب أنَّها أَعَمُّ مِن ذلك فالنِّعَم إمَّا ظَاهِرَةً لِكُلِّ أَحَد، وإمَّا باطِنَة لا يعلمُهَا إلَّا الإنْسَان، هذا واحِد، وإمَّا ظَاهِرَة أيضًا بحيث كُلٌّ يَعْرَف أنها نِعْمَة، وباطنة بحيث لا يُرَى أنَّها نِعْمَة إلَّا مِن آثارِها، لأن بَعْض الأشيَاء حين وُجُودِها لا تظُنُّ أنَّها نِعْمَة لكن إذا عَرَفْتَ آثَارَها وجدتَّ أنها نِعْمَة، ومنه قولُه تعالى: (( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )) فإنَّ الإنسان أحيانًا يُصيبُه ما يُصِيبُه مِن قَضَاءِ الله وقَدَرِه فلا يَرَى أنَّها نِعْمَة حتَّى يعْرِف آثَارَهَا فِيما بَعْد، والـمُهِم أنَّ النِّعَم -والحمدُ لله- ظَاهِرة بَيِّنَة لِلعِيَان وعَامَّة شَامِلَة لِلخَلْق، وشيءٌ باطِنٌ لا يعرِفُه إلا مَن أنعمَ اللهُ به علَيه، أيضًا شيءٌ ظَاهِر وَاضِح أنَّه نِعْمَة وشيءٌ باطِن لا يَتَبَيَّن أنَّه نِعْمَة إلا فِيمَا بَعْد
4 - تفسير قول الله تعالى : (( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ))
ويُسْتَفَاد مِن هذه الآيَة أيضًا أنَّه ينْبَغِي لِلإِنْسَان عِنْد مُحَادَثَةِ غيْرِه أن يَكُونَ مُقْبِلًا إلَيْه بِوَجْهِه، لِأنَّ النَّهي عن تَصْعِير الخَد يدُلُّ على الأَمْر بِضِدِّه وهو أن يكُون مُقْبِلًا إلَيْه بوجْهِه.
ويُستفَاد مِنْها أنَّه ينبغي في المشْي أن نَكُون كما قال الله عَزَّ وجل بعْدَ ذلك: (( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ )).
ومِن فَوائِد الآيَة الكَرِيمَة إثْبَاتُ أنَّ اللهَ يُحْبُّ، مِن قولِه: (( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )) وَوَجْهُ الدَّلَالَة أنَّ نَفْي مَحَبَّةِ اللهِ لِهَؤلَاء يَدُلُّ على ثُبُوتِها لِغَيرِهم.
ومِن فَوَائِد الآية الكريمَة تَحْرِيمُ الاخْتِيَال والفَخْر، لأنَّ الله نَفَى مَحَبَّتَه له وقَد سَبَقَ الفَرْق بَين الاخْتِيَال والفَخْر، الفَخْر بالقَوْل، والاخْتِيَال بالفِعْل
5 - فوائد قول الله تعالى : (( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ))
ومِن فَوائِدها أيضًا أن يُقال: إِذَا كان هذا في الـمَشْيِ الحِسِّي فليكُن كَذلِك في الـمَشْيِ الـمَعْنَوِيّ مِن الآداب والأخْلَاق لا ينبغي للإنسَان أنْ يُسْرِعَ سُرَعَةً مُخِلَّةً ولا أنْ يَتَبَاطَأَ تَبَاطُؤًا مُفَوِّتًا لِلمَقْصُود، أمَّا الإِسْراَعُ إلى الخَيْر فقد أَمَرَ اللهُ بِه ولكنَّه لا يَتَجَاوَزُ الحَدَّ، ولهذا قال النَبِيُّ عَلَيه الصَّلاة والسلام: ( إِذَا سَمِعْتُم الإِقَامَة فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاة وَعَلَيْكُم السَّكِينَة والوَقَار ولا تُسْرِعُوا ).
وَيُسْتَفَاد مِن الآيَة الكَرِيمَة أيضًا أنَّه ينْبَغِي للإِنسَان أنْ يَغُضَّ مِن صوتِه، لقولِه: (( وَاغْضُضْ مِن صَوتِك ))، وذَكَرْنَا أَمْس أنه يَشْمَل الكَمِّيَّة والكَيْفِيَّة فإنَّه في بَعْضِ الأحْيَان يَنبغِي رَفْعُ الصَّوت كما في الأَذَان والخُطْبَة ومَا أشْبَهَها.
ويُستفاد مِن الآية الكرِيمة أنَّ رَفْع الصَّوت في غَيرِ مَحَلِّه مُحَرَّم، لِقولِه: (( إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ )) فإنَّ هذا التشبيه يَقْتَضِي التَّنْفِيرَ مِنه، وقد قال النَبِيُّ عليه الصلاة والسلام: ( لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْء).
ومِن فوائد الآية الكريمة ذَمُّ أَصْوَات الحَمِير، لِقولِه: (( إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ))، وهل يُؤْخَذ مِنها أنَّ لِلجَارِ أنْ يُطَالِبَ جَارَهُ إذا كان عِنْدَه حَمَارٌ نَهَّاقً بِبَيْعِهِ وَإِزَالَتِهِ ولَّا لا؟ أي نعم، لَه أن يُطَالِب بذلك إذا كان نهيقُه غَير مُعْتَادٍ، لأن بَعْض الحَمِير كَثِير النَّهِيق فعلى هذا له أنْ يُطَالِب، مثل ما قَالَ الفقهاء رحِمَهم الله: إنَّ له أنْ يمنَعَه مِن الرَّحَى التي يَطْحَنُ بها دائمًا وكذلك مِن تغْسِيل الثِّيَاب وبثِّها دائمًا، كُلُّ ما يُؤْذِي الجَار فلِجَارِه أنْ يَمْنَعَه مِنْه، فإذا كَان الله قد وَصَفَ النَّهِيق بأنه أنْكَرُ الأصْوَات فإنَّه له أن يُطَالِب فيَقُول: بِعْ هذا الحِمَار وإلَّا اجْعَلْه في مَحَلٍّ آخَر حتى لا أَتَأَذَّى بِه، نعم.
الطالب: آلات اللَّهْو يعني أعْظَم من ..
الشيخ : نَعَم لَه أن يُطَالِبَ جَارَه بهذا، يعني لو أنَّه صارَ يَرْفَعُ أصْوَاتَ المزَامِير -والعياذُ بالله- والغِنَاء فلَهُ الحَقّ أن يُطَالِب حَتَّى وإنْ لَم تُزْعِجْهُ، لأن هذا مُنْكَر، لكن لو كَان له جار يَصْعَدُ إلى السَّطْح في أيَّامِ الصَّيْف وعندَه مُسَجِّل فيه أشْرِطة مِن القرآن ثُم يفْتَحُها بِرَفْع صوت فلِجَارِه أن يُطَالِب بالمنْع؟
الطالب: نعم.
الشيخ : نعم .. لو قال: كيف؟! ... مِن القُرْآن، نَحْن ما نمنَع نقُول: اسْتَمِع لَكِن اخْفِض الصَّوت، يعني هذا يُؤْذِينِي، وليْس يُؤْذِيني لأنِّي أَكْرَهُ القُرآن لكن أنا أُرِيدُ النَّوْم وأولادِي يُرِيدُون النَّوْم وأَهْلِي يرِيدُون النَّوْم والنَّبِي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُم عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآن ) فَلَه أن يَمْنَع مَع أنَّ هذه عند العامة أمرُها كَبِير يعني لو أَحَد طَلَب مِن جَارِه ألَّا يَرْفَعَ صَوتَه بِقِرَاءَة القُرآن لَحَمَلَ الناس عليه رَايَةَ الاستِنْكار، ولكن لا يُهِمّ العَامَّة ما يُهمّ، إنكارُهم أو إِقرَارُهم ليس له أَصْل، نعم ...
إذا حتاج إلى الإسراع في المشي هل له ذلك ؟
الشيخ : ما في بأس .. بل قد يَجِبُ أحيانًا كما لو احْتاجَ إلى .. لإنقاذ نفسِهِ أو إنقاذِ غيرِه من الهَلَكَة فكُلُّ مقام له مَقَال، المقْصُود هذا في المَشْي العادي.
الطالب:...
الشيخ : المهم إذا احتاجَ لا بأسَ به، ما في مانع.
الطالب: ....
الشيخ : الأولى أنه يُرَتِّبَ الوقْت حتى يخرُج إلى شُغْلِه بالـمَشْيِ الـمُعْتَاد، لكن لو فُرِضَ أنه تَأخَّر .. يوم فلَه أن يفعل. خلونا نَاخْدَ الفوائد يا جماعة .. ننتهي مِن الفوائد وإن انتهيت مِن الفوائد ناقشُوا، نعم
فوائد قول الله تعالى : (( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ))
ومِن فوائدِها أنَّ الله جلَّ وعَلَا يُحِبُّ أن يَتَمَدَّح بما أعطى أو بما أسْدَى إِلى عباده مِن النِّعَم، لقولِه: (( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ الله )).
ومِنها أنَّ الله تعالى سَخَّرَ لنا ما في السَّمَاوات وما في الأَرْض، نعم، وهو ظاهر وقد قال الله تعالى في آية أخرى: (( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه )).
ومِنه جَوَاز استِخْدامِ ما في هذا الكَوْن السماوات والأرض لِمَصَالِحِنا، لِأنَّه مُسَخَّرٌ لَنَا فإذا كان مُسَخَّرًا لنا فَلَنا أنْ نَنْتَفِعَ به فيما أَحَلَّ اللهُ لنا، نعم، فلو قال قائلٌ مثلًا: هل لنا أن نُنَقِّب عن المـَعَادِن الجَارِيَة والجَامِدَة؟ نقول: نعم، هل لنا أن نُحَاوِل الصُّعُود إلى الكَوَاكِب والنُّجُوم لِنَرَى ما فيها مِن الآيات وكيْفَ سُخِّرَتْ لَنَا؟ الجواب: نعم، ولكنْ على كُلِّ حَال إذا كان هذا يُكَلِّفُ نَفَقَاتٍ باهِظة أكْثَر مما نَسْتَفِيدُ مِنه فإنَّ الحِكْمَةَ تَقْتَضِي ألَّا نَفْعَل، لأنَّ الآن هذه الـمُحَاولات يكُون فيها مِن نَفَادِ الأمْوَال شَيْءٌ كَثِير فإذا قُدِّرَ أنَّ ما فِيها مِن نَفَاد الأموال أَكْثَر بِأَضْعَافٍ وأَضْعَاف مما نَسْتَفِيدُ منها فإنَّ العقْلَ يقْتَضِي ألَّا نَفْعَل، لأنَّ هذا مِن السَّفَهِ والتَّبْذِير، والإِنْسَانُ العَاقِل لا يَبْذُلُ الـمَال إلَّا وهو يَرَى أنَّه يَنْتَفِعُ بأكثرَ مِمَّا بَذَل أليس كذلك؟ لو فُرِض أنك بَذَلْتَ مالًا قدرُه أَلفُ رِيَال لِتحْصُلَ على مَنْفَعَةٍ تُسَاوِي أَلْفَيْ رِيَال مَحمُود هذا ولَّا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ : طيب، بالعكس بَذَلْتَ مالًا يَبْلُغُ أَلفُ رِيال لِتحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ بقَدْرِ أَلْفِ رِيال هذا مَذْمُوم لأنَّك الآن أضَعْتَ أَلْفَ رِيَال بِدُون فَائِدَة فيكُونُ هذا مِن إضَاعَةِ الـمَال والإسْرَاف.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ نِعَمَ اللهِ عز وجل وَافِرةٌ يعني كَثِيرَة كَامِلَة، لقولِه: (( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ )).
ومِن فوائدها أنَّ نِعَمَ الله عز وجل نوعان: ظَاهِرَة وباطِنة، سَواءٌ فسَّرْنا الظاهِرة بالأُمُور المحْسُوسَة والبَاطِنَة بالأُمُور المعْنَوِيَّة أو فسَّرْناها بالظَّاهِرَة لِكُلِّ أَحَد والباطِنة ما لا يعرِفُها إلا صَاحبُها، أو فَسَّرْنَا الظَّاهِرَة بما هو عَامّ يَعُمُّ جَمِيع النَّاس كالـمَطر والخِصْب، والباطِنة بما هو دُونَ ذلك، على كُلِّ حَال النِّعَم وَافِرة بَلْ صَادِرَة مِن كُلِّ وَجْه.
ويُستَفاد مِن الآيات السابقة مِن وَصَايا لُقمَان يُستفاد منها ما أعطَاهُ الله تعالى مِن الحكم فإنَّ كُلَّ ما أوصَى بِه ابنَه كُلُّه حِكَم مُوَافِقٌ لِلعَقْل والشَّرْعُ أيْضًا يُؤَيِّدُهُ ولَّا لا؟ يُؤَيِّدُه.
ويستفاد منها أيضًا أن اللهَ عز وجل إذا قَصَّ علينا نَبَأَ أَحَد فإنْ كانَ ذلك خَيْرًا فإنَّه يُرِيد مِنَّا أن نَفعَلَهُ، وإن كان غيرَ ذلك فإنَّه يُرِيدُ مِنَّا أن نَتَجَنَّبَهُ، لَمَّا قَصَّ علينا قِصَّةَ قارُون (( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي )) قَصَّ ذلك عليْنَا لِنَحْذَر ونَخَاف ولأجل ألا نسكُت على مَن رأَيْنَاه يُبَدِّل ويُفْسِد في الأَرْض، وهنا قَصَّ علينا قِصَّة لُقْمَان مِن أجل أنْ نَعْتَبِرَ بهذه الحِكَم وأن نَقْتَدِيَ به في نَصِيحَة أبنائِنا وأهلِنا
8 - فوائد قول الله تعالى : (( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ))
(( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ )) (وَمِن الناس) قال المؤَلِّف: " أي أَهْل مَكَّة " بِنَاءً على قاعدَتِه -رحِمَه الله- أن كُل آية كُل السُوَر المَكِّية يَحْمِل فيها العُمُوم في مِثْل هذا السِّيَاق على مَن؟ على الخُصُوص وهم أَهْلُ مَكَّة، والصوابُ أنَّ ذلك عامّ يعني: (( مِن الناس )) مِن أهل مكة وغيرِهم (( مَن يُجادِلُ في اللهِ بغَيْرِ عِلْمٍ )) الـمُجَادَلة مَأْخُوذَة مِن الجَدْلِ وهو فَتْلُ الحَبْل لِإِحْكَامِه، ومنه ما يُسَمَّى الجدايل جدَايِل المرأة أي فَتْلُ رأسِها وإِحْكَامُه، هذا معناها في اللغة لكنَّها في الاصطلاح الـمُجَادَلَة هي الـمُمَانَعَة بمعنى أن كُلَّ واحِدٍ مِن الـمُتَنَاظِرَيْن يُحْكِمُ الحُجَّةَ مِن أَجْل إِفْحَامِ خَصْمِه، فهي إذًا إِحْكَامُ الحُجَّة لِإِفْحَامِ الخَصْم، هذه الـمُجَادلة، إِحْكَامُ الحُجَّةِ لِإِفْحَامِ الخَصْم وتَعْجِيزِهِ، والـمُجَادَلة إن كانت بِعِلْم وحِكْمَة فهي مَمْدُوح بِلَا شَكّ وقد تكونُ وَاجِبَة أحيانًا كما في قولِه تعالى: (( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ))، وإن كانت بغير عِلْم فإنَّها مَذْمُومَة كَمَن يُجَادِل في إِيرَاد الحُجَج والعِلَل الوَاقِعَة لِإِفْحَام خَصْمِه ونَصْرِ قَوْلِه ولو بالبَاطِل فهذا مِن المـُنْكَراتِ الـمُحَرَّمَة (( وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِه الحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ )).
(( مِن النَّاس مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ )) يقُول: " أَيْ أهْل مكة " (مَن يُجَادِلُ في اللهِ) (في الله) هل المـُراد في ذاتِه سُبْحَانه وتعالى أو الـْمُرَاد في رُبُوبِيَّتِه أَو أُلوهِيَّتِه أو أَسْمَائِه وصِفَاتِه أو أَحْكَامِه وأَفْعَالِه؟ الجواب: تَشْمَلُ كُلَّ هذا فَمِنَ النَّاس مَن يُجَادِل في ذَاتِ الله فَيُنْكِر وُجُود الله أَصْلًا، ويجادل في ذاتِه، ومِن الناس مَن يُجَادِلُ في وَحْدَانِيَّتِه يُقِرُّ بِه لكن يُنْكِر الوَحْدَانِيَّة، ومِن الناس مَن يُجادِلُ في أُلُوهِيَّتِه أي في تَفَرُّدِهِ بِالأُلُوهِيَّة، ومِن الناس مَن يجادِلُ في أسمائِه وصفاتِه، وأكثَرُ ما وقع فيه الجَدَل بين المسلمين في بابِ الأسماء والصفات، بين المسلمين ما هو بين المسلمين والكافرين لكن المسلمون الذين ينْتَسِبُون إلى الإسلام ويُسَمَّوْنَ أهْلَ القِبْلَة، هؤلاء كَثُرَ الجَدَلُ بينهم في بابِ أسماءِ الله وصفاتِه، كذلك مِن الناس مَن يُجادِل في أحْكَامِ الله وما أَكْثَرَ الـمُجَادِلين في أحْكَامِ الله، تَجِدُه يُجَادِل تقول: هذا الشَيْء حَرَام، ثم يأتِي ويُجادِلُك: وش اللِّي يحَرَّمُه؟ وش الفرق بينه وبين كذا، وهاتِ الدَّلِيل، وهذا الدليل مَنْقُوض وهذا التَّعْلِيل بَاطِل وهكذا. بغير عِلْم، أمَّا إذا كانَ بِعِلْم فليس فيه ذَمّ، لكن بِغَيْرِ عِلْمٍ، كذلك مِن الناس مَن يجادِلُ في أفعالِ الله -والعياذُ بالله- فيقول: لِمَاذا أنْعَمَ الله على هؤلاء الكافرين بالنِّعَمِ الكَثِيرة؟ ومِن المسْلِمِين مَنْ هُو في جُهْدٍ شَدِيد ومَرَض وفَقْر وجَهْل وما أشْبَه ذلك. هذا يجادِل في أفعال الله، كذلك يُجَادِل في أفعَال الله في مَسْأَلَةِ القَدَر فيقُول مثلًا: إمَّا أن يكون الله قد قَدَّرَ على الإنْسَانِ عَمَلَهُ أو لا، فإن كان قَدَّر عليه عملَه فكَيفَ يُعَاقِبُه، وإن لم يُقَدِّرْ عليه عمَلَه فمعنى ذلك أنَّ الإنسان مُسْتَقِلٌّ به فيَكُون مُنْفَرِدًا في الحَوَادِث ومُشَارِكًا لله فيها، وما أشْبَهَ هذا مِن الجدل الذي يَكُونُ بغَيْرِ عِلْم ولهذا ينبغي لِلإِنسان في مَسَائِلِ الشرع وفي مَسَائِل القَدَر أن يَسْتَسْلِمَ لِمَا دَلَّ عليه الكِتَاب والسُنَّة وألَّا يُجَادِل، لأنَّه إن فَتَحَ على نَفْسِه بابَ الجَدَل ما يَسْتَقِرُّ له قَدَمٌ أَبَدًا، ولهذا قالَ ابنُ حَجَر رَحِمَه الله: إنَّ المَسَائل العَقْلِيَّة ما لها دَخْل في الأمُور القدرية، لأننا لو أردْنَا أن نُ.. هذه الأُمُور على العَقْل فإنَّ العَقْل قد يُجَوِّزُ ما كان مُمْتَنِعًا شرعًا غَايَةَ الامْتِنَاع، كما أنَّه قد يَمْنَع ما هو جَائِز، والمُرَادُ بالعَقْلِ مَا ادَّعَى صاحِبُه أنَّه عَقْل، أمَّا العَقْل الصَّحِيح الصَّرِيح فإنه لا بُدَّ أن يُوافِقَ النقل الصَّحِيح، وإذا شِئْتُم أن يَتَبَيَّنَ لكم هذا فاقرَءُوا كِتَابَ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّة -إن أَطَقْتُمُوهُ- المُسَمَّى بِكِتَاب العَقْل والنَّقْل، أو: مُوَافَقَة صَرِيح الـمَعْقُول لِصَحِيحِ الـمَنْقُول، نعم، الـمُهِمّ أنَّ الجَدَل بابُه وَاسِع والكَلام هنا في الـمُجَادَلَة الـمَذْمُومَة وهي الـمُجَادَلَة بِغَيْرِ عِلْم، إذًا (في الله) في ذَاتِه، ايش بعد؟ رُبُوبِيَّتِه، أُلُوهِيَّتِه، أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، أَحْكَامِهِ، أَفْعَالِهِ، نعم.
(( بِغَيْرِ عِلْمٍ )) يعني ما عِنْدَه عِلْم ذَاتِي ولكنَّه مُكَابِرة ومُعَانَدَة " (( وَلَا هُدًى )) مِن رَسُول " يعني ولا عنده اقْتِدَاءٌ بغيرِه، فهو ليس عنده عِلْمٌ في نفسِه يَهْتَدِي به، وليس عنده عِلْمٌ مِن غيرِه يَهْتَدِي به، (( وَلَا هُدًى )).
(( وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ )) أَنْزَلَه اللهُ تعالى بل بِالتَّقْلِيد " هو ما عنده عِلْم ولا اهْتِدَاء بِهَدْيِ رَسُول ولا كِتَابٍ أَنْزَلَهُ الله فَيَهْتَدِي بِه، إِذًا لِمَاذا يُجَادِل؟ يُجَادِلُ بالباطِل
9 - تفسير قول الله تعالى : (( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ))
(( اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ )) (مَا أَنْزَلَ الله) (ما) مفعول (اتبعوا)، و(أنزل الله) ما المرَاد به؟ القُرْآن لا شَك، لأن الله أنزله، السُنَّة؟
الطالب: لا.
الشيخ : (لا) كيف؟! (( وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِّتَابَ والحِكْمَةَ )) قال العلماء: الحِكْمَة هي السُّنَّة، إذًا (ما أَنْزَلَ الله) مِن القرآن ومِن السُّنَّة، لأنَّ السُّنَّة وَحْي إِنْ كان الله أَلقَاهَا إلى رَسُولِه، وإلَّا فإقراره -سبحانه- إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ الوَحْي، ولهذا قال العلماء: إن إِقْرَارَ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم ... بِمَنْزِلَة قولِه.
(( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ))[لقمان:21] (بل) للإِضراب الإِبْطَالِيّ أو الانْتِقَالِيّ؟ الإِبْطَالِي يعني: بل لا نَتَّبِعُ ما أَنْزَلَ الله، نعم، وإنما نَتَّبِع ما وَجدْنَا عليه آبائَنا وهذا مُعَارَضَةُ حَقٍّ بِبَاطِل، لأنَّهم الآن عَدَلُوا عَمَّا أنزَل الله عَزَّ وجَل إلى الآراءِ فقط والأهواء (( مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَائَنَا )) ولو كان شِرْكًا، طيب، ولو كان طَاعَة؟ نقول: نعم هم يقولون: ولو كان طَاعَة، فيكُونُ اتِّبَاعُهُم لما عليه آباؤُهُم لا لِأَنَّه شَرْع ولكن لِأَنَّ عَلَيْه آبَائَهُم، وحِينَئِذٍ فلا يَكُون اتِّبَاعُهم -اتِّباَعُ آبائِهم في هذا الحَال- اتِّبَاعًا لِلشَّرْع ولا اتِّبَاعًا مَحْمُودًا، وعلى هذا فنقول في مَن دُعِيَ إلى الكتاب والسُّنَّة وقال: أنا أُرِيد أن أَتَّبِع فُلَانًا الإمَام الفُلَاني أو العَالِم الفلاني مَعَ بَيَانِ السُّنَّةِ ووُضُوحِها يكُونُ مُشَابِهًا لِهَؤُلَاءِ الـمُشْرِكِين؟ نعم يَكُونُ مُشَابِهًا لهم
10 - تفسير قول الله تعالى : (( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ))
(( أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ )) أي مُوْجِبَاتِهِ؟ لا " نعم، يقول الله عز وجل: أَيَتَّبِعُون آبَائَهُم دُونَ ما أَنْزَلَ الله حتى في هذه الحَال وهي: أنَّ الشيطان يَدْعُوهُم يَدْعُو الآبَاء ولَّا يَدْعُو هؤلاء؟ أظُنُّها تَشْمَل هؤلاء والآباء، (( إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ )) أي إلى ما يُوجِبُ عَذَابَ السَّعِير مِن أَعْمَالِ الشِّرْك والكُفْر وغيرِها، نعم، الاستِفْهام -ظَاهِر كَلَام المؤلف- أنَّه للإِنْكَار والنَّفْي، لِقولِه: " لَا " ولكنَّه للنَّفْي فيه إِشْكَال، لأنَّهم لا شَكَّ أنَّهم مُتَّبِعُوه، أما لِلإِنْكَار فَنَعَمْ يكون الله عز وجل أنكَرَ عَليهم أن يَتَّبِعُوا آبائَهم والشيطان يَدْعُوهم إلى عَذَابِ السعير، وقوله: (( عَذَابِ السَّعِيرِ )) هو عَذَابُ النَّار.