تفسير سورة فاطر-07a
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تابع لتفسير قول الله تعالى : (( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ))
ومنها ما ليسَ بوحي، أحيانًا يُسْأَلُ النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء ولا يُجِيب فينْزِلُ عليه الوحْي فيُجيب بحديثٍ نبويّ مثل قِصَّة يعلى بن أمية الذي كان أحرَم بالعمرة وهو متعَمِّق بالخَلُوق فسألَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولكنَّه لم يجبْه حتى جاءَه الوحي، وأحيانا يُسأَل عن الشيء ثم ينزِل به الوحي على أنَّه كلام الله قرآن فيبَلِّغُه للنبي صلى الله عليه وسلم، طيب يقول: (( الذي أوحينا إليك )) والمراد به هنا القُرآن قطعًا بدليل قولِه: (من الكتاب)، لأنَّ (مِن) بيانية تُبَيِّن الإبهام في اسْم الموصول (الذي) لأنَّ اسمَ الموصول فيه إبهَام فإذا جاءت (مِن) بعده بعد اسم الموصول فهي تبْيِنِيَّة، (( الذي أوحينا إليك مِن الكتاب )) القرآن " وهو كتاب بمعنى مكتُوب لأنَّ هذه الصيغة (فِعَال) تأتي كثيرا بمعنى مفعول، وأمثلَتُها غِرَاس بِنَاء فِرَاش بمعنى مغرُوس ومَبْنِي ومفرُوش فالكتاب بمعنى مكتوب، مكتوب في أي شيء؟ مكتوب في اللوح المحفوظ مكتُوبٌ في الصحف التي بأيدي الملائكة (( كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرامٍ بررة )) مكتُوب في المصاحِف التي بأيدينا، إذًا هو مكتوب على ثلاثة أوجه: اللوح المحفوظ، الصحف التي بأيدي الملائكة، الصحف التي بأيدينا، قال: (( هو الحق )) (هو) ضمير فصْل و(الحق) خبر (الذي) فـالذي أوحَى اللهُ إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم هو الحقّ أكَّدَ اللهُ ذلك بكم مؤكد؟ بمؤكِّدَين: ضمير الفصْل وتعريف ركني الجملة (الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق)، وقولُه: (الحق) يعني الشيء الثابت صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام، فأحكام القرآن كلها عدْل وأخبارُه كلُّها صِدْقٌ ليس فيها كَذِب بوجه مِن الوجوه، وليس في أحكامه جَوْر بوجه مِن الوجوه، لأنَّك إذا تأمَّلت أحكامَه وجدتَّه قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، فلهذا كان عدلًا في الأحكام، وإذا تأملْتَ أخبارَه وجدتَّها كلها صدقًا وهذا هو الصدق في الأخبار، وقد قال الله تعالى: (( وتمَّت كلمةُ ربِّك صدقًا وعدلًا لا مبدلَ لكلماتِه وهو السميع العليم )).
قال الله تبارك وتعالى: (( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور )) أخذْنا المناقشة فيها؟
(( مُصَدِّقًا لما بين يدَيْه ))، قولُه مُصَدِّقًا لما بين يدَيْه قال المؤلف: " تقدَّمَه من الكتب " يعني مصدقًا لِمَا تقدَّمه مِن الكتب، لأنَّ الكتب التي سبقَتْه تكون بين يدَيْه، ألا ترى إلى الرجل يكُون أمامك فهو قد سَبَق وتقول: إنَّ الرجل بين يدَيّ، وربما يقال لِمَا بين اليدين للشيءِ المستَقْبَل لأنَّه أمامك أيضًا كما في قوله تعالى: (( يعلم ما بين أيديهم وما خلفَهم )) أي مستقبلَهم وماضِيَهم، وقوله: (مصدقًا لما بين يديه) كيفِيَّةُ التصديق للكتبِ السابقة مِن وجهين: الوجهُ الأول: أنَّه صدَّقَها أي أثبتَ أنها صادِقَة، فالقرآنُ يثبِتُ صِحَّة التورَاة والإنجِيل والزَّبور وغير ذلك من الكتب ويبَيِّن أنَّها صِدْق، كذلك الوجه الثاني: مصدقًّا لما بين يديه لأن الكتبَ السابقة أخبرَتْ به فنزولُه يكونُ تصديقًا لها فهو مصدِّقٌ لما بين يديه مِن وجهين: الوجه الأول أنَّه صدَّق ما سبقَه أي قال: إنَّها كتبٌ صادقَة ثابتة وأوجبَ الإيمانَ بها، والوجه الثاني أنَّه صدَّق ما أخبرَتْ به أي نزل مطابقًا لما أخبرَتْ به كما قال الله تعالى: (( وإنَّه لفي زُبر الأولين )) القرآن، (زُبُرِ الأولين) كتبِهم يعني أنَّه موجودٌ في كتبهم وأنه سوف ينزِل كما أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم كذلك قد أُخِذَ العهد والميثاق على كل نبيّ أنَّ يصدِّقَ به قال الله تعالى: (( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ))[آل عمران:81] المهم أن تصديقه لما بين يديه مِن وجهَيْن، طيب قال: (( مصدقًا لما بين يدَيه ))
قال الله تبارك وتعالى: (( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور )) أخذْنا المناقشة فيها؟
(( مُصَدِّقًا لما بين يدَيْه ))، قولُه مُصَدِّقًا لما بين يدَيْه قال المؤلف: " تقدَّمَه من الكتب " يعني مصدقًا لِمَا تقدَّمه مِن الكتب، لأنَّ الكتب التي سبقَتْه تكون بين يدَيْه، ألا ترى إلى الرجل يكُون أمامك فهو قد سَبَق وتقول: إنَّ الرجل بين يدَيّ، وربما يقال لِمَا بين اليدين للشيءِ المستَقْبَل لأنَّه أمامك أيضًا كما في قوله تعالى: (( يعلم ما بين أيديهم وما خلفَهم )) أي مستقبلَهم وماضِيَهم، وقوله: (مصدقًا لما بين يديه) كيفِيَّةُ التصديق للكتبِ السابقة مِن وجهين: الوجهُ الأول: أنَّه صدَّقَها أي أثبتَ أنها صادِقَة، فالقرآنُ يثبِتُ صِحَّة التورَاة والإنجِيل والزَّبور وغير ذلك من الكتب ويبَيِّن أنَّها صِدْق، كذلك الوجه الثاني: مصدقًّا لما بين يديه لأن الكتبَ السابقة أخبرَتْ به فنزولُه يكونُ تصديقًا لها فهو مصدِّقٌ لما بين يديه مِن وجهين: الوجه الأول أنَّه صدَّق ما سبقَه أي قال: إنَّها كتبٌ صادقَة ثابتة وأوجبَ الإيمانَ بها، والوجه الثاني أنَّه صدَّق ما أخبرَتْ به أي نزل مطابقًا لما أخبرَتْ به كما قال الله تعالى: (( وإنَّه لفي زُبر الأولين )) القرآن، (زُبُرِ الأولين) كتبِهم يعني أنَّه موجودٌ في كتبهم وأنه سوف ينزِل كما أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم كذلك قد أُخِذَ العهد والميثاق على كل نبيّ أنَّ يصدِّقَ به قال الله تعالى: (( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ))[آل عمران:81] المهم أن تصديقه لما بين يديه مِن وجهَيْن، طيب قال: (( مصدقًا لما بين يدَيه ))
1 - تابع لتفسير قول الله تعالى : (( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( إن الله بعباده لخبير بصير ))
(( إنَّ اللهَ بعبادِه لخبِير بصِير )) عالِم بالبواطِن والظواهِر " هذه الجملة تعلُّقُها بما قبلَها أنَّها تفيد تحذيرًا وإنذارًا وترغيبًا، فهي ترغيبٌ وترهيب لأنَّه لما أخبر بأنَّ هذا القرآن هو الحق فقد انقَسَم الناس في هذا الحق إلى قسمَين قسمٌ صدَّق به وقسم كفَر به أليس كذلك؟ طيب كلُّ هؤلاء نقول لهم: إنَّ اللهَ تعالى بكم خبيرٌ بصير فالذين صدَّقُوا به لن يضيعَ تصديقُهم وعملُهم بما جاء به لأنَّ الله خبيرٌ به وبصيرٌ به وسوف يجازيهم عليه، والذين كذَّبوا به أيضًا لن تخفَى حالُ هم على الله عز وجل فسوف يعاقبهم بما يقتضِيه تكذيبُهم وإنكارُهم واستكبارُهم، فالجملةُ إذًا هي باعتبار المصدِّقِين بهذا القرآن لايش؟ للبَشارة، وباعتبار المكذبين؟ للإِنذار والتحذير، وقوله: (خبير بصير) (خبير) اسم فاعل على صيغة المبالغة وإن شئتَ فقل: إنه صفة مشبَّهة وهو أحسَن بالنسبة لِمَا يتعلق بالعلِم الأحسن في هذا أن نقول: أنَّه مِن باب الصفة المشبَّهة لِماذا؟ لأنَّ الصِّفَة المشبهة تدُلُّ على الثبوت، لكن صيغَةُ المبالغَة قد تدُلُّ على الحدُوث، وحدُوث الخِبرَة في جانِب اللهِ عز وجل مستحِيل ولَّا لا؟ حدوث الخبرة مستحيل، لأنَّه لم يزَلْ ولا يزالُ خبيرًا، إذًا نعود فنقول: أنَّه يتعين أن نجعلَ (خبير) صفَةً مشبَّهَة لأنَّنا لو جعَلْناها صفة مبالغة مِن (خابِر) لكانت موهِمَة لِتجدُّدِ الخبرَة والعِلْم وهذا شيءٌ مستحيل في جانبِ الله عز وجل، طيب وقوله: (بصير) كلمة (بصير) قد يُرَادُ بها العِلْم وقد يراد بها الإدرَاك للرُؤْية وكلا الأمرين لا يُنَاقِضُ بعضُهما بعضًا، وقد مَرَّ علينا في قواعد التفسير أنَّ الآية إذا احتملَتْ معنيين لا يتناقَضَان فإنَّها تُحْمَل عليهما لأنَّ ذلك أوسع في معناهَا وأبلغ، فاللهُ عز وجل بصيرٌ بعبادِه مِن حيثُ النظر والرؤية ومِن حيث العلم، في جانب المعمولات المفعُولات الظاهرة تكون الرؤية والعلم أيضًا، وفي جانب المسموعَات يكونُ العلم (( إنَّ الله بعباده لخبير بصير ))
تفسير قول الله تعالى : (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ))
ثم قال الله تعالى: (( ثم أورثْنا الكتاب الذين اصطفينا مِن عبادنا )) (أورثنا الكتاب الذين) أولَّا كلمة (أورث) هنا نصبَتْ مفعولين أصلُهما المبتدأ والخبر أو لا؟ ليس أصلُهما المبتدأ والخبر، وعلى هذا فهي من باب (كسا وأعطى) أين المفعول الأول وأين المفعول الثاني؟ انتبه! لا تتعجلون، (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا مِن عبادنا (الذين) هي الأول، و(الكتاب) هو الثاني لأنَّ الوارث مَن هل الكتاب وارثٌ (الذين) ولا (الذين) ورثوا الكتاب؟ الذين هم الذين ورثوا الكتاب يعني أورَثنا الذين اصطفينا مِن عبادنا الكتاب، وش معنى أورثْنَاه إيَّاه؟ أي جعلْنَاهم يرِثُونه، فالذين اصطفاهم الله أورثَهم اللهُ الكتاب أي جعلَهم يرثونَه، وكلمة (الكتاب) قال المؤلف: " القرآن " وينبغي أن نجعلَه أعم، لأننا لو قلنا: إنَّ الكتاب هو القرآن وقلنا إنَّه موروثٌ عمَّن سبقَنا لكانَ القرآنُ قد نزلَ على مَن سبقَنا، وليس الأمرُ كذلك فالمراد بالكتاب هنا الجنس لا خُصوصُ القرآن، يعني: أنَّ الكتبَ السابقة كلُّ ما فيها مِن الخير موجودٌ في القرآن فنحن ورِثْنا عمَّن سبقنا كلَّ ما أوتُوه مِن خير، فالأصول التي تجِب على كلِّ مسلم في أي زمانٍ ومكانٍ موجودة في القرآن، والشرائع التي تختلِف باختلافِ الأمم وباختلافِ الزمان والمكان هذه تختلف عمَّن سبق، قد يجِبُ علينا ما لا يجِب عليهم وقد يحرمُ علينا ما لا يحرم عليهم (( لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعَةً ومنهاجًا )) أمَّا الأصول فقد ورثنَاها عنهم، فالأصول التي هي أمُّ الدين قد ورثناها عمَّن سبقنا.
قال: (( الذين اصطفينا من عبادنا )) (الذين اصطفينا) أي اختَرْنا وهو مأخُوذٌ مِن الصَّفْوة وأصله اصْتَفَينَا، لكن لعلةٍ تصريفية قلِبَتِ التاءُ طاءً فقيل: (اصطفينا من عبادنا) أي اخترناهم، وقولُه: (من عبادنا) هل المراد بذلك العبودية العامَّة أو الخاصة؟
الطالب: الخاصة.
الشيخ : يعني الذين اصطفيناهم مِن المؤمنين أو اصطفيناهم من جميعِ العباد؟ يظهَر أنَّها مِن العبودِيَّة العامة يعني الذين اختارَهم اللهُ تعالى مِن عباده الذين يخضَعُون له كونًا، والمراد بهم هذه الأمة بدليلِ قوله تعالى: (( كنتم خير أمة أُخْرِجَتْ للناس )) فالذين اصطفَاهم الله مِن عباده هم هذه الأمة، للآية التي سقناها وهي في آل عمران، ولدليلٍ آخر مِن هذه الآية نفسها لأنَّ هذه الأمة آخِر الأمم إذًا فلا يمكن أن يُورَثَ ما عندَها مِن الكتاب فهي وارثَةٌ غير موروثَة، إذا كانت وارثة غير موروثَة فهي التي اصْطُفِيَت
قال: (( الذين اصطفينا من عبادنا )) (الذين اصطفينا) أي اختَرْنا وهو مأخُوذٌ مِن الصَّفْوة وأصله اصْتَفَينَا، لكن لعلةٍ تصريفية قلِبَتِ التاءُ طاءً فقيل: (اصطفينا من عبادنا) أي اخترناهم، وقولُه: (من عبادنا) هل المراد بذلك العبودية العامَّة أو الخاصة؟
الطالب: الخاصة.
الشيخ : يعني الذين اصطفيناهم مِن المؤمنين أو اصطفيناهم من جميعِ العباد؟ يظهَر أنَّها مِن العبودِيَّة العامة يعني الذين اختارَهم اللهُ تعالى مِن عباده الذين يخضَعُون له كونًا، والمراد بهم هذه الأمة بدليلِ قوله تعالى: (( كنتم خير أمة أُخْرِجَتْ للناس )) فالذين اصطفَاهم الله مِن عباده هم هذه الأمة، للآية التي سقناها وهي في آل عمران، ولدليلٍ آخر مِن هذه الآية نفسها لأنَّ هذه الأمة آخِر الأمم إذًا فلا يمكن أن يُورَثَ ما عندَها مِن الكتاب فهي وارثَةٌ غير موروثَة، إذا كانت وارثة غير موروثَة فهي التي اصْطُفِيَت
تفسير قول الله تعالى : (( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ))
وقوله: (( فمنهم ظالم لنفسِه )) بالتقصير في العمل به " أي بالكتاب (( ومنهم مقتصد )) " يعمل به أغلب الأوقات (( ومنهم سابق بالخيرات )) يضُمُّ إلى العمَل التعلِيم والإرشاد إلى العَمَل (( بإذن الله )) " قسَّم الله تعالى هذه الأمة التي أورثَها الكتاب إلى ثلاثةِ أقسام وبدأَ بالأَقْلّ فالأقَل، الأقَلّ في المرتَبة فالأقل فقال: (( فمنهم ظالمُ لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابِقٌ بالخيرات )) الظالمُ لنفسه هو الذي تركَ شيئًا من الواجِبات أو فعلَ شيئا مِن المحرمات، ترك صلاةَ الجماعة مع وجوبِها عليه، تركَ بعض الزكاة لم يخرجْهَا، تركَ الحجَّ على الفَور مع وجوبِه عليه على الفور، هذا نقول: إنه ظالمٌ لنفسه، فعلَ المحرمات شربَ الخمر زنا سرَق نظرَ نظرًا محرمًا هذا نقول: إنه ظالمٌ لنفسه كذا؟ معنى الظالِم في الأصل هو الناقِص لأنَّ الظُّلْم هو النَّقْص قال الله تعالى: ( كلتا الجنتين آتت أكلَها ولم تظلِم منه شيئًا )) يعني لم تنقُصْ، وكلّ مَن أساء فقد نقَص مما يجِبُ عليه ولهذا كلُّ عمل سيء يُعتَبَر نقصًا فيما يجِبُ عليه، لأنَّ الواجب عليك لنفسِك أن ترعَاهَا حقَّ رعايتها فأنت مسئولٌ أولَ ما تُسأَل عن نفسِك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ لنفسِك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقًّا ) فبدأَ بالنفس، فكما يجبُ عليك أن ترعى مصالح ولدِك ومالك وأهلِك يجبُ عليك أن ترعَى مصلحةَ نفسِك بل هو الواجِب الأول مِن حقوقِ المخلوقِين بعدَ حقِّ الله ورسولِه، طيب إذًا مَن فعلَ محرمًا فقد ظلمَ نفسَه ليش؟ لأنَّه نقصَها حقَّها في الأمانَة، أنت مُؤْتَمَن عليها يجِب أن ترعاها حقَّ رعايتها، مَن ترك واجبًا فقد ظلمَ نفسَه لأنَّ الواجِب عليه أن يفعلَ الواجِب لِيقومَ بحقِّ الأمانة فيما يتعلق بنفسِه، هذا الظالم لنفسِه، ومنهم مُقْتَصِد المقتَصِد هو الذي لم يقَعْ مِنه ظُلْمٌ لنفسه ولا تقدمٌ في الخير، أي قائمٌ بالواجبات تارِكٌ للمحرمات لكنه لا يُكْثِر مِن النوافل ولا يحرِص على إكمالِ الواجبات على الوجهِ الأكمل ولا يتجَنَّب المكروهات، مقتَصِد لا نقَص ولا زَاد، يصلِّي مع الجماعة ويزكِّي بدون نقص لكن لا يأتي بالنوافِل ولا بالصَّدقَات التطوع، يؤدي فريضةَ الحج لكن لا يعود، يصومُ رمضان لكن لا يصُوم نفلًا، وهكذا يؤدِّي ما عليه مِن المعاملات بين الناس على الوجهِ الواجِب فقط، لا يتسامَح عن فقير ولا يُنَزِّل مِن قيمة أو ثمَن لكنَّه ماشِي على ما يجِب عليه، نقول: هذا مقتَصِد هذا لا له ولا عليه، يعني ليس له ثواب إلا ثواب فعل الواجب فقط، الثالث: سابقٌ بالخيرات هذا يأتي بالواجِبَات ويزيدُ ما شاء الله تعالى مِن الخيرات، ويأتي بالواجبات أيضا على الوجه الأكمَل الأتَمّ، فالصلاة مثلًا لا يقتَصِرُ فيها على تسبيحةٍ واحدة بل يزيد، لا يقتصِر على الفاتحة بل يزِيد، لا يقتصر على أن يضَعَ يديه مثلا مطلقَة هكذا بل يضَعُها في موضِعِها في حالِ القيام وفي حال الركوع وفي حال السجود وهكذا، نقول: هذا سابقٌ بالخيرات يؤدِّي الزكاة ويتصدق، يحُج الواجب ويتطَوَّع، يصوم رمضان ويتَنَفَّل بغيره مِن الصيام، هذا نقول: إنَّه سابق بالخيرات، أمَّا قولُ المؤلف رحمه الله إنَّ معنى (سابق بالخيرات):" يضُمّ إلى العمَل التعليم والإرشاد إلى العمَل " ففي هذا نظَر ظاهِر، لماذا؟ لأنَّ التعليم قد يكونُ واجبًا، وإذا قامَ بالتعليم الواجب صارَ مِن السابِق بالخيرات أو مِن المقتصد؟ مِن المقتصد، وإن تركَه صارَ مِن الظالم لنفسه، وكذلك نقول في الإرشاد، الإرشاد الواجِب إذا قام به صارَ مقتصدًا وإن تركَه صارَ ظالمـًا لنفسِه، ولكن ما قلنا هو الصواب، طيب ما تقولُون في اختلافِ المفسِّرِين في هذه الآية فمنهم من يقول: فمنهم ظالمٌ لنفسه كالمانع للزكاة، ومنهم مقتصِد كالمقتصِر عليها، ومنهم سابقٌ بالخيرات كالزائدِ عليها، وآخر يقول: فمنهم ظالم لنفسه مؤخِّرٌ للصلاة عن وقتِها، ومنهم مقتصد فاعلٌ لها في وقتها ومنهم سابق للخيرات فاعلٌ لها في أولِ وقتها أي فِي الوقت الذي يُسْتَحَبّ أن تقامَ فيه هل بين القولين خلاف؟ لا ليس بينهما خلاف هذا يُسمَّى اختلاف تنَوَّع يعني أنَّ كل واحد منهما من القائلَيْن ذكر نوعًا فيكون هذا على سبيل التمثِيل ولا يُعَدَّ هذا خلافًا في الوقع ولكنَّه تمثيل هذا مثَّل بالزكاة وهذا مثَّل بالصلاة.
طيب وقوله: (( ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله))
طيب وقوله: (( ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله))
تفسير قول الله تعالى : (( بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ))
(( ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)) قال المؤلف: بإرادتِه " الكونية ولا الشرعِيَّة؟ الظاهر أننا نُغَلِّب هنا الكونية يعني أنَّ هؤلاء الأقسام الثلاثة الظالم والمقتصد والسابق كلهم يفعَلُون هذا بإذنِ الله، فالله تعالى هو الذي أذِنَ للظالم نفسِه أن يظلِم نفسَه، وللمقتصد أن يقتصِدَ على ما يجب، وللسابق أن يزيد، وتقييد هذا بإذنِ الله لئَلَّا يفتخِرَ مفتخرٌ بكونه سابقًا للخيرات فيَضُيفُ الشيء إلى نفسِه ويمُنُّ به على ربِّه كما قال الله تعالى عن بعض بني آدم: (( يمنُّون عليك أن أسلموا قل لا تمُنُّوا علي إسلامَكم بل الله يمُنُّ عليكم أن هداكم للإيمان )) فأنت إذا مَنَّ الله عليك بسبقٍ بالخيرات لا تظنَّ أنَّ هذا من نفسك لو وُكِلْتَ إلى نفسك لكنت ظالمـًا لنفسِك، لقوله تعالى: (( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ))[الأحزاب:72] هذه حقيقةُ الإنسان الظُّلم والجَهَالة لكن مَن مَنَّ اللهُ عليه وهداه فهو مِن فضلِه سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: (( ذلك هو الفضل الكبير )) ذلك أي إرثُهُم الكتاب (( هو الفضل الكبير )) نعم صدَق الله الفضلُ الكبير الذي لا يدانِيه فضْل هو مِنَّةُ الله على عبدِه بالعلم بهذا الكتاب هذا هو الفضلُ الكبير، ليس الفضلُ الكبير بأن يُعطَى الإنسان قصورًا أو مراكِب فخمَة أو زوجَات حسنَاء أو أبناءٍ كثيرين لَا الفضْلُ الكبير أن يُورَثَ هذا الكتاب كلُّ مَن ورِث هذا الكتاب علمًا وعملًا ودعْوة فهو الذي حازَ الفضل الكبير قال الله تعالى: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58] وفي قوله: (( ذلك هو الفضل )) فيها أدَاة حصر وهو ضَمير الفصل (ذلك هو الفضل) وضميرُ الفصل نذكرُه هنا لِمَن فاتَه العلم به ضميرُ الفصل هو ضَميرٌ يأتي مطابقًا للسياق يأتي بصورة الغائب كـ(هو) وبصورة المخاطب كـ(أنت) وبصورة المتكلم كـ(أنا) قال الله تعالى: (( وقل إنِّي أنا النذير المبين )) (إنِّي أنَا النذِير) هذا أتَى بصورة المتكلم، وتقول لِمَن تخاطبه إنَّك أنت القائم (( ذُق إنَّك أنت العزيز الكريم )) هذا في صورة المخَاطَب، وفي صورة الغائب كثير منه هذه الآية (( ذلك هو الفضل الكبير )) إذًا فضَميرُ الفصل ضميرٌ يؤتى به مطابقًا للسياق من حيث التكلم والخطاب والغَيْبَة وهو مِن حيث الإعراب لا مَحَلَّ له ليس له محَل مِن الإعراب، أمَّا مِن حيث المعنى فيفِيد ثلاثة أمور يفِيد التوكيد والحَصْر والتمييز بين الخبر والصِّفَة ثلاثة أمور عيسى! ما هي؟
الطالب: ...
الشيخ : ... تقول مثلًا: زيدٌ الفاضل فيه ضمير فصل ولَّا لا؟ ما فيه ضمير فصل هنا يحتَمِل أن تكونَ (الفاضل) خبرًا وتحتمل أن تكون صِفَة والخبر لم يأتِ، ممكن أن نقول: تقديرُ الكَلام: زيدٌ الفاضِلُ قائِم ما يمكن هذا؟ يمكن فتكون (الفاضل) صفة، فإذا قلت: زيدٌ هو الفاضل تعيَّن أن تكون (الفاضل) هنا خبرًا ما يمكن تكون صفة إذًا فهو يميِّز بين الصفة والخبر فيكون ما بعده خبرًا لا صِفَة، ولولاه لكان محتمِلًا أن يكونَ خبرًا أو صفة هذا شرح قولِنا: التمييز بين الخبر والصفة، يفِيد الحصر إذا قلت: زيدٌ فاضِل هل يمنع أن يكون غيرُه فاضلًا؟ لا يمنَع فإذا قلت: زيد هو فاضل، أو زيد هو الفاضل تعيَّن أن يكون زيدٌ وحدَه هو الفاضل، التوكيد لا شكَّ أن قولَك: زيد الفاضل تريد المبتدأ والخبر لا شكَّ أنها جملة تامة ومعناهَا واضِح، لكن إذا قلت: زيدٌ هو الفاضِل كأنَّك اتَّكَأْت عليها وزدتَّها توكيدًا، قال: (( ذلك هو الفضل الكبير )) الفضْل بمعنى العطَاءُ، العطاءُ مِمَّن؟ مِن الله، (الكبير) مِن حيث الحجم فهو كبير في كيفِيَّتِه ونحن نعلم مِن جهةٍ أخرى أنه كثِيرٌ في كَمِّيَّته فيجتمِع في هذا العطاء يجتمِع فيه الكَمِّيَّة والكَيْفِيَّة فهو فَضْلٌ كبيرٌ في ذاتِه وكيفيته وفضل كثِير أيضًا في عددِه وكمِّيَّتِه (ذلك هو الفضْل الكبير)
قال الله تعالى: (( ذلك هو الفضل الكبير )) ذلك أي إرثُهُم الكتاب (( هو الفضل الكبير )) نعم صدَق الله الفضلُ الكبير الذي لا يدانِيه فضْل هو مِنَّةُ الله على عبدِه بالعلم بهذا الكتاب هذا هو الفضلُ الكبير، ليس الفضلُ الكبير بأن يُعطَى الإنسان قصورًا أو مراكِب فخمَة أو زوجَات حسنَاء أو أبناءٍ كثيرين لَا الفضْلُ الكبير أن يُورَثَ هذا الكتاب كلُّ مَن ورِث هذا الكتاب علمًا وعملًا ودعْوة فهو الذي حازَ الفضل الكبير قال الله تعالى: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58] وفي قوله: (( ذلك هو الفضل )) فيها أدَاة حصر وهو ضَمير الفصل (ذلك هو الفضل) وضميرُ الفصل نذكرُه هنا لِمَن فاتَه العلم به ضميرُ الفصل هو ضَميرٌ يأتي مطابقًا للسياق يأتي بصورة الغائب كـ(هو) وبصورة المخاطب كـ(أنت) وبصورة المتكلم كـ(أنا) قال الله تعالى: (( وقل إنِّي أنا النذير المبين )) (إنِّي أنَا النذِير) هذا أتَى بصورة المتكلم، وتقول لِمَن تخاطبه إنَّك أنت القائم (( ذُق إنَّك أنت العزيز الكريم )) هذا في صورة المخَاطَب، وفي صورة الغائب كثير منه هذه الآية (( ذلك هو الفضل الكبير )) إذًا فضَميرُ الفصل ضميرٌ يؤتى به مطابقًا للسياق من حيث التكلم والخطاب والغَيْبَة وهو مِن حيث الإعراب لا مَحَلَّ له ليس له محَل مِن الإعراب، أمَّا مِن حيث المعنى فيفِيد ثلاثة أمور يفِيد التوكيد والحَصْر والتمييز بين الخبر والصِّفَة ثلاثة أمور عيسى! ما هي؟
الطالب: ...
الشيخ : ... تقول مثلًا: زيدٌ الفاضل فيه ضمير فصل ولَّا لا؟ ما فيه ضمير فصل هنا يحتَمِل أن تكونَ (الفاضل) خبرًا وتحتمل أن تكون صِفَة والخبر لم يأتِ، ممكن أن نقول: تقديرُ الكَلام: زيدٌ الفاضِلُ قائِم ما يمكن هذا؟ يمكن فتكون (الفاضل) صفة، فإذا قلت: زيدٌ هو الفاضل تعيَّن أن تكون (الفاضل) هنا خبرًا ما يمكن تكون صفة إذًا فهو يميِّز بين الصفة والخبر فيكون ما بعده خبرًا لا صِفَة، ولولاه لكان محتمِلًا أن يكونَ خبرًا أو صفة هذا شرح قولِنا: التمييز بين الخبر والصفة، يفِيد الحصر إذا قلت: زيدٌ فاضِل هل يمنع أن يكون غيرُه فاضلًا؟ لا يمنَع فإذا قلت: زيد هو فاضل، أو زيد هو الفاضل تعيَّن أن يكون زيدٌ وحدَه هو الفاضل، التوكيد لا شكَّ أن قولَك: زيد الفاضل تريد المبتدأ والخبر لا شكَّ أنها جملة تامة ومعناهَا واضِح، لكن إذا قلت: زيدٌ هو الفاضِل كأنَّك اتَّكَأْت عليها وزدتَّها توكيدًا، قال: (( ذلك هو الفضل الكبير )) الفضْل بمعنى العطَاءُ، العطاءُ مِمَّن؟ مِن الله، (الكبير) مِن حيث الحجم فهو كبير في كيفِيَّتِه ونحن نعلم مِن جهةٍ أخرى أنه كثِيرٌ في كَمِّيَّته فيجتمِع في هذا العطاء يجتمِع فيه الكَمِّيَّة والكَيْفِيَّة فهو فَضْلٌ كبيرٌ في ذاتِه وكيفيته وفضل كثِير أيضًا في عددِه وكمِّيَّتِه (ذلك هو الفضْل الكبير)
تفسير قول الله تعالى : (( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ))
قال الله تعالى: (( جنات عدن يدخلونها )) هذا بيانٌ لثوابِ هؤلاء الأصناف الثلاثة (( جنات عدن )) إقامَة (( يدخلونَها )) عند الثلاثةِ بالبناء للفاعل والمفعُول خبر (جنات) المبتدأ " طيب بالبِناء للفاعل يَدْخُلُونَها، وبالبناء للمفعول يُدْخَلُونَها، وهم إذا أُدْخِلُوا فقد دَخَلُوا ولَّا لا؟ فكأَنَّ القراءَتَيْن واحِد لكن يستفاد مِن كلمة يُدخَلُونها بيان أنهم يُعْطَوْنَهَا كرامَةً فتُقَدَّم إليهم حتى يدخلُوها لكن يدخُلُونَها بدون أن يُقال: يُدخَلوُنها فإنَّ الداخل قد يدخُل كرامة وقد يدخل مِن ذات نفسِه، لكن إذا أُدخِلَها كأنها قُدِّمَتْ لهم على سبيل الكرامَة حتى يدخلوها، وقوله: (جنات عَدْن) جَنَّات جمع ايش؟ جمع جَنَّة قال العلماء: والجنَّةُ البستانُ الكثيرُ الأشجار وسُمِّيَ بذلك لأنَّه يستُرُ مَن كان داخله والله أعلم.
(( جنات عدن يدخلونها )) عَدْن بمعنى إقَامَة يعني أنَّ هذه الجنات جنَّاتُ إقامَة لا ظَعْنَ فيها، بل هم خالِدُون فيها أبدًا، ومع ذلك ليس واحدٌ منهم يتمنَّى أن يتحوَّل عمَّا قال الله تعالى: (( لا يبغُون عنها حِوَلًا )) بخلاف الجنَّة فإنَّ الإنسان لو كان في أحسَن ما يكون مِن البساتين لتَمَنَّى أن يتحَوَّل إلى ما هو أحسَن منه وأفضَل منه لكن في الآخرة كلّ واحد مِنهم يرى أنَّه في مكانِ إقامَةٍ لا يريد أن يتحول عنه، وهذا لا شك أنَّه مِن كمالِ النعيم أن يستقِرَّ الإنسان وأن يرَى أنَّه في أكمَل ما يكون حتى لا تتَشَوَّف نفسُه إلى نعيمٍ أعلى فيتنَغَّصُ نعيمُه، لأنه من المعلوم أنَّ الإنسان إذا رأى أنَّه دون غيره وإن كان في مَقامٍ أمين وإن كانَ في مقام مُنَعَّمٍ فيه لكن يتنَغَّصُ عليه ذلك لكونِه يرى أنَّ غيرَه أفضلُ منهم.
طيب قال: (( يدخلونها )) بالبناء للفاعِل وللمفعُول خبرُ (جنات) " جناتٌ مُبتدأ وجملَة (يَدْخُلُونها) أو (يُدْخَلُونها) خبر، (يُحَلَّوْن) خبرٌ ثان ولا تصِحُّ أن تكونَ حالًا مِن الفاعل، وذلك لأنَّ تحليتَهم بذلك بعد الدخول ولو قلنا: (يدخلونها) حال َكونِهم يُحَلَّوْن لَلِزِم مِن ذلك أن تَكُونَ التحْلِية حين الدخول أو قبلَه، طيب (يُحَلَّوْن) خبرٌ ثاني وهل يجُوز أن يتعَدَّد الخبر؟ الجواب: نعَم، وهذا في القرآن كثير قال الله تعالى: (( وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد )) الخبر العام كم؟ أربعة: الغفورُ، والودود، وذو العرش، والمجيد فتعَدُّد الأخبَار جائِز في اللغة العربية (يحلون فيها) أي في هذه الجَنَّات مِن قال المؤلف: " بعض "فأفادَنا أنَّ (مِن) هذا ليست بيانِيَّة بل هي تبعِيضِيَّة ولو قيل: إنها بيانِيَّة لكان له وجهٌ جيد، لأنَّ التحلِيَة لا تتعَيَّن في الأَسَاوِر إذا قد يُحَلَّى الإنسان بالخُلُوف مثلا أو بالقَلَائِد أو ما أشبه ذلك، فجعلُها بيانِيَّة أولى مِن جعلِها تبعِيضِيَّة لأنَّك إذا قلت: يحلونَ بعضَ أساوِر لم تَكُن التحلية بالأَسَاور وإنما يحلَّونَ بعضَها إلَّا إذا قلت: نعم أقول إنها تبعيضية لأنَّ الأساور المذكُورة هنا نوعان فقط: ذهَب ولؤلؤ مع أنَّ لهم حلية أخرى وهي الفِضَّة كما قال الله تعالى: (( وحُلُّوا أساور من فضل وسقاهم ربهم شرابا طهورا )) فإذا جعلْتَها تبعيضِيَّة باعتِبَار أنَّ الأساوِرَ المذكورة مِن نوعين وبقي نوعٌ ثالث لم يُذْكَر صارَ القول بأنَّها للتبعيض له وجْه، وقد ذكرْنا مِرارًا كثيرة أنَّه إذا احتَمَل اللفظ معنيَيْن لا يتنافيان فإنه يُحمَل عليهما فيمكن أن نجعل (مِن) هنا مشتركة بين كونِها بيانيَّة وبين كونِها تبعيضِيَّة، بين كونها بيانية لأنَّ التحلية تكون مِن الأساور وغيرها فتكون (من) هنا مُبَيِّنَةً ما يتحلَّون به، وتبعيضية لأنَّه ذُكِر مِن الأساور هنا نوعَان وبقي نوع ثالث لم يُذْكَر، (( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤًا )) وش عندكم؟ مُرَصَّعٍ بالذهب " مرصع .. عندكم ... مِن ذهب ولؤلؤ، أما (من ذهب) فهي مجرُورة لا شكَّ فيها لأنَّها دخلت عليها (مِن)، وأما (لؤلؤ) فهي عندي منصوبَة هي عندكم كذلك؟ ولكنَّ قولَه (مرصَّع) يدلُّ على أنَّها مجرورة كما هي القراءَةُ الثانية، ولهذا ينبغي أن نُصَحِّح (لؤلؤًا) ونجعلها بالجَر بنَاءً على تفسيرِ الجَلَال، ... (مِن ذهبٍ) مجرورة عندكم، ولؤلؤٍ ... في القرءان ولؤلؤٍ أي نعم في المصحَف المفسَّر ما هو المصحف اللي في الأصل، طيب و(لؤلؤٍ) ما الدليل على أنَّه ولؤلُؤٍ لأنَّه قال: مرصَّعٍ، لو أنَّه أراد قراءَة النَّصْب لقال: مرصعًا، إذًا نقول: (لؤلؤ) فيها قراءَتان سبعِيَّتَان إحداهُما بالنصب (ولؤلؤًا) وعلى هذا تكونُ معطوفَة على محَلّ (أساوِر) يعي يحلَّوْن فيها أساوِرَ ولؤلؤًا أساورَ مِن ذهب ويحلَّون لؤلؤًا أيضًا، وأمَّا بالجر و(لؤلؤٍ) فهي معطوفَة على (مِن ذهب) يعني يحلَّون فيها أساور مِن نوعين مِن ذهب ولؤلؤ، أضِف إليها حُلُّوا أسَاوِر مِن فضة تكونُ أساورُهم مِن ثلاثةِ أنواع: مِن الذهب واللؤلؤ والفِضَّة، ولا نشُكّ أنَّ السِّوَار مِن الذهب مُجَمِّل وفيه جمَال لذاتِه وكذلك السِّوَار مِن الفضة، وكذلك السُّوار من اللُّؤْلُؤ، فكُلُّ واحِدٍ منها على حِدَة فيه جمَال وتجمِيل فإذا اجتمعَت الثلاثة وصُفَّ بعضُها إلى بعض تولَّد مِن ذلك تجمِيلٌ أكبَر، ولا أحدَ يتصَوَّر كيف تُجْمَع هذه الثلاثة هل يكونُ اللؤلؤ بين الذهَب والفضة أو الذهَب بين اللؤلؤِ والفضة أو اللؤلؤ بينهُما المهِم أنَّ ترتيبَها هذا لا أحد يتصوَرَّه الآن لكن الذي نؤمِنُ به أنَّ هذه الثلاثة تُجمَع أمَّا كيف تجمَع فاللهُ أعلم به، لكنَّنا أيضا نعلم بأنَّ جمعَها أي الثلاثة له زيادةٌ في التجمِيل، طيب واعلَم أن الذَّهب الذي يُذكَر في نعيم الجنة والفضة واللؤلؤ ليستْ كالذهب الذي نشاهدُه الآن أو الفضة أو اللؤلؤ بل هو ذهبٌ أعظَم ذهبٌ يليقُ بنعيمِ الجنَّة كما أنَّ النخل والرمان والفاكهة والعسل واللبن والخمْر وما أشبهَ ذلك ليس كالذي يوجَدُ في الدنيا لِماذا؟ لأنَّ النعيم يناسِبُ الدار فإذا كانت دارُ الدنيا لا تُشابِه دارَ الآخرة فالنعيمُ الذي في الآخرة لا يُساويه النعيمُ الذي في الدنيا، هذا مِن حيث المعقول أمَّا من حيث المنقول فقد قال الله تعالى: (( فلا تعلم نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم مِن قرة أعين )) وفي الحديث القدسي: ( أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأَتْ ولا أذنٌ سمعَتْ ولا خطَر على قلب بشر ) واضح وأنتم تشاهدون الآن أنَّه لو جاءَكم رجُلٌ فقير وصنَع لكم أعلى ما يمكنه مِن الطعام الذي هو أحسَنُ شيء عنده ودعاكم رجلٌ غني وصنعَ لكم أعلى ما يجد مِن الطعام عنده لعرفْتُم الفرقَ العظيم بين هذا وهذا مع أنَّ كل واحد منهم أتَى بكلِّ ما يستطيع، كذلك الفرق بين نعيم الآخرة ونعيم الدنيا، فالذهبُ إذًا يوافقُ الذهب في الدنيا في الاسم ولا يوافقُه في الحقيقة قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء " فقط أمَّا الحقائق فتختلِف، طيب يقول: (( من ذهب ولؤلؤ )) مرصَّع بالذهب" وقولُه (مرصع بالذهب) قد يعارَضُ المؤلف في ذلك إذ قد يُقال: إنَّ اللؤلؤ مُستَقِلّ حِلْيَة مستقلة نعم، ويدُلُّ لذلك قراءة النصب ولؤلؤا يعني يحلَّون لؤلؤًا، أمَّا على قراءة الجَرّ فما ذهب إليه المؤلف محتَمِل غير مُتَعَيِّن أنتم معنا الآن؟ طيب هو يرى رحمه الله أنَّ اللؤلؤ ليس مستقلًّا بل هو مُرَصَّع بالذهب كما يوجد في حليّ الدنيا، ولكنَّنا لا نُسَلِّم ما قال، بل ظاهرُ الآية الكريمة أنَّ اللؤلؤ سوارٌ مستقِلّ، ويبيِّنُ هذا قراءةُ النصْب ( يحلون فيها أساور من ذهب ولؤلؤا )) يعني يحلَّون لؤلؤًا فجل حلية اللؤلؤ حليةً مستقِلَّة طيب، (( ولباسُهم فيها حرير )) لَمَّا ذكرَ ما يُلْبَسُ في اليد ذكرَ اللباس العام على جمِيعِ البدن فقال: حرير لباسُهم في الجنَّة حرير، وحريرُ الجنة ليس كحريرِ الدنيا الذي تفرزه أو تصنَعُه دودَةُ القَز هو وقابل لكل آفَة بل حرير الآخرة حريرٌ لا يماثِلُ شيئًا مِن حرير الدنيا أبدًا
(( جنات عدن يدخلونها )) عَدْن بمعنى إقَامَة يعني أنَّ هذه الجنات جنَّاتُ إقامَة لا ظَعْنَ فيها، بل هم خالِدُون فيها أبدًا، ومع ذلك ليس واحدٌ منهم يتمنَّى أن يتحوَّل عمَّا قال الله تعالى: (( لا يبغُون عنها حِوَلًا )) بخلاف الجنَّة فإنَّ الإنسان لو كان في أحسَن ما يكون مِن البساتين لتَمَنَّى أن يتحَوَّل إلى ما هو أحسَن منه وأفضَل منه لكن في الآخرة كلّ واحد مِنهم يرى أنَّه في مكانِ إقامَةٍ لا يريد أن يتحول عنه، وهذا لا شك أنَّه مِن كمالِ النعيم أن يستقِرَّ الإنسان وأن يرَى أنَّه في أكمَل ما يكون حتى لا تتَشَوَّف نفسُه إلى نعيمٍ أعلى فيتنَغَّصُ نعيمُه، لأنه من المعلوم أنَّ الإنسان إذا رأى أنَّه دون غيره وإن كان في مَقامٍ أمين وإن كانَ في مقام مُنَعَّمٍ فيه لكن يتنَغَّصُ عليه ذلك لكونِه يرى أنَّ غيرَه أفضلُ منهم.
طيب قال: (( يدخلونها )) بالبناء للفاعِل وللمفعُول خبرُ (جنات) " جناتٌ مُبتدأ وجملَة (يَدْخُلُونها) أو (يُدْخَلُونها) خبر، (يُحَلَّوْن) خبرٌ ثان ولا تصِحُّ أن تكونَ حالًا مِن الفاعل، وذلك لأنَّ تحليتَهم بذلك بعد الدخول ولو قلنا: (يدخلونها) حال َكونِهم يُحَلَّوْن لَلِزِم مِن ذلك أن تَكُونَ التحْلِية حين الدخول أو قبلَه، طيب (يُحَلَّوْن) خبرٌ ثاني وهل يجُوز أن يتعَدَّد الخبر؟ الجواب: نعَم، وهذا في القرآن كثير قال الله تعالى: (( وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد )) الخبر العام كم؟ أربعة: الغفورُ، والودود، وذو العرش، والمجيد فتعَدُّد الأخبَار جائِز في اللغة العربية (يحلون فيها) أي في هذه الجَنَّات مِن قال المؤلف: " بعض "فأفادَنا أنَّ (مِن) هذا ليست بيانِيَّة بل هي تبعِيضِيَّة ولو قيل: إنها بيانِيَّة لكان له وجهٌ جيد، لأنَّ التحلِيَة لا تتعَيَّن في الأَسَاوِر إذا قد يُحَلَّى الإنسان بالخُلُوف مثلا أو بالقَلَائِد أو ما أشبه ذلك، فجعلُها بيانِيَّة أولى مِن جعلِها تبعِيضِيَّة لأنَّك إذا قلت: يحلونَ بعضَ أساوِر لم تَكُن التحلية بالأَسَاور وإنما يحلَّونَ بعضَها إلَّا إذا قلت: نعم أقول إنها تبعيضية لأنَّ الأساور المذكُورة هنا نوعان فقط: ذهَب ولؤلؤ مع أنَّ لهم حلية أخرى وهي الفِضَّة كما قال الله تعالى: (( وحُلُّوا أساور من فضل وسقاهم ربهم شرابا طهورا )) فإذا جعلْتَها تبعيضِيَّة باعتِبَار أنَّ الأساوِرَ المذكورة مِن نوعين وبقي نوعٌ ثالث لم يُذْكَر صارَ القول بأنَّها للتبعيض له وجْه، وقد ذكرْنا مِرارًا كثيرة أنَّه إذا احتَمَل اللفظ معنيَيْن لا يتنافيان فإنه يُحمَل عليهما فيمكن أن نجعل (مِن) هنا مشتركة بين كونِها بيانيَّة وبين كونِها تبعيضِيَّة، بين كونها بيانية لأنَّ التحلية تكون مِن الأساور وغيرها فتكون (من) هنا مُبَيِّنَةً ما يتحلَّون به، وتبعيضية لأنَّه ذُكِر مِن الأساور هنا نوعَان وبقي نوع ثالث لم يُذْكَر، (( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤًا )) وش عندكم؟ مُرَصَّعٍ بالذهب " مرصع .. عندكم ... مِن ذهب ولؤلؤ، أما (من ذهب) فهي مجرُورة لا شكَّ فيها لأنَّها دخلت عليها (مِن)، وأما (لؤلؤ) فهي عندي منصوبَة هي عندكم كذلك؟ ولكنَّ قولَه (مرصَّع) يدلُّ على أنَّها مجرورة كما هي القراءَةُ الثانية، ولهذا ينبغي أن نُصَحِّح (لؤلؤًا) ونجعلها بالجَر بنَاءً على تفسيرِ الجَلَال، ... (مِن ذهبٍ) مجرورة عندكم، ولؤلؤٍ ... في القرءان ولؤلؤٍ أي نعم في المصحَف المفسَّر ما هو المصحف اللي في الأصل، طيب و(لؤلؤٍ) ما الدليل على أنَّه ولؤلُؤٍ لأنَّه قال: مرصَّعٍ، لو أنَّه أراد قراءَة النَّصْب لقال: مرصعًا، إذًا نقول: (لؤلؤ) فيها قراءَتان سبعِيَّتَان إحداهُما بالنصب (ولؤلؤًا) وعلى هذا تكونُ معطوفَة على محَلّ (أساوِر) يعي يحلَّوْن فيها أساوِرَ ولؤلؤًا أساورَ مِن ذهب ويحلَّون لؤلؤًا أيضًا، وأمَّا بالجر و(لؤلؤٍ) فهي معطوفَة على (مِن ذهب) يعني يحلَّون فيها أساور مِن نوعين مِن ذهب ولؤلؤ، أضِف إليها حُلُّوا أسَاوِر مِن فضة تكونُ أساورُهم مِن ثلاثةِ أنواع: مِن الذهب واللؤلؤ والفِضَّة، ولا نشُكّ أنَّ السِّوَار مِن الذهب مُجَمِّل وفيه جمَال لذاتِه وكذلك السِّوَار مِن الفضة، وكذلك السُّوار من اللُّؤْلُؤ، فكُلُّ واحِدٍ منها على حِدَة فيه جمَال وتجمِيل فإذا اجتمعَت الثلاثة وصُفَّ بعضُها إلى بعض تولَّد مِن ذلك تجمِيلٌ أكبَر، ولا أحدَ يتصَوَّر كيف تُجْمَع هذه الثلاثة هل يكونُ اللؤلؤ بين الذهَب والفضة أو الذهَب بين اللؤلؤِ والفضة أو اللؤلؤ بينهُما المهِم أنَّ ترتيبَها هذا لا أحد يتصوَرَّه الآن لكن الذي نؤمِنُ به أنَّ هذه الثلاثة تُجمَع أمَّا كيف تجمَع فاللهُ أعلم به، لكنَّنا أيضا نعلم بأنَّ جمعَها أي الثلاثة له زيادةٌ في التجمِيل، طيب واعلَم أن الذَّهب الذي يُذكَر في نعيم الجنة والفضة واللؤلؤ ليستْ كالذهب الذي نشاهدُه الآن أو الفضة أو اللؤلؤ بل هو ذهبٌ أعظَم ذهبٌ يليقُ بنعيمِ الجنَّة كما أنَّ النخل والرمان والفاكهة والعسل واللبن والخمْر وما أشبهَ ذلك ليس كالذي يوجَدُ في الدنيا لِماذا؟ لأنَّ النعيم يناسِبُ الدار فإذا كانت دارُ الدنيا لا تُشابِه دارَ الآخرة فالنعيمُ الذي في الآخرة لا يُساويه النعيمُ الذي في الدنيا، هذا مِن حيث المعقول أمَّا من حيث المنقول فقد قال الله تعالى: (( فلا تعلم نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم مِن قرة أعين )) وفي الحديث القدسي: ( أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأَتْ ولا أذنٌ سمعَتْ ولا خطَر على قلب بشر ) واضح وأنتم تشاهدون الآن أنَّه لو جاءَكم رجُلٌ فقير وصنَع لكم أعلى ما يمكنه مِن الطعام الذي هو أحسَنُ شيء عنده ودعاكم رجلٌ غني وصنعَ لكم أعلى ما يجد مِن الطعام عنده لعرفْتُم الفرقَ العظيم بين هذا وهذا مع أنَّ كل واحد منهم أتَى بكلِّ ما يستطيع، كذلك الفرق بين نعيم الآخرة ونعيم الدنيا، فالذهبُ إذًا يوافقُ الذهب في الدنيا في الاسم ولا يوافقُه في الحقيقة قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ليس في الآخرة مما في الدنيا إلا الأسماء " فقط أمَّا الحقائق فتختلِف، طيب يقول: (( من ذهب ولؤلؤ )) مرصَّع بالذهب" وقولُه (مرصع بالذهب) قد يعارَضُ المؤلف في ذلك إذ قد يُقال: إنَّ اللؤلؤ مُستَقِلّ حِلْيَة مستقلة نعم، ويدُلُّ لذلك قراءة النصب ولؤلؤا يعني يحلَّون لؤلؤًا، أمَّا على قراءة الجَرّ فما ذهب إليه المؤلف محتَمِل غير مُتَعَيِّن أنتم معنا الآن؟ طيب هو يرى رحمه الله أنَّ اللؤلؤ ليس مستقلًّا بل هو مُرَصَّع بالذهب كما يوجد في حليّ الدنيا، ولكنَّنا لا نُسَلِّم ما قال، بل ظاهرُ الآية الكريمة أنَّ اللؤلؤ سوارٌ مستقِلّ، ويبيِّنُ هذا قراءةُ النصْب ( يحلون فيها أساور من ذهب ولؤلؤا )) يعني يحلَّون لؤلؤًا فجل حلية اللؤلؤ حليةً مستقِلَّة طيب، (( ولباسُهم فيها حرير )) لَمَّا ذكرَ ما يُلْبَسُ في اليد ذكرَ اللباس العام على جمِيعِ البدن فقال: حرير لباسُهم في الجنَّة حرير، وحريرُ الجنة ليس كحريرِ الدنيا الذي تفرزه أو تصنَعُه دودَةُ القَز هو وقابل لكل آفَة بل حرير الآخرة حريرٌ لا يماثِلُ شيئًا مِن حرير الدنيا أبدًا
6 - تفسير قول الله تعالى : (( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ))
(( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن )) قالوا يعني أهْل الجنة، ومتى يقولون ذلك؟ يقولون ذلك بعد دخول الجنة (الذي أذهب عنا الحزن) الكائِن في النُّفُوس وهو الهَمّ أو الغَمّ لِمَا مَضَى، والخوف الهَمُّ لما يُسْتَقْبَل، فهنا هل نقول: إنَّ الحَزَن يشمَل الغمُّ مما مضى والهمُّ مِمَّا يُسْتَقْبَل؟ نعم، نقول: نعم كذلك، في الجنة جميعُ ما مضى عليهم مِن الأحزان والهموم وغيرِها ينسَوْنَه كما جاءَ في الحديث الصحيح أنَّ الإنسان يُغْمَسُ في الجنة يُصْبَغ صبْغَة واحِدَة يُغمَسُ فيها فيقال لَه: هل رأيتَ شرًّا قط؟ فيقول: لا كلُّ ما مضى مِن الشرور والأحزان والهُمُوم كلُّها
اضيفت في - 2011-05-25