تفسير سورة فاطر-06b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تابع لتفسير قول الله تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ))
ككفَّار مكة وصدَقَ المؤلف في قولِه: " بِخلاف الجهال " وأما التمثيل بكُفَّار مكة فليس على سبيل الحصر بل هو على سبيل المثال فكُلُّ كافر فهو في الحقيقةِ جَاهِل وهي جَهَالةُ العِلْم ولَّا جهالَةُ التصرف؟ جهالة التَصَرُّف في الغالب، في الغالب أنَّها جهالةُ التصرف، وإلَّا فإنَّ الكافر يكون عندَه علِم لكنَّه والعياذُ بالله يستَمِرّ على طغيانِه ولا يؤمِن
فوائد قول الله تعالى : (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ))
قال تبارك وتعالى: (( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ))[فاطر:27] الاستفهَام هنا ... لِإثباتِ الأسباب لَزِمَ علينا القول بوجُودِ الفِعل، لأنَّ السبب يستلْزِم وُجود المسَبَّب، وهذا يقتضي أن نُوجِبَ على الله عز وجل وجودَ المسبَّب لِوجودِ السَّبَب .. علماء الكلام أنكَرُوا الحِكْمة كالجبْرِيَّة مثلًا أنكروا حكمةَ الله يقولون: لأنَّه لو قلنا بثبوت الحكمة والسببية لَزِمَ من ذلك أن نُوجبَ على الله تعالى أن يفعَل كما قال ذلك خصومُهم من المعتزِلة، المعتزلة يقولون بوجوب الأصلَح، وبعضهم يقول بوجوب الصلاح على الله عز وجل لأَنَّ هذا مقتضَى الحكمة، وأولئك الجهْمِية بالعكس يقولون: إنَّ الله عز وجل يخلُق الشيء بدون سبب وبدونِ حكمة لأنَّك لو أثبتَّ الحكمة والسبب لَزِم إيجاب المسبَّب أو الفعْل الذي يكون مسبَّبًا لهذا السبب وهذا يقتضي أن نوجِبَ على الله عز وجل فعل الشيء، ما هو الجواب؟ نقول: إنَّ إثباتَ الحكمة أو السبب لا يستَلْزِم أن نوجبَ على الله ولكن مُقتضَى كونِه حكيمًا أن يفعَل وأن يُوجَد المسبَّب عند وُجود السبب، ونحن لم نوجِبْه ولكن الذي أوجبَه اللهُ على نفسِه بمقتَضى اسمِه (الحكِيم) ووصفِه بالحكمة، وإيجابُ الله على نفسِه ليس بممتَنِع، كما أنَّ تحريمَه على نفسِه ليس بممتَنِع فقد قال الله تعالى: (( كتَبَ ربُّكم على نفسه الرحمة ))، وقال تعالى في الحديث القدسي: ( يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي ) فللهِ أن يُحَرِّمَ على نفسِه وأن يُوجِب على نفسه ما شاء، أمَّا نحن فلا، فإذا قيل مثلًا: هذا مصلحة فيجِبُ أن يكون فإنَّنا نقول: نعم نلتَزِم بهذا ولكن هل نحن الذين أوجبْنَاهُ على الله؟ لا بل اللهُ هو الذي أوجبَه على نفسه وهذا لا يُنَافي كمالَه بل هو مِن مقتضى كمالِه، إلَّا أنَّ المحذور هنا في هذا الباب المحذُور أن نَظُنّ أنَّ المصلَحَةَ في كذا وحقِيقَةُ الأَمْر أنَّ المصلَحة في عدَمِه هذا هو الذي يُخشَى منه، وحينئذ نعتقِد أنَّ هذا واجِبٌ على الله وهو لم يجِب نعتَقِد أنَّه واجِبٌ على الله بمقتضَى فهمِنا أنَّ هذا مصلحة وخيْر ثم نُوجِبُه على الله هذا هو المحذُور، أمَّا إذا حُقِّقَتِ المصلحة فلا مانِع مِن أن نقُول: أنَّ الله سبحانه وتعالى أوجب على نفسه أن تكُونَ المصلحة، لأنَّ هذا هو مقتَضَى اسمِ الله الحكِيم، وفي هذه الحال لم يحصُل منَّا أي عُدْوان أو ظُلْم، بل قلنا بمقتَضَى حكمةِ الله سبحانه وتعالى، طيب هنا قال ...
قولُه تعالى، نحن أخذنا فوائد مما سبق؟ ...
قولُه تعالى، نحن أخذنا فوائد مما سبق؟ ...
2 - فوائد قول الله تعالى : (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود )) أستمع حفظ
تتمة تفسير قول الله تعالى : (( ... إن الله عزيز غفور ))
قال الله تبارك وتعالى: (( إنَّ الله عزيز غفور )) (إنَّ الله عزيز) أي ذُو عِزَّة قال العلماء: والعِزَّةُ ثلاثَة أنواع عِزَّة القَدْر وعزة القهْر وعزة الامتناع، فأما عزةُ القدر فمعناه أن الله تعالى ذو قَدْرٍ عزيز، والقدر بمعنى المكانَة والشَّرَف والسُؤْدَد ونحو ذلك، عزةُ القهْر أي أنَّ الله تعالى غالِب غير مغلُوب ومنه قوله تعالى: (( فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب )) أي غلَبَنِي، عزةُ الامتناع أي أنَّ الله سبحانه وتعالى يمتَنِع عليه النَّقْص في ذاتِه أو في صفاتِه ومنه قولهم: أرض عَزَازٌ أي شدِيدةٌ صَلْبَة لا يتجاوَزُها شيْء لِصلابَتِها ولا يُؤَثِّر فيها شيء لِقوَّتِها وشدَّتِها فالعزَّةُ إذًا ثلاثة معاني عزةُ القدْر وعزةُ القهر وعزة الامتناع، طيب (( غفور )) أي ذُو مغفرة كما قال تعالى: (( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم )) والمغفِرَة ستْرُ الذنب والتجَاوزُ عنه يدُلُّ لذلك اشتقاقُها فإنَّها مشتَقَّة مِن المِغْفَر وهو ما يُغَطَّى به الرأس وتُتَّقَى به السِّهَام، وفي المِغفَر سِتْر ووِقَايَة وعلى هذا فنَقُول: الغفُور ذُو المغْفِرَة وهي سَتر الذنب والتجاوُز عنه، ويدل لهذا المعنى زيادَةً على دلالة الاشتقاق ما ثبت في الحديث الصحيح: أنَّ الله عز وجل يخلُو بعبدِه المؤمن فيُقَرِّرُه بذنوبِه حتى يُقِرَّ بها، ثم يقول: ( قد سترتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرُها لك اليوم ) يعني أتجاوَزُ عنها، وفي الدنيا سترها الله على العبد ومناسبة ذكرِ العِزَّة والمغْفِرة هنا بعد ذِكْرِ الخَشْيَة الإشارَة إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى أهلٌ لأن يُخْشَى لأنَّه عزيز، وأنَّه إذا نقصَ شيءٌ مِن الخشية فإنه يُقابَل بِماذا؟ بالمغْفِرَة فهو عزيزٌ فلذلك كان أهلًا للخشية، وهو غفور إذا نقصَ شيء مما يجِبُ له مِن خشيتِه سبحانه وتعالى
فوائد قول الله تعالى : (( ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك ))
أمَّا فوائد الآية فإننا نقول وبالله نقول: يُستفاد مِن الآيةِ الكريمة بيانُ قُدْرَةِ الله سبحانه وتعالى في اختلافِ ألوان الناس والدواب والأنعام أي أصنافِها وأشكالِها لأَنَّ اختلاف هذه الألوان وهي شيءٌ واحد أو نَوعٌ واحد دَليل على القُدْرة فبنُو آدم مثلًا لا يمكن أن يشتَرِك شخصان أو أن يتمَاثَل شخصان في كل شيءٍ أبدًا إن قُدِّرَ تماثُلهما في الخِلْقَة فسيختلفان في الخُلُق، والتساوي في الخُلُق أمر مستحيل لأنَّ الناس يتبايَنُون فيه تباينًا عظيمًا أشدَّ مِن التَّبَايُن الخِلْقِي، وإن كان التباين الخِلقِي أظهر، لأنه يُشاهد ويُرَى، ولكن التبايُن الخُلُقِي أشد، لأنه لا يمكن أن يَتَّفِقَ الناسُ فيه أو أن يتساوى الناس فيه أبدًا لأَنَّ أي كلمة تحصُل مِن أحدهما دون الآخر يحصُل فيها التباين
فوائد قول الله تعالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ))
طيب ومِن فوائد الآية الكريمة فضِيلَةُ خشيةِ الله عز وجل حيث لا يتَّصِفُ بها إلا العلماء.
ومن فوائدها أيضًا فضيلةُ العلم، لِكونِه سببًا لخشيةِ الله عز وجل، والخشيةُ صفةٌ لها آثار حميدة لأنَّ الإنسان إذا خشِيَ ربه فإنه يتجَنَّب معاصِيَه ويفعل أوامرَه خوفًا منه سبحانه وتعالى، ولهذا لما ذكر الله عز وجل ثواب (( الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاءُهم عند ربهم جناتُ عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا رضي الله عنهم ورضوا عنه )) قال: (( ذلك لمن خشِيَ ربه )) وهو دليلٌ على أنَّ الخشية توجِبُ الإيمان والعمل الصالح.
ومن فوائدها إثباتُ اسمَيْن من أسماء الله وهما العزيز والغفور، وإثبات ما تَضَمَّنَاه مِن الصفة وهي العِزة والمغفرة، وإثباتُ ما تضمناه مِن الحكم وهو الأَثَر صح؟ أمَّا الغفُور فنعم لها أثَر وحُكْم كما قال تعالى في آخر سورة البقرة: (( يغفر لمن يشاء )) (( والله على كل شيء قدير ))، طيب (العزيز) هل لها حكم؟ قلنا: إنَّ مِن معانيها الغَلَبة وإذا كانت (عَزَّ) بمعنى (غَلَب) صارَتْ مُتَعَدِّيَة فيكُونُ لها حكم أي أثَر، إذًا إثباتُ ما تضمَّنَهُ الاسمَان مِن الصفة والحُكْم الذي نعبِّرُ عنه أحيانًا بالأَثر، ومَرَّ علينا فيما سَبق أنَّ أسماء الله عز وجل إمَّا لازِمَة وإما مُتَعَدِّيَة، فاللازمة يُثْبَت منها الاسم والصفة، والمتعدية يثبَتُ منها الاسم والصفة والأَثَر، " إنَّ الله عزيز في ملكِه غفور لذنوبِ عباده المؤمنين " طيب ما شرحنا كلام المؤَلِّف، قولُه: " إن الله عزيزٌ في ملكه " هذا مبنِيٌّ على أن العزة بمَعْنَي الغلَبة كما يفسرها كثير من المفسرين بذلك ويقول: العزيز أي الغالب، ولكن هذا التفسير الذي ذكرْنَاه ما نُطْلِقُهَا في المـُلْك تقول: هو عزيز ولا نقول بها في المـُلك لأَن الله سبحانه وتعالى عزيزٌ في ملكه وعزيزٌ في صفاته كلِّها وعزيز في شرعِه فالعزةُ عامة ما دُمنا نقول: إنها عزة الامتناع والقدْر والقهر، وأما " غفور لذنوب عباده المؤمنين " فتقييدُها بذلك أيضا فيه نظر ولو قال المؤلف: غفور لِمَن تاب إليه أو لِمَن استغفره لكانَ أشمل لأَنَّ الله تعالى يغفر حتى لغيرِ المؤمنين إذا تابوا إلى الله (( قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغْفَر لهم ما قد سلف)) (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ))[الزمر:53] فالتعميم أولى من التخصيص
ومن فوائدها أيضًا فضيلةُ العلم، لِكونِه سببًا لخشيةِ الله عز وجل، والخشيةُ صفةٌ لها آثار حميدة لأنَّ الإنسان إذا خشِيَ ربه فإنه يتجَنَّب معاصِيَه ويفعل أوامرَه خوفًا منه سبحانه وتعالى، ولهذا لما ذكر الله عز وجل ثواب (( الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاءُهم عند ربهم جناتُ عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا رضي الله عنهم ورضوا عنه )) قال: (( ذلك لمن خشِيَ ربه )) وهو دليلٌ على أنَّ الخشية توجِبُ الإيمان والعمل الصالح.
ومن فوائدها إثباتُ اسمَيْن من أسماء الله وهما العزيز والغفور، وإثبات ما تَضَمَّنَاه مِن الصفة وهي العِزة والمغفرة، وإثباتُ ما تضمناه مِن الحكم وهو الأَثَر صح؟ أمَّا الغفُور فنعم لها أثَر وحُكْم كما قال تعالى في آخر سورة البقرة: (( يغفر لمن يشاء )) (( والله على كل شيء قدير ))، طيب (العزيز) هل لها حكم؟ قلنا: إنَّ مِن معانيها الغَلَبة وإذا كانت (عَزَّ) بمعنى (غَلَب) صارَتْ مُتَعَدِّيَة فيكُونُ لها حكم أي أثَر، إذًا إثباتُ ما تضمَّنَهُ الاسمَان مِن الصفة والحُكْم الذي نعبِّرُ عنه أحيانًا بالأَثر، ومَرَّ علينا فيما سَبق أنَّ أسماء الله عز وجل إمَّا لازِمَة وإما مُتَعَدِّيَة، فاللازمة يُثْبَت منها الاسم والصفة، والمتعدية يثبَتُ منها الاسم والصفة والأَثَر، " إنَّ الله عزيز في ملكِه غفور لذنوبِ عباده المؤمنين " طيب ما شرحنا كلام المؤَلِّف، قولُه: " إن الله عزيزٌ في ملكه " هذا مبنِيٌّ على أن العزة بمَعْنَي الغلَبة كما يفسرها كثير من المفسرين بذلك ويقول: العزيز أي الغالب، ولكن هذا التفسير الذي ذكرْنَاه ما نُطْلِقُهَا في المـُلْك تقول: هو عزيز ولا نقول بها في المـُلك لأَن الله سبحانه وتعالى عزيزٌ في ملكه وعزيزٌ في صفاته كلِّها وعزيز في شرعِه فالعزةُ عامة ما دُمنا نقول: إنها عزة الامتناع والقدْر والقهر، وأما " غفور لذنوب عباده المؤمنين " فتقييدُها بذلك أيضا فيه نظر ولو قال المؤلف: غفور لِمَن تاب إليه أو لِمَن استغفره لكانَ أشمل لأَنَّ الله تعالى يغفر حتى لغيرِ المؤمنين إذا تابوا إلى الله (( قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغْفَر لهم ما قد سلف)) (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ))[الزمر:53] فالتعميم أولى من التخصيص
تفسير قول الله تعالى : (( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ))
ثم قال تعالى: (( إن الذين يتلون كتابَ الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقنَاهم سِرًّا وعلانِية )) زكاةً وغيرَها (( يرجون تجارة لن تبور )) تهلِك " الإعراب في هذه الآية واضِح ما فيه إشكال إلَّا أن قولَه: (( إن الذين يتلون )) تحتاج إلى خبَر فما هو الخبر؟ الخبر جملة (يرجون تجارة لن تبور) فهذا هو الصحيح مِن أقوال المعْرِبِين يعني: إنَّ هؤلاء فعلوا ذلك يرْجُون تجارَةً لن تبور فجملة (يرجون) هي خبر (إن) قال تعالى: (( إن الذين يتلون كتاب الله )) قال المؤلف: " يقرَؤُون " والصواب أنَّ التلاوة أعمُّ من القراءة والتلاوة نوْعَان تلاوةٌ لفظِية وهي القراءة، وتلاوة عملية وهي اتِّبَاعُ القرآن تصديقًا للخَبَر وامتثالًا للأمر، ولهذا يقال تَلَاه بمعنى تَبِعَه أي جاء بعده فالتلاوة أعَمُّ مِن القراءة، وهو التلاوة نوعان تلاوةٌ لفظية وتلاوة عمَلِية: تلاوة لفظية أن يقرأَ الإنسان القرآن، والتلاوةُ العملية أن يتَّبِعَه بامتثال أوامره وتصديقِ أخبارِه أو، نعم، بموافقَتِه وتصديقِ أخبارِه، التلاوةُ العملية تستلزم فهْمَ المعنى ولَّا لا؟ نعم، لأنَّه لا يمكن أن يعمَل إلا بما .. وعلى هذا يكونُ فعلُ الصحابة رضي الله عنهم تطبيقًا لهذه الآية تمامًا، لأَنهم لا يتجاوزون عشرَ آيات حتى يتعلَّمُوها وما فيها مِن العِلْم والعمل قالوا: " فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا "، طيب يقول الله تعالى: (( إن الذي يتلون )) فعْلٌ مضارع يدُلُّ على الاستمرار بخلاف ما لو قال: إن الذين تلَوْا في الماضي فإنَّه لا يُفِيدُ المعنى الذي يفيدُه المضارع (يتلون)، وقوله: (كتاب الله) هل هو القرآن أو هو أعَمّ مِن ذلك؟ الجواب: أعمُّ من ذلك (كتابَ الله) الكتب التي أنزلها الله تعالى على الرسل فيشمل جميع الكتب لأنَّ هذا الحكم يشْمَل المؤمنين مِن هذه الأمة والمؤمِنِين ممَّن سبقَهُم فَيَكُون المرَاد بالكِتَاب هنا (كتابَ الله) المراد به كلَّ كتاب أنزلَه الله تعالى على رسلِه، (( يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة )) معْطُوفة على (يتلون) قال المؤلف:" أداموها " والصواب خلاف ما قالَه المؤلف يعني معناه أننا نختَارُ كلمةً أشدَّ مطابقَةً لِلَّفْظ، أقاموا الصلاة أي أتَوا بها مُسْتَقِيمَة فيشمَل فعلَ الصَّلاة تامَّةً بشروطِها وأركانِها وواجباتِها ومستحَبَّاتِها، ويشمل الإدامَة ولا لا؟ يشمل الإدامة أيضًا، لأن الإدامة مِن الإقامة وعلى هذا نقول: (أقاموا الصلاة) أي فعلُوها قائمةً أي مسْتَقِيمَة على الوجه المطلوب منه، لو أنَّ الإنسان أدامَ الصلاة لكن يُخِلُّ بأركانِها أو واجباتِها فهل يُقَال: إنه أقامَ الصلاة؟ لا، فالرجُل الذي جاء يصلي ولا يَطْمَئِنّ كان يصلي هذه الصلاة منذُ أسلم والرسول عليه الصلاة والسلام قال له: ( صلِّ فإنك لم تصلِّ ) مع أنه يُديم الصلاة ويُصَلِّي لكنه لم يصلِّ حيث أنه لم يأتِ بها قائمةً على الوجهِ المطلوب، فالصواب أنَّ الإقامة هنا بمعنى أن يفعَلَها على الوجه المطلوب منه، والصلاة معروفة للجميع لا تحتاج إلى تعرِيف، لأنها عبادةٌ ذات أقوالٍ وأفعالٍ معلومة مُفْتَتحة بالتكبير مُختَتَمة بالتسليم.
طيب قال: ( وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية )) أنفقوا بمعنى بذَلُوا وأخرجوا، (مما رزَقْناهم) مما أعطينَاهم لأَنَّ الرزق بمعنى العَطَاء، وقولُه مما رزقنَاهم هل (من) لبيانِ الجِنس أو هي للتبعيض؟ الأولى أن نجعلَها لبيان الجنس لِتشمَلَ ما لو أنفقُوا جميعَ أموالهم على الوجْه الذي يرضَاه الله ورسولُه فإنهم يدخُلون في هذا الوصف، وقولُه: ((سرا وعلانية )) (سِرًّا) مصْدَر نعم، ولكنها في موضِع الحال أي مُسِرِّين ومُعْلِنِين انتبه! مُسِرِّين ومُعْلِنِين، الإسرار أن يُخْفُوا الإنفاق فلا يعلَم به إلا المـُنفِق عليه، والإعلان أن يُظْهِرُوه للناس إما إظْهَارًا كاملًا شاملًا، وإما أن يكون إظهارًا نسبِيًّا يعلم به مَن حولهم، كلُّ ذلك يُمْدَحُون عليه، وسيأتي إن شاء الله في ذكرِ الفوائد أنَّ هذا يكون بحسب الحال، قال: (( زكاةً )) وغيرَها، غير الزكاة كالإنفاق الواجِب على الأقارِب وكصدقات التَطُوُّع فالإنفاق هنا شامِل، قال: (( يرجون تجارة لن تبور )) (يرجُون) يعني يُؤَمِّلُون ويطلُبون منه هذه التجارة، (( تِجَارَةً لن تَبُور )) أي لن تَهْلِك كما قال المؤلف: ما هذه التجارة؟ التجارَة ذكرَها الله عز وجل في قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يغفر لكم ذنوبَكم ))[الصف:11] فهنا عِوض ومُعَوَّض، العِوَض الإيمان بالله والجهاد في سبيلِه، المعوَّض (( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ))[الصف:12] هذه التجارة لا شكَّ أنَّها أربحُ التجارات وأنها أبقى التِّجَارات، أربحُ التجارات لأنَّ الرِّبْح فيها العَشْر مِائَة ولَّا لا؟ الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعف إلى أضعاف كثيرة، وأبقى كذلك هي أبقى التجارات بلا شكَّ لأنَّها في جنات عدن أي في جنات إقَامة لا ظَعْن فيها والله أعلم
طيب قال: ( وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية )) أنفقوا بمعنى بذَلُوا وأخرجوا، (مما رزَقْناهم) مما أعطينَاهم لأَنَّ الرزق بمعنى العَطَاء، وقولُه مما رزقنَاهم هل (من) لبيانِ الجِنس أو هي للتبعيض؟ الأولى أن نجعلَها لبيان الجنس لِتشمَلَ ما لو أنفقُوا جميعَ أموالهم على الوجْه الذي يرضَاه الله ورسولُه فإنهم يدخُلون في هذا الوصف، وقولُه: ((سرا وعلانية )) (سِرًّا) مصْدَر نعم، ولكنها في موضِع الحال أي مُسِرِّين ومُعْلِنِين انتبه! مُسِرِّين ومُعْلِنِين، الإسرار أن يُخْفُوا الإنفاق فلا يعلَم به إلا المـُنفِق عليه، والإعلان أن يُظْهِرُوه للناس إما إظْهَارًا كاملًا شاملًا، وإما أن يكون إظهارًا نسبِيًّا يعلم به مَن حولهم، كلُّ ذلك يُمْدَحُون عليه، وسيأتي إن شاء الله في ذكرِ الفوائد أنَّ هذا يكون بحسب الحال، قال: (( زكاةً )) وغيرَها، غير الزكاة كالإنفاق الواجِب على الأقارِب وكصدقات التَطُوُّع فالإنفاق هنا شامِل، قال: (( يرجون تجارة لن تبور )) (يرجُون) يعني يُؤَمِّلُون ويطلُبون منه هذه التجارة، (( تِجَارَةً لن تَبُور )) أي لن تَهْلِك كما قال المؤلف: ما هذه التجارة؟ التجارَة ذكرَها الله عز وجل في قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يغفر لكم ذنوبَكم ))[الصف:11] فهنا عِوض ومُعَوَّض، العِوَض الإيمان بالله والجهاد في سبيلِه، المعوَّض (( يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ))[الصف:12] هذه التجارة لا شكَّ أنَّها أربحُ التجارات وأنها أبقى التِّجَارات، أربحُ التجارات لأنَّ الرِّبْح فيها العَشْر مِائَة ولَّا لا؟ الحسنة بعشر أمثالها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعف إلى أضعاف كثيرة، وأبقى كذلك هي أبقى التجارات بلا شكَّ لأنَّها في جنات عدن أي في جنات إقَامة لا ظَعْن فيها والله أعلم
6 - تفسير قول الله تعالى : (( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ))
(( إنَّ الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة )) إلى آخره يستفاد مِن هذه الآية فوائِد منها فضْلُ تلاوة كتاب الله عز وجل لقوله: (( يرجون تجارة لن تبور )).
ومنها أنَّ الرَّجَاء ينبغي أن يَكون في محلِّه بحيث يكون الإنسان قد عَمِلَ عملًا يرجُو الثواب عليه أمَّا الرجاء بدون عمل فهو مِن التمَنِّي الذي لا ينفَعُ العبد وفي الحديث: ( الكَيِّسُ من دانَ نفسَه وعَمِلَ لِمَا بعد الموت، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتَمَنَّى على الله الأماني ) فلا رجاءَ إلا بعَمَل، وفي الحديث الصحيح أيضًا: ( لا يموتَنَّ أحدُكم إلا وهو يحسن الظن بالله )، وفي الحديث الصحيح: ( أنا عند ظنِّ عبدِي بي ) وكلُّ هذه النصوص وما أشبهها إنَّما تكون فيمن يعمَل ما يمكن أن يرجُوَ به ذلك، وأن يُحْسِنَ به الظن، لو أنَّ أحدًا أساء واستكْبَرَ عن عبادَةِ الله وقال: أنا أحسنُ الظن بالله. لكان هذا ظَنَّ وهْم لا بُد مِن شيء يبنِي عليه هذا الظن، لو قال: أنا أرجو رحمة الله. قلنا: هذا وهم حتى تعْمَل، ولهذا قال تعالى في سورة البقرة: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[البقرة:218] هؤلاء هم الذين يرجون، وهنا أيضًا مثلُه.
مِن فوائد الآية الكريمة أنَّ الثوابَ في الآخرة لا ينقَطِع، لقولِه: (( لن تبور )) بل ربما نقُول: إنَّ هذا أعَمّ بحيث يُثَابُ الإنسان في الدنيا ثوابًا مُسْتَمِرًّا إلى الآخرة لأَن الحسنات قد يرَى الإنسان ثوابَها في الدنيا، وثوابُها في الدنيا يستمِرّ إلى ثواب في الآخرة كما قال الله تعالى: (( كذلك يجزي الله المتقين * الذين تتوفاهم الملائكة طَيِّبِين يقولون سلام عليكم ادخُلوا الجنة )) طيب
ومِن فوائد الآية الكريمة فضْلُ إقامةِ الصلاة لقولِه: (( وأقاموا الصلاة )) وهو شامِل -كما قلنا في التفسير- شاملٌ لفرضِ الصلاة ونفلِها فما تُقامُ به الفريضة تقام به النافلة وما تقامُ به النافلة تقام به الفريضة إلا بدليل يدُلُّ على الفرق بينهما، وأظنُّنَا قد جمعْنَا الفُرُوق بين فرضِ الصلاة ونفلِها فبلغَت ثمانيةً وعشرين فرقًا منها ما هو واضِح دلَّتْ عليه السُّنَّة ومنها ما هو دون ذلك، فالمهم أنَّ الأصل أنَّ إقامةَ الفريضة إقامةٌ للنافلة وإقامةَ النافلة إقامةٌ لِلفريضة هذا الأصل، فما ثبَتَ في إحداهما ثبتَ في الثاني إلا بدَلِيل.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا فضيلةُ الإنفاق نعم لأنَّه أعْقَبَ الصلاةَ به: أقاموا الصلاة وأنفقوا، وهو يدل على أنَّ هذا الانفاق يشمَل الزكاة وغيرَ الزكاة، لأنَّ الله تعالى يقرِنُ دائما في الذكر بين الصلاة والزكاة.
طيب ومِن فوائدِ الآية الكريمة أنَّ المنْفِق ليس مانًّا على الله عز وجل لأنَّه إنما يُنْفِق مما رزقَه الله، فمهما بلَغَتْ بك نفسُك من الإعجاب والكبرياء على إنفاقِك فاذكُر قولَه: (( مما رزَقْناهم )) كُلُّ شيء تنفقُه فليس لك فيه مِنَّة على الله عز وجل بل للهِ المنةُ عليك به في إيجادِه وفي إنفاقِه: في إيجادِه، لأنَّه لولا أن الله رزقَك ما حصل لك، وفي إنفاقِه لأنَّ كثيرًا مِن الناس يبخَلُون بما آتاهم الله مِن فضلِه (( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ))[آل عمران:180]، فمِن نعمةِ الله عليك أن يَمُنَّ عليك بالإنفاق بعد أن مَنَّ عليك بالرزق والعطاء.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا أنَّ الإنفاق لا نَقُول: إنَّ الإسرارَ فيه أفضَل، ولا إنَّ الإعلان فيه أفضَل بل هو بحسَب الحال، فتارةً يكون الإنفاقُ سرًّا أفضل وتارة يكون الإنفاق علنًا أفضل، حسَب ما تقتضيه الحالن بخلاف الصَّدقَة فالأصلُ فيه السِرّ قال اللهُ تعالى: (( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ))[البقرة:271] لأنَّ الصدقة فيها نوعُ مِنَّةٍ على المعْطَى فربما ينكَسِر أمامِ الناس إذا أُعْلِنَتِ الصَّدَقَةُ له فصَارَ إخفائُها أفضَل، وفي الحديث الصحيح في الذين يُظِلُّهم الله في ظِلِّه: ( رجلٌ تصدَّقَ بصدَقَةٍ فأخفَاها ) أمَّا الأشياء العامَّة والمعْلَنَة كما لو أردنا أن نُنْفِقَ في مشروع خيرِيٍّ عام لا يظهَر فيه مِنَّة على شخصٍ مُعَيَّن فهنا قد يكونُ الإعلان فيه أفضَل، وكذلك لو أنَّ شخصا جاء إلينا وقال: أرجو أن تجمعوا لي مِن الناس فهنا ربما يكون الإعلان أفضَل مِن أجلِ أن يَقْتَدِي بك غيرُك، وهذا الرجل الذي طَلب مِنَّا أن نجمَعَ له لا يَهُمُّه أن يعلمَ الناس بأنَّه يُتَصَدَّقُ عليه أو لا يُتَصَدَّق، المهم أن نقول: إنَّ السرّ والإعلان في الإنفاق كلُّه خير لكنِ الصدقة الأفضل فيها السِّرّ لما في إظهارِها مِن كسر قلب الـمُعْطَى، نعم، وأمَّا الأشياء العامة أو الصَّدقة على شخصٍ معين هو الذي طلبَ منَّا أن نجمَعَ له مثلًا فهذا قد يكونُ الإعلان فيه أفضل.
ومِن فوائد الآية الكريمة التنْبِيه على الإخلاص لقولِه: (( يرجُون تجارة )) لا يُريدون تجارَةً تبور وتهلِك يعني لا يريدونها سُمْعَة، لأنَّ السمعة والجَاه بين الناس لا شكَّ أنه كَسبٌ للمرء ويعتَبَرُ تجارَة لكن هذه تجارَة هالِكة تَزُول بزوالِ الشخص أو تزُول بزوال ما اشتهَرَ به، لأن مَن حُمِدَ على شيء ذُمَّ على فقدِه، لكن الذي يرجُو ثواب الله ويُحسِن النية والقَصْد هذا هو الذي حصَلَ على تجارة لن تَبُور، ففيه التنبيه على ايش؟ على الإخلاص وأنه ينبغي للإنسان أن يكُون مخلصًا لله تعالى في عَملِه اللازِم أو القاصِر والمـُتَعَدِّي، القاصِر كالصلاة، والمتعدي كالصدقة
ومنها أنَّ الرَّجَاء ينبغي أن يَكون في محلِّه بحيث يكون الإنسان قد عَمِلَ عملًا يرجُو الثواب عليه أمَّا الرجاء بدون عمل فهو مِن التمَنِّي الذي لا ينفَعُ العبد وفي الحديث: ( الكَيِّسُ من دانَ نفسَه وعَمِلَ لِمَا بعد الموت، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتَمَنَّى على الله الأماني ) فلا رجاءَ إلا بعَمَل، وفي الحديث الصحيح أيضًا: ( لا يموتَنَّ أحدُكم إلا وهو يحسن الظن بالله )، وفي الحديث الصحيح: ( أنا عند ظنِّ عبدِي بي ) وكلُّ هذه النصوص وما أشبهها إنَّما تكون فيمن يعمَل ما يمكن أن يرجُوَ به ذلك، وأن يُحْسِنَ به الظن، لو أنَّ أحدًا أساء واستكْبَرَ عن عبادَةِ الله وقال: أنا أحسنُ الظن بالله. لكان هذا ظَنَّ وهْم لا بُد مِن شيء يبنِي عليه هذا الظن، لو قال: أنا أرجو رحمة الله. قلنا: هذا وهم حتى تعْمَل، ولهذا قال تعالى في سورة البقرة: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[البقرة:218] هؤلاء هم الذين يرجون، وهنا أيضًا مثلُه.
مِن فوائد الآية الكريمة أنَّ الثوابَ في الآخرة لا ينقَطِع، لقولِه: (( لن تبور )) بل ربما نقُول: إنَّ هذا أعَمّ بحيث يُثَابُ الإنسان في الدنيا ثوابًا مُسْتَمِرًّا إلى الآخرة لأَن الحسنات قد يرَى الإنسان ثوابَها في الدنيا، وثوابُها في الدنيا يستمِرّ إلى ثواب في الآخرة كما قال الله تعالى: (( كذلك يجزي الله المتقين * الذين تتوفاهم الملائكة طَيِّبِين يقولون سلام عليكم ادخُلوا الجنة )) طيب
ومِن فوائد الآية الكريمة فضْلُ إقامةِ الصلاة لقولِه: (( وأقاموا الصلاة )) وهو شامِل -كما قلنا في التفسير- شاملٌ لفرضِ الصلاة ونفلِها فما تُقامُ به الفريضة تقام به النافلة وما تقامُ به النافلة تقام به الفريضة إلا بدليل يدُلُّ على الفرق بينهما، وأظنُّنَا قد جمعْنَا الفُرُوق بين فرضِ الصلاة ونفلِها فبلغَت ثمانيةً وعشرين فرقًا منها ما هو واضِح دلَّتْ عليه السُّنَّة ومنها ما هو دون ذلك، فالمهم أنَّ الأصل أنَّ إقامةَ الفريضة إقامةٌ للنافلة وإقامةَ النافلة إقامةٌ لِلفريضة هذا الأصل، فما ثبَتَ في إحداهما ثبتَ في الثاني إلا بدَلِيل.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا فضيلةُ الإنفاق نعم لأنَّه أعْقَبَ الصلاةَ به: أقاموا الصلاة وأنفقوا، وهو يدل على أنَّ هذا الانفاق يشمَل الزكاة وغيرَ الزكاة، لأنَّ الله تعالى يقرِنُ دائما في الذكر بين الصلاة والزكاة.
طيب ومِن فوائدِ الآية الكريمة أنَّ المنْفِق ليس مانًّا على الله عز وجل لأنَّه إنما يُنْفِق مما رزقَه الله، فمهما بلَغَتْ بك نفسُك من الإعجاب والكبرياء على إنفاقِك فاذكُر قولَه: (( مما رزَقْناهم )) كُلُّ شيء تنفقُه فليس لك فيه مِنَّة على الله عز وجل بل للهِ المنةُ عليك به في إيجادِه وفي إنفاقِه: في إيجادِه، لأنَّه لولا أن الله رزقَك ما حصل لك، وفي إنفاقِه لأنَّ كثيرًا مِن الناس يبخَلُون بما آتاهم الله مِن فضلِه (( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ))[آل عمران:180]، فمِن نعمةِ الله عليك أن يَمُنَّ عليك بالإنفاق بعد أن مَنَّ عليك بالرزق والعطاء.
ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا أنَّ الإنفاق لا نَقُول: إنَّ الإسرارَ فيه أفضَل، ولا إنَّ الإعلان فيه أفضَل بل هو بحسَب الحال، فتارةً يكون الإنفاقُ سرًّا أفضل وتارة يكون الإنفاق علنًا أفضل، حسَب ما تقتضيه الحالن بخلاف الصَّدقَة فالأصلُ فيه السِرّ قال اللهُ تعالى: (( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ))[البقرة:271] لأنَّ الصدقة فيها نوعُ مِنَّةٍ على المعْطَى فربما ينكَسِر أمامِ الناس إذا أُعْلِنَتِ الصَّدَقَةُ له فصَارَ إخفائُها أفضَل، وفي الحديث الصحيح في الذين يُظِلُّهم الله في ظِلِّه: ( رجلٌ تصدَّقَ بصدَقَةٍ فأخفَاها ) أمَّا الأشياء العامَّة والمعْلَنَة كما لو أردنا أن نُنْفِقَ في مشروع خيرِيٍّ عام لا يظهَر فيه مِنَّة على شخصٍ مُعَيَّن فهنا قد يكونُ الإعلان فيه أفضَل، وكذلك لو أنَّ شخصا جاء إلينا وقال: أرجو أن تجمعوا لي مِن الناس فهنا ربما يكون الإعلان أفضَل مِن أجلِ أن يَقْتَدِي بك غيرُك، وهذا الرجل الذي طَلب مِنَّا أن نجمَعَ له لا يَهُمُّه أن يعلمَ الناس بأنَّه يُتَصَدَّقُ عليه أو لا يُتَصَدَّق، المهم أن نقول: إنَّ السرّ والإعلان في الإنفاق كلُّه خير لكنِ الصدقة الأفضل فيها السِّرّ لما في إظهارِها مِن كسر قلب الـمُعْطَى، نعم، وأمَّا الأشياء العامة أو الصَّدقة على شخصٍ معين هو الذي طلبَ منَّا أن نجمَعَ له مثلًا فهذا قد يكونُ الإعلان فيه أفضل.
ومِن فوائد الآية الكريمة التنْبِيه على الإخلاص لقولِه: (( يرجُون تجارة )) لا يُريدون تجارَةً تبور وتهلِك يعني لا يريدونها سُمْعَة، لأنَّ السمعة والجَاه بين الناس لا شكَّ أنه كَسبٌ للمرء ويعتَبَرُ تجارَة لكن هذه تجارَة هالِكة تَزُول بزوالِ الشخص أو تزُول بزوال ما اشتهَرَ به، لأن مَن حُمِدَ على شيء ذُمَّ على فقدِه، لكن الذي يرجُو ثواب الله ويُحسِن النية والقَصْد هذا هو الذي حصَلَ على تجارة لن تَبُور، ففيه التنبيه على ايش؟ على الإخلاص وأنه ينبغي للإنسان أن يكُون مخلصًا لله تعالى في عَملِه اللازِم أو القاصِر والمـُتَعَدِّي، القاصِر كالصلاة، والمتعدي كالصدقة
7 - فوائد قول الله تعالى : (( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ))
ثم قال الله عز وجل: (( ليوفيَهم أجورهم ويزيدَهم من فضله )) قال: (ليوفيهم) أي يعطيَهم أجورَهم وافِية كاملة، والضمير ضميرُ الفاعل يعود على الله في قولِه: (( إن الذين يتلون كتاب الله )) وقولُه: (ليوفيهم) اللام هذه للعاقِبَة وقيل: للتعليل، فعلى القول بأنَّها للعاقِبة تكون مُتعلِّقَة بـ(يرجون) يرجون تجارةً لن تبور عاقبتُهم أن يوفيَّهم الله أجورَهم، وعلى أنَّها للتعليل مُتعلِّقَة بـ(يتلون) و(أقاموا) و(أنفقوا) يعني يتْلُون لِيوفيَهم أجورهم، أقاموا الصلاة لِيوفيَهم أجورَهم، أنفقوا مما رزقناهم لِيوفِيَهم أجورَهم يعني قصَدُوا ما رَتَّبَ الله على هذه الأعمال مِن الأجور، وهذا الفعل يَنْصِب مفعولين أحدُهما هنا (الهاء) والثاني (أجور) وهو مِن أخوات؟
الطالب: من أخواتِ كسا.
الشيخ : نعمـ مِن أخوات كسا وأعطى، لأنه نصَبَ ما لا يصِحُّ أن يكونَ مبتدأً وخبرًا، وكلُّ فعل ينصِب مفعولين لا يصِحُّ أن يكون أحدُهما خبرًا عن الآخر فهو مِن باب (كسا) أي نعم، (( ليوفيَهم أجورَهم )) أي ثوابَ أعمالِهم المذكُورة " والتوفِية هذه معروفة لنا جميعا وهو أنَّ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، فمثلًا الصلاة حسنَة بعشْرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، ومع الجماعة تكون كم حسنة؟ سبعًا وعشرين حسنة كُلُّ حسنَة بعشرِ أمثالها، قال: (( ويزيدَهم مِن فضله )) معطُوفَة على (يوفيهم) ويزيدَهم من فضله يعني يزيدهم عطاءً وأجرًا مِن فضله، وهذا مِثْل قوله تعالى: (( كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))[البقرة:261] وقولُه: (يزيدهم من فضله) يشمل الفضْل في الدنيا والآخرة، أمَّا في الدنيا فإنَّ الإنسان إذا عمِل العمل الصالح مخلصًا للهِ به حَبَّبَ الله إليه العمل حتى يزيدَ في العمل وهذا شيءٌ مُشَاهد، كذلك إذا أعطى وأنفَق زادَه الله مِن فضلِه قال الله تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفُه )) أي يأتي بخَلَفِه، فالزيادة إذًا تشمل زيادَة الأجُور وزيادة الأعمَال وزيادة المال المنْفَق منه، زيادة الأعمال لِأني قلت: كلما عملَ الإنسان عملًا صالحًا حبَّبَ الله إليه العمل وزاده فيه، زيادةُ المال (( وما أنفقتم مِن شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين )) (( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ))[الروم:39] (ويزيدَهم مِن فضله) أي عطائِه الذي يتفضَّلُ به عليهِم.
(( إنَّه غفورٌ )) لذنوبِهم (( شكورٌ )) لطاعَتِهِم " هذا تعلِيل لما سبق مِن توفيةِ الأجُور والزيادة مِن الفضل، يعني أنَّ الله عز وجل لكونه غفورًا رحيمًا صار يوفِّيهم أجورَهم ويزيدهم مِن فضله، وفي هذا إشارَة إلى مغفرةِ الله سبحانه وتعالى لِلعامِل وإلى شكرِه إيَّاه، (الغفور) صيغَةُ مُبَالَغَة، أو صفَةٌ مُشَبَّهَة مأخُوذَة مِن الغَفْر وهو السَّتْر مع الوِقَاية، لأنَّ أصل هذه المادَّة المـِغْفَر والمغفَر يحصُل به الستر والوقاية، إذًا ما معنى أنَّ الله غفور؟ معناه أن الله يستُر الذنوب ويتجاوَز عن العقوبة، وما أدري مَا أكثر ما نُذْنِب فيما بيننا وبين ربِّنا ومع ذلك يسترُها الله عز وجل، وإذا كان يوم القيامة عفَا عن عقوبَتِها وبذلك تَتَحَقَّقُ المغفرة، أمَّا الشَّكُور فنقُول في تصْرِيفه كما قلنا في غفور: إنَّه إما صِيغة مبالغة وأما صِفَة مُشَبَّهَة فهو سبحانه وتعالى شكُور أي يَشْكُر مَن عمِل العمل الصالح، ومِن شكرِه إيَّاه أنَّه يضاعف له الأجر الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وانظُر إلى كمال الله عز وجل في صفَتِه أنَّه هو الذي يَمُنُّ عليك بالعَمل ثم يشكُرُك عليه (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )) سبحان الله العظيم، ربنا يُحْسِنُ إلينا ثم يقول: ما جزاءُ إحسانِكم إلا أن نُحْسِنَ إليكم، وهو الذي تَفَضَّل به أولًا ثم ثانيًا، وهذا يدُلُّك على سَعَةِ كرمِ الله والحمد لله وأنَّه عز وجل واسِع الكَرَم
الطالب: من أخواتِ كسا.
الشيخ : نعمـ مِن أخوات كسا وأعطى، لأنه نصَبَ ما لا يصِحُّ أن يكونَ مبتدأً وخبرًا، وكلُّ فعل ينصِب مفعولين لا يصِحُّ أن يكون أحدُهما خبرًا عن الآخر فهو مِن باب (كسا) أي نعم، (( ليوفيَهم أجورَهم )) أي ثوابَ أعمالِهم المذكُورة " والتوفِية هذه معروفة لنا جميعا وهو أنَّ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، فمثلًا الصلاة حسنَة بعشْرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة، ومع الجماعة تكون كم حسنة؟ سبعًا وعشرين حسنة كُلُّ حسنَة بعشرِ أمثالها، قال: (( ويزيدَهم مِن فضله )) معطُوفَة على (يوفيهم) ويزيدَهم من فضله يعني يزيدهم عطاءً وأجرًا مِن فضله، وهذا مِثْل قوله تعالى: (( كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))[البقرة:261] وقولُه: (يزيدهم من فضله) يشمل الفضْل في الدنيا والآخرة، أمَّا في الدنيا فإنَّ الإنسان إذا عمِل العمل الصالح مخلصًا للهِ به حَبَّبَ الله إليه العمل حتى يزيدَ في العمل وهذا شيءٌ مُشَاهد، كذلك إذا أعطى وأنفَق زادَه الله مِن فضلِه قال الله تعالى: (( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفُه )) أي يأتي بخَلَفِه، فالزيادة إذًا تشمل زيادَة الأجُور وزيادة الأعمَال وزيادة المال المنْفَق منه، زيادة الأعمال لِأني قلت: كلما عملَ الإنسان عملًا صالحًا حبَّبَ الله إليه العمل وزاده فيه، زيادةُ المال (( وما أنفقتم مِن شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين )) (( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ))[الروم:39] (ويزيدَهم مِن فضله) أي عطائِه الذي يتفضَّلُ به عليهِم.
(( إنَّه غفورٌ )) لذنوبِهم (( شكورٌ )) لطاعَتِهِم " هذا تعلِيل لما سبق مِن توفيةِ الأجُور والزيادة مِن الفضل، يعني أنَّ الله عز وجل لكونه غفورًا رحيمًا صار يوفِّيهم أجورَهم ويزيدهم مِن فضله، وفي هذا إشارَة إلى مغفرةِ الله سبحانه وتعالى لِلعامِل وإلى شكرِه إيَّاه، (الغفور) صيغَةُ مُبَالَغَة، أو صفَةٌ مُشَبَّهَة مأخُوذَة مِن الغَفْر وهو السَّتْر مع الوِقَاية، لأنَّ أصل هذه المادَّة المـِغْفَر والمغفَر يحصُل به الستر والوقاية، إذًا ما معنى أنَّ الله غفور؟ معناه أن الله يستُر الذنوب ويتجاوَز عن العقوبة، وما أدري مَا أكثر ما نُذْنِب فيما بيننا وبين ربِّنا ومع ذلك يسترُها الله عز وجل، وإذا كان يوم القيامة عفَا عن عقوبَتِها وبذلك تَتَحَقَّقُ المغفرة، أمَّا الشَّكُور فنقُول في تصْرِيفه كما قلنا في غفور: إنَّه إما صِيغة مبالغة وأما صِفَة مُشَبَّهَة فهو سبحانه وتعالى شكُور أي يَشْكُر مَن عمِل العمل الصالح، ومِن شكرِه إيَّاه أنَّه يضاعف له الأجر الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وانظُر إلى كمال الله عز وجل في صفَتِه أنَّه هو الذي يَمُنُّ عليك بالعَمل ثم يشكُرُك عليه (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )) سبحان الله العظيم، ربنا يُحْسِنُ إلينا ثم يقول: ما جزاءُ إحسانِكم إلا أن نُحْسِنَ إليكم، وهو الذي تَفَضَّل به أولًا ثم ثانيًا، وهذا يدُلُّك على سَعَةِ كرمِ الله والحمد لله وأنَّه عز وجل واسِع الكَرَم
فوائد قول الله تعالى : (( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ))
في هذه الآية عِدة فوائد أولًا: أنَّ طلبَ الإنسان للثواب غايةٌ عظيمة، لِأن اللام كما أشرنا إليه آنِفًا لغير العاقبة اللام للتعليل، فهَذا إذا قلنا .. للتعليل وهي صالحة للتعليل، فكون الإنسان يعمَل مِن أجل الأجْر هذا لا يُعَدُّ نقصًا خلافًا للصوفية الذين يقولون: لا تعبُدِ الله لثوابِ الله ولكن اعبُدِ الله لله. فنقول لهم: هذا خطَأ فالله تعالى وصفَ أشرَفَ هذه الأُمة وخيرَ هذه الأمة بأنَّهم يريدون فضلًا مِن الله ورِضوانًا، قال الله تعالى: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ))[الفتح:29]، ومع ذلك لا نقول: إنَّك لا تعْبدِ الله لله. اعبُدِ الله لله ولثوابِ الله، فإنَّك لن تصِلَ إلى الله إلا بعد وصولِك إلى ثوابِ الله، فإنَّ لقاءَ الله اللقاءَ الذي هو الرِّضَا التَام إنما يحصل متى؟ في الجنة ولِهذا قال الله تعالى: (( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز )) هذا الفوزُ الكامل، وقولُه: ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة )) نعم متى يرَوْنَ وجه الله؟ إذا دَخَلُوا الجنة، رؤيةُ وجهِ الله الرُّؤْيَة التَامَّة بعد دخول الجنة، الحاصل أنَّ في هذه الآية وأمثالِها مَا يدُلّ على ضَعْف ذلك المسْلَك الذي سلكَه أولئك الصوفية بأن لا تعبدَ الله لثوابِ الله ولكن اعبُدِ الله لله، فنقول: ما أكثرَ الآيات الدالة على أنَّ العبادة تكون لِفضلِ الله وثوابِه.
ومِن فوائد الآية الكريمة ضَمَان الثواب يعني أنَّ الثوابَ مضمُون للعامِل الذي يتعَامَلُ مع الله عزَّ وجل بناءً على أنَّ اللام للعاقِبَة أي أنَّ هذا العمل سوف يُوَفَّى ( لِيوفيَهم أجورهم ). وفيها أيضًا وجهٌ آخر لضمان الثواب أنَّ الله سماه أجرًا، والأجر لا بد أن يُدْفَع لِمَن قامَ بالعَمَل، بل جاءَ في الحديث الصحيح القُدُسي قال الله تعالى: ( ثلاثةٌ أنا خصمُهم يوم القيامة: رجل أعطَى بِي ثم غدَر، ورجل باعَ حُرًّا فأكَلَ ثمنَه، ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستوفًى منه ولم يُعْطِهِ أجرَه )، فإذا كانَ الله خَصْم هؤلاء لأنَّهم لم يُعْطُوا الأجْر فإنَّه يدُلُّ على أنَّ الأجر الذي ضَمِنَه الله لعبادِه سوف يحصُل قطعًا، ولكن لا بُدَّ أن يكونَ العملُ صحيحًا.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ جزاءَ الحسنات أكثر مما يجِب، لقولِه: (( ويزيدهم من فضله )) وزيادةُ الفضل شرحنَاها في التفسير.
ومِن فوائدها إثباتُ الاسمين الكريمين (الغفور) و(الشكور) وما تضمَّناه مِن صفة وهي المغفرة والشُّكْر، وما تضمّنَاه أيضًا مِن أثر وهو الحُكم فإنَّ (غفور) يُؤْخَذ منها أنَّه يغفِر، وشَكُور يأخذ منها أنه يَشكُر مَن يستَحِقَّ الشُّكْر.
وفيه أيضًا في الآية الكريمة دليلٌ على ثُبُوتِ الأفْعَالِ الاختياريَّة لله عز وجل، لقوله: (( ليوفيهم ويزيدهم )) وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أنَّهم يُثْبِتُون لله تعالى الأفعال الاختيارية أي التي تقَعُ بمشيئَتِه فإنَّه تعالى فَعَّالٌ لِما يريد خلافًا لِمَن زعَم أنَّ الله تعالى لا يُوصَف بشيء حادِثٍ أبدًا نعم.
ومِن فوائد الآية الكريمة ضَمَان الثواب يعني أنَّ الثوابَ مضمُون للعامِل الذي يتعَامَلُ مع الله عزَّ وجل بناءً على أنَّ اللام للعاقِبَة أي أنَّ هذا العمل سوف يُوَفَّى ( لِيوفيَهم أجورهم ). وفيها أيضًا وجهٌ آخر لضمان الثواب أنَّ الله سماه أجرًا، والأجر لا بد أن يُدْفَع لِمَن قامَ بالعَمَل، بل جاءَ في الحديث الصحيح القُدُسي قال الله تعالى: ( ثلاثةٌ أنا خصمُهم يوم القيامة: رجل أعطَى بِي ثم غدَر، ورجل باعَ حُرًّا فأكَلَ ثمنَه، ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستوفًى منه ولم يُعْطِهِ أجرَه )، فإذا كانَ الله خَصْم هؤلاء لأنَّهم لم يُعْطُوا الأجْر فإنَّه يدُلُّ على أنَّ الأجر الذي ضَمِنَه الله لعبادِه سوف يحصُل قطعًا، ولكن لا بُدَّ أن يكونَ العملُ صحيحًا.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ جزاءَ الحسنات أكثر مما يجِب، لقولِه: (( ويزيدهم من فضله )) وزيادةُ الفضل شرحنَاها في التفسير.
ومِن فوائدها إثباتُ الاسمين الكريمين (الغفور) و(الشكور) وما تضمَّناه مِن صفة وهي المغفرة والشُّكْر، وما تضمّنَاه أيضًا مِن أثر وهو الحُكم فإنَّ (غفور) يُؤْخَذ منها أنَّه يغفِر، وشَكُور يأخذ منها أنه يَشكُر مَن يستَحِقَّ الشُّكْر.
وفيه أيضًا في الآية الكريمة دليلٌ على ثُبُوتِ الأفْعَالِ الاختياريَّة لله عز وجل، لقوله: (( ليوفيهم ويزيدهم )) وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أنَّهم يُثْبِتُون لله تعالى الأفعال الاختيارية أي التي تقَعُ بمشيئَتِه فإنَّه تعالى فَعَّالٌ لِما يريد خلافًا لِمَن زعَم أنَّ الله تعالى لا يُوصَف بشيء حادِثٍ أبدًا نعم.
تفسير قول الله تعالى : (( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ))
(( والذي أوحينا إليك مِن الكتاب هو الحق مصدِّقًا لما بين يديه )) الجملة هنا (والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق) جاءت بصيغة الاسمِيَّة المحصُورة، وطريقُ حصرِها أمرَان: الأمرُ الأول: تعريف ركنَيْها وهما المبتدأ والخبر فـ(الذي) مبتدأ و(الحق) خبر، وقد قال أهل البلاغة: إنَّ تعرِيفَ الركنين مِن الجملة الاسمية يُفِيد الحصر، نعم، الطريق الثاني من طُرُق الحصر: هو ضميرُ الفصل وهو قوله: (هو الحق) فضميرُ الفصل مِن فوائدِه الحَصْر، وله فائدة الثانية: التوكيد، وله فائدة الثالثة: الفصل بين الخبر والصفة، طيب يقول: (الذي أوحينا إليك هو الحق) (أوحينَا إليك) الوحْي إعلامُ الله سبحانه وتعالى أنبيائَه ورسلَه بشريعَة مِن شرائِعِه، نعم هذا هو الوحي شرعًا، أمَّا في اللغة فقالوا: إنَّ الوحي هو الإعلام بسُرُعَةٍ وخفَاء، يعني مثل الإشارَة والهمس وما أشبَهَه يُسَمَّى وحيًا لكنه في الشرع
اضيفت في - 2011-05-25