تابع لتفسير قول الله تعالى : (( وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ))
قد يكون من الجن وربما يتلبسون بالإنسان أي يدخلون في جوفه حتى يكون كاللباس فيصرعونه ويؤذونه وقد أشار الله تعالى إلى هذا بقوله (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ))[البقرة:275]يعني مثل المصروع الذي صرعه الشيطان وهذا الصرع أي صرع الجن للإنس لا ينكره إلا الملاحده كما قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد : " إنهم لن يصلوا إلى هذا النوع من الصرع فجعلوا ينكرونه ويحيلون جميع أنواع الصرع إلى صرع الأعصاب والمخ وما أشبه ذلك " وصرع الجن للإنس معلوم بالمشاهدة أيضاً فلا ينكره إلا المكابر كيف ذلك ؟ لأنه شوهد من يصرع ويخاطب الجني الذي صرعه مخاطبة صريحة واضحة وجرى ذلك على يد أئمة الإسلام كالإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم إلى يومنا هذا جيء مرة بمصروع إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فوعظ الجني الذي صرعه ونصحه وقال له : اخرج وقالت : إني أحبه وكانت امرأة التي صرعته ، صرعت الرجل امرأة قالت : إني أحبه وقال : شيخ الإسلام لكنه لا يحبك فقالت : إني أريد أن أحج به كيف تحمله إلى مكة فقال : إنه إنه لا يريد أن يحج معك ثم وعظها فلم تتعظ ثم ضربها شيخ الإسلام ابن تيمية جعل يضربها على رقبة هذا المصروع يقول : حتى تعبت يدي من الضرب فقالت أنا أخرج كرامة للشيخ فقال : لا تخرجي كرامة لي أخرجي طاعة لله ورسوله فخرجت على ألا تعود فأفاق الرجل لما أفاق قال لما ما الذي جاء بي إلى حضرة الشيخ الإسلام ابن تيمية ؟ فقيل له قد فعل كذا وفعل كذا قال : والله ما أحسست بشيء من هذا لا أني خاطبته ولا أنه ضربني وهذه القصة ذكرها ابن القيم في زاد المعاد عن شيخه وابن القيم ثقة وشيخ الإسلام كذلك ثقة وقد ورد مثل ذلك عن الإمام أحمد إذاً الجن نقول فيه تعريف : عالم غيبي مستترون عن الإنس وربما يظهرون ومنهم صالح ومنهم دون ذلك ومنهم قاسط ومنهم مسلم ويأكلون ويشربون ويبولون ويتقيئون كل هذا ثبت في القرآن وفي السنة نعم طيب يقول : (( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ ))(( من )) بمعنى الذي يعمل بين يديه فهي اسم موصول وما محلها من الإعراب يحتمل أن يكون محلها الرفع على أنها مبتدأ مؤخر وخبره من الجن ويحتمل أنها في محل نصب نعم يعني وسخرنا له من الجني من يعمل بين يديه وأيهما أولى ؟ نحن ذكرنا قاعدة أنه إذا دار الأمر بين التقدير وعدم التقدير فعدم التقدير أولى لأنه الأصل ، الأصل أن الكلام لم يحذف منه شيء وعل هذا فنقول (( من الجن )) جار ومجرور خبر مقدم (( ومن يعمل )) مبتدأ مؤخر (( من يعمل بين يديه )) يدي من ؟ يدي سليمان يعني أمامه لكن (( بِإِذْنِ رَبِّهِ )) بأمر ربه والإذن هنا كوني ولا شرعي ؟ الإذن كوني بإذن الله الكوني يعني أن الله سخر الجن يعملون بين يدي سليمان بإذنه بأمره الكوني وقد يقال إنه إذن شرعي بدليل قوله (( وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )) قال (( ومن يزغ )) يعدل وقيل يمل أي يميل وهذا أقرب ومنه زاغت الشمس أي مالت عن وسط السماء (( من يزغ منهم )) يعني يميل (( عن أمرنا )) له بطاعته (( له )) أي الجن بطاعته أي بطاعة سليمان (( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )) أي النار في الآخرة (( نذقه )) ما الذي جزمها ؟ (( من )) لأنها جواب الشرط وفعل الشرط (( يزغ ))(( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ )) أي نعذبه بالنار حتى يذوق عذابها وهل هذه نار الدنيا ولا الآخرة ؟ قال المؤلف : " في الآخرة وقيل في الدنيا " بأن يضربه ملك بصوت منها ضربة تحرقه والله أعلم هل أنه عذابه في الدنيا بواسطة ملك أو سليمان أذن له بتعذيبهم في النار على كل حال الذين يزغ من الجن عن أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة سليمان هذا يعذب بالنار إما في الدنيا وإما في الآخر ولكن إذا قلنا إنه في الدنيا فإنه لا يتعين أن يكون الأمر كما قال المؤلف " إنه ملك يضربه بسوط منها حتى يحرقه " نعم والله أعلم نعم
قوله (( ولسليمان الريحُ )) هل قراءة الريح بالرفع مشهورة ؟
الطالب : .......؟ الشيخ : المعروفة بالنص . الطالب : ......؟ الشيخ : كلاهما سبعية إي أقول هذا التعبير غير مألوف ، المعروف يقول وفي قراءة بالرفع ما يبين وجهه
قلنا إن أمر الله عز وجل الجن طاعة سليمان وتسخيرهم له أمر كوني أليس طاعتهم وتسخيرهم له عبادة لله تعالى ؟
الطالب : إن قلنا إن أمر الله عز وجل للجن طاعة وإيمان وتصديقاً له أمر كوني ؟ الشيخ : إذن لهم نعم إذن كوني نعم . الطالب : أليس يعني طاعتهم لسليمان .....يعني عبادة لله عز وجل ......؟ الشيخ : بلى ولهذا قلنا أن فيه احتمال إذن شرعي ويؤيده قوله (( ومن يزغ منهم عن أمرنا )) . الطالب : .....؟ الشيخ : هذا أرجح لكن ما يمنع الأول
قول تلبس به رجل " أي جني " أو العكس تلبست به إمرأة ولا يكون غير هذه الحالتين فقط هل صحيح هذا الكلام ؟
الطالب : يقال يتلبس به مرأة والعكس المرأة تلبس الرجل من الجن صحيح هذا ؟ الشيخ : لا ما هو صحيح قد يتلبس بالرجل رجل ويكون مثلاً مولعاً بسبب من الأسباب وكذلك بالعكس
الطالب : ......؟ الشيخ : طيب أما تقرأ آخر الرحمن ؟ أسألك . الطالب : .... الشيخ : إقرأ (( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ))[الرحمن:46]إقرأ (( ولمن خاف )) إقرأ إقرأ . الطالب : (( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )) . الشيخ : إقرأ اللي بعدها (( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ))[الرحمن:47]الخطاب في ربكما يعود لمن ؟ طيب إذا كان الجن لا يستفيدون من هاتين الجملتين فما فائدة خطابهم بقوله (( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )) ؟ ثم إنه قال في نفس الآيات (( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ))[الرحمن:74]وهذا أيضاً يدل على أنهم يدخلون الجنة وهذا هو الصحيح اللي عليه جمهور العلماء أما دخولهم النار فالكافر منهم
كيف نوفق بين قول الله تعالى (( يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم )) فقط ، لم يذكر هنا دخول النار ؟
فإنه بالاتفاق لأنه نص الله عليه في القرآن وأما دخول المؤمن الجنة فهذا هو الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم . الطالب : ....قوله تعالى (( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ))[الأحقاف:31]...؟ الشيخ : نعم ما يمنع ما قال (( ويدخلوا الجنة )) . الطالب : .... الشيخ : طيب هذه الآية ما فيها دليل أن يدخلوا الجنة لكن هل فيها دليل إن دخولهم الجنة ممنوع ؟ لأن من أجير من العذاب فليس هناك إلا داران دار الآخرة ما فيها إلا داران إما نار وإما جنة . الطالب : ....... الشيخ : لا لا ، يلزم ما دام ما فيه إلا دارين وفيه آيات كثيرة تدل على من آمن وعمل وصالحاً فله جنات المأوى طيب .
فوائد قول الله تعالى : (( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ))
قال الله تعالى (( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ )) من فوائد الآية الكريمة : أن الله تعالى قد يسخر بعض الأمور الكونية لبعض عباده آية له لأن الريح كما تعلمون لا أحد يستطيع أن يصرفها كما يشاء ولسليمان سخرت له تجري بأمره فيستفاد من هذا أن الله قد يسخر بعض الأمور الكونية آية لبعض عباده كهذا وهل يمكن أن يأتي مثل ذلك لغير الرسل ؟ الظاهر أنه لا يمكن وما ذكر عن بعض الخلفاء أن الله تعالى سخر له الريح يأمرها كما يشاء وتنقل جنده فإن هذا في صحته فيها نظر والظاهر أن مثل آية الأنبياء لا تكون كرامة للأولياء صحيح أن بعض آية الأنبياء تكون كرامة للأولياء أما الآيات الكبيرة كهذه الظاهر والله أعلم أنها لا تكون . ومن فوائد الآية الكريمة : أن للريح سرعة عظيمة كما قال ((غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ )) .
فوائد قول الله تعالى : (( ... ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ))
ومن فوائد الآية الكريمة : وجود الجن وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ولهذا من أنكر وجود الجن فقد كذب القرآن ويحكم بكفره لكن هذا الجن يعملون للإنس أو لا يعملون ؟ نقول من فوائد الآية الكريمة أن الجن يعملون للإنس لقوله (( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْه )) ولاشك أن عملهم بين يديه آية له دالة على نبوته وعلى رسالته لكن هل يعملون لغير الأنبياء ؟ يقول شيخ الإسلام :" نعم إنهم يعملون لغير الأنبياء وعملهم لغير الأنبياء له سبب إما أن يكون سببه الشرك " بمعنى أن الجن تأمره أن يشرك فيعبدهم أو تأمره أن يشرك فيعبد من يعظمونه هذا واحد وقد يكون سببه أنهم يعشقون هذا الإنسان فيحبونه حباً يعني ليس لله لكن مثلاً لجمال صورته أو ما أشبه ذلك ومنها أنهم يعملون له من أسباب ذلك يعملون له محبة لله لكونهم صالحين فأحبوا هذا الرجل الصالح فعملوا له نعم عملهم له يقول شيخ الإسلام : " إن عملوا له أمراً محرماً كان ذلك حراماً مثل كأن يستخدمهم في آذية المسلمين أو في الاعتداء على شخص معين يروعونه أو ينفرون إبله أو فيما أشبه ذلك فهذا حرام " فإذا استعان بهم بطريق المعصية أو من أجل المعصية كان ذلك حراماً بلا شك أما إذا استعان بهم في الأمر المباح فلا بأس به إذا خلا عن شرك وعن عدوان على الغير فإن قلت إن القول بإباحة الاستعانة بهم في غير المعصية يشكل عليّ قوله تعالى (( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ))[الأنعام:128]فإن ظاهر هذا أنه لا يجوز أن يستمتع الجن بالإنس ولا الإنس بالجن ؟ فالجواب على ذلك ..... فلا بأس به وقد ذكر رحمه الله في كتاب النبوات وفي كتاب إيضاح الدلالة على عموم الرسالة ذكر أشياء واضحة عن السلف بأنهم ربما ينتفعون في الإخبار عن الأشياء البعيدة والأمر الواقع شاهد بذلك فإننا نسمع قضايا عن بعض الناس أن الجنة وإن على ما يريد مع صلاحهم وعدم شركهم وعدم معصيتهم طيب فإذا قلت هل ممكن أن يعتدي الجني على الإنسي ؟ فالجواب نعم يمكن وهل يمكن أن يعتدي الإنسي على الجني ؟ نعم يمكن أما الأول فظاهر كثيراً أن الجن يعتدون على الإنس أحياناً يروعونهم في الطرقات بل وربما في البيوت وأحياناً يفسدون عليهم شئونهم وأحياناً يرمونهم بالحجارة وأحياناً يؤذونهم بالأصوات وهذا شيء لا يحتاج إلى طلب بالدليل لأنه أمر واقع مشاهد وكذلك الإنس ربما يعتدون على الجن فلو أن أحداً استجمر بحجر أو استجمر بروث لكان ذلك نعم فلو أن أحداً استجمر بعظم أنا غلطت فلو أن أحداً استجمر بعظم أو بروث لكان معتدياً على الجن لماذا ؟ لأن العظم طعام الجن والروث طعام دوابهم فيكون في هذا عدوان من الإنس على الجن طيب وهل يمكن أن يدخل الجني في بدب الإنس ؟ نعم ولا يحتاج إلى طلب الدليل لأن هذا أمر واقع محسوس ثبتت به الأخبار وتواترت وشهده الناس وقد ذكرنا أن الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية يؤتى إليهم بالمصروع فيخاطبونه ويكون الخطاب على من صرعه ويضربونه أيضاً ويكون الضرب على من صرعه أي على الصارع لا على المصروع وفي القرآن ما يشير إلى ذلك لقوله تعالى (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ))[البقرة:275]والمس معناه الصرع ولهذا يقال به مس من الجن أي صرع والذي يتخبطه الشيطان من المس يعني يكون مخبل لا يحس ولا يعرف قال أهل العلم إن هؤلاء يقومون من قبورهم كمثل المجانين الذين أصابتهم الشياطين وأما إنكار بعض الناس لهذا فقد قال شيخ الإسلام : " إن هؤلاء الفلاسفة الذين أنكروا ذلك لا يعلمون من الشرع كما يعلمه أهل الشرع فهم ينكرون ما غاب عنهم ولا يقرون إلا بالشيء المحسوس وأنكر عليهم إنكاراً عظيماً في زاد المعاد . ومن فوائد الآية الكريمة : أن الجن يشاهدون أو قد يشاهدون ممكن مفهوم الآية من أين ؟ من قوله ((مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ )) فإن الظاهر أنهم يشاهدون وهم يعملون بين يدي سليمان يعني أمامه . ومن فوائدها : أن الجن مكلفون بمعنى أنهم إذا خالفوا عذبوا ومن تمام عدل الله أنهم إذا وافقوه نعموا أما كونهم يعذبون إذا خالفوا فهذا أمر متفق عليه بين العلماء وأن كافرهم يدخل النار وأما دخول المؤمنين منهم الجنة ففيه خلاف بين العلماء والصواب أنهم يدخلون الجنة لقوله تعالى في سورة الرحمن وهو يخاطب الجن والإنس (( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ *(( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ))[الرحمن46:47]فيكون هؤلاء الجن إذا خافوا الله فلهم الجنة وقال في أثناء ذلك (( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ))[الرحمن:74]وكلمة (( ولا جان )) لا تتناسب مع الإنس وإنما تتناسب مع من ؟ مع الجن وهذا هو القول الحق المتعين ولا يعارض ذلك قوله تعالى عن الجن الذين صرفهم الله للنبي صلى الله عليه وسلم يستمعون القرآن حين ولوا إلى قومهم منذرين (( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ))[الأحقاف30:31]فيقال إن الله إذا أجارهم من العذاب الأليم فلازم ذلك أن يدخلوا الجنة لأن الآخرة ليس فيها إلا داران هما الجنة أو النار فمن نجا من النار دخل الجنة ولابد إذاً الجن مكلفون لكن هل تكليفهم كتكليف الإنس بمعنى أن صلاتهم كصلاتنا وصيامهم كصيامنا وحجهم كحجنا أو يختلفوا عنا ؟ في هذا احتمالان : أحدهما : أن يكون ما كلفوا به مساوياً لما كلفنا به من كل وجه ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوثاً للجن والإنس ولم تأت السنة بالتفريق بين أحكام الإنس والجن فالواجب إيش ؟ إجرائها على ماهي عليه وأن تكون هذه الأحكام ثابتة في حق الإنس والجن على حد سواء . والاحتمال الثاني : أن تكون الواجبات بالنسبة للجن موافقة لما هم عليه مناسبة لهم فلا يلزم على هذا أن يكونوا مساويين للإنس لأن الله عز وجل يشرع أحكام مناسبة لمن شرعت له فهذا المريض مثلاً هل عليه صوم ؟ إذا كان المريض لا يجازى على مرضه ففرضه الإطعام والفقير ليس عليه زكاة وليس عليه حج فلما كان اختلاف الشرائع ظاهراً بالنسبة للإنس لاختلاف أحوالهم فإنهم يلزم أن تكون الشرائع أيضاً مختلفة في الجن عن الإنس لأن الجن لاشك كما قال شيخ الإسلام : " الجن مخالفون للإنس في الحد والحقيقة فحقيقتهم ليست كحقيقة البشر وحدودهم وطاقاتهم ليست كحدود وطاقات البشر فإذا كانوا مخالفين للبشر في الحد والحقيقة لزم أن يكون المخالفين لهم في الأحكام الشرعية وهذا فيما يمكن الاختلاف فيه أما ما لا يمكن كالتوحيد والرسالة ، أصل الرسالة وما أشبه ذلك فهذا أمر نعلم علم اليقين أن الجن مساوون للإنس في تلك الأحكام لكن الكلام على المسائل الفرعية التي يختلف فيها المخاطبون باختلاف أحوالهم فالمسألة فيها احتمالان ولكن شيخ الإسلام رحمه الله جزم بأن الأحكام التي كلف بها الجن تخالف الأحكام التي كلف بها الإنس وأنهم مكلفون في الجملة بدون أن يساووا الإنس والعلم عند الله طيب .
تفسير قول الله تعالى : (( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ))
ثم قال الله عز وجل في الدرس الجديد (( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ )) إلى آخره (( يعملون له )) لمن ؟ لسليمان وهذا كالتفصيل لقوله (( ومن الجن من يعمل بين يديه )) كأنه قيل : ماذا يعملون ؟ ففصل وقال (( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ ))(( من )) بيانية مبينة للإبهام في الاسم الموصول وهو قوله (( ما يشاء )) يعني (( ما )) اسم موصول ونحن نعلم جميعاً أن الاسم الموصول من الأسماء المبهمة فقوله (( من محاريب )) بيان لـ(( ما ))(( من محاريب )) يقول المؤلف : " أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج " هذه المحاريب فالمحاريب عبارة عن أبنية مرتفعة ذات أسوار منيعة قال الله تعالى في داود (( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ))[ص:21]طيب هذا واحد(( وَتَمَاثِيلَ )) جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء أو صور من نحاس وزجاج ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حراماً في شريعته التماثيل جمع تمثال وهو ما صور عل مثال شيء آخر فكل ما صور على مثل شيء آخر فإنه يقال تمثال له وعلى هذا فيمكن أن نقول لمن صور صورة الشجرة ونحتها من جسم للشجرة وكذلك نقول لمن نحت خشباً أو حجراً نقول إن هذا تمثال والمؤلف جزم بأن المراد بالتماثيل " ما كان تمثالاً لحيوان " ولهذا قال أي صوراً نعم كل شيء مثلته هذا أصل التمثال أو صور من نحاس وزجاج ورخام النحاس معروف والزجاج والرخام كذلك يقول " ولم يكن اتخاذ الصور حراماً في شريعته " وهذا مبني على أن المراد بالتماثيل تماثيل ما يحرم تصويره كالحيوان من إنسان وغيره ولكن نقول إن هذا لا يلزم أن يكون المراد بالتماثيل هي صور الحيوان فمن الجائز أن ينحتوا له مما رقى من النحاس والزجاج والرخام أن ينحتوا له أشياء على صور شجر ويقال إن هذا تمثال فيها الآن مجسمات يجعلوها على صورة نخلة على صورة سيف على صورة قصر وما أشبه ذلك نقول هذا تمثال ولا لا ؟ تمثال وفيه أيضاً مجسمات على صورة حيوان أسد أو جمل أو بقر أو ما أشبه ذلك هذا أيضاً تمثال فنحن الآن نقول إن كان قوله (( ما يشاء من محاريب وتماثيل )) إنه عام لتمثال الحيوان والأشجار وغيرها فنحتاج حينئذ أن نجيب بما أجاب به المؤلف وهو أن الصور في شريعته ليست حراماً ولكن ما دام الأمر غير لازم إذ من الممكن أن تكون التماثيل التي يأمرهم بها تماثيل أشياء يجوز تصويرها فلا حاجة إلى هذا الجواب نعم (( وَجِفَانٍ )) جمع جفنة (( كَالْجَوَابِ )) جمع جابية وهي حوض كبير يجتمع نعم ((جِفَانٍ كَالْجَوَابِ )) الجفان ما هي ؟ الصحفة التي يوضع فيها الطعام (( كالجواب )) جمع جابية والجابية هي الحوض الكبير ومنه البركة تسمى جابية حتى الآن يسمون البرك يسمونها جوابٍ هذه الجفان على ما تقتضيه الآية الكريمة جفان كبيرة واسعة نعم يقول المؤلف يبين لنا سعتها : " يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها " وهذا قد يكون واقع وقد يكون الأمر أكبر من هذا وقد يكون دون هذا المهم أن هذه الجفان بعظمها وسعتها وكبرها مثل إيش ؟ مثل الجواب وهي الأحواض الكبيرة يعني البرك (( وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ )) ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم (( قدور راسيات )) قال العلماء الراسي الثابت والقدور جمع قدر وهو ما يطبخ فيه الطعام وإنما كانت راسية لكبرها كبيرة راسية في الأرض فهي لكبرها لا يستطيع أحد أن يتناولها ويقلبها والعادة أن القدور راسية ولا منقولة ؟ منقولة مقلبة لكن هذه لكبرها وسعتها وعزمها راسية ما تتحرك وقول المؤلف : " لها قوائم " ما المراد بالقوائم ؟ المناصب التي تنصب عليها أرجل يعني يقول رحمه الله " تتخذ من الجبال باليمن " هذا ليس بلازم أنها متخذة من الجبال وإن كانت القدور قد تتخذ من النحاس والحديد وكذلك من الأحجار ممكن تنحت وتكون قدراً نعم وممكن أن تجعل طيناً وتتخذ منها الفخار ولكن ليس بلازم يعني تتخذ من الحديد والنحاس ومن الأحجار ومن غير ذلك
تفسير قول الله تعالى : (( اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور ))
وقلنا (( اعْمَلُوا )) يا (( آلَ دَاوُدَ )) بطاعة الله (( شُكْرًا )) له على ما آتاكم أفادنا المؤلف رحمه الله أن (( اعملوا )) جملة في محل نصب لقول محذوف التقدير قلنا اعملوا آل داود وأما (( آل داود )) فهي منصوبة بياء النداء المحذوفة أي يا آل داود ، آل داود هنا ذريته وقرابته لأن الله تعالى أنعم على هذه القبيلة ، قبيلة داود بنعم عظيمة أنعم على أبيهم وعلى ابنه سليمان وقوله (( شكراً )) أفادنا المؤلف بتقدير الشكر لله على أن (( شكراً )) مفعول من أجله وأن مفعول (( اعملوا )) محذوف تقديره بطاعة الله انتبهوا يعني اعملوا بطاعة لأجل إيش ؟ الشكر لله ويحتمل أن تكون (( شكراً )) مفعول به لـ(( اعملوا )) يعني اعملوا الشكر والشكر هو الطاعة ولكن هذا الوجه نسلم فيه من التقدير أما على الوجه الأول فإنه لابد أن نقدر مفعول (( اعملوا )) الشكر عرفه العلماء بأنه : القيام بطاعة المنعم في القلب واللسان والجوارح أما في القلب فأن تعتقد أن ما بك من نعمة فهي من الله وأما في اللسان فأن تثني على الله بالنعمة لا تذكر النعمة افتخاراً بها على الناس وأما الجوراح فأنت تقوم بطاعة الله سبحانه وتعالى فيما يختص بتلك النعمة أو بطاعته على سبيل العموم والفرق بين هذا وهذا إذا قلنا أن تقوم بطاعة الله فيما يختص بهذه النعمة فإذا أنعم الله عليك بمال فشكره الزكاة والإنفاق وما أشبه ذلك فإذا عصيت الله في غير ذلك لا يقال إنك لن تقوم بشكر المال أما إذا قلنا إن الشكر أن تقوم بطاعة الله فيما يختص بهذه النعمة وفي غيرها فإن الإنسان إذا أنعم عليه بالمال وقام بحقه على الوجه الكامل ولكنه يعصي الله سبحانه وتعالى في أمور أخرى يقال إن هذا ليس بشاكر ولكن قد نقول إن الشكر نوعان : شكر مطلق : وهو الذي يقوم بطاعة المنعم فيما أنعم به عليه فيه وفي غيره . وشكر خاص : مقيد بهذه النعمة المعينة فيكون هذا الشاكر إذا قام بما يجب عليه في هذه النعمة المعينة شاكراً لكنه لا يعطي وصف الشكور ونظير ذلك ما سبق لنا في التوبة أن التوبة تصح من الذنب مع الإصرار على غيره لكن لا يستحق التائب لفظ التوبة الملطلقة . قال الله تعالى (( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )) العامل بطاعتي شكراً لنعمتي (( قليل )) خبر مقدم والشكور مبتدأ مؤخر لأن المقصود الإخبار عن الشكور بأنه قليل شكور .....والشكور من عبادي قليل وقوله (( من عبادي )) هو متعلق بما بعده فلما قدم عليه صار بموضع نصب على الحال يعني الشكور حال كونه من عبادي قليل وتعليل ذلك أن أكثر بني آدم إيش ؟ غير شكور بل هم ضالون فبنو آدم يكون منهم تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة ولاشك إن واحداً إذا نصب إلى المائة يكون قليلاً وقوله (( من عبادي )) المراد بالعبودية هنا العامة ولا الخاصة ؟ العامة الشاملة للكافرين وللمؤمنين .
تفسير قول الله تعالى : (( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ))
(( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ )) أي على سليمان (( الْمَوْتَ )) أي مات إلى آخره (( قضينا )) أي قدرنا عليه الموت فمات والقضاء هنا قضاء قدري وقضاء الله سبحانه وتعالى نوعان : قدري وشرعي فهنا (( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ )) القضاء قدري (( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ))[الإسراء:4]هذا أيضاً قضاء قدري أي قدرنا عليهم ذلك والثاني : قضاء شرعي وهذا إذا تعلق بما أمر الله به فإنه قضاء شرعي لقوله تعالى (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ))[الإسراء:23]فالقضاء هنا قضاء شرعي إذ لو كان قضاء قدرياً لوقع ولعبد الناس الله كلهم بدون إشراك هنا القضاء قدري (( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ )) أي قدرناه عليه فمات قال : " ومكث قائما على عصاه حولاً ميتا ً والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة على عادتها لا تشعر بموته حتى أكلت الأرضة عصاه فخر ميتاً " نعم كل ذلك الذي ذكره المؤلف واضح من الآية لما قضى الله عليه الموت بقي مدة لا تعلم الجن أنه مات وهم يعملون ولا لا ؟ يعملون تاعبين لأنه قد كلفهم بذلك فمات وبقي متكئاً على عصاه أولاً : المؤلف رحمه الله يقول : " بقي حولاً " تقييد هذا البقاء بالحول ليس عليه دليل لكن لاشك أنه بقي مدة وهم يعملون بين يديه ولا يدرون أنه ميت أو نقيده بحول أو بأقل أو بأكثر هذا يحتاج إلى دليل وقولنا إنه متكئ على عصاه فيه دليل من الآية لأنه قال (( فلما خر )) وهذا لا يمكن إلا وهو متكئ يقول (( مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ )) مصدر أرضت الخشبة للبناء لا المفعول أكلتها الأرضة كلمة الأرض هل المراد بها الجنس أي الدابة التي تكون في الأرض أو المراد بها المصدر ؟ المؤلف يرى أن المراد بها المصدر مأخوذ من قوله أرضت الخشبة يعني أكلتها الأرضة يعني ما دلهم على موته إلا الدابة التي تأدب الخشب تأدبها فعليه يكون كلمة أرض مصدر إيش ؟ أرض يأرض أرضاً مثل ضرب يضرب ضرباً هذا تقرير كلام المؤلف رحمه الله بعيد من مفهوم الآية لأنك عندما تفهم إلا دابة الأرض ما تفهم الذي قرره المؤلف أبداً بل الذي يتبادر إلى الذهن أن المراد بالأرض الجنس يعني إلا الدابة التي تخرج من الأرض (( تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ )) .