تفسير سورة فاطر-05b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تابع لتفسير قول الله تعالى : (( إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ))
لِاتِّباَع هؤلَاء الرُّسُل، (( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) (( مَا )) هذه في الإعْراب نقول: إنها؟
الطالب: ...
الشيخ : لا، لها اسم أخصّ.
الطالب: حجازية.
الشيخ : حِجَازِيَّة واسمُها الضمير (( أنت )) والباء في (( بِمُسْمِعٍ )) زائِدة للِّتوكِيد (( بِمُسْمِع )) خبرُها منصوب بهذه الفتحة مُقَدَّرَة على آخِرِه منَعَ مِن ظُهورِها حركَةُ حرْفِ الجَرّ الزَّائِد (( مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ ))، وقولُه: (( من في القبور )) (( مَن )) هذه مفعول لـ(( مسمع )) لِأَنَّ (( مسمع )) اسم فاعِل (( بِمُسْمع مَن في القبورِ )) طيب قال المؤلف: " أي الكفَّار شبَّهَهُم بالموتى فيُجِيبُون " يعني ما أنت بمسْمِعِهم.
الطالب: فلا يجِيبُون.
الشيخ : لا عندي فيَجُيبُون
طالب آخر: عندي فيجيبون.
الشيخ : إي الصواب عندي، الصحيح عندي، نعم، اللي عندي خَبَر، لأنها إذا كانت (فيجيبون) فيجب أن تُحْذَفَ النون، لأنَّه جواب النفي في قولِه: (( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) أمَّا النُّسْخَة اللي عند غانم وإخوانِه فإنَّها مُنْفَصِلَة عمَّا قبلَها أي: فهم في عَدَم إسماعِهم لا يجيبون، على كل حال المؤلف رحمه الله يقول: (( مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) قال: " أي الكُفَّار " والذي يظهَرُ لي أنَّ المراد به الموْتَ حَقيقة، فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يُسمِع الموتَى حقيقة كما قال تعالى: (( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ))[النمل:80] فلو أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام ذَهَب إلى المقبرة مقبرة الكفار وقال: يا أيها الناس اتَّقُوا الله واعبُدُوه وما أشْبَهَ ذلك هل يسْمَعُون هذه الموعِظَة فَينْتَفِعُون بها؟ لا، ما يسمعونَها فينتفعُون بها ولكنَّا نقول: ننتَقِل من هذا إلى أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يُسْمِع الموتَى، نعم، لا يُسْمِعُ الكُفَّار لِمَوْت قُلوبِهم لِأَنَّ قلوبَهم ميِّتَة، ومَن قلبُه ميت - والعياذ بالله - فإنَّه لا ينتفع بما يسمَع مِن المواعظ فكأنَّه لا يسْمَع
الطالب: ...
الشيخ : لا، لها اسم أخصّ.
الطالب: حجازية.
الشيخ : حِجَازِيَّة واسمُها الضمير (( أنت )) والباء في (( بِمُسْمِعٍ )) زائِدة للِّتوكِيد (( بِمُسْمِع )) خبرُها منصوب بهذه الفتحة مُقَدَّرَة على آخِرِه منَعَ مِن ظُهورِها حركَةُ حرْفِ الجَرّ الزَّائِد (( مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ ))، وقولُه: (( من في القبور )) (( مَن )) هذه مفعول لـ(( مسمع )) لِأَنَّ (( مسمع )) اسم فاعِل (( بِمُسْمع مَن في القبورِ )) طيب قال المؤلف: " أي الكفَّار شبَّهَهُم بالموتى فيُجِيبُون " يعني ما أنت بمسْمِعِهم.
الطالب: فلا يجِيبُون.
الشيخ : لا عندي فيَجُيبُون
طالب آخر: عندي فيجيبون.
الشيخ : إي الصواب عندي، الصحيح عندي، نعم، اللي عندي خَبَر، لأنها إذا كانت (فيجيبون) فيجب أن تُحْذَفَ النون، لأنَّه جواب النفي في قولِه: (( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) أمَّا النُّسْخَة اللي عند غانم وإخوانِه فإنَّها مُنْفَصِلَة عمَّا قبلَها أي: فهم في عَدَم إسماعِهم لا يجيبون، على كل حال المؤلف رحمه الله يقول: (( مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) قال: " أي الكُفَّار " والذي يظهَرُ لي أنَّ المراد به الموْتَ حَقيقة، فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يُسمِع الموتَى حقيقة كما قال تعالى: (( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ))[النمل:80] فلو أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام ذَهَب إلى المقبرة مقبرة الكفار وقال: يا أيها الناس اتَّقُوا الله واعبُدُوه وما أشْبَهَ ذلك هل يسْمَعُون هذه الموعِظَة فَينْتَفِعُون بها؟ لا، ما يسمعونَها فينتفعُون بها ولكنَّا نقول: ننتَقِل من هذا إلى أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يُسْمِع الموتَى، نعم، لا يُسْمِعُ الكُفَّار لِمَوْت قُلوبِهم لِأَنَّ قلوبَهم ميِّتَة، ومَن قلبُه ميت - والعياذ بالله - فإنَّه لا ينتفع بما يسمَع مِن المواعظ فكأنَّه لا يسْمَع
تفسير قول الله تعالى : (( إن أنت إلا نذير ))
ثم قال: (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ )) فسَّر المؤلف (( إنَّ )) بـ(ما) وهذا يَدُلّ على أنَّ (ما) إيش؟ على أنَّ (( إِن )) نافِية وقد ذكرْنا فيما مَضَى أنَّ مِن علامَاتِ (إنِ) النَّافية الاسْتِثْنَاء بعدَها، نعم أن تُتْبَعَ بـ(إلَّا)، يعني ما أنت إلا نذيرٌ نعم قال: " مُنْذِر لهم " والنذِير كما سبق هو المـُعْلِم إعلامًا يتضَمَّن التَّخويف، فالإعلام المتضَمِّن التَّخْوِيف يُسَمَّى إنذارًا نعم، وقولُه: (( إن أنت إلا نذير )) هل هذا الحصْر حَقِيقِي أوْ إِضَافِي؟ إضافي، لأَنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام نذِير وبشِير ولّا لا؟ لكن المقَام هنا يقتضي أن يُذْكَرَ الإنذْار فقط، لأنَّه في مُقَارَعَةِ الكفار، ومقارَعَةُ الكُفَّار تحتَاجُ إلى الإِنْذَار أكثر مما تحتاج إلى التَّبْشِير، وقولُه: (( إن أنت إلا نذيرٌ )) كيف يكون مقابلة بينها وبين الجملة اللي قبلَها؟ كأنَّه يقول: أنت لا تستطيع أن تُوصِل الهداية إلى قُلُوبِ الكافرين، ولكن تستطيع إيش؟ أن تُنْذِرَهم لأَنَّ هذا هو المقام، مقامُك إنذار، أمَّا أن تُوصِل الهداية إلى قلُوبِ هؤلاء الكفار الذين يشْبِهُون الموتَى فهذا ليس إليك، وصدَقَ اللهُ عز وجل فإنَّ النبيَّ عليه الصَّلاة والسَّلَام مَا اسْتَطَاع أَن يهْدِيَ أَقْرَبَ الناس إليه وأشْفَقَ الناس إليه وهو عمُّه أَبو طَالِب ولَّا لا؟ وَشَاءَ اللهُ عَزَّ وجل أن يَهْدِيَ أَقْوَامًا مِن فَارِس والرُّوم مِن أبعَد الناسِ عن الرسول عليه الصلاة والسلام نَسَبًا ومَكَانًا، لِأَنَّ الأمر بِيَدِ اللهِ عزَّ وجل (( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ))[الغاشية21:22] طيِّب (( إن أنت إلا نذير ))
تفسير قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ))
(( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) (( أرسلْنَاك )) الإرسَال بمعنى الأمْر بالتَّبْلِيغ أو في قَضَاءِ الحاجة فمَثَلًا تقول: أرسلْتُ غلامِي يُخْبِر فلانًا بِكذا وكذا يعني أمرْتُه بالتبليغ، أرْسَلْتُ غلامي يَشْتَرِي كذا وكذا. أمرْته أن يشتري الحاجة لكنها منفعة يعني الدفع، وقوله: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ )) هذه يحْتَمِل أن تَكُونَ البَاء للتَّعْدِية أي أنّنا أعطيناك حقًّا وأرسلناك به، ويحتمِل أن تكون وصْفًا للرسالة يعني أرسلناك رِسالةَ حَقّ، والمعْنى يخْتَلِف فعَلَى المعنى الثاني: يكون معنى الآية أن رِسَالَةَ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقّ، وعلى المعنى الأول يكون معنَاها أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم جاءَ بالحق، وإن كان المعنيان متلازمِين لكنهما مختلفَان مِن حيث المورِد، فعلى الأَوَّل يكون مورد الوصْف نفْس الرسالة، وعلى الثاني يكون مورد ذلك -مورِد الوصْف- المـُرْسَل به، أفهِمْتُم الآن ولَّا لا؟ (( أرسلناك بالحق )) أي أعطَيْناك حقًّا تُبَلِّغُه للناس، (( أرسَلْنَاك بالحق )) يعني أنَّ رسالَتَنا إليك حَقٌّ فيكُون الوَصْف لإيش؟ للرسالة نفسِها، يعني: لست بكاذِب بل أنت صادِق هذا على جعْلِنَا الوصف عائدًا على الرسَالَة، أمَّا إذا جعلناه عائدًاً على المرسَل به فالمعنى أنَّ ما جئت به ليس ببَاطِل بل هو صِدْقٌ في الأخبار وعَدْلٌ في الأحكام.
(( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا )) قال المؤلف: " بالهُدى (( بشيرًا )) مَن أجَاب إليه (( وَنَذِيرًا )) مَن لم يُجِبْ إليه " نعم (( بشيرًا ونذيرًا )) يعني أنَّك تُبَشِّر وتُنْذِر لكن تبشِّر بالخير مَن أجاب وتنذِرُ بالعُقوبة من لم يجِبْ وعصى، وذلك لأنَّ الشرْع يتضَمَّن أوامر ونواهي فمَنِ ارتَكب النواهي أو ترَك الأوامر واجَهْنَاه بماذا؟ بالإنذار، ومن فَعَل الأوامر واجتنب النواهي واجهْنَاه بماذا؟ بالبَشَارة.
(( بَشيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ )) (( وإن )) ما " يعني نافية (( مِن أمة )) (( مِن )) حرف جر زائدٌ زائدٌ، طيب، أو زائدٌ زائدًا، يجُوز، على أن تكون (زائدًا) حال مِن .. مفرد في (زائد) الأولى، المهم أنه زائدٌ لفظًا زائِدٌ معنى، و(( أُمَّة )) مبتدأ، وجملة (( خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ )) نعم، خبر، ما مِن أمَّة ما هي الأمة؟ هي الطائفة مِن الناس التي على مَنْهَجٍ واحد طائفة على مَنْهَجٍ واحد ودِينٍ واحد أو قوْمِيَّةٍ واحدة أوما أشبه ذلك هذه الأمة، ليست كُل طَائِفَة نسمِّيها أُمَّة فمثلًا أنتم الآن ما نُسَمِّيكُم أُمَّة إلَّا لِأَنَّكم على
الطالب: طريق واحد.
الشيخ : طريقٍ واحد لكن لو اجْتَمَع الجماعة في مكان مُتَشَتِّتِين كلّ واحد له مَنهَج ما نقول: هؤلاء أمة، إلا إذا كانوا مِن قبيلة واحدة أوما أشبه ذلك.
(( بشيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا )) سَلَفَ (( فيها نَذِيرٌ )) نَبيٌّ ينذرها" يعني كل الأُمَم أرسلَ الله إليهم نَذِيرَهم لِماذا؟ لِتقُومَ عليهُم الحُجَّة، لأنَّه إذا لم يكُن لِلنَّاس نذِيرٌ فإن لهم حُجَّةً على ربِّهِم يقولون: يا ربنا ما أرسلْتَ إلينا رسولًا. كما قال تعالى: (( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ))[طه:134] وقال تعالى: (( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ))[النساء:165] وسيأتِي إن شاء الله تعالى الكلام على ما في قوله: (( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) مِن الإشْكَال والجواب عنْه
(( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا )) قال المؤلف: " بالهُدى (( بشيرًا )) مَن أجَاب إليه (( وَنَذِيرًا )) مَن لم يُجِبْ إليه " نعم (( بشيرًا ونذيرًا )) يعني أنَّك تُبَشِّر وتُنْذِر لكن تبشِّر بالخير مَن أجاب وتنذِرُ بالعُقوبة من لم يجِبْ وعصى، وذلك لأنَّ الشرْع يتضَمَّن أوامر ونواهي فمَنِ ارتَكب النواهي أو ترَك الأوامر واجَهْنَاه بماذا؟ بالإنذار، ومن فَعَل الأوامر واجتنب النواهي واجهْنَاه بماذا؟ بالبَشَارة.
(( بَشيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ )) (( وإن )) ما " يعني نافية (( مِن أمة )) (( مِن )) حرف جر زائدٌ زائدٌ، طيب، أو زائدٌ زائدًا، يجُوز، على أن تكون (زائدًا) حال مِن .. مفرد في (زائد) الأولى، المهم أنه زائدٌ لفظًا زائِدٌ معنى، و(( أُمَّة )) مبتدأ، وجملة (( خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ )) نعم، خبر، ما مِن أمَّة ما هي الأمة؟ هي الطائفة مِن الناس التي على مَنْهَجٍ واحد طائفة على مَنْهَجٍ واحد ودِينٍ واحد أو قوْمِيَّةٍ واحدة أوما أشبه ذلك هذه الأمة، ليست كُل طَائِفَة نسمِّيها أُمَّة فمثلًا أنتم الآن ما نُسَمِّيكُم أُمَّة إلَّا لِأَنَّكم على
الطالب: طريق واحد.
الشيخ : طريقٍ واحد لكن لو اجْتَمَع الجماعة في مكان مُتَشَتِّتِين كلّ واحد له مَنهَج ما نقول: هؤلاء أمة، إلا إذا كانوا مِن قبيلة واحدة أوما أشبه ذلك.
(( بشيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا )) سَلَفَ (( فيها نَذِيرٌ )) نَبيٌّ ينذرها" يعني كل الأُمَم أرسلَ الله إليهم نَذِيرَهم لِماذا؟ لِتقُومَ عليهُم الحُجَّة، لأنَّه إذا لم يكُن لِلنَّاس نذِيرٌ فإن لهم حُجَّةً على ربِّهِم يقولون: يا ربنا ما أرسلْتَ إلينا رسولًا. كما قال تعالى: (( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ))[طه:134] وقال تعالى: (( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ))[النساء:165] وسيأتِي إن شاء الله تعالى الكلام على ما في قوله: (( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) مِن الإشْكَال والجواب عنْه
3 - تفسير قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( وما يستوي الأعمى والبصير ))
قال تعالى: (( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ )) في هذه الآية فوائد منها: بلاغَةُ القرآن حيث ينْتَقِل بِسَامِعِه وقارِئِه مِنَ الأمثَال الحِسِّيَّة إلى الأمْثَال المعْنَوِيَّة ذلك لِأَنَّ الأمثَال الحسية لا يَمْتَرِي فيها أحد ولا يمكن لأحد أن يجادِلَ فيها، لأنَّك إذا قلت مثلًا: هذه لَمْبَة وهذا نُور ما أحد يُنَازِع فيها فانتقَل من المحسوس إلى المعْقُول المعْنِى.
ومِن فوائد الآية الكريمة: فضِيلَةُ البَصَر لأنَّ نفي الاستواء بين الأعمى والبصير معناه تفضيل من؟ البصير ولهذا أكثِروا من دعاء الله عز وجل: اللهم مَتِّعْنَا بأسماعنا وأبصارِنا وقوتنا أبقيتنا[كذا]، نعم
ومِن فوائد الآية الكريمة: فضِيلَةُ البَصَر لأنَّ نفي الاستواء بين الأعمى والبصير معناه تفضيل من؟ البصير ولهذا أكثِروا من دعاء الله عز وجل: اللهم مَتِّعْنَا بأسماعنا وأبصارِنا وقوتنا أبقيتنا[كذا]، نعم
فوائد قول الله تعالى : (( ولا الظلمات ولا النور ))
وكذلك أيضًا نقول في (( وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ )): فإن فيها مِن بلاغة القرآن ما في قوله: (( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ))، وفيها الانتقال مِن المثل الحسي إلى المثل المعنوي طيب.
فيها أيضًا: تفضِيل النور على الظُّلْمة لأنَّ نَفي الاستواء فيهما معناه: تفضِيل النور على الظُلْمة.
ومنها أيضًا: إذا انْتَقَلْنا مِن المثل الحسي إلى المعنوي أنَّ طريق الهدى واحد، وطُرُقُ الضلال متفرقة، لقوله: (( الظلمات والنور )) وذكرْنا شاهدًا مِن القرآن على هذا وهو قولُه تعالى: (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ))[الأنعام:153]، وقال تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ))[البقرة:257] فيه طاغوت يجرهم إلى نوع من الكفر والفِسْق نسأل الله العافية.
فيها أيضًا: تفضِيل النور على الظُّلْمة لأنَّ نَفي الاستواء فيهما معناه: تفضِيل النور على الظُلْمة.
ومنها أيضًا: إذا انْتَقَلْنا مِن المثل الحسي إلى المعنوي أنَّ طريق الهدى واحد، وطُرُقُ الضلال متفرقة، لقوله: (( الظلمات والنور )) وذكرْنا شاهدًا مِن القرآن على هذا وهو قولُه تعالى: (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ))[الأنعام:153]، وقال تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ))[البقرة:257] فيه طاغوت يجرهم إلى نوع من الكفر والفِسْق نسأل الله العافية.
فوائد قول الله تعالى : (( ولا الظل ولا الحرور ))
ومنها أيضًا: أنَّه لا يستوي الظِلّ والحَرُور وهذا مثل حسي انتقَل منه إلى المثل المعْنَوِي وهو ظِلُّ الجنة وحَرُّ النَّار لا يستويان، أيُّهما أفضل؟
الطالب: ظلُّ الجنة اللهم اجعَلْنَا منْهُم وإياكم
الشيخ : طيب ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا: التَّحْذِير مِن عَمَلِ أهلِ النار لأَنَّ نفي الاستواء بين الظل والحرور أمْرٌ معلوم، وتَأَذِّي الإنسانِ بالحرُور أيضًا أمرٌ معلوم، ففيه التحذير مِن عَمَل أهل النار، هل يؤخذُ مِن الآية الكريمة أنَّه لا حَرَجَ على الإنسان أن يطْلُبَ الظِلّ نعم، وأن يطلُبَ النُّور؟
الطالب: نعم.
الشيخ : كذا؟ معلُوم، لأننا ما دمنا ذكرْنا أنَّ هذا النفي معناه تفضِيل النور على الظلمات وتفضيل الظل على الحرُور فلا حَرج على الإنسان أن يطلُبَ الأفضل بل قد يجِبُ أحيانًا طيب، ولهذا لَمَّا رأى النبي عليه الصلاة والسلام زِحَامًا ورجلًا قد ظُلِّل عليه بصيام رمضان في السفر ما قال: لا تُظَلِّلُوا عليه ولكن قال: ( ليس مِن البر الصيامُ في السفر ).
الطالب: ظلُّ الجنة اللهم اجعَلْنَا منْهُم وإياكم
الشيخ : طيب ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا: التَّحْذِير مِن عَمَلِ أهلِ النار لأَنَّ نفي الاستواء بين الظل والحرور أمْرٌ معلوم، وتَأَذِّي الإنسانِ بالحرُور أيضًا أمرٌ معلوم، ففيه التحذير مِن عَمَل أهل النار، هل يؤخذُ مِن الآية الكريمة أنَّه لا حَرَجَ على الإنسان أن يطْلُبَ الظِلّ نعم، وأن يطلُبَ النُّور؟
الطالب: نعم.
الشيخ : كذا؟ معلُوم، لأننا ما دمنا ذكرْنا أنَّ هذا النفي معناه تفضِيل النور على الظلمات وتفضيل الظل على الحرُور فلا حَرج على الإنسان أن يطلُبَ الأفضل بل قد يجِبُ أحيانًا طيب، ولهذا لَمَّا رأى النبي عليه الصلاة والسلام زِحَامًا ورجلًا قد ظُلِّل عليه بصيام رمضان في السفر ما قال: لا تُظَلِّلُوا عليه ولكن قال: ( ليس مِن البر الصيامُ في السفر ).
فوائد قول الله تعالى : (( وما يستوي الأحياء ولا الأموات ))
وقولُه: (( وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ )) فيها أيضًا ما سبق في .. وفيها فَضيلةُ العِلم وهو كذلك وقد قال الله تعالى: (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ))[الزمر:9] والعِلْمُ جهادٌ في سبيل الله وإن شئتَ فقُلْ على الأصح: العلْمُ سِلاح للجهادِ في سبيلِ الله، لأنه قد يحمِلُ العلم مَن لا ينْتَفِعُ به ولا ينْفَعُ غيرَه، فهو سلاح لكن إذا نفعْتَ نفسَك وغيرك صِرْتَ مجاهدًا به قال الله تعالى: (( فلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ))[الفرقان:52] طيب فالعلْمُ سلاحٌ يَتَوَصَّلُ به الإنسان للجهادِ في سبيل الله طيب.
ومِن فوائدِها أيضًا قولُه: (( الأحياء ولا الأموات )) أنَّ فيها الحَثَّ على طَلَبِ العِلْم وأنَّه حَياةُ الأُمَّة كما أنَّه حياةُ الفرْد فلا يمكِن أن تحيا الأمة حياةً لا أقول: حياة .. بدون علم .... تحيا حياةً بهيمية بدون علْم لكن لا يمكن أن تحيا حياةً طيِّبَة إلا بالعلم وكلّ الناس ينشُدُون الحياة الطيبة لكن ما طَيِّبُها؟ العلم إذا أثمَرَ ثمرتَه وهو الإيمان والعمَلُ الصالح قال الله تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنَجزِيَنَّه [كذا] حَيَاةً طَيِّبَةً ))[النحل:97]نعم
ومِن فوائدِها أيضًا قولُه: (( الأحياء ولا الأموات )) أنَّ فيها الحَثَّ على طَلَبِ العِلْم وأنَّه حَياةُ الأُمَّة كما أنَّه حياةُ الفرْد فلا يمكِن أن تحيا الأمة حياةً لا أقول: حياة .. بدون علم .... تحيا حياةً بهيمية بدون علْم لكن لا يمكن أن تحيا حياةً طيِّبَة إلا بالعلم وكلّ الناس ينشُدُون الحياة الطيبة لكن ما طَيِّبُها؟ العلم إذا أثمَرَ ثمرتَه وهو الإيمان والعمَلُ الصالح قال الله تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنَجزِيَنَّه [كذا] حَيَاةً طَيِّبَةً ))[النحل:97]نعم
فوائد قول الله تعالى : (( إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ))
يقول: (( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) مِن فوائِدِها: أنَّ اللهَ عز وجل هو الذي بيده مقالِيدُ الأمُور حتى أنت يا محَمَّد لا تستطِيع أن تُسْمِع أحدًا بل المـُسْمِع هو الله.
وفيه: إثبات المشيئة لله لقولِه: (( مَن يشاء )).
وفيه رَدٌّ على القدرية الذين ينكرون أن يكونَ لأفعال العباد مشيئةٌ للهِ عز وجل لقولِه: (( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ )) ولكن هذه المشِيئَة المطْلَقة هنا -وفي كل موضع جاءت مطلقة- مُقَيَّدَة بماذا؟ بالحِكْمَة لِقولِه تعالى: (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ))[الإنسان:30].
ومِن فوائدها: أنَّه ينبغِي لِلإِنسَان بل يجِب على الإنسان أن يلْجَأ إلى الله عز وجل وحدَه في جَلبِ المنافع ودَفْع المضَارّ، لِقولِه: (( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ )) فإذا كان الإسْمَاعُ مِن الله فلا تسْأَلْه مِن غيرِه لا تسألْه إلا مِن الله، ولهذا ينبغي لنا دائمًا أن نكُونَ داعينَ لله عز وجل ونحنُ نشعر بأننَّا مُفْتَقِرُون إلى الله وأنَّ الله سبحانه وتعالى قادِر على أن يُحَقِّقَ لنا ما نرْجُوه وما ندعُوهُ به، لا تعْتَمِدْ على نفسِك وتنْسَى الله، افزَعْ إلى اللهِ دائمًا في الدعاء في السجود وبين الآذانِ والإقامة وفي كل مواطِنِ الإجابة الزمنية والمكانية والحَالِية لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186] ثم اعْلَم أيضًا أنَّ الدعاء مع كونِك تطلُب الحاجة مِن الله هو نفسُه أيضًا عبادة تتَقرَّبُ به أيضًا، فتكسِب بهذا الدعاء تكسب فيه ثمرتين:
الثمرة الأولى: الثَّواب على هذه العبادة.
والثمرةُ الثانية: حصُول المطلوب أو دَفْع المكرُوه نعم.
ومِن فوائدِ الآية الكريمة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لا يسْتَطِيع أن يُسْمِع مَن في القبور، لقوله: (( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) فلو أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أهل المقبرة ودعَاهم وقال: يا أهل القبور! آمِنوا بالله ورسوله، يا أهل القبور اعمَلُوا صالحًا. يسمعون؟ لا يسْمَعون فإن قلت: ما الجوابُ عمَّا ثبت في الحديث الصحيح مِن أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقَفَ على القتلى في بدْر مِن المشركين وجعَل يدعوهم بأسمائِهم وأسماءِ آبائِهم يا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدَ ربكم { أنت يا أخ! ....إمَّا تقَدَّم وإما تعال بالرقعة هذه عشان ما ..... }، أقول: ما الجواب عما ثبت في الصحيح مِن أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام وقف على قتلى المشركين في قلِيب بدر وجعل يدعوهم بأسمائهم وأسماءِ آبائهم يا فلان بن فلان ( هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا فإنِّي قد وجدت ما وعد ربي حقًّا ) فقال له عمر: " يا رسول الله! ما تكلم من أناس جَيَّفوا " أو كلام من هذا المعنى، فقال: ( ما أنتم بأسْمَعَ لِما أقُول منهم ) يعني أنهم يسمعون، فما هو الجواب؟
الطالب: لِقولِ قتادة رحمه الله: " إن الله أحياهم فأسمعَهم كلامَ النبي صلى الله عليه وسلم تنكيلًا وتخزِيَةً لهم ثم أماتَهم، وتقول عائشة: " إنَّ أهلَ القليب لا يسمعون الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن يخاطِبُهم الرسول لِمَا يجدُون من العذابِ في القبر ".
الشيخ : أمَّا ما ذكرْتَ عن عائشة فلاشك أن كلام الرسول ....ينتقده لأنه قال: ( ما أنتم بأسمع لِما أقول منهم )، وأما ما ذُكِر عن قتادة فمعنى كلامه أنَّه خاصٌّ بهؤلاءِ، نعم، فإن قلت: ما الجواب عما ثبتَ في الحديث الصحيح أيضًا مِن أنَّ الميت إذا دُفِن وتولى عنه أصحابه حتى إنَّه لَيَسْمَع قرْعَ نعالهم وهم ينصرفون عنه؟
الطالب: ......
الشيخ : هذا عند الدفن وأيضًا لا يلزَم من سماع قرْع النعال أن يَسمَعَ الكلام أو الدعوة، فإن قلت: ما الجواب عما رواه أبو داودَ وغيرُه وصحَّحه ابن عبد البر ووافقَه أو لم يخالِفْه ابنُ القيم مِن أنَّه ما مِن مُسْلمٍ يُسَلِّمُ على قبرٍ كان يعرِفُه في الدنيا إلا ردَّ الله عليه روحَه فرَدَّ عليه السلام؟ فالجواب أن يُقَال: هذا في حَالٍ مخصُوصة دَلَّ عليها الحديث، ولا يلزم مِن هذا إذا سَمِعَ السلامَ عليه وهو دعاءٌ له أن يَرُدّ السلام على مَن سَلَّم أن يَسْمَع كلَّ مَن تَكَلَّم عنده، فإن قلت: ما الجواب عمَّا قالَه الفقهاء مِن أنَّ الميِّت يتأذَّى بقولِ المـُنْكَر عند قَبرِه أو فِعْلِ المنكر عند قبره؟ فالجواب أنَّ قول الواحد مِن الناس غير الرسول عليه الصلاة والسلام ليس بحُجة وإنما يُحْتَجُّ له لا به، ثم على رأيهم رحمه الله يحمِلون معنى قولِه: (( وما أنت بمسمعٍ من في القبور )) أي: بِمُسْمِعٍ مَن تَدْعُوهُم إلى الإِيمَان والعمل الصالح فإنَّك لا تسمعهم سماعًا يستجيبون له، لكنه سماع .... وهذا هو الجواب الأخير عن قول مَن يقول: إنَّ الموتى يسمعون ما يُقال عندهم وما يُخَاطبون به نقول: (( وما أنت بمسمع من في القبور )) أي سماعًا ينتفعون به ويستجيبون له نعم، والله أعلم، والواجِبُ على المؤمن نحو هذه الأمور الغيبِيَّة أن يُؤمِنَ بما جاء به النصّ فقط والباقي يسأل بل يجِبُ عليه أن يقول: العلم عند الله فلا يجزِمُ بالنفي ولا يجزم بالإثبات، نعم له أن يجزم بالنفي ويجعل ما ثبت فيه الحديث من السماء مُخَصَّصًا لأنه قال: (( وما أنت بمسمع من في القبور )) وفي الآية الأخرى (( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ))
وفيه: إثبات المشيئة لله لقولِه: (( مَن يشاء )).
وفيه رَدٌّ على القدرية الذين ينكرون أن يكونَ لأفعال العباد مشيئةٌ للهِ عز وجل لقولِه: (( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ )) ولكن هذه المشِيئَة المطْلَقة هنا -وفي كل موضع جاءت مطلقة- مُقَيَّدَة بماذا؟ بالحِكْمَة لِقولِه تعالى: (( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ))[الإنسان:30].
ومِن فوائدها: أنَّه ينبغِي لِلإِنسَان بل يجِب على الإنسان أن يلْجَأ إلى الله عز وجل وحدَه في جَلبِ المنافع ودَفْع المضَارّ، لِقولِه: (( إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ )) فإذا كان الإسْمَاعُ مِن الله فلا تسْأَلْه مِن غيرِه لا تسألْه إلا مِن الله، ولهذا ينبغي لنا دائمًا أن نكُونَ داعينَ لله عز وجل ونحنُ نشعر بأننَّا مُفْتَقِرُون إلى الله وأنَّ الله سبحانه وتعالى قادِر على أن يُحَقِّقَ لنا ما نرْجُوه وما ندعُوهُ به، لا تعْتَمِدْ على نفسِك وتنْسَى الله، افزَعْ إلى اللهِ دائمًا في الدعاء في السجود وبين الآذانِ والإقامة وفي كل مواطِنِ الإجابة الزمنية والمكانية والحَالِية لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: (( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186] ثم اعْلَم أيضًا أنَّ الدعاء مع كونِك تطلُب الحاجة مِن الله هو نفسُه أيضًا عبادة تتَقرَّبُ به أيضًا، فتكسِب بهذا الدعاء تكسب فيه ثمرتين:
الثمرة الأولى: الثَّواب على هذه العبادة.
والثمرةُ الثانية: حصُول المطلوب أو دَفْع المكرُوه نعم.
ومِن فوائدِ الآية الكريمة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لا يسْتَطِيع أن يُسْمِع مَن في القبور، لقوله: (( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ )) فلو أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أهل المقبرة ودعَاهم وقال: يا أهل القبور! آمِنوا بالله ورسوله، يا أهل القبور اعمَلُوا صالحًا. يسمعون؟ لا يسْمَعون فإن قلت: ما الجوابُ عمَّا ثبت في الحديث الصحيح مِن أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقَفَ على القتلى في بدْر مِن المشركين وجعَل يدعوهم بأسمائِهم وأسماءِ آبائِهم يا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدَ ربكم { أنت يا أخ! ....إمَّا تقَدَّم وإما تعال بالرقعة هذه عشان ما ..... }، أقول: ما الجواب عما ثبت في الصحيح مِن أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام وقف على قتلى المشركين في قلِيب بدر وجعل يدعوهم بأسمائهم وأسماءِ آبائهم يا فلان بن فلان ( هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا فإنِّي قد وجدت ما وعد ربي حقًّا ) فقال له عمر: " يا رسول الله! ما تكلم من أناس جَيَّفوا " أو كلام من هذا المعنى، فقال: ( ما أنتم بأسْمَعَ لِما أقُول منهم ) يعني أنهم يسمعون، فما هو الجواب؟
الطالب: لِقولِ قتادة رحمه الله: " إن الله أحياهم فأسمعَهم كلامَ النبي صلى الله عليه وسلم تنكيلًا وتخزِيَةً لهم ثم أماتَهم، وتقول عائشة: " إنَّ أهلَ القليب لا يسمعون الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن يخاطِبُهم الرسول لِمَا يجدُون من العذابِ في القبر ".
الشيخ : أمَّا ما ذكرْتَ عن عائشة فلاشك أن كلام الرسول ....ينتقده لأنه قال: ( ما أنتم بأسمع لِما أقول منهم )، وأما ما ذُكِر عن قتادة فمعنى كلامه أنَّه خاصٌّ بهؤلاءِ، نعم، فإن قلت: ما الجواب عما ثبتَ في الحديث الصحيح أيضًا مِن أنَّ الميت إذا دُفِن وتولى عنه أصحابه حتى إنَّه لَيَسْمَع قرْعَ نعالهم وهم ينصرفون عنه؟
الطالب: ......
الشيخ : هذا عند الدفن وأيضًا لا يلزَم من سماع قرْع النعال أن يَسمَعَ الكلام أو الدعوة، فإن قلت: ما الجواب عما رواه أبو داودَ وغيرُه وصحَّحه ابن عبد البر ووافقَه أو لم يخالِفْه ابنُ القيم مِن أنَّه ما مِن مُسْلمٍ يُسَلِّمُ على قبرٍ كان يعرِفُه في الدنيا إلا ردَّ الله عليه روحَه فرَدَّ عليه السلام؟ فالجواب أن يُقَال: هذا في حَالٍ مخصُوصة دَلَّ عليها الحديث، ولا يلزم مِن هذا إذا سَمِعَ السلامَ عليه وهو دعاءٌ له أن يَرُدّ السلام على مَن سَلَّم أن يَسْمَع كلَّ مَن تَكَلَّم عنده، فإن قلت: ما الجواب عمَّا قالَه الفقهاء مِن أنَّ الميِّت يتأذَّى بقولِ المـُنْكَر عند قَبرِه أو فِعْلِ المنكر عند قبره؟ فالجواب أنَّ قول الواحد مِن الناس غير الرسول عليه الصلاة والسلام ليس بحُجة وإنما يُحْتَجُّ له لا به، ثم على رأيهم رحمه الله يحمِلون معنى قولِه: (( وما أنت بمسمعٍ من في القبور )) أي: بِمُسْمِعٍ مَن تَدْعُوهُم إلى الإِيمَان والعمل الصالح فإنَّك لا تسمعهم سماعًا يستجيبون له، لكنه سماع .... وهذا هو الجواب الأخير عن قول مَن يقول: إنَّ الموتى يسمعون ما يُقال عندهم وما يُخَاطبون به نقول: (( وما أنت بمسمع من في القبور )) أي سماعًا ينتفعون به ويستجيبون له نعم، والله أعلم، والواجِبُ على المؤمن نحو هذه الأمور الغيبِيَّة أن يُؤمِنَ بما جاء به النصّ فقط والباقي يسأل بل يجِبُ عليه أن يقول: العلم عند الله فلا يجزِمُ بالنفي ولا يجزم بالإثبات، نعم له أن يجزم بالنفي ويجعل ما ثبت فيه الحديث من السماء مُخَصَّصًا لأنه قال: (( وما أنت بمسمع من في القبور )) وفي الآية الأخرى (( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ))
فوائد قول الله تعالى : (( إن أنت إلا نذير ))
ثم قال تعالى (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ )) مِن فوائد هذه الآية الكريمة: أنَّ محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا مبلغًا ومنذرًا فليس في يده جلْبُ الهداية لأحَد ولا دفْعُ الضرر عنه لأنه قال: (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ )) يعني ما أنت هاديًا للناس أيْ هداية توفيق وإرشاد..، ولكنَّك منذر فأنت هاد هداية دلالة فقط نعم، يقول: (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ ))
فوائد قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ))
ثم قال: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ )) في هذا دليلٌ على أنَّ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حَقّ وأنَّه ليس بكاذب، لأنَّه قال: (( أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ )).
ومِن فوائدِها أيضًا: أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام أهلٌ للرسالة إذا جعلنا (( بالحقّ )) حالًا من (( نا )) الفاعل أي إنا أرسلناك مُحِقِّينَ بذلك فيكون فيه دليل على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أهلٌ للرسالة، وهذا معلومٌ من أدلة أخرى كقوله: (( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ))[الأنعام:124] لكن نريد أن نأخذها من هذه الآية.
ومنها أيضًا: أن ما جاءَ به النبي عليه الصلاة والسلام فهو حقّ ليس بباطل فإذا نظرْتَ إلى أخبارِه وجدتها صدقًا، وإذا نظرتَ إلى أحكامه وجدتها عدلًا، وهذا هو الحق، لأن الحق بالنسبة للخبَر هو الصدق، والحق بالنسبة للحُكْم هو العدل.
ومن فوائدها: أن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام جمعَتْ بين البَشَارة والإنذار لقولِه: (( بشيرًا ونذيرًا )).
ومن فوائدِها أيضًا: أنَّ الإنسان يجتمِعُ فيه خصلتان متضَادَّتَان في المعنى وإن كانتا مُتَّفِقَتَيْن في المـُراد: بشِير ونذِير لأنَّ المـُبشِّر هو الذي يعِدُ الناس بالخير ويفتَحُ لهم بابَ الرجاء، والمنذر هو الذي يخوفِّهم مِن... فبينهما من حيث المعنى تفاضُل، وهما يجتمعا في عينٍ واحدة، هل ننتقل من هذه الفائدة إلى أنَّ الإنسان قد يجتَمِعُ فيه خصالُ إيمان وخصالُ كُفْر؟
الطالب: .....
الشيخ : لا مو متلازمان، ما هو متلازم إذا رأيتُ جيشًا مقبلًا على البلد فأنا أنذرُهم ولا أبشِّرُهم، لكن إذا رأيت أن الجيش قد انصرف فأنا أبشِّرُهم وعلى كل حال المعلوم من مذهب أهل السنة والجماعة وهو الحق أنَّ الإنسان قد يجتمع فيه خصالُ إيمان وخصالُ كفر فيكون مؤمنًا من وَجه وكافرًا مِن وجه كقولِه عليه الصلاة والسلام: ( اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النَّسب والنياح على الميت ) وقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام أيضًا: ( سبابُ المسلم فسوق وقتالُه كفر ) مع أنَّ قتالَه لا يخرِجُ مِن الإيمان، لقولِه: (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ))[الحجرات:9] إلى قولِه: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ))[الحجرات:10] وقولُه لا ما وصلنا (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ))
فيها أيضًا مِن الفوائد: أنَّ الأمرَ كُلَّه للهِ ليس لأحدٍ مشاركةٌ فيه حتى أعظَمُ الناس منزلة لا يشارِكُ اللهَ تعالى فيما يختَصُّ به لقوله: (( إنَّا أرسلناك )) ومعلومٌ أنَّ مقام المـُرسِل أعلى مِن مقام المـُرسَل
ومِن فوائدِها أيضًا: أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام أهلٌ للرسالة إذا جعلنا (( بالحقّ )) حالًا من (( نا )) الفاعل أي إنا أرسلناك مُحِقِّينَ بذلك فيكون فيه دليل على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أهلٌ للرسالة، وهذا معلومٌ من أدلة أخرى كقوله: (( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ))[الأنعام:124] لكن نريد أن نأخذها من هذه الآية.
ومنها أيضًا: أن ما جاءَ به النبي عليه الصلاة والسلام فهو حقّ ليس بباطل فإذا نظرْتَ إلى أخبارِه وجدتها صدقًا، وإذا نظرتَ إلى أحكامه وجدتها عدلًا، وهذا هو الحق، لأن الحق بالنسبة للخبَر هو الصدق، والحق بالنسبة للحُكْم هو العدل.
ومن فوائدها: أن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام جمعَتْ بين البَشَارة والإنذار لقولِه: (( بشيرًا ونذيرًا )).
ومن فوائدِها أيضًا: أنَّ الإنسان يجتمِعُ فيه خصلتان متضَادَّتَان في المعنى وإن كانتا مُتَّفِقَتَيْن في المـُراد: بشِير ونذِير لأنَّ المـُبشِّر هو الذي يعِدُ الناس بالخير ويفتَحُ لهم بابَ الرجاء، والمنذر هو الذي يخوفِّهم مِن... فبينهما من حيث المعنى تفاضُل، وهما يجتمعا في عينٍ واحدة، هل ننتقل من هذه الفائدة إلى أنَّ الإنسان قد يجتَمِعُ فيه خصالُ إيمان وخصالُ كُفْر؟
الطالب: .....
الشيخ : لا مو متلازمان، ما هو متلازم إذا رأيتُ جيشًا مقبلًا على البلد فأنا أنذرُهم ولا أبشِّرُهم، لكن إذا رأيت أن الجيش قد انصرف فأنا أبشِّرُهم وعلى كل حال المعلوم من مذهب أهل السنة والجماعة وهو الحق أنَّ الإنسان قد يجتمع فيه خصالُ إيمان وخصالُ كفر فيكون مؤمنًا من وَجه وكافرًا مِن وجه كقولِه عليه الصلاة والسلام: ( اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النَّسب والنياح على الميت ) وقال النبيُّ عليه الصلاة والسلام أيضًا: ( سبابُ المسلم فسوق وقتالُه كفر ) مع أنَّ قتالَه لا يخرِجُ مِن الإيمان، لقولِه: (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ))[الحجرات:9] إلى قولِه: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ))[الحجرات:10] وقولُه لا ما وصلنا (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ))
فيها أيضًا مِن الفوائد: أنَّ الأمرَ كُلَّه للهِ ليس لأحدٍ مشاركةٌ فيه حتى أعظَمُ الناس منزلة لا يشارِكُ اللهَ تعالى فيما يختَصُّ به لقوله: (( إنَّا أرسلناك )) ومعلومٌ أنَّ مقام المـُرسِل أعلى مِن مقام المـُرسَل
10 - فوائد قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ))
سبحانه وتعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) الخطَابُ في قولِه: (( إنا أرسلناك )) للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والإرسَال هو تحميل المرسَل شيئًا يبَلِّغُه إلى المرْسَلِ إليهم، والجملة كما نشاهد مُؤَكَّدة بـ(إنَّ) وتوكيد الجملة يدُلُّ على الاهتمام بها مِن أجل أن يُؤْمِنَ بها الإنسان إيمانًا كاملًا، يقول الله تعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ )) الباء هنا إمَّا أن تكونَ للتعدية تقول: وأرسلته بكذا لبيان المرسَل بِه، وإما أن تكونَ للمصاحبة والمؤلف رحمه الله يقول : (( بالحق )) بالهدى " وكأنَّه أخذَ هذا التفسير من قولِه تعالى: (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ))[التوبة:33] ولكن الصحيح في الآية أنَّ المراد (( بالحق )) ضِدُّ الباطل فيشمل الصِّدقَ في الخبر والعدلَ في الأحكَام، أي بالصدقِ في الأخبار والعدلِ في الأحكام وليس الهدى فقط بلِ الهدى والصَّلَاح والإِصلاح وغيرَ ذلك، أمَّا في قوله تعالى: (( بالهدى ودين الحق )) فنعم ممْكن أن نقول: المراد بالهدى هناك أن نقُول المراد به العلْم النافع لأنَّه ذكرَ الهدى وذكرَ الدين فذكرَ العلم والعمَل أمَّا هنا فلا ينبغي أن نقْتَصِر على قولنا الحق أي الهدى، بل نجعلُه أعمّ من ذلك لِيشمل الهدى الذي هو العلم ويشمل دينَ الحق الذي هو الرُّشْد والصلاح والإصلاح، فالرسول عليه الصلاة والسلام قد تضمَّنَتْ رسالتُه العلومَ النافعة كلَّها والصلاح للخلْق في معاشِهم ومعادِهم، وما جاءَ به فقد تضَمَّنَ الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام، قال تعالى: (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) (( بشيرًا )) هذه حَال بمعنى مُبَشِّر حالٌ مِن الكاف في (( أرسلناك ))، قال المؤلف: (( بشيرًا )) مَن أجابَ إليه (( ونذيرًا )) مَن لم يُجِبْ إليه " والبَشَارة هي الإخبارُ بما يَسُرّ، وقد تُسْتَعْمَل في الإخبَار بما يسُوء كما في قولِه تعالى: (( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ))[التوبة:34]، وأمَّا الإنذار فهو التَّخْويف أي الإعلام بما يُخَوِّف، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام كانت رسالته بَشَارَة وإِنْذَار، لأنها إمَّا أمرٌ يُبَشَّرُ فاعلُه بما يقتَضِيه ذلك الأمر، وإما نهي يُخَوَّفُ صاحبُه مِن ارتكابِه، فالشريعة كلها بَشَارة ونَذَارة، وقولُ المؤلف رحمه الله: (( بشيرًا )) مَن أجاب إليه (( ونذيرًا )) مَن لم يُجِبْ " قد يُقال: إنَّ الأولى إبقاءُ الآية على عمومِها أي بشيرًا لِمَن أجاب إليه ونذيرًا له في نفس الوقت لأنَّ مَن أجاب أيضًا يحتاجُ إلى إنذَار فيكونُ البَشارة والإنذار شامِلة لِمَن أجاب ومَن لم يُجِب حتى مَن لَم يُجِب يُبَشَّر إن أجاب طيب (( بشيرًا ونذيرًا ))
تفسير قول الله تعالى : (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ))
ثم قال: (( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) (( إن )) بمعنى (ما) فهي نافية وقد ذكرنا لها ضابطًا فيما سبق أي ذكرنا لـ(إن) النافية ضابطًا لكنه لا يُحيط بِجميعِ مواردِها وهو أنَّه إذا أتتْ بعدَها إلَّا فهي نافية مثل: (( إن أنت إلا نذير ))، (( إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ))[المائدة:110]، (( إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ ))[ص:7] (( إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ ))[الشعراء:137]، ومنها أيضًا هذه الآية (( إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) وقولُه: (( من )) زائدَة زائدة، زائدةٌ إعرابًا زائدةٌ معنى فإن قلت: كيف تكون زائدة زائدة؟ قلنا: لأَنَّ (زاد) يُستعمَلُ لازمًا ومتعديًا فيقال: زادَ الطينَ بَلَّةً هذا مُتَعَدِّي، (( فزادتهم إيمانًا )) هذا متعدي أيضًا وتقول: زادَ المالُ هذه لازمة فمعنى زائدة زائدة يعني زائدة هذا مِن الناقص الذي هو الزيادة أي نعم، مِن الناقص الذي لا يتَعَدَّى، وزائدة الثانية مِن المتعدي طيب، و(( أمةٍ )) مبتدأ مرفُوع بضمة مقدرة على آخره منعَ مِن ظهورها اشتغالُ المحل بحركةِ حرفِ الجر الزائِد، (( إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ )) قال المؤلف رحمه الله: (( خَلَا )) بمعنى سلَف، (( فيها نذير )) أي نبيٌّ ينذِرُها، والأمَّة هنا بمعنى الطائِفة وتأتي في القرآن على أربعةِ أوجه تكُون بمعنى الطائِفة كما هنا، وتكون بمعنى الزَّمَن مثالُها (( وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ))[يوسف:45] وتكُون بمعنى الدين والمِلَّة (( وَأنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً )) وتكونُ بمعنى الإمام .. (( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا ))[النحل:120]، ما مِن أُمَّة (( إلا خلا فيها نذير )) أي سَلَفَ ومضى نذيرٌ ينذرُها وذلك لِتقومَ الحُجَّةُ على العباد لأنَّ العقولَ مهما بلغَتْ لا يمكن أن تعرِف ما يجِبُ للهِ عز وجل مِن الحقوق كما لا يمكن أن تعرف ما يجِبُ له مِن الأسماء والصفات على سبيلِ التفصيل، وإن كان العقْل يُدْرِك أن الإنسان لابُدَّ أن يعبُدَ خالقَه ويدرِك أنَّ الخالق لابد أن يكُون متصفًا بصفاتِ الكمال، لكن على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل، فمِن أجلِ ذلك أرسلَ اللهُ الرسل لتقومَ الحجة على العباد فما مِن أمة إلَّا خلا فيها نذير، قد تكون الأنبياء في وقت واحد في أمكنَةٍ متعددة وقد يكون الأنبياء في وقت واحد في مكَان واحد، أما أن يوجَد مكانٌ واحد لم يكُن فيه نبي فهذا لا يمكِن، لا بُد أن تكونَ جميعُ الأمم قد بُعِثَ إليها الرُّسُل، ونظيرُ هذا قولُه تعالى: (( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ َ )) بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ
فوائد قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ))
يُستفاد مِن هذه الآية الكريمة عدةُ فوائد منها ثُبُوتُ رسالةِ النبي صلى الله عليه وسلم على وجْهٍ مؤكدٍ لا مِرْيَةَ فيه مِن قولِه: (( إنا أرسلناك )).
ومنها: فضِيلةُ النبيِ صلى الله عليه وسلم لكونِه رسولَ ربِّ العالمين فإنَّ الرسالة مَقامٌ عظيم لا ينالُها إلا مَن هو أهلٌ لها كما قال الله تبارك وتعالى: (( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ))[الأنعام:124] ويقول الله عز وجل: (( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ))[البقرة:253] وهم أَي الرسل مفضَّلون على مَن سواهم مِن الخلق ففي الآية فضيلة ومنقَبَةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: بيانُ ما يشتمل عليه دينُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام مِن الحق الذي ضدُّه الباطل، والباطِل إن كان في الأخبار فهو الكذِب، وإن كان في الأحكام فهو الجَوْر والظُّلْم، وعليه فرسالةُ النبي صلى الله عليه وسلم متضَمِّنَةٌ للحق في الأخبار وفي الأحكام، ففيه بيان أيضًا فضيلة هذه الشريعة الإسلامية التي جاء بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
ومِن فوائد الآية الكريمة: أن كلَّ ما كان حقًّا فإنَّ الشريعة جاءَتْ به سواءٌ نصَّتْ عليه بمعناه الخاص أو بالمعنى العام، ومِن ثمَّ أثبتَ بعض الفقهاء أو بعض الأصوليين ما يسَمَّى بالمصالح المرسلة وجعلوها دليلًا مستقلًا، والصواب أنها ليست دليلًا مستقلًا، لأنَّ هذه المصالح إن شَهِدَ الشرعُ لها فهي مِن الشرع ولا حاجَةَ إلى أن نجعلَها دليلًا مسْتَقِّلًّا، وإن لم يشهَدْ لها فليست بمصلحَة وصاحبُها الذي زعمَها مصلحَة يُعْتَبَرُ واهمًا، فكونه أن يثبت دليلًا خامسًا يسَمِّيه المصالح المرسلَة هذا خطَأ لِماذا؟ لِمَا قلتُ لكم الآن وهو أنَّ هذه المصلحة إن شهِدَ لها الشرع فهي مِن الشرع دلَّ عليها الكتاب والسنة، وإن لم يشهدْ لها فليست بمصلحة فلا تُعْتَبَر، طيب ولذلك أيضًا زعْمُ بعضِهم إحداثَ دليلٍ سادس وهو استِصْحَابُ الحال بمعنى أنَّ الأمرَ يبقَى على ما كان عليه حتى يتبَيَّنَ ارتفاعُه وانتفاؤُه، هذا أيضًا ليس بصواب يعني لا يصِحّ أن نجعلَه دليلًا مستقلًا لِماذا؟ لأنَّه قد دَلَّتْ عليه السنة فقد شُكِيَ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام الرجل يُخَيَّل إليه أنَّه يجد الشيء في الصلاة فقال: ( لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحُا ) إذًا نبنِي على إيش؟ على بقَاءِ الأصْل واستصْحَابِ الحال وحينئَذٍ لا يَحتاجُ أن نجْعَلَ هذا دليلًا مستقلًا وإنَّما جعَلَ بعض العلماء هذين الدلِيلَيْن مُسْتَقِلَّيْن، لأَنَّ الإنسان يَنْقَدِحُ في ذهنه أنَّ هذا شيءٌ منفصِل عن دَلالة الكتاب والسنة فيذهَب ويجعلُه دليلًا مستقلًا، وإلَّا فلو تأمَّل لوجَدَ أنَّ ذلك موجودٌ في الكتاب والسنَّة وأنَّه لا حاجةَ إلى أن نُثْبِتَه دليلًا مستقلًا، ولقد تجَرَّأَ بعض المتأخِّرِين على الدليلِ الأول وهو المصَالح المرسلة حتى أدخَلَ فيه ما شَهِدَ الشَّرعُ ببطلانِه، ومِن ذلك قولُهم بإجازة الرِّبَا البَنْكِيّ وأنَّه يجُوز، بِناءً على ما توهموه مِن المصالِح المرسلة، وقالوا: إنَّ اقتصَادِيَّاتِ العالم في العصْرِ الحاضر لا تَتِمّ إلا باستعمالِ هذه الطريقَة، فالألْفاظ والأسَالِيب إذا جاءت على غيرِ ما جاءَ في الكتاب والسنة يحصُل بِها مفسَدَة فهُنا أدخلُوا شيئًا شَهِدَ الشرع ببطلانِه وإذا شهِدَ الشرع ببطلانِه فإنَّنا نشهد أنَّه ليس فيه مصلحَة وأنَّ المصلحةَ الموهومةَ منه يخلُفُها مفاسد كثيرة فلهذا نحنُ نرى ألَّا
ومنها: فضِيلةُ النبيِ صلى الله عليه وسلم لكونِه رسولَ ربِّ العالمين فإنَّ الرسالة مَقامٌ عظيم لا ينالُها إلا مَن هو أهلٌ لها كما قال الله تبارك وتعالى: (( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ))[الأنعام:124] ويقول الله عز وجل: (( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ))[البقرة:253] وهم أَي الرسل مفضَّلون على مَن سواهم مِن الخلق ففي الآية فضيلة ومنقَبَةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: بيانُ ما يشتمل عليه دينُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام مِن الحق الذي ضدُّه الباطل، والباطِل إن كان في الأخبار فهو الكذِب، وإن كان في الأحكام فهو الجَوْر والظُّلْم، وعليه فرسالةُ النبي صلى الله عليه وسلم متضَمِّنَةٌ للحق في الأخبار وفي الأحكام، ففيه بيان أيضًا فضيلة هذه الشريعة الإسلامية التي جاء بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
ومِن فوائد الآية الكريمة: أن كلَّ ما كان حقًّا فإنَّ الشريعة جاءَتْ به سواءٌ نصَّتْ عليه بمعناه الخاص أو بالمعنى العام، ومِن ثمَّ أثبتَ بعض الفقهاء أو بعض الأصوليين ما يسَمَّى بالمصالح المرسلة وجعلوها دليلًا مستقلًا، والصواب أنها ليست دليلًا مستقلًا، لأنَّ هذه المصالح إن شَهِدَ الشرعُ لها فهي مِن الشرع ولا حاجَةَ إلى أن نجعلَها دليلًا مسْتَقِّلًّا، وإن لم يشهَدْ لها فليست بمصلحَة وصاحبُها الذي زعمَها مصلحَة يُعْتَبَرُ واهمًا، فكونه أن يثبت دليلًا خامسًا يسَمِّيه المصالح المرسلَة هذا خطَأ لِماذا؟ لِمَا قلتُ لكم الآن وهو أنَّ هذه المصلحة إن شهِدَ لها الشرع فهي مِن الشرع دلَّ عليها الكتاب والسنة، وإن لم يشهدْ لها فليست بمصلحة فلا تُعْتَبَر، طيب ولذلك أيضًا زعْمُ بعضِهم إحداثَ دليلٍ سادس وهو استِصْحَابُ الحال بمعنى أنَّ الأمرَ يبقَى على ما كان عليه حتى يتبَيَّنَ ارتفاعُه وانتفاؤُه، هذا أيضًا ليس بصواب يعني لا يصِحّ أن نجعلَه دليلًا مستقلًا لِماذا؟ لأنَّه قد دَلَّتْ عليه السنة فقد شُكِيَ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام الرجل يُخَيَّل إليه أنَّه يجد الشيء في الصلاة فقال: ( لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحُا ) إذًا نبنِي على إيش؟ على بقَاءِ الأصْل واستصْحَابِ الحال وحينئَذٍ لا يَحتاجُ أن نجْعَلَ هذا دليلًا مستقلًا وإنَّما جعَلَ بعض العلماء هذين الدلِيلَيْن مُسْتَقِلَّيْن، لأَنَّ الإنسان يَنْقَدِحُ في ذهنه أنَّ هذا شيءٌ منفصِل عن دَلالة الكتاب والسنة فيذهَب ويجعلُه دليلًا مستقلًا، وإلَّا فلو تأمَّل لوجَدَ أنَّ ذلك موجودٌ في الكتاب والسنَّة وأنَّه لا حاجةَ إلى أن نُثْبِتَه دليلًا مستقلًا، ولقد تجَرَّأَ بعض المتأخِّرِين على الدليلِ الأول وهو المصَالح المرسلة حتى أدخَلَ فيه ما شَهِدَ الشَّرعُ ببطلانِه، ومِن ذلك قولُهم بإجازة الرِّبَا البَنْكِيّ وأنَّه يجُوز، بِناءً على ما توهموه مِن المصالِح المرسلة، وقالوا: إنَّ اقتصَادِيَّاتِ العالم في العصْرِ الحاضر لا تَتِمّ إلا باستعمالِ هذه الطريقَة، فالألْفاظ والأسَالِيب إذا جاءت على غيرِ ما جاءَ في الكتاب والسنة يحصُل بِها مفسَدَة فهُنا أدخلُوا شيئًا شَهِدَ الشرع ببطلانِه وإذا شهِدَ الشرع ببطلانِه فإنَّنا نشهد أنَّه ليس فيه مصلحَة وأنَّ المصلحةَ الموهومةَ منه يخلُفُها مفاسد كثيرة فلهذا نحنُ نرى ألَّا
اضيفت في - 2011-05-25