تفسير سورة فاطر-06a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تابع لفوائد قول الله تعالى : (( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ))
فلنَجْعَلْ دليلًا مستقِلًّا وإلَّا فليس مِن الشرع وليس فيه مصْلَحَة، والمصَالح الموهُومة فيه إذا كانت مُخَالِفَة للشرع لابد أن يخلُفَها مَفَاسِد كثيرة، طيب.
مِن فوائدِ الآية الكريمة أنَّ رسالَةَ النبي عليه الصلاة والسلام تتَضَمَّن مِن حيثُ الجَزَاء أَمْرَين: هما البَشَارة والإِنذَار، البَشارة لمن أطاع والإنذَار لمن خالَف سواءٌ كانت تلك الطاعَة عامَّة أو في بعض الأشياء، وكذلك نقول في المخالفة.
ومِن فوائدِ الآية الكريمة أنَّ مآلَ الناس إمَّا إلى جنة وإمَّا إلى نار وليس ثَمَّةَ دارٌ ثالِثَة لِأَنَّ البَشَارَةَ بالجَنَّة والإنذار بالنار وليس هناك دَارٌ ثالِثَة يصِلُ الناس إليها.
ومِن فوائد الآية الكريمة الترغيب في طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في قولِه: (( بشيرًا ونذيرًا )) والتخوِيف من مخالفَتِه لِقولِه: (( بشيرًا ونذيرًا ))
مِن فوائدِ الآية الكريمة أنَّ رسالَةَ النبي عليه الصلاة والسلام تتَضَمَّن مِن حيثُ الجَزَاء أَمْرَين: هما البَشَارة والإِنذَار، البَشارة لمن أطاع والإنذَار لمن خالَف سواءٌ كانت تلك الطاعَة عامَّة أو في بعض الأشياء، وكذلك نقول في المخالفة.
ومِن فوائدِ الآية الكريمة أنَّ مآلَ الناس إمَّا إلى جنة وإمَّا إلى نار وليس ثَمَّةَ دارٌ ثالِثَة لِأَنَّ البَشَارَةَ بالجَنَّة والإنذار بالنار وليس هناك دَارٌ ثالِثَة يصِلُ الناس إليها.
ومِن فوائد الآية الكريمة الترغيب في طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في قولِه: (( بشيرًا ونذيرًا )) والتخوِيف من مخالفَتِه لِقولِه: (( بشيرًا ونذيرًا ))
فوائد قول الله تعالى : (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ))
ومِن فوائد الآية الكريمة لُطْفُ الله تعالى بعبادِه بإرسالِ الرسُل إلى جميعِ الخَلْق (( وإن مِن أُمَّة إلَّا خلا فيها نذير )) وقد بيَّن اللهُ سبحانه وتعالى ذلك في قوله: (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) يعني إلَّا لِنرحمَ بك العالمين وليس الرسولُ نفسُه هو الرحْمة، ولكنَّه أُرسِل لرحمة الخلق ليرْحَمَ الله الخلق برسالتِه.
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا بُطْلَان الاحتجاج بالقدَر على مَعصيةِ الله لقولِه: (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) ولو كان الاحتجَاجُ بالقَدَر على المعاصي والمخالفات لو كان ثابتًا لم يرتَفِع بإرسَالِ الرسل، لأَنَّ القدر لا يرتفع بإرسالِ الرسل، فالرسل أرسلَهم الله تعالى إقامةً للحجة على الخلْق ورحمةً بهم أيضًا، لِهذا ولِهذا.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليس ببدعٍ مِن الرسل حتى تُنْكَرَ رسالته ويقال: كيف جاء هذا الرجل برسالة مِن عند الله (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) ويشهَدُ لهذا قوله تعالى: (( قل ما كنت بدعا من الرسل )).
ومن فوائد الآية الكريمة قُصُور العقول عن معرفة ما يجِبُ للهِ تعالى، لأنَّها لو استقَلَّت بذلك ما احتاجَت إلى إرسال الرسل.
ومنها أيضا بُطلانُ ما ذهب إليه المتكلمون مِن أهل البدع الذين بنَوْا عقيدتَهم على ما يقتضِيه العقل وقالوا: ما اقتضى العقل إثباتَه لله أثبتْنَاه سواءٌ كان مذكورًا في الكتاب والسنة أم لم يُذْكَر، وما نفاه العقل وجبَ علينا نفيُه وإن ذُكِرَ في الكتاب والسنة، وما لم يدُلّ العقل على نفيه وإثباتِه فإنَّنا نَتَوَقَّف فيه وأكثرُهم قالوا: ننفيه لأنه لا بد مِن دلالة العقل على إثباتِه، فإذا لم يدُلَّ على إثباته وجبَ نفيُه لعدَم وجود الدليل، يلّا يا عبد المنان! .. في هذه الفائدة؟
الطالب: ....
الشيخ : وإثباته، وما لا يقتضي إثباته ولا نفيه؟
الطالب: يتوقفون فيه ...
طيب تُؤخَذ مِن قولِه: (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) ووجْهُ ذلك أنَّه لو كانت العُقُول هي المرْجِع ما احتِيجَ إلى إرسَال الرُّسُل
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا بُطْلَان الاحتجاج بالقدَر على مَعصيةِ الله لقولِه: (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) ولو كان الاحتجَاجُ بالقَدَر على المعاصي والمخالفات لو كان ثابتًا لم يرتَفِع بإرسَالِ الرسل، لأَنَّ القدر لا يرتفع بإرسالِ الرسل، فالرسل أرسلَهم الله تعالى إقامةً للحجة على الخلْق ورحمةً بهم أيضًا، لِهذا ولِهذا.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ليس ببدعٍ مِن الرسل حتى تُنْكَرَ رسالته ويقال: كيف جاء هذا الرجل برسالة مِن عند الله (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) ويشهَدُ لهذا قوله تعالى: (( قل ما كنت بدعا من الرسل )).
ومن فوائد الآية الكريمة قُصُور العقول عن معرفة ما يجِبُ للهِ تعالى، لأنَّها لو استقَلَّت بذلك ما احتاجَت إلى إرسال الرسل.
ومنها أيضا بُطلانُ ما ذهب إليه المتكلمون مِن أهل البدع الذين بنَوْا عقيدتَهم على ما يقتضِيه العقل وقالوا: ما اقتضى العقل إثباتَه لله أثبتْنَاه سواءٌ كان مذكورًا في الكتاب والسنة أم لم يُذْكَر، وما نفاه العقل وجبَ علينا نفيُه وإن ذُكِرَ في الكتاب والسنة، وما لم يدُلّ العقل على نفيه وإثباتِه فإنَّنا نَتَوَقَّف فيه وأكثرُهم قالوا: ننفيه لأنه لا بد مِن دلالة العقل على إثباتِه، فإذا لم يدُلَّ على إثباته وجبَ نفيُه لعدَم وجود الدليل، يلّا يا عبد المنان! .. في هذه الفائدة؟
الطالب: ....
الشيخ : وإثباته، وما لا يقتضي إثباته ولا نفيه؟
الطالب: يتوقفون فيه ...
طيب تُؤخَذ مِن قولِه: (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) ووجْهُ ذلك أنَّه لو كانت العُقُول هي المرْجِع ما احتِيجَ إلى إرسَال الرُّسُل
تفسير قول الله تعالى : (( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ))
ثم قال الله تعالى: (( وإن يُكذِّبُوك )) أي أهْلُ مكة هذا تفسير للواو في قولِه: (( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم )) يعني فليس ببِدْع أن يكذَّبك قومُك، لأنَّ الذين مِن قبلِهم كذَّبُوا الرسل كقوله تعالى: (( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا ))[الأنعام:34] يعني ليس الأمر مُقْتَصِرًا على أنه التَّكْذِيب فقط بل تكذيب وأَذِيَّة بالقول وأذِيَّة بالفعل بل أعظَمُ من ذلك القتْل فإن كثيرًا مِمَّن أرسَل الله إليهم الرسل قتلُوهم، يقول: (( وإن يكذبوك )) أي أهلُ مكة " لماذا نخصُّهم بأهل مكة؟ الصحيح أنَّه ليس خاصًّا بأهل مكة بل أهل مكة وغيرهم الرسول كذبَه أهل مكة وكذَّبه أهل الطائف وغيرهم مِن المشركين، فالصواب العموم (( إن يكذبوك فقد كذَّب الذين من قبلهم )) (الذين) وش تُعْرِبونه؟
الطلبة: فاعل.
الشيخ : فاعل، و أين المفعُول؟ محذوف أي: فقد كذَّب الذين مِن قبلهم رسلَهم، قال: (( جاءتهم رسلُهم بالبينات والزبر [كذا] والكتاب المنير )) ومع ذلك كفروا جاءتهم رسلُهم بالبينات الباء هذه للمصاحبة ويحتَمِل أنها للتعدية يعني: أتَوْا بالبينة التي تُبَيِّن صدقَهم، وقولُ المؤلف: المعجزات هذا هو تعبير كثيرٍ من المتأخرين ولكنَّ الصواب أن يقال بالآيات وأنَّ (البينات) هذه صفة لموصوف محذوف تقديرُه: بالآياتِ البيناتِ أي الظاهرة، والآياتُ التي جاء بها الرسل حسبية ومعنوية، فمِن الآيات الحسية ما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام مِن العصا واليد وغير ذلك، ومِن الآيات المعنية ما جاء به مِن التوراة، وكذلك عيسى وغيرُهما مِن الرسل كلُّ رسول لم يأتِ إلا بِبَيِّنَة، وقد ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من رسول أرسلَه الله إلا آتاه مِن الآيات ما يؤمِنُ على مثله البَشَر، وإنما كان كذلك، لأنه ليس مِن الحكمة ولا مِن الحُجَّة ولا مِن الرَّحْمة أن يُرْسَل رسولٌ إلى الخلق يستبِيحُ دماءَ المخالفين له وأموالَهم ونسائَهم بدون بَيِّنَة، حتى لو فُرِض أنَّ أحدًا كذَّبَه وهو لم يأتِ ببيِّنة لكان المكذِّبُ معذُورًا، لأنَّ البينة على المدِّعِي فكان مِن حكمة الله ورحمتِه وإقامة حجَّتِه أن يجعَل مع الرسل آيات تشهَد بصدق ما جاءُوا به، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنَّ الآيات التي جاءَت بها الرسل ولاسيَّما الآياتُ الحسية تكونُ مناسِبَةً لما كان في عصرِهم أو لأبرزِ الأمور في عصرِهم، وضربوا لذلك مثلًا بأنَّ موسى عليه الصلاة والسلام جاءَ بالعصا واليد، لأنَّه اشتهر في عصره وبرز في عصرِه صناعَةُ السِّحْر فجاءَ بأمر فوقَ ما تجِيءُ به السَّحَرة، السحرة إنما يُمَوِّهُون ويُخَيِّلُون وهو جاء بالحقيقة، وألقَوْا حبالهم وعصيهم فإذا هو يُخَيَّلُ إليه مِن سحرهم أنها تسْعَى، يُخَيَّلُ إليه ولكنَّه ليس بحقيقة هو ألقى عصَاه فصارت حقِيقَةً فعليَِّة تلقف ما يأفِكُون، قالوا: وعيسى عليه الصلاة والسلام أتى في وقتٍ ترَقَّتْ فيه صناعَةُ الطب فجاء بأمرٍ يعجَزُ عنه الأطباء ولا يستطيعُونه جاء بإبراءِ الأكمَه والأبرَص وإحياءِ الموتى وخلقِ صورة من الطين يَنفخ فيها فتطير يتكون طيرًا حقيقيًّا وهذا يعجز عنه الطب، لا يمكن لأيِّ طبيب يكونُ أمامَه رجلٌ ميت فيقول: قم فيقُوم أبدًا، لا يمكن لأيِّ طبيب يأتي إلى المقابِر ويقف على القبر ويقول: اخرُجْ فيخرج، وعيسى يفعل ذلك كما قال الله تعالى: (( وإذ تخرج الموتى بإذني )) تخرِجُهم مِن مدافِنِهم، ولا يمكن لأن إنسان مِن الأطباء أو غيره أن يخلُقَ من الطير فينفخ فيه فيطير أبدًا، الأكمَه والأبرص لا يمكِن لأحدٍ أن يبرِئَه مِن المرض الذي أصابه بمثل ما يُبْرِئُهُ عيسى عليه الصلاة والسلام يُؤتَى إليه بذوي العاهات ويمسَح بيده عليه ويبرَأ يزُول بأنْ هذا البرص الذي قد ملَأ الجِلْد أو أكثرَه يُمِرُّ يدَه عليه فلا تتعدى يدُه مكانًا إلا عادَ على طبيعتِه نعم، هذا لا يسْتَطِيع أحدٌ مِن الأطباء مهما بلغَ في الطِبّ أن يصِل إلى هذا الحال، قالوا: ومحمد صلى الله عليه وسلم أتى إلى قومٍ قد بلَغُوا في البلاغة ذُروتَها فجاء بكلامٍ لا يستطيعون مُبَاراتَه أبدًا وهو كلام الله، وتحدَّاهم الله تعالى في عدَّةِ آيات أن يأتُوا بسُورَة مثله أو بعشْرِ سُوَرٍ مثله أو بحديث مثله فلم يستطيعوا، المهم أنَّ جميع ما جاءت به الرسل آياتٌ بينات.
يقول: (( والزبر )) قال: كصُحُفِ إبراهيم " الزُّبُر جمع زَبُور وهو ما يُزْبَرُ ويُؤْثَر يعني الكتاب، ولو أنَّ المؤلف قال: كزبُور داوود لكان أنسب للآية، لأن صحف إبراهيم ما ذكرَ الله أنها زبُرٌ لكن ذَكَر (( وآتينا داوود زبورا )).
(( والكتابِ المنير )) هو التوراة والإنجيل " نعم، الكتاب المنير الصواب أنَّه ليس التوراة والإنجيل بل كُلُّ كتاب بعث الله به الرسول ينِيرُ الطريق لأمَّتِه فيَشْمَل التَّوراة والإنجِيل والزبور وصُحُف إبراهيم وغير ذلك ما مِن رسول أرسلَه الله إلا معه كتاب (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ))[الحديد:25] وقال تعالى: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ))[البقرة:213] فلا يمكن أن نقول: إنَّ نوحًا عليه السلام أرسل بدون كتاب أبدًا، لابدَّ أنه أُرْسِل بكتاب لكن لا يلزم مِن كونه أرْسِلَ به أن يُذْكَر لنا هذا الكتاب، قال: (( والكتاب والمنير )) يقول المؤلف: " فاصبِر كما صبروا " هذه الواو حرف عطف والزُّبر معطوف على البينات بإعادَة حرف الجر، مثل ما قلنا إمَّا أنَّها للمصاحبة يعني: جاءوا مصطحبين هذا الأشياء أو أنَّها للتعدية كما تقول: أتيتُ بدرهم أتيتُ بطعام أتيت بشرابٍ وما أشبه ذلك، طيب يقول: فاصبر كما صبرُوا " وهل صبَرَ الرسول؟ نعم صبرَ صبرًا لا يصبِرُه إلا أولو العزم
الطلبة: فاعل.
الشيخ : فاعل، و أين المفعُول؟ محذوف أي: فقد كذَّب الذين مِن قبلهم رسلَهم، قال: (( جاءتهم رسلُهم بالبينات والزبر [كذا] والكتاب المنير )) ومع ذلك كفروا جاءتهم رسلُهم بالبينات الباء هذه للمصاحبة ويحتَمِل أنها للتعدية يعني: أتَوْا بالبينة التي تُبَيِّن صدقَهم، وقولُ المؤلف: المعجزات هذا هو تعبير كثيرٍ من المتأخرين ولكنَّ الصواب أن يقال بالآيات وأنَّ (البينات) هذه صفة لموصوف محذوف تقديرُه: بالآياتِ البيناتِ أي الظاهرة، والآياتُ التي جاء بها الرسل حسبية ومعنوية، فمِن الآيات الحسية ما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام مِن العصا واليد وغير ذلك، ومِن الآيات المعنية ما جاء به مِن التوراة، وكذلك عيسى وغيرُهما مِن الرسل كلُّ رسول لم يأتِ إلا بِبَيِّنَة، وقد ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه ما من رسول أرسلَه الله إلا آتاه مِن الآيات ما يؤمِنُ على مثله البَشَر، وإنما كان كذلك، لأنه ليس مِن الحكمة ولا مِن الحُجَّة ولا مِن الرَّحْمة أن يُرْسَل رسولٌ إلى الخلق يستبِيحُ دماءَ المخالفين له وأموالَهم ونسائَهم بدون بَيِّنَة، حتى لو فُرِض أنَّ أحدًا كذَّبَه وهو لم يأتِ ببيِّنة لكان المكذِّبُ معذُورًا، لأنَّ البينة على المدِّعِي فكان مِن حكمة الله ورحمتِه وإقامة حجَّتِه أن يجعَل مع الرسل آيات تشهَد بصدق ما جاءُوا به، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنَّ الآيات التي جاءَت بها الرسل ولاسيَّما الآياتُ الحسية تكونُ مناسِبَةً لما كان في عصرِهم أو لأبرزِ الأمور في عصرِهم، وضربوا لذلك مثلًا بأنَّ موسى عليه الصلاة والسلام جاءَ بالعصا واليد، لأنَّه اشتهر في عصره وبرز في عصرِه صناعَةُ السِّحْر فجاءَ بأمر فوقَ ما تجِيءُ به السَّحَرة، السحرة إنما يُمَوِّهُون ويُخَيِّلُون وهو جاء بالحقيقة، وألقَوْا حبالهم وعصيهم فإذا هو يُخَيَّلُ إليه مِن سحرهم أنها تسْعَى، يُخَيَّلُ إليه ولكنَّه ليس بحقيقة هو ألقى عصَاه فصارت حقِيقَةً فعليَِّة تلقف ما يأفِكُون، قالوا: وعيسى عليه الصلاة والسلام أتى في وقتٍ ترَقَّتْ فيه صناعَةُ الطب فجاء بأمرٍ يعجَزُ عنه الأطباء ولا يستطيعُونه جاء بإبراءِ الأكمَه والأبرَص وإحياءِ الموتى وخلقِ صورة من الطين يَنفخ فيها فتطير يتكون طيرًا حقيقيًّا وهذا يعجز عنه الطب، لا يمكن لأيِّ طبيب يكونُ أمامَه رجلٌ ميت فيقول: قم فيقُوم أبدًا، لا يمكن لأيِّ طبيب يأتي إلى المقابِر ويقف على القبر ويقول: اخرُجْ فيخرج، وعيسى يفعل ذلك كما قال الله تعالى: (( وإذ تخرج الموتى بإذني )) تخرِجُهم مِن مدافِنِهم، ولا يمكن لأن إنسان مِن الأطباء أو غيره أن يخلُقَ من الطير فينفخ فيه فيطير أبدًا، الأكمَه والأبرص لا يمكِن لأحدٍ أن يبرِئَه مِن المرض الذي أصابه بمثل ما يُبْرِئُهُ عيسى عليه الصلاة والسلام يُؤتَى إليه بذوي العاهات ويمسَح بيده عليه ويبرَأ يزُول بأنْ هذا البرص الذي قد ملَأ الجِلْد أو أكثرَه يُمِرُّ يدَه عليه فلا تتعدى يدُه مكانًا إلا عادَ على طبيعتِه نعم، هذا لا يسْتَطِيع أحدٌ مِن الأطباء مهما بلغَ في الطِبّ أن يصِل إلى هذا الحال، قالوا: ومحمد صلى الله عليه وسلم أتى إلى قومٍ قد بلَغُوا في البلاغة ذُروتَها فجاء بكلامٍ لا يستطيعون مُبَاراتَه أبدًا وهو كلام الله، وتحدَّاهم الله تعالى في عدَّةِ آيات أن يأتُوا بسُورَة مثله أو بعشْرِ سُوَرٍ مثله أو بحديث مثله فلم يستطيعوا، المهم أنَّ جميع ما جاءت به الرسل آياتٌ بينات.
يقول: (( والزبر )) قال: كصُحُفِ إبراهيم " الزُّبُر جمع زَبُور وهو ما يُزْبَرُ ويُؤْثَر يعني الكتاب، ولو أنَّ المؤلف قال: كزبُور داوود لكان أنسب للآية، لأن صحف إبراهيم ما ذكرَ الله أنها زبُرٌ لكن ذَكَر (( وآتينا داوود زبورا )).
(( والكتابِ المنير )) هو التوراة والإنجيل " نعم، الكتاب المنير الصواب أنَّه ليس التوراة والإنجيل بل كُلُّ كتاب بعث الله به الرسول ينِيرُ الطريق لأمَّتِه فيَشْمَل التَّوراة والإنجِيل والزبور وصُحُف إبراهيم وغير ذلك ما مِن رسول أرسلَه الله إلا معه كتاب (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ))[الحديد:25] وقال تعالى: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ))[البقرة:213] فلا يمكن أن نقول: إنَّ نوحًا عليه السلام أرسل بدون كتاب أبدًا، لابدَّ أنه أُرْسِل بكتاب لكن لا يلزم مِن كونه أرْسِلَ به أن يُذْكَر لنا هذا الكتاب، قال: (( والكتاب والمنير )) يقول المؤلف: " فاصبِر كما صبروا " هذه الواو حرف عطف والزُّبر معطوف على البينات بإعادَة حرف الجر، مثل ما قلنا إمَّا أنَّها للمصاحبة يعني: جاءوا مصطحبين هذا الأشياء أو أنَّها للتعدية كما تقول: أتيتُ بدرهم أتيتُ بطعام أتيت بشرابٍ وما أشبه ذلك، طيب يقول: فاصبر كما صبرُوا " وهل صبَرَ الرسول؟ نعم صبرَ صبرًا لا يصبِرُه إلا أولو العزم
3 - تفسير قول الله تعالى : (( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ))
قال الله تعالى: (( ثم أخذتُ الذين كفروا )) بتكذِيبِهم " البَاء للسببية في كلام المؤلف (أَخذْتُ الذين كفروا) لماذا أخذَهم؟ للعقاب فقومُ نوح أغرقَهم، وقوم هود أتلفَهم بالريح كذا؟ وقوم صالح بالرَّجْفَة والصيحة، وقوم لوط جعل عالي قراهم سافلَها، كلُّ المكذبين أخذَهم الله U ولهذا قال: (( فكيف كان نَكِير )) أي إنكَارِي عليهم بالعُقُوبة والإهلاك أي هو واقِعٌ موقِعَه " يعني أنَّ الاستفهام هنا للتقْرير يعني فكان نكِيرِي أي إنْكَارِي عليهم بالعقوبة كان واقِعًا موقِعَه، ولهذا لو سُئِلْت كيف كان إنكارُ الله لهم؟ الجواب أن نقُول: كان شديدًا وكان واقِعًا موقعَه فهو مُطَابِقٌ للحِكْمة تمامًا وهو عِقَابٌ شديدٌ لم يُبْقِ منهم أحدًا
فوائد قول الله تعالى : (( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ))
في الآية الكريمة هذه فوائِد منها أنَّ تَكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام ليس ببِدْعٍ مِن البشر فقد كذَّبَتِ الأمم قبلَه (( وإن يُكذِّبُوك فقد كذَّب الذين من قبلهم )).
ومنها عنايَةُ الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وسلم بذِكْرِ ما يُسَلِّيه ويُهَوِّنُ عليه الأمْر ولَّا لا؟، طيّب، وذِكْر المـُصِيبَة المماثِلة تقْتَضِي تَسلِيَةَ الإنسان وتهوينَ الأمر عليه، ولهذا لو جئتَ إلى مريض وقلت: والله أنت اليوم طيب ومرضُك أهونُ مِن مرضِ فلان، فُلَان أصيبَ بمرَض فيه كذا وكذا. يتسَلَّى ولَّا لا؟ بلا شَكّ، وكذلك لو أُصِيبَ بحادِث وقلت: إنَّ فلان أصِيبَ بحادث أعظم يتسلَّى، إذًا ففيه عناية الله تعالى برسولِه صلى الله عليه وسلم حيث يذكُر له ما يُهَوِّنُ عليه المصائب ويسَلِّيه.
ومِن فوائد الآية إنذار المكَذِّبِين لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الله ذَكَرَ كيف كان عاقبة الذين مِن قبلهم وكان عاقبتُهم الدَّمارَ والهلاك، وقد أشارَ اللهُ إلى هذا في قوله: (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ))[محمد:10] يعني لا تظُنُّوا أنَّ الدمار الذي لَحِق المكذِّبِين في السابقين لا تظُنُّوا أنَّه خاصٌّ بهم بل إذا كذَّبْتُم أصابَكم ما أصابَهم.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ اللهَ عز وجل لم يترُكِ الرسُل هَمَلا بل آتاهُم مِن البينات ما يُؤْمِنُ على مثلِه البشَر، لقولِه: (( جاءتهم رسلهم بالبينات)).
ومنها أيضًا تمامُ حكْمَةِ الله عز وجل ورحمتِه وإقامَةِ حُجَّتِه بماذا؟ تُؤْخَذ مِن قوله: (( جاءتهم رسلهم بالبينات )) لأنَّه إنما أعْطَى هؤلاءِ الرسُل البَيِّنَات لِتَمَامِ إقَامَةِ الحجَّة والرحمة والحكمة.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ مِن أعظَمِ البينات ما جاءَت به الرُّسُل مِن الشَّرائع التي تضمَّنَتْها الكُتُب، وجهُ ذلك التنصِيصُ عليها مع أنَّها مِن البينات، انتبه، أيضًا هو تنصيصٌ أعيد معَهُ العامل (( بالبينات وبالزبر )) فكأنَّها مستقلة نعم.
ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ الكتُب السماوية متضَمِّنَةٌ للنُّور، وأنَّ كل مَن أخذَ بها فقد أخَذَ بنُور يمشي به في الظلمات، لقولِه: (( الزبر والكتاب المنير)).
ومنها أنَّ المفْرَد إذا أُرِيد به الجِنْس صَارَ عامًّا لأنَّ قولَه: بالكِتَاب هذا مُفْرَد، ولكن هل الكُتُب التي جاءَت الرسل واحدة؟ كِتَابٌ واحد؟ لا، بل هي كتُبٌ كثيرة بحسَب الرسل
ومنها عنايَةُ الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وسلم بذِكْرِ ما يُسَلِّيه ويُهَوِّنُ عليه الأمْر ولَّا لا؟، طيّب، وذِكْر المـُصِيبَة المماثِلة تقْتَضِي تَسلِيَةَ الإنسان وتهوينَ الأمر عليه، ولهذا لو جئتَ إلى مريض وقلت: والله أنت اليوم طيب ومرضُك أهونُ مِن مرضِ فلان، فُلَان أصيبَ بمرَض فيه كذا وكذا. يتسَلَّى ولَّا لا؟ بلا شَكّ، وكذلك لو أُصِيبَ بحادِث وقلت: إنَّ فلان أصِيبَ بحادث أعظم يتسلَّى، إذًا ففيه عناية الله تعالى برسولِه صلى الله عليه وسلم حيث يذكُر له ما يُهَوِّنُ عليه المصائب ويسَلِّيه.
ومِن فوائد الآية إنذار المكَذِّبِين لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الله ذَكَرَ كيف كان عاقبة الذين مِن قبلهم وكان عاقبتُهم الدَّمارَ والهلاك، وقد أشارَ اللهُ إلى هذا في قوله: (( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ))[محمد:10] يعني لا تظُنُّوا أنَّ الدمار الذي لَحِق المكذِّبِين في السابقين لا تظُنُّوا أنَّه خاصٌّ بهم بل إذا كذَّبْتُم أصابَكم ما أصابَهم.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ اللهَ عز وجل لم يترُكِ الرسُل هَمَلا بل آتاهُم مِن البينات ما يُؤْمِنُ على مثلِه البشَر، لقولِه: (( جاءتهم رسلهم بالبينات)).
ومنها أيضًا تمامُ حكْمَةِ الله عز وجل ورحمتِه وإقامَةِ حُجَّتِه بماذا؟ تُؤْخَذ مِن قوله: (( جاءتهم رسلهم بالبينات )) لأنَّه إنما أعْطَى هؤلاءِ الرسُل البَيِّنَات لِتَمَامِ إقَامَةِ الحجَّة والرحمة والحكمة.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ مِن أعظَمِ البينات ما جاءَت به الرُّسُل مِن الشَّرائع التي تضمَّنَتْها الكُتُب، وجهُ ذلك التنصِيصُ عليها مع أنَّها مِن البينات، انتبه، أيضًا هو تنصيصٌ أعيد معَهُ العامل (( بالبينات وبالزبر )) فكأنَّها مستقلة نعم.
ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ الكتُب السماوية متضَمِّنَةٌ للنُّور، وأنَّ كل مَن أخذَ بها فقد أخَذَ بنُور يمشي به في الظلمات، لقولِه: (( الزبر والكتاب المنير)).
ومنها أنَّ المفْرَد إذا أُرِيد به الجِنْس صَارَ عامًّا لأنَّ قولَه: بالكِتَاب هذا مُفْرَد، ولكن هل الكُتُب التي جاءَت الرسل واحدة؟ كِتَابٌ واحد؟ لا، بل هي كتُبٌ كثيرة بحسَب الرسل
5 - فوائد قول الله تعالى : (( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ))
(( ألم ترَ أنَّ الله أنزَلَ مِن السَّماء ماءً )) إلى آخرِه، فيما سبَق: أنَّ الله أنزلَ مِن السماء ماءٍ فأخرجْنَا به إلى آخره، والاستفهام هنا للتقرير وهذا هو الغالب فيما إذا أَتى حرفُ النفي أو إذا أتَت أداة النفي بعد همزة الاستفهام أن يكونَ للتقرير مثل: (( ألم نشرح لك صدرَك )) (( أليس ذلك بقَادِر على أن يحيي الموتى )) (( أليس اللهُ بكافٍ عبده )) وأمثال ذلك، فإذا أتت أداةُ النفي بعد همزة الاستفهام فالغالِب أن يكون الاستفهام للتقرِير، وقوله: (( ألم تر )) حُذِفِت الألف للجَازِم، لأنَّ اللام تجزِم والفعْل المعتل يُجْزَم بحذف حرف العلة، وقوله: (( ومِن الجبال جُدَدٌ )) مبتدأ وخبر والخبرُ فيها مقدم، وهو قولُه (مِن الجبال)، وقوله: (( مختلفٌ ألوانها )) صفة لـ(جدد) وقوله: (( سُودٌ )) قيل: أنَّه على التقديم والتأخير أي وسُودٌ غَرَابِيب وقيل أنَّه على الأصل وأنَّ (سود) تقع موقِع التوكيد مما قبلَها لأنَّ الغِرْبِيب هو الشديد السواد، قوله: (( ألم تر )) قال المؤلف: " تعلم " فالرُؤْية هنا عِلْمِيَّة، وعُلِّقَتْ عن العمل بـ(أنَّ) وما دخلَتْ عليه فإنَّ (أنَّ) وما دخلَتْ عليه تُعَلِّق أفعال القلوب عن العمَل، ويحتمل أن تكون الرؤية هنا بَصَرِية يعني: ألم تَنْظُر وتُبْصِر لأنَّ ما ذُكِر يُرَى بالعين وما كان يُرَى بالعين فإنه يجوز أن يُرَاد به الرؤية بالعين، لكن إذا جعلناها عِلْمِيَّة كان ذلك أعمّ، لأن هذا الأمر قد لا تراه بعينك ولكن تسمعُه في بلاد أخرى غيرِ بلادِك، وقوله: (( أنَّ الله أنزل من المساء ماء )) المراد بالسماء هنا العُلُو والمراد بالماء المطَر، وليس المرادُ بالسماء الأجرام السمَاوية المعروفة، لأن الماء إنما ينزِل مِن السحاب، والسحاب عالٍ ولكنَّه بين السماء والأرض، وقوله: (( فأخرجْنا به )) قال: " فيه التفاتٌ عن الغَيْبة " ( أنزَل من السماء ماءً فأخرجنا به ) لو كان الكلام على نسقٍ واحد لقال: فأخرَجَ به بضمِير الغيبة، لكنه صارَ فيه التفات عن الغيبة إلى التكلم (فأخرجنا به) والالتفات فيه فائِدة بل فوائِد، فيه فائدة مشتركة في جميع موارِدِه ومواضِعِه وهي تنبيه المخاطَب، لأن الكلام إذا كان على نسقٍ واحد استمَرَّ الإنسان معه ولم يكن هناك شيءٌ يُوجِب أن ينتَبِه ويتفَطَّن، فإذا اختَلَفَ السياق مِن غيبَة إلى تكَلُّم أو إلى خِطَاب أو ما أشبه ذلك فإنَّ الإنسان ينتبه يعني كأنَّه يكون عَلَمًا على تغيُّر الأسلوب لِينْتَبِه المخاطَب، الفائدةُ الثانية هنا قوله: (( فأخرجنا به )) فإن (نا) هذه تُفِيد التعظيم لأنَّ الإخْرَاج أعظم مِن الإنزَال بالنسبة لِلنعْمَةِ علينا فإنَّه لو نزَلَ المطر ولم يخرُجِ النبات لم نَسْتَفِد مِن المطر كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: ( ليست السَّنَة ألا تُمْطَرُوا إنَّما السَّنَة أن تمْطَرُوا فلا تُنْبِتُ الأرضُ شيئًا ) فلَمَّا كان إنعامُ الله تعالى بإخراجِ النبات أعظَم صارَ الالتفاتُ إلى التَكَلُّم أولى لِعِظَمِ المِنَّة فيه، قال: (( فأخرجنا به ثمراتٍ مختلف ألوانها ))، وهنا قال: (( أخرجنا به ثمرات )) ولم يقل: أخرجنا به نبات وقد قاله في آية أخرى: (( فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا ))[الأنعام:99] لكن هنا قال: (ثمرات)، لأن المقصود مِن هذا الخارج هو الثمرة فبيَّنَ الله سبحانه وتعالى الغاية المقصودة وهي الثَّمَرَات.
قال: (( مختلفًا ألوانها )) كأخضر وأحمر وأصفر وغيرِها " وهذا يدُلُّ على قُدْرة الله هذه الثمرات مختلفٌ ألوانُها، وكلمة ألوان يحتمِل أن يكون المراد ما ذكره المؤلف وهو اللَّون المخْتَلِف للحمرة والصفْرة والخُضْرة وما أشبه ذلك ويحتمل أنَّ المراد بالألوان الأصناف فإنَّ الألوان تُطْلَق على الأصناف كما قال الإمام أحمد رحمه الله في صلاة الليل في قيامِ رمضان قال: "رُوِيَ في ذلك ألوان " أي أنواع وأصناف، وإذا نظرتَ إلى الخارج من الأرض وجدت أنَّه ذو ألوان في شكْلِه وذو ألوان في أنواعِه وأصنافِه ما بين حُلْو ومُرّ ومتوسط وحامِض وغير ذلك مما هو معلوم، وهذا الأخير إذا قلنا: إنَّ المراد بالألوان .. الأنواع أشمَل مِمَّا إذا قلنا: إنَّ المراد بالألوان اختلاف الشكل، وقد مرَّ علينا قاعدة بأنَّه كلَّما كان المعنى أشمَل في بابِ التفسير كان أولى، لأنَّ الأشمل يعُمّ الأخص وغيرَه بخلافِ الأخَصّ. قال: (( مختلفًا ألوانها ومِن الجبالِ جُدَدٌ )) هذه جملة استئنافية يُبَيِّن الله عز وجل فيها كمالَ قدرته أيضًا بالنسبةِ للأرْض وطبقاتِها، قال: (( ومن الجبال جُدَد )) جمعُ جُدَّة طَرِيقٌ في الجبَلِ وغيرِه " مِن الجبال جُدَد يعني الطُّرق يعني شيْء يشبِه الطُّرُق لاختلافِه عن بقِيَّةِ الجبَل وهو مختَلِفٌ في اللون ومختلف في الماهِيَّة أيضًا، نحن نرى بعض الجبال الآن ولاسِيَّمَا إذا فُتِح الجبل نرى في أثنائِه خُطوطًا قد تكون سوداء وقد تكون حمراء وقد تكون بُنِّيَّة وقد تكون بيْضَاء المهِم أننا نجد فيه خطوطًا تخالِف بقِيَّة الجبل، هذه الجُدَد التي ذكرَها الله عز وجل هنا، فالجبال تختلف أيضا ألوانُها وهذه الاختلاف في اللون يعني الاختلاف في الماهِيَّة والحقيقة، ليس الحصَاةُ السوداء كالحصاة البيضاء أو الحمراء أو ما أشبهَها مما يخالفها في اللون بل لا بُدَّ أن يكون هناك اختلافٌ في طبِيعَة هذه الحصاة كما كان اختلافُ الثَّمَرَات في ألوانِها يدل على اختلافِها في طعومِها وفي ماهِيَّتِها، قال: جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ ذكَرَ الله عز وجل (بيض وحمر) وكان من المتوقع أن يقول: بيضٌ وسود، لأن هذا هو المعروف في مُقَابَلَةِ البياض أن يُقَابَل بالسَّوَاد، لكنه قال: وحُمْر، لأنَّ الحمرَ أقربُ إلى البياض مِن السُّود، وستُذْكَر في قولِه: (وغرابيب سود) هذه الجُدَد بيض وحُمْر قال المؤلف: وصفر " ونحن ربما نقول أيضًا: وزُرق وغيرِ ذلك مِن الألوان فاللهُ عز وجل لم يذْكُرْ هذين اللونين للحَصْر وإنما هو على سبيل التمْثِيل، قال: (( جدد ))
(( مختلفٌ ألوانها )) بالشِّدَّة والضَّعْف " هنا فسَّرَ المؤلف الألوان بماذا؟ بالماهِيَّة ولَّا الأشكال؟ بالماهِيَّة، لأنه قال:" الشدة والضعف: ولم يقُلْ باللون اللي هو أحمر وأبيض، على كل حال الألوان كما قلنا آنفًا تُطْلَق على الأنواع أحيانًا، طيب هذا الاختِلاف في ألْوَان أحجَار الجِبَال كالاخْتِلَاف في ألوَان الثِّمَار.
(( وغرابِيبٌ سود )) عَطْفٌ على جُدَد أي صُخورٌ شديدة السَّواد يقال كثيرًا: أسْوَدُ غربِيب ويُقَالُ قليلًا: غربِيبٌ أسوَد " الغَرَابِيب جمع غربيب، والغربيب شديدُ السواد وكان مُقتضَى الترتِيب أن يُقَال: وسُودٌّ غرابيب ولكنَّ الله تعالى قدَّم قال: غرابِيبُ سُود، فعلى هذا زَعَم بعضُهم أنَّ في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وقال بعضُهم: بل هو على ترتِيبه ليس فيه تقدِيم وتأخير ولكن الله سبحانه وتعالى بيَّن الأسود الشَّدِيد السَّواد قبل بَيَان مُطْلَق السواد، هذا أيضًا مُشَاهَد ولَّا غير مُشَاهَد؟ نجِد في الجبال طُرُق يعني كالطَّرِيق أو كالخَطّ أسْوَد خالِصًا وإلى جانبِه طريقٌ أبيَض أو أحمر أو ما أشبَه ذلك كلُّ هذا دليلٌ على قُدْرَة الله عز وجل، (( وغرابيب سود )) نعم، فنجِد نحنُ أنَّ هذا الاختلاف في الجبال هو كالاختِلاف في الثمرات
قال: (( مختلفًا ألوانها )) كأخضر وأحمر وأصفر وغيرِها " وهذا يدُلُّ على قُدْرة الله هذه الثمرات مختلفٌ ألوانُها، وكلمة ألوان يحتمِل أن يكون المراد ما ذكره المؤلف وهو اللَّون المخْتَلِف للحمرة والصفْرة والخُضْرة وما أشبه ذلك ويحتمل أنَّ المراد بالألوان الأصناف فإنَّ الألوان تُطْلَق على الأصناف كما قال الإمام أحمد رحمه الله في صلاة الليل في قيامِ رمضان قال: "رُوِيَ في ذلك ألوان " أي أنواع وأصناف، وإذا نظرتَ إلى الخارج من الأرض وجدت أنَّه ذو ألوان في شكْلِه وذو ألوان في أنواعِه وأصنافِه ما بين حُلْو ومُرّ ومتوسط وحامِض وغير ذلك مما هو معلوم، وهذا الأخير إذا قلنا: إنَّ المراد بالألوان .. الأنواع أشمَل مِمَّا إذا قلنا: إنَّ المراد بالألوان اختلاف الشكل، وقد مرَّ علينا قاعدة بأنَّه كلَّما كان المعنى أشمَل في بابِ التفسير كان أولى، لأنَّ الأشمل يعُمّ الأخص وغيرَه بخلافِ الأخَصّ. قال: (( مختلفًا ألوانها ومِن الجبالِ جُدَدٌ )) هذه جملة استئنافية يُبَيِّن الله عز وجل فيها كمالَ قدرته أيضًا بالنسبةِ للأرْض وطبقاتِها، قال: (( ومن الجبال جُدَد )) جمعُ جُدَّة طَرِيقٌ في الجبَلِ وغيرِه " مِن الجبال جُدَد يعني الطُّرق يعني شيْء يشبِه الطُّرُق لاختلافِه عن بقِيَّةِ الجبَل وهو مختَلِفٌ في اللون ومختلف في الماهِيَّة أيضًا، نحن نرى بعض الجبال الآن ولاسِيَّمَا إذا فُتِح الجبل نرى في أثنائِه خُطوطًا قد تكون سوداء وقد تكون حمراء وقد تكون بُنِّيَّة وقد تكون بيْضَاء المهِم أننا نجد فيه خطوطًا تخالِف بقِيَّة الجبل، هذه الجُدَد التي ذكرَها الله عز وجل هنا، فالجبال تختلف أيضا ألوانُها وهذه الاختلاف في اللون يعني الاختلاف في الماهِيَّة والحقيقة، ليس الحصَاةُ السوداء كالحصاة البيضاء أو الحمراء أو ما أشبهَها مما يخالفها في اللون بل لا بُدَّ أن يكون هناك اختلافٌ في طبِيعَة هذه الحصاة كما كان اختلافُ الثَّمَرَات في ألوانِها يدل على اختلافِها في طعومِها وفي ماهِيَّتِها، قال: جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ ذكَرَ الله عز وجل (بيض وحمر) وكان من المتوقع أن يقول: بيضٌ وسود، لأن هذا هو المعروف في مُقَابَلَةِ البياض أن يُقَابَل بالسَّوَاد، لكنه قال: وحُمْر، لأنَّ الحمرَ أقربُ إلى البياض مِن السُّود، وستُذْكَر في قولِه: (وغرابيب سود) هذه الجُدَد بيض وحُمْر قال المؤلف: وصفر " ونحن ربما نقول أيضًا: وزُرق وغيرِ ذلك مِن الألوان فاللهُ عز وجل لم يذْكُرْ هذين اللونين للحَصْر وإنما هو على سبيل التمْثِيل، قال: (( جدد ))
(( مختلفٌ ألوانها )) بالشِّدَّة والضَّعْف " هنا فسَّرَ المؤلف الألوان بماذا؟ بالماهِيَّة ولَّا الأشكال؟ بالماهِيَّة، لأنه قال:" الشدة والضعف: ولم يقُلْ باللون اللي هو أحمر وأبيض، على كل حال الألوان كما قلنا آنفًا تُطْلَق على الأنواع أحيانًا، طيب هذا الاختِلاف في ألْوَان أحجَار الجِبَال كالاخْتِلَاف في ألوَان الثِّمَار.
(( وغرابِيبٌ سود )) عَطْفٌ على جُدَد أي صُخورٌ شديدة السَّواد يقال كثيرًا: أسْوَدُ غربِيب ويُقَالُ قليلًا: غربِيبٌ أسوَد " الغَرَابِيب جمع غربيب، والغربيب شديدُ السواد وكان مُقتضَى الترتِيب أن يُقَال: وسُودٌّ غرابيب ولكنَّ الله تعالى قدَّم قال: غرابِيبُ سُود، فعلى هذا زَعَم بعضُهم أنَّ في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وقال بعضُهم: بل هو على ترتِيبه ليس فيه تقدِيم وتأخير ولكن الله سبحانه وتعالى بيَّن الأسود الشَّدِيد السَّواد قبل بَيَان مُطْلَق السواد، هذا أيضًا مُشَاهَد ولَّا غير مُشَاهَد؟ نجِد في الجبال طُرُق يعني كالطَّرِيق أو كالخَطّ أسْوَد خالِصًا وإلى جانبِه طريقٌ أبيَض أو أحمر أو ما أشبَه ذلك كلُّ هذا دليلٌ على قُدْرَة الله عز وجل، (( وغرابيب سود )) نعم، فنجِد نحنُ أنَّ هذا الاختلاف في الجبال هو كالاختِلاف في الثمرات
6 - تفسير قول الله تعالى : (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ))
في هذه الآية مِن الفوائد التنبيهُ على أنَّه ينبغي للإنسان أن يتفَكَّر في خلْقِ الله عز وجل لقولِه: (( ألم تر أن الله )) فإنَّ هذا تقرِير، والتقرير لا يكون إلا بعد أن ينظُرَ المقَرَّر فيما قُرِّرَ به حتى يُقِرَّ به ويعتَرِف.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ قدرة الله عز وجل وحكمتِه ورحمتِه وذلك بإنزَال الماء مِن السماء ففيه قُدرَةٌ عظيمة أن ينزل هذا الماءُ الذي يكون بِحَارًا أحيانًا يُدَمِّر ما مَرَّ عليه من البناء ويجْتَرِفُ الأراضي مع أنَّه ينزِل مِن هذا السحاب الرقيق الذي تخترِقُه الطائِرة كما نُشَاهِد، ويتمَزَّق عندما يمُرُّ بالجبال وبالبِنَاء وما أشبَهَ ذلك تنزل منه هذه المياهُ العظِيمة، هذا تمامُ القدرة، تمامُ الرحمة ما يحصل مِن هذا المطر مِن الآثار النافعة للعِباد، تمام الحِكْمَة لأنَّ هذا المطر ينزِل مِن أعلى حتى يشمَل المرتفع والمنخَفِضَ مِن الأرض ولو كان يمشي مشيًا كالأنهار لكانَ الأسفل مِن الأرض يَرْوَى بالماء بل يغْرَق، وأمَّا الأعلى فلا يُصيبه شيءٌ، وهذا مِن تمام حكمَة الله عز وجل أنَّه ينزل مِن فوق.
ومن فوائد الآية الكريمة إثباتُ الأسباب، لقوله: (( فأخرجْنَا به ثمراتٍ )) فإنَّ الباء هنا للسببية، ففي الآية إثباتُ الأسباب وأَنَّ الله سبحانه وتعالى قد قرَن الأشياءَ بأسبابِها وهذا مِن تمامِ حكمَتِه أن تكُون الأسبَاب والمسبَّبَات مُتَلازِمَات، مِن المعلوم أن الله قادر على أن يُخْرِج هذه الثمرات بدون مَاء ولكن قد جَعَل لكل شيء سببًا.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ قُدْرَةِ الله عز وجل بإخراج هذه الثمرات المخْتَلِفَة الألوان مع أنَّها في أرض واحدة وتُسْقَى بماءٍ واحد، ويظهرُ لك ذلك جلِيَّا إذا نظرْتَ إلى الزُّهُور كيف تجِد هذا الاختلاف العجيب بينها مع أنَّها تُسْقَى بماء واحد.
ومِن فوائد الآية الكريمة الحكمة في اختلافِ هذه الثمرات، لأن لو كانت هذه الثمرات طبيعتُها واحدة لَمَلَّ الناس منها ولم يحصُل لهم كمالُ اللَّذَّة، فإذا اختلفَتْ حصَل كمالُ اللذة وعدَم الملَل والسَآمَة.
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا بيانُ قدرة الله عز وجل ورحمته وحكمتِه فيما نرى في الجبال مِن الجُدَد المختلفة، لأن هذا دليلٌ على القدرة حيث جعَلَ هذا بين هذا، ودليل على الحكمة، لأنَّ الغالب أن ما في بطونِ هذه الجبال يكونُ معادِن مُفِيدَة للإنسان، كذلك بيان الرحمة بالخلْق بإيداَع هذه الأشياء في بُطُون هذه الجبال.
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا بيانُ قدرة الله عز وجل حيث أنه يجْعَل بعض الجبال فيها السَّوَاد الخالِص، ... وقد يكون الجبلُ كلُّه أسود، وأحيانًا نرى جبلًا أسود وإلى جانبِه جبلًا أبيض، فهذا كلُّه مِن تمامِ قدْرَةِ اللهِ عز وجل.
ومِن فوائد الآية ما يَتَرَتَّبُ على النظَر في هذه الخلوقات مِن الاعتبار والاستِدْلَال بها على ما تتَضَمَّنُه مِن صفاتِ اللهِ سبحَانَه وتعالى
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ قدرة الله عز وجل وحكمتِه ورحمتِه وذلك بإنزَال الماء مِن السماء ففيه قُدرَةٌ عظيمة أن ينزل هذا الماءُ الذي يكون بِحَارًا أحيانًا يُدَمِّر ما مَرَّ عليه من البناء ويجْتَرِفُ الأراضي مع أنَّه ينزِل مِن هذا السحاب الرقيق الذي تخترِقُه الطائِرة كما نُشَاهِد، ويتمَزَّق عندما يمُرُّ بالجبال وبالبِنَاء وما أشبَهَ ذلك تنزل منه هذه المياهُ العظِيمة، هذا تمامُ القدرة، تمامُ الرحمة ما يحصل مِن هذا المطر مِن الآثار النافعة للعِباد، تمام الحِكْمَة لأنَّ هذا المطر ينزِل مِن أعلى حتى يشمَل المرتفع والمنخَفِضَ مِن الأرض ولو كان يمشي مشيًا كالأنهار لكانَ الأسفل مِن الأرض يَرْوَى بالماء بل يغْرَق، وأمَّا الأعلى فلا يُصيبه شيءٌ، وهذا مِن تمام حكمَة الله عز وجل أنَّه ينزل مِن فوق.
ومن فوائد الآية الكريمة إثباتُ الأسباب، لقوله: (( فأخرجْنَا به ثمراتٍ )) فإنَّ الباء هنا للسببية، ففي الآية إثباتُ الأسباب وأَنَّ الله سبحانه وتعالى قد قرَن الأشياءَ بأسبابِها وهذا مِن تمامِ حكمَتِه أن تكُون الأسبَاب والمسبَّبَات مُتَلازِمَات، مِن المعلوم أن الله قادر على أن يُخْرِج هذه الثمرات بدون مَاء ولكن قد جَعَل لكل شيء سببًا.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ قُدْرَةِ الله عز وجل بإخراج هذه الثمرات المخْتَلِفَة الألوان مع أنَّها في أرض واحدة وتُسْقَى بماءٍ واحد، ويظهرُ لك ذلك جلِيَّا إذا نظرْتَ إلى الزُّهُور كيف تجِد هذا الاختلاف العجيب بينها مع أنَّها تُسْقَى بماء واحد.
ومِن فوائد الآية الكريمة الحكمة في اختلافِ هذه الثمرات، لأن لو كانت هذه الثمرات طبيعتُها واحدة لَمَلَّ الناس منها ولم يحصُل لهم كمالُ اللَّذَّة، فإذا اختلفَتْ حصَل كمالُ اللذة وعدَم الملَل والسَآمَة.
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا بيانُ قدرة الله عز وجل ورحمته وحكمتِه فيما نرى في الجبال مِن الجُدَد المختلفة، لأن هذا دليلٌ على القدرة حيث جعَلَ هذا بين هذا، ودليل على الحكمة، لأنَّ الغالب أن ما في بطونِ هذه الجبال يكونُ معادِن مُفِيدَة للإنسان، كذلك بيان الرحمة بالخلْق بإيداَع هذه الأشياء في بُطُون هذه الجبال.
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا بيانُ قدرة الله عز وجل حيث أنه يجْعَل بعض الجبال فيها السَّوَاد الخالِص، ... وقد يكون الجبلُ كلُّه أسود، وأحيانًا نرى جبلًا أسود وإلى جانبِه جبلًا أبيض، فهذا كلُّه مِن تمامِ قدْرَةِ اللهِ عز وجل.
ومِن فوائد الآية ما يَتَرَتَّبُ على النظَر في هذه الخلوقات مِن الاعتبار والاستِدْلَال بها على ما تتَضَمَّنُه مِن صفاتِ اللهِ سبحَانَه وتعالى
7 - فوائد قول الله تعالى : (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ))
ثم قالَ الله عز وجل: (( ومِن الناسِ والدَّوَابِّ والأنعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُه كذلك إنَّما يَخْشَى اللهَ مِن عِبَادِه العُلَمَاءُ إنَّ اللهَ عَزيزٌ غَفُورٌ )) جُملة (ومِن الناس والدواب والأنعام مختلفٌ ألوانه) جُملة خبرية قُدِّمَ فيها الخبر على المبتدأ، و(ألوانُه) فاعل (مختلف)، لأن (مختلف) اسم فاعل واسمُ الفاعل يعمَل عمَل فِعْلِه، وقولُه: (كذلك) صفة لقولِه: (مختلف) يعني مُختلِفٌ كاخْتلاف مَا ذُكِر، وقوله (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) هي جملة أيضا مكونة مِن فعلٍ وفاعل ومفعُول به وفيها حَصْر، وطريقُه (إنما)، وجملة (( إنَّ الله عزيز غفور )) كالتعليل لِمَا قبلها كما سيأتي إن شاء الله، قال الله تعالى: (( ومِن الناس والدواب والأنعام )) النَّاس هُم البَشَر، قالوا: وأصلُها أُنَاس ولكنَّها حُذِفَتِ الهمزة تخفيفًا لِكثرةِ الاستعمال كما حُذِفَتْ مِن شَرّ وخير، وأصلهما أشَرّ وأَخْيَر، وحُذِفَت أيضًا مِن الله على قولِ كثيرٍ مِن علماء اللغة وأصلُها يكون: الإله، والمراد بالناس بنو آدَم، وسُمُّوا بذلك، لأنَّه يأنَسُ بعضُهم إلى بعض، قال: (الدواب) جمع دابة وتُطْلَق على عِدَّةِ معاني تُطْلَق على كل ما دَبَّ على الأرض كما في قولِه: (( والله خلق كل دابَّةٍ مِن ماء )) وكما في قوله تعالى: (( وما مِن دابَّةٍ في الأرض إلا على الله رزقُها )) يشمَل كُلَّ ما دبَّ على الأرض مِن إنسان وحيوان وحشَرَات وغيرِ ذلك، وتطلقُ الدابة على ما يَدُبّ على بطنِه مثل الحَيَّات، وتطلَقُ الدابَّة على ذواتِ الأربَع كالحِمَار، فما المراد بها هذه الآية؟ نقول: المرادُ بها ما عدا الناس والأنعَام، فتشمَل كل ما دَبَّ على الأرض إلا النَّاس والأنعام، فإن قلت: لِمَاذا لا تجعلُها شاملة وتَجعل هذا مِن باب عطفِ العام على الخاصّ بالنسبة لـ(الناس) ومن باب عطف الخاصّ على العام بالنسبة لـ(الأنعام)؟ انتبه لأنَّه لو قال قائل: المراد بالدَوَابّ كلُّ ما دَبَّ على الأرض لكنَّها عُطِفَتْ على الناس مِن باب عَطْفِ العامّ على الخاص، وعُطِفَتِ الأنعامُ عليها مِن باب عطفِ الخاص على العام، قلنا: هذا ممكن لكنَّ التقسيم يُبْعِدُهُ فيكون المراد بالدوابّ ما عَدا الناس والأنعام، والمراد بالأنعام ما ينتفِعُ الناس به كما قال الله تعالى: (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون )) وقال تعالى: (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ )) فيكون المراد بالأنعام هنا ايش؟ ما ينتَفِعُ الناس به كالإبل والبقر والغنم والطُّيُور الحلال وغير ذلك.
(( مُختلفٌ ألوانُه كذلك )) طيب (مختلفٌ ألوانه) هل المراد باللون الشكل أو الصِّنف أيضا؟ يشمَل، فالناس مثلًا تختلف ألوانُهم هذا أبيض وهذا أسود وهذا أحمَر وهذا بين ذلك واختلافُ اللون ظاهر، تختلف أجناسُهم أيضًا هذا ذكر وهذه أنثى، هذا عالم وهذا جاهل، هذا أحمق وهذا حلِيم، وعلى هذا فقِس، الدواب كذلك تختلف ألوانُها في الشكل وتختَلِفُ أصنافها وأنواعُها منها المؤْذِي ومنها الضَارّ ومنها النافِع، ومنها ما ليس بضارٍّ ولا نافع ولا مؤْذِي، فهي أربعَةُ أصناف: منها النافع ومنها الضارّ ومنها المؤذِي ولكن لا يضُرّ، ومنها ما ليس مؤذِيًا ولا ضارًّا، مثالُ النافع: الأنعام، ومثال الضارّ: الحيات والعقارب والسِّباَع وما أشبهَها، ومثال المؤذي: الصراصِر والخنفُساء والجُعلان وما أشبه ذلك، النامُوس قد يكون ضَار، ومثال ما ليس بمؤذٍ ولا ضار النَّمْل وغيرُه أيضًا مِن الدواب الكثيرة التي نشوفها ... ونرَى طيورًا تطير في الجو ليست حلالًا مثلًا ولكنها لا تضُر، طيب وقولُه: (( كذلك )) قال المؤلف: كاختلاف الثمار والجبال " فصارَ الاختلاف في مخلوقَات الله تعالى شاملًا للحيوان ولِمَا ينتفِعُ به الحيوان مِن الثمار وغيرِها ولِطبقاتِ الأرض كالجِبَال
(( مُختلفٌ ألوانُه كذلك )) طيب (مختلفٌ ألوانه) هل المراد باللون الشكل أو الصِّنف أيضا؟ يشمَل، فالناس مثلًا تختلف ألوانُهم هذا أبيض وهذا أسود وهذا أحمَر وهذا بين ذلك واختلافُ اللون ظاهر، تختلف أجناسُهم أيضًا هذا ذكر وهذه أنثى، هذا عالم وهذا جاهل، هذا أحمق وهذا حلِيم، وعلى هذا فقِس، الدواب كذلك تختلف ألوانُها في الشكل وتختَلِفُ أصنافها وأنواعُها منها المؤْذِي ومنها الضَارّ ومنها النافِع، ومنها ما ليس بضارٍّ ولا نافع ولا مؤْذِي، فهي أربعَةُ أصناف: منها النافع ومنها الضارّ ومنها المؤذِي ولكن لا يضُرّ، ومنها ما ليس مؤذِيًا ولا ضارًّا، مثالُ النافع: الأنعام، ومثال الضارّ: الحيات والعقارب والسِّباَع وما أشبهَها، ومثال المؤذي: الصراصِر والخنفُساء والجُعلان وما أشبه ذلك، النامُوس قد يكون ضَار، ومثال ما ليس بمؤذٍ ولا ضار النَّمْل وغيرُه أيضًا مِن الدواب الكثيرة التي نشوفها ... ونرَى طيورًا تطير في الجو ليست حلالًا مثلًا ولكنها لا تضُر، طيب وقولُه: (( كذلك )) قال المؤلف: كاختلاف الثمار والجبال " فصارَ الاختلاف في مخلوقَات الله تعالى شاملًا للحيوان ولِمَا ينتفِعُ به الحيوان مِن الثمار وغيرِها ولِطبقاتِ الأرض كالجِبَال
تفسير قول الله تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ))
ثم قال تعالى: (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) لِمَّا ذَكَرَ هذه الأصناف وفيها ما يدُلُّ على كمال الله عز وجل في صفاتِه التي تتضَمَّنُها هذه الأصناف المذكورة بَيَّن أنَّ العالِم بذلك هو الذي يخشَى الله فقال: (( إنما يخشى الله مِن عباده العلماءُ )) يعني لا يخشَى الله إلا العلماء، والخشْيَة هي أعلَى الخوف، أو إن شئتَ فقل: هي الخوْف المبنِيُّ على العِلْم، وبعضهم قال: هي الخوفُ المبْنِيّ على عِظَمِ المـَخُوف ولا يمتَنِع أن تَكُونَ الخشية هي الخوْف في كلِّ الأنواعِ الثلاثة يعني هي أعلَى أنواع الخوف أو الخوف المبنِي على العلم أو الخوف المبني على عِظَم المخُوف، أما الخوف المـُجَرَّد عن الخَشْيَة فهو قد يكونُ عن جَهْل يخَافُ الإنسان مِن شيء لأنَّه جاهِلٌ به، وإلَّا فليس أهلًا أن يُخَافَ منه
اضيفت في - 2011-05-25