تفسير سورة سبأ-06b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تابع لتفسير قول الله تعالى : (( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ))
كانت أحاديث للناس يتحدثون بها تقول حصل كيت وكيت وهذا من الأمثال المعروفة تفرقوا أيادي سبأ يعني أنهم تفرقوا كتفرق سبأ قال الله تعالى : (( جَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ )) بعد أن كانوا أشياء حقيقية ثابتة وصاروا أحاديث وهذا مثل قول الشاعر : " بين أن يراد الإنسان فيها مخطراً حتى يرى خبراً من الأخبار " (( َمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ )) يعني فرقناهم في البلاد كل مفرق وشردوا وتشتتوا لأنهم كفروا النعمة وظلموا أنفسهم (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )) (( إن في ذلك )) الإشارة تعود إلى كل ما سبق من هذه القرى الظاهرة وسهولة السفر ثم سؤالهم أن يباعد الله بين أسفارهم ثم تمزيقهم في البلاد كل ممزق (( لآيات )) لعبراً كيف قال الآيات وهي قصة واحدة ؟ نقول : لأنها قصة واحدة لكنها تشتمل على أجزاء كل جزء منها يستحق أن يكون آية وقوله : (( لكل صبار )) (( صبار )) صيغة مبالغة أي ذي صبر على البلايا والصبر في اللغة بمعنى الحبس وفي الشرع : الحبس عما يحرم عند المصائب والناس في المصائب لهم أربعة مراتب : مرتبة السخط ومرتبة الصبر ومرتبة الرضا ومرتبة الشكر وهو أعلاها ، التسخط حرام والصبر واجب والرضا مستحب على القول الراجح والشكر كذلك مستحب ، ولهذا قال هنا (( لكل صبار )) على أي شيء ؟ نعم المؤلف بينها عن المعاصي بل وعلى أقدار الله بل وعلى أوامر الله ، لأن الصبر ثلاثة أنواع : صبر على طاعة الله وصبر عن معصيته وصبر على أقدار الله ، (( شكور )) أي قائم بشكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه فيشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه نعم أما كونها آية للصبار فظاهر ، وكونها آية للشكور كيف ذلك ؟ بأن الإنسان إذا نظر إلى حالهم وأنهم حينما كان شاكرين لله كان الله قد أنعم عليهم بهذه النعم فيستدل بها على أن شكر الله موجب لبقاء نعمته على العبد ، إنا أخذننا إلى إيش؟
الطالب : .....
الشيخ : إلى (( وهل نجازي إلا الكفور )) طيب.
الطالب : .....
الشيخ : إلى (( وهل نجازي إلا الكفور )) طيب.
1 - تابع لتفسير قول الله تعالى : (( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ))
قال الله عز وجل (( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ))في هذه الآية بيان نعمة الله سبحانه وتعالى على سبأ حيث جعل القرى ممتدة من اليمن إلى الشام قريباً بعضها من بعض ، وفيها أيضاً : أن الطرق إذا كانت بين قرىً متجاورة فهي أأمن وأقرب إلى السلامة لقوله :(( سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ )).
ومن فوائدها : أن السير فيها مقدر مرحلة ، مرحلة بين هذه القرى ، وتقدير السير كما قلنا من فائدته وهو ما تفرع على الفائدة هذه أن تقدير السير أنشط للمسافر وأسهل له لأنه إذا كان بين القرى تباين بعيد تعب المسافر ومل لكن إذا صار يقطعها مرحلة ، مرحلة صار ذلك أنشط له وأهون عليه وذكرنا أن من هذا تجزئة القرآن ومسائل العلم في الكتب المصنفة حتى يقطعها الإنسان مرحلة ، مرحلة فيكون ذلك أسهل عليه ، وربما نأخذ منها فائدة لمن أراد حفظ القرآن أن يتحفظه شيئاً فشيئاً لأن بعض الناس يسرد له ورقة كاملة ثم يرجع يحفظها فيصعب عليه لكن إذا حفظها آية ، آية كان هذا أسهل في الغالب.
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الأمن في الأوطان من أكبر النعم لقوله : (( ليالي وأياماً آمنين )) والأمن لا أحد يخفى عليه أنه من أكبر النعم.
ومن فوائدها : أن السير فيها مقدر مرحلة ، مرحلة بين هذه القرى ، وتقدير السير كما قلنا من فائدته وهو ما تفرع على الفائدة هذه أن تقدير السير أنشط للمسافر وأسهل له لأنه إذا كان بين القرى تباين بعيد تعب المسافر ومل لكن إذا صار يقطعها مرحلة ، مرحلة صار ذلك أنشط له وأهون عليه وذكرنا أن من هذا تجزئة القرآن ومسائل العلم في الكتب المصنفة حتى يقطعها الإنسان مرحلة ، مرحلة فيكون ذلك أسهل عليه ، وربما نأخذ منها فائدة لمن أراد حفظ القرآن أن يتحفظه شيئاً فشيئاً لأن بعض الناس يسرد له ورقة كاملة ثم يرجع يحفظها فيصعب عليه لكن إذا حفظها آية ، آية كان هذا أسهل في الغالب.
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الأمن في الأوطان من أكبر النعم لقوله : (( ليالي وأياماً آمنين )) والأمن لا أحد يخفى عليه أنه من أكبر النعم.
2 - فوائد قول الله تعالى : (( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )) .
(( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا )) في هذا دليل على أن هؤلاء القوم لم يصبروا على هذه النعم بل طلبوا زوالها وتغييرها وهل هذا القول باللسان أو بالفعل ؟ بمعنى هل قالوا فعلاً (( ربنا باعد بين أسفارنا )) أو أنهم لما ظلموا أنفسهم وكفروا صار ذلك سبباً لتباعد ما بين هذه القرى حيث اندمرت وفسدت وخربت ؟ الأول هو ظاهر اللفظ أنهم قالوا ذلك فعلاً فباعد الله بينهم .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن هؤلاء القوم لما بطروا النعمة وعجزوا عن صبرها أضافوا إلى ذلك ظلم أنفسهم بالكفر من قوله (( وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ )) .
ومن فوائدها : أن هؤلاء القوم صاروا أحاديث للناس من بعدهم وهذا نوع من الخزي والعار والعياذ بالله أن يشتهر أمر الإنسان حتى يكون أحدوثة لمن بعده نعم ولهذا قال (( فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ )) .
ومن فوائدها أيضاً : أن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالاجتماع في قراهم وقبائلهم مزقوا كل ممزق فشردوا في البلاد وتفرقوا لقوله : (( وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ )) .
ومن فوائدها : أن ما يفعله الله عز وجل بالعصاة والظالمين يكون آية للمعتبرين سواء كان ضراء فيصبرون أو سراء فيشكرون لقوله : (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )).
ومن فوائدها : فضيلة الصبر والشكر ، الصبر على الضراء والشكر على الرخاء والإنسان دائماً مصاب بهاتين الآفتين إما ضراء وإما سراء قال الله تعالى : (( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ))[الأنبياء:35]والموفق من أعطى كل حال ما يجب لها ففي الضراء يجب عليه الصبر وانتظار الفرج وليعلم أن الله عز وجل إذا قدر عليه الضراء ليصبر فإن ذلك نعمة من الله عليه كيف ذلك ؟ لأن الصبر كما أعلم درجة عالية ومنزلة الصابرين من أعلى ما يكون من الصبر ، من أعلى ما يكون من المراتب والمنازل هذه الدرجة والمرتبة أو المنزلة إذا لم يكن هناك شيء يمتحن فيه العبد فإنه إيش؟ لن يناله لابد من أذى ولابد من مصائب يصبر عليها الإنسان حتى ينال بذلك درجة الصابرين وكذلك أيضاً الشكر درجة عالية لا ينالها إلا من وفق فإن الإنسان إذا أذاقه الله النعماء من بعد الضراء فالغالب عليه أنه يفخر ويفرح ويبطأ فإذا أضاف إلى ذلك الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء نال بهذا درجة الصابرين الشاكرين قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر اليسر ) وانتظار الفرج معونة على الصبر فإن الإنسان إذا أيس ولم ينتظر الفرج ضاقت عليه الدنيا وتضاعفت عليه المصيبة لكن إذا كان ينتظر الفرج مؤمناً بذلك هان عليه الأمر .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن هؤلاء القوم لما بطروا النعمة وعجزوا عن صبرها أضافوا إلى ذلك ظلم أنفسهم بالكفر من قوله (( وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ )) .
ومن فوائدها : أن هؤلاء القوم صاروا أحاديث للناس من بعدهم وهذا نوع من الخزي والعار والعياذ بالله أن يشتهر أمر الإنسان حتى يكون أحدوثة لمن بعده نعم ولهذا قال (( فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ )) .
ومن فوائدها أيضاً : أن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالاجتماع في قراهم وقبائلهم مزقوا كل ممزق فشردوا في البلاد وتفرقوا لقوله : (( وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ )) .
ومن فوائدها : أن ما يفعله الله عز وجل بالعصاة والظالمين يكون آية للمعتبرين سواء كان ضراء فيصبرون أو سراء فيشكرون لقوله : (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )).
ومن فوائدها : فضيلة الصبر والشكر ، الصبر على الضراء والشكر على الرخاء والإنسان دائماً مصاب بهاتين الآفتين إما ضراء وإما سراء قال الله تعالى : (( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ))[الأنبياء:35]والموفق من أعطى كل حال ما يجب لها ففي الضراء يجب عليه الصبر وانتظار الفرج وليعلم أن الله عز وجل إذا قدر عليه الضراء ليصبر فإن ذلك نعمة من الله عليه كيف ذلك ؟ لأن الصبر كما أعلم درجة عالية ومنزلة الصابرين من أعلى ما يكون من الصبر ، من أعلى ما يكون من المراتب والمنازل هذه الدرجة والمرتبة أو المنزلة إذا لم يكن هناك شيء يمتحن فيه العبد فإنه إيش؟ لن يناله لابد من أذى ولابد من مصائب يصبر عليها الإنسان حتى ينال بذلك درجة الصابرين وكذلك أيضاً الشكر درجة عالية لا ينالها إلا من وفق فإن الإنسان إذا أذاقه الله النعماء من بعد الضراء فالغالب عليه أنه يفخر ويفرح ويبطأ فإذا أضاف إلى ذلك الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء نال بهذا درجة الصابرين الشاكرين قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر اليسر ) وانتظار الفرج معونة على الصبر فإن الإنسان إذا أيس ولم ينتظر الفرج ضاقت عليه الدنيا وتضاعفت عليه المصيبة لكن إذا كان ينتظر الفرج مؤمناً بذلك هان عليه الأمر .
3 - فوائد قول الله تعالى : (( فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )) . أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ))
ثم قال الله عز وجل : (( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ )) قال : (( صدق )) بالتخفيف والتشديد صدق بمعنى إيش؟ أخبر بالصدق وصدّق من أخبر بالصدق فالإنسان إما مخبِر وإما مخبَر فالمخبِر نقول : صدق والمخبَر نقول : صدّق يقول الله عز وجل (( صدَق _ وصدّق )) والقراءاتان هنا تحملان معنى الصدق والتصديق فالفائدة من هاتين القرائتين أنهما تدلان على معنيين يتبين ذلك بشرحهما قال : (( صدَق عليهم )) أو (( صدّق عليهم )) أي الكفار منهم أي الكفار منهم سبأ (( إبليس ظنه )) أنهم بإغوائه يتبعونه فاتبعوه فصدق بالتخفيف في ظنه أو صدّق بالتشبيه ظنه أي وجده صادقاً ، إبليس له ظن في بني آدم ماهو ظنه ؟ ظنه أنه يغويهم أجمعين قال الله تعالى عنه : (( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ))[ص82:83]وقال : (( فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ))[الأعراف16:17]هذا ما كان يؤمله ويرجوه ويظن إما ظناً راجحاً وإما ظناً متيقناً لكن لا يمكن أن يتيقن وإنما يظن ظناً راجحاً ، فهنا صدق ظنه وإيش ظنه ؟ الذي كان يقول إنه سيغويهم فصدقه لأنه أغواهم ، صدقه لأنهم أغواه أو (( صدق عليهم إبليس ظنه )) أنه لما ظن نفذ ما قال فيكون صدق حيث أغواهم والحاصل أن الظن الذي ظنه إبليس ماهو؟ إغوائهم هذا هو الظن ، هذا الظن إما أن يكون بإغوائه إياهم قد صدقه حيث وقع منه أولاً بتطبيقه فعلاً أو (( صدق عليهم إبليس ظنه )) أنه لما ظن ذلك الظن نعم طبقه وفعله والمعنى أن ما توقعه الشيطان وظنه من إغواء الكفار ومنهم سبأ وقع مؤكداً باللام وقد والقسم (( فَاتَّبَعُوهُ )) اتبعوا الشيطان والشيطان لو نظرنا ماهو الجامع لما يأمر به ؟ يأمر بالفحشاء (( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ))[البقرة:268]فهو يأمر بالفحشاء والمنكر وكل فعل قبيح فإذا اتبعه الإنسان بالفحشاء والمنكر والفعل القبيح فقد تبعه وضل عنه .....وإن خالفه فقد خالفه ولهذا قال : (( فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا )) (( إلا )) بمعنى لكن (( فريقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) للبيان قال المؤلف : (( إلا )) يعني " لكن " إشارة إلى أن الاستثناء هنا منقطع ، بأن الاستثناء إذا كان بمعنى لكن صار منقطعاً ولكن الذي حمل المؤلف على هذا لأن قوله : (( صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) ظاهره أنه صدق عليهم جميعاً وعليه فالمؤمنون لم يدخلوا في ذلك فيكون الاستثناء هنا منقطعاً لأن إبليس لم يصدق الظن إلا على الكفار أما لو جعلنا (( صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ )) عام للقبيلة لكلها أو لبني آدم كلهم ثم قال (( إلا فريقاً من المؤمنين )) لكان هذا الاستثناء متصلاً والحاصل إذا جعلنا (( عليهم )) إذا جعلنا الضمير عائداً على الكفار الذين اتبعوا إبليس فإن الاستثناء يجب أن يكون هنا منقطعاً وإن جعلناه عاماً لبني آدم أو جنس هذه القبيلة سبأ صار الاستثناء متصلاً وقوله : (( إلا فريقاً من المؤمنين )) المؤلف يقول رحمه الله : " من المؤمنين للبيان )) كيف للبيان ؟ يعني (( من )) بيانية وليست تبعيضية لأنها لو كانت للتبعيض لكان المعنى إلا فريقاً من المؤمنين نجا منه وفريق آخر لم ينجو وهذا المعنى فاسد ، وعلى هذا فتكون (( من )) للبيان (( إلا فريقاً )) من هؤلاء الفريق ؟ المؤمنون قال المؤلف : " أي هم المؤمنون لم يتبعوه " انتبه إلى هذا المعنى الدقيق المؤلف رحمه الله جيد في ، أقول مرة ثانية : (( إلا فريقاً من المؤمنين )) إذا قلت : جاء فريق من القوم ، كلهم جاءوا ولا لا ؟ لا فمن للتبعيض ، (( إلا فريقاً من المؤمنين )) إذا جعلنا للتبعيض كما في قولك : جاء فريق من القوم ، إذا جعلناها للتبعيض فسد المعنى لأن المؤمنين كلهم لم يتبعون ولهذا احتاج المؤلف أن يجعل من بيانية وتكون المؤمنون بياناً لقوله (( فريقاً )) كأن قال فاتبعوه إلا المؤمنين هذا معنى الآية
تفسير قول الله تعالى : (( وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ))
(( وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ )) تسليط (( وما كان له )) الضمير يعود على إبليس (( عليهم )) أي على القوم الذين أغواهم (( من سلطان )) (( من )) زائدة لفظاً لا معنى و (( سلطان )) اسم كان مؤخر أي ما كان له سلطان عليهم والمراد بالسلطان هنا التسلط أو التسليط ولهذا قال : تسليط فهي إذاً اسم مصدر وليس المراد بها السلطان الذي هو المعنى ، المعنى ما كان للشيطان عليهم تسليط إلا لنعلم ، وعلى تقدير المؤلف أن سلطان بمعنى تسليط يكون الاستثناء متصلاً أي ما جعلنا للشيطان تسليطاً عليهم إلا لنعلم وإذا جعلنا السطان بمعنى التسلط والقدرة فالاستثناء يكون منقطعاً أي ما كان له عليهم سلطة لكن لنعلم من يتبعه إلى آخره وقوله (( إِلَّا لِنَعْلَمَ )) من ؟ اللام هنا للتعليل أو للعاقبة يحتمل أن تكون للتعليل أو للعاقبة وعلى كلا التقديرين فيها إشكال ، الإشكال هو أن ظاهرها تجدد علم الله ومعلوم أن علم الله أزلي أبدي أي قديم مستمر لابد أن يستمر فكيف صح أن تكون اللام هنا للتعليل أو للعاقبة ؟ نعم يقول المؤلف في تفسيرها : " علم ظهور " وذلك لأن تعلق علم الله بالشيء له حالان :
الحال الأولى : قبل وجوده.
والحال الثانية : بعد وجوده فتعلق علم الله به بعد الوجود يسمى علم ظهور أي علمه بعد أن ظهر وبان وعلم الله تعالى قبل وجوده علم تقدير أي أنه قدر أن يكون ، وعلم الله التقدير ثابت بلا شك فإن الله لن يزل ولا يزال عالماً بكل ما يكون ، انتبه إذا قلنا : إن العلم علم تقدير وعلم ظهور زال الإشكال وصار علم الله للشيء بعد وقوعه أنه ظهر ووقع وعلم الله قبل وقوعه علم بأنه سيقع وفرق بين المتعلقين ، وقيل إن المراد بالعلم هنا : العلم الذي يترتب عليه الجزاء وذلك لا يكون إلا بعد الامتحان ، فإن علم الله تعالى بالشيء قبل أن يقع علم لا يترتب عليه لا ثواب ولا عقاب ، لأن المكلف لم يؤمر ولم ينهى فإذا أمر ففعل أو أمر فلم يفعل حينئذ صار مثاباً أو معاقباً كما قال تعالى : (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ))[محمد:31](( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ))[آل عمران:142]وعلى هذا الوجه يكون علم الله تعالى علمين :
علم : معناه أن الله تعالى عالم بأن هذا الشيء سيقع ولكن لا يترتب عليه الثواب والعقاب .
وعلم : يترتب عليه الثواب والعقاب وذلك لا يكون إلا بعد امتحان المكلف به وهل يفعل أو لا يفعل يعني هل يمتثل أو لا يمتثل فتبين أن في هذه المسألة التي ظاهرها تجدد علم الله أن عنها جوابين : انتبه.
الجواب الأول : من يعرف الجواب الأول ؟ ما العلم الذي يتبين به الخفي ؟ بأن الأمر لم يزل ولا يزال أمام الله سبحانه واضحاً ظاهراً قال : (( إلا لنعلم مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ )) هنا ضمنت (( نعلم )) معنى نميز ولهذا قال : (( ممن هو )) يعني إلا لنميز من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ، والناس بالنسبة للآخرة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
قسم : آمنوا بها.
وقسم : كفروا بها وأنكروا .
وقسم : في شك وتردد .
الذين آمنوا بها أمرهم واضح ، والذين كفروا بها وقالوا : (( وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ))[الإسراء:49]هذا لا يمكن ، هذا أيضاً أمرهم واضح ، والذين ترددوا قالوا : يمكن أن تكون حقاً ويمكن أن تكون باطلاً ، في أي القسمين يلحقون بالكافر ولا بالمؤمن ؟ بالكافر نعم لأن الواجب أن يؤمن ولهذا قال عز وجل (( ممن هو منها في شك )) فكيف ممن هو منها منكراً وجاحداً ومكذباً ؟ فالله عز وجل جعل للشيطان سلطة على بني آدم لأجل أن يمتحن هؤلاء الناس فيعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ، الذي في شك من الآخرة يتبع من ؟ يتبع الشيطان قطعاً لأنه لا يؤمن بأن هناك يوماً آخر يثاب الناس فيه ويعاقبون فهو يري أن لنفسه الحرية المطلقة وهي في الحقيقة حرية من شيء ورق في شيء ، قال ابن القيم رحمه الله : " هربوا من الرق الذي خلقوا له " ما هو الرق الذي خلقنا له ؟ العبودية لله عز وجل " وبلوا برق النفس والشيطان " نسأل الله العافية يعني صاروا عبيداً لأنفسهم وشياطينهم ، فلا يمكن أن يتحرى الإنسان من عبادة الله على زعمه إلا كان رقيقاً لغيره للنفس والشيطان ، والحاصل أن هؤلاء الذين كانوا في شك من الآخرة لا يمكن أن يعملوا ولا أن يقوموا بطاعة الله ، ذلك لأن الذي يقوم بطاعة هو الذي يؤمن أنه سوف يحشر ويثاب أو يعاقب ، قال : (( ممن هو منها في شك )) فنجازي كلاً منهما (( وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ )) الجملة خبرية تفيد معنىً ولازم ذلك المعنى فهي خبرية تفيد أن الله على كل شيء حفيظ أي مراقب ومطلع ومهيمن على كل شيء سواء كان ذلك مما يتعلق بفعله أو مما يتعلق بفعل الخلق فهو جل وعلا رقيب على كل شيء لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، هذا المعنى يستلزم معنى آخر وهو التحذير من المخالفة ، لأن الإنسان متى علم أن الله سبحانه وتعالى حفيظ على كل شيء خاف ولم يخالفه ، أما إذا كان في شك من هذا فإنه يعمل كما يشاء.
الحال الأولى : قبل وجوده.
والحال الثانية : بعد وجوده فتعلق علم الله به بعد الوجود يسمى علم ظهور أي علمه بعد أن ظهر وبان وعلم الله تعالى قبل وجوده علم تقدير أي أنه قدر أن يكون ، وعلم الله التقدير ثابت بلا شك فإن الله لن يزل ولا يزال عالماً بكل ما يكون ، انتبه إذا قلنا : إن العلم علم تقدير وعلم ظهور زال الإشكال وصار علم الله للشيء بعد وقوعه أنه ظهر ووقع وعلم الله قبل وقوعه علم بأنه سيقع وفرق بين المتعلقين ، وقيل إن المراد بالعلم هنا : العلم الذي يترتب عليه الجزاء وذلك لا يكون إلا بعد الامتحان ، فإن علم الله تعالى بالشيء قبل أن يقع علم لا يترتب عليه لا ثواب ولا عقاب ، لأن المكلف لم يؤمر ولم ينهى فإذا أمر ففعل أو أمر فلم يفعل حينئذ صار مثاباً أو معاقباً كما قال تعالى : (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ))[محمد:31](( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ))[آل عمران:142]وعلى هذا الوجه يكون علم الله تعالى علمين :
علم : معناه أن الله تعالى عالم بأن هذا الشيء سيقع ولكن لا يترتب عليه الثواب والعقاب .
وعلم : يترتب عليه الثواب والعقاب وذلك لا يكون إلا بعد امتحان المكلف به وهل يفعل أو لا يفعل يعني هل يمتثل أو لا يمتثل فتبين أن في هذه المسألة التي ظاهرها تجدد علم الله أن عنها جوابين : انتبه.
الجواب الأول : من يعرف الجواب الأول ؟ ما العلم الذي يتبين به الخفي ؟ بأن الأمر لم يزل ولا يزال أمام الله سبحانه واضحاً ظاهراً قال : (( إلا لنعلم مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ )) هنا ضمنت (( نعلم )) معنى نميز ولهذا قال : (( ممن هو )) يعني إلا لنميز من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ، والناس بالنسبة للآخرة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
قسم : آمنوا بها.
وقسم : كفروا بها وأنكروا .
وقسم : في شك وتردد .
الذين آمنوا بها أمرهم واضح ، والذين كفروا بها وقالوا : (( وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ))[الإسراء:49]هذا لا يمكن ، هذا أيضاً أمرهم واضح ، والذين ترددوا قالوا : يمكن أن تكون حقاً ويمكن أن تكون باطلاً ، في أي القسمين يلحقون بالكافر ولا بالمؤمن ؟ بالكافر نعم لأن الواجب أن يؤمن ولهذا قال عز وجل (( ممن هو منها في شك )) فكيف ممن هو منها منكراً وجاحداً ومكذباً ؟ فالله عز وجل جعل للشيطان سلطة على بني آدم لأجل أن يمتحن هؤلاء الناس فيعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ، الذي في شك من الآخرة يتبع من ؟ يتبع الشيطان قطعاً لأنه لا يؤمن بأن هناك يوماً آخر يثاب الناس فيه ويعاقبون فهو يري أن لنفسه الحرية المطلقة وهي في الحقيقة حرية من شيء ورق في شيء ، قال ابن القيم رحمه الله : " هربوا من الرق الذي خلقوا له " ما هو الرق الذي خلقنا له ؟ العبودية لله عز وجل " وبلوا برق النفس والشيطان " نسأل الله العافية يعني صاروا عبيداً لأنفسهم وشياطينهم ، فلا يمكن أن يتحرى الإنسان من عبادة الله على زعمه إلا كان رقيقاً لغيره للنفس والشيطان ، والحاصل أن هؤلاء الذين كانوا في شك من الآخرة لا يمكن أن يعملوا ولا أن يقوموا بطاعة الله ، ذلك لأن الذي يقوم بطاعة هو الذي يؤمن أنه سوف يحشر ويثاب أو يعاقب ، قال : (( ممن هو منها في شك )) فنجازي كلاً منهما (( وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ )) الجملة خبرية تفيد معنىً ولازم ذلك المعنى فهي خبرية تفيد أن الله على كل شيء حفيظ أي مراقب ومطلع ومهيمن على كل شيء سواء كان ذلك مما يتعلق بفعله أو مما يتعلق بفعل الخلق فهو جل وعلا رقيب على كل شيء لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، هذا المعنى يستلزم معنى آخر وهو التحذير من المخالفة ، لأن الإنسان متى علم أن الله سبحانه وتعالى حفيظ على كل شيء خاف ولم يخالفه ، أما إذا كان في شك من هذا فإنه يعمل كما يشاء.
5 - تفسير قول الله تعالى : (( وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ))
(( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ )) (( قل )) قال : " يا محمد لكفار مكة " فهنا المؤلف جعل الخطاب خاصاً من وجهين : من جهة المخاطب ومن جهة المدعو ، المخاطب قال : (( قل يا محمد )) والمدعو كفار مكة ولكن هذا غير مسلم للمؤلف أو للمفسر بل نقول : إن قل يمكن أن تكون موجهة لك من يتوجه الخطاب إليه من الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره ممن ورثه في أمته أي قل أيها الناس ، أما بالنسبة للمدعوين فنقول : الأصح أنه عام لكل من دعا مع الله غيره من كفار مكة وغيرهم وهكذا يجب أن يكون لدينا قاعدة وهو أنه إذا دار الأمر أن يكون الخطاب خاصاً أو عاماً وجب أن يكون عاماً لأن العام يدخل فيه الخاص ولا العكس وكل ما كان معنى القرآن أوسع كان أوجه إذاً نقول : قل أيها الخاطب ممن تدعُ إلى الله قل للذين يدعون مع الله غيره ادعوا الذين زعمتم ، (( ادعوا الذين زعمتم )) أي زعمتموهم آلهة ادعوهم هل المراد بالدعاء هنا دعاء المسألة أو دعاء الإحضار ؟ ادعوهم أي أحضروهم أو دعاء المسألة يعني اسألوهم اطلبوا منهم الحوائج هل يستجيبون لكم أم لا ؟ نعم يحتم المعنيين ، يحتمل معنى أحضروهم لنناقشهم أو ادعوهم دعاء مسألة يعني اسألوهم كما تقول : ادع الله أي اسأله ، وقول المؤلف : " أي زعمتموهم آلهة " شوف ماذا قدر المؤلف ؟ قدر ضميراً واسماً ظاهراً ، الضمير زعمتموهم، هم ، هذا الضمير والاسم الظاهر آلهة فأفادنا رحمه الله بأن زعم تنصب مفعولين وأن المفعولين محذوفان وتقدير الكلام زعمتموهم آلهة ، عرفتم يا جماعة ، لأن زعم من الأفعال التي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر فهي من أخوات ظن ، (( من دون الله )) قال : " من غيره ".
اضيفت في - 2011-05-25