تابع تفسير قول الله تعالى : (( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ))
أفادتكم النعماءُ مني ثلاثةً يدي ولساني والضمِير المـُحَجَّبا
أما الحمد فلا يكونُ إلا باللسان، لأن الحمدَ وصفُ المحمود بالكمال فلا يكون إلا باللسان فأيهما أعمّ مِن هذه الناحية؟
الطالب: الشكر.
الشيخ : إذًا الشكرُ أعمّ مُتَعَلَّقا لأنَّه تعلَّق بالقلب واللسان والجوارح.
الطالب: الحمد يتعلق بالقلب؟
الشيخ : ربما يتعلق بالقلْب لكنه ما يُسَمَّى حمْد يعني مَن أضمرَ في نفسِه الثناء على الله عز وجل لا يقال: حمِدَ الله إذ أنَّه لم يظهر وربما يقول قائل: إنَّه يكونُ بالقلب لكنَّه ليس بظاهر أي نعم، طيب يقول: (( وقالوا الحمد لله الذي أذهبَ عنا الحزن )) قال المؤلف: " جميعَه " يشير إلى أنَّ (ال) هنا لاستغراقِ العموم و(ال) تكون لاستغراقِ العموم إذا صَحَّ أن يحِلَّ محلَّها (كُل)، (كلْ) ولَّا (كلّ)؟ (كُلْ) يعنى مِن الطعام (كلّ) بالتشديد مِن الكُلِّيَّة، إذا صحَّ أن يحل محلَّ (ال) (كلّ) بالتشديد فهي للاستغْرَاق، (( إن الإنسان لفي خسر)) هذه للاستغراق، طيب (( خُلِق الإنسان ضعيفًا )) للاستغراق، (( الرجالُ قوامون على النِّساء )) لا ما هي لِلاستغراق، ما كُلّ رجل قوَّام أحيانًا تكون المرأة قوَّامة على الرجل فهذه لبَيانِ الحقيقة فقط، طيب المؤلف أفادنا بقولِه: " جميعا " أن (ال) هنا للاستغراق.
(( إنَّ ربَّنا لَغَفُورٌ )) للذنوب (( شَكُورٌ )) للطاعة " هذه الجملة كما تشاهدون مؤكدة بمؤكدين بـ(إنَّ) واللام فهم أكَّدُوا بالثناء هذا على الله أنَّه سبحانه وتعالى غفُور للذنوب شكور لها، الغفورُ هنا صيغة مبالغة ولَّا صفة مشبهة؟ هي تشمَل الأمرين جميعًا هي صِيغة مبالغة لكثْرَةِ غُفرانِ الله تعالى للذنوب وكثرةِ مَن يغفر لهم فهو كثيرُ المغفرة للذنوب إذ أنَّ الذنوب تتكرَّر مِن الإنسان عدَّة مرات فيغفرُها الله، والذين يغفرُ الله لهم كثيرون أو قليلون؟ كثيرون، ومِن جهة أخرى باعتبار أنَّ الله تعالى لم يزَل غفورًا نقول: هي صفَةٌ مُشَبَّهَة، وقولُه: (شكور)
الطالب: شكور للذنوب ..؟
الشيخ : للطاعة شكورٌ للطاعةِ، وقوله: (شكور) نقول فيها كما قلنا في غفور بأنَّه عز وجل لم يزَلْ شكورًا على طاعة عباده وامتثالِهم أمرَه ومِن شكرِه أنَّه يعطي العامل الحسنة بعشْرِ أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وهو أيضًا شكور باعتباره صيغَة مبالغة لأنَّهُ كل ما كثُرَ العمل كثُرَ الشُّكْر نعم
1 - تابع تفسير قول الله تعالى : (( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ))
النَّصب أن يكونَ التحلِّي باللؤلؤ لا يتعيَّن أن يكون أساور لأن تقدير الكلام يكون: يُحلَّوْن فيها أساوِر ويحلون فيها لؤلؤًا، ومعلوم أن الحلية تكون بالأساور وتكون بغير ذلك، معلوم الأمر؟ فصارَت على قراءة النصب يتعيَّن أن تكون منفردة عن الذهب، ثم يحتمِل أن تكون أساوِر ويحتمِل أن تكون غير أساور، هذا على قراءة النصب، وعلى قراءة الجر يحتمِل أن تكونَ مُرَكَّبة مع الذهب (( مِن أساورَ مِن ذهبٍ ولؤلؤًا )) فتكون اللؤلؤ مُرصع كما اختاره المؤلف، ويحتمل أن تكون أساور مستقِلَّة ما هي متعينة، طيب قوله: (( ولباسهم فيها حرير )) وأشباهها من الآيات الدالة على نعيم الجنة، يا بدر! هل [قطع]
2 - فوائد قول الله تعالى : (( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ))
وإن نعوتٌ كثُرَت وقد تَلَتْ مُفتقِرًا لِذكْرِهِنَّ أُتْبِعَتْ
وإن لم يكن مفتقِرًا جازَ القطْع (( الذي أحلَّنا )) أي أنزلنا (( دار المقامة من فضلِه )) دار المـُقامة، المقامَة هنا بمعنى الإقَامة فهي إذًا ظرف مكان، أو أنَّها مصدر مِيمِيّ دخلتْهُ التاء، ودارُ المقامة هي دارُ الجنة ووُصِفَت بذلك لأنَّ ساكنِيها مُقِيمُون فيها أبدًا، ولأنهم لا يريدون الإقامة في غيرها، كل واحد منهم لا يبغِي حِوَلًا عما هو فيه لأنَّه يرى أنَّه أكملُ أهل الجنة، نعم بل أن الله أقنَعهم بما هم عليه من النعيم حتى لا يتطلَّعوا إلى نعيمٍ أكبر فيحتقِرُوا ما هم فيه، بخلافِ أهل النار فإنّ أهلَ النار كلُّ واحد منهم يرى أنَّه أشدُّ أهل النار عذابًا لأنه لَو يرى أن غيرَه يماثلُه أو أنَّ غيره أشدُّ منه لهانَ عليه العذاب، (( الذي أحلَّنا دار المقامة مِن فضله )) (مِن) سببِيَّة هنا أي بسبب فضلِه أي تفضُّلِه عليهم لأنَّه لولا فضلُ الله عليهم ما وصلوا إلى هذا المقام العظيم فكلُّ ما في الإنسان مِن خير ونعمة فمِن الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى: (( وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأَرون )) فإحلالُهم دارَ المقامة هو مِن فضلِ الله تعالى، وهذا مِن تمام شكرهم لله حيث اعترفُوا له بالفضل بخلاف الذي إذا أصابته النعماء قال: هذا لي أو هذا مِن عندي أو ما أشبهَ ذلك.
(( لا يمسُّنا فيها نصَب )) تعَب (( ولا يمسُّنا فيها لُغُوب )) إعياءٌ من التعب " لا يمسُّنا فيها نصَب أي تعب، ومعنى يمسُّنا أي يُصيبنا كما قال الله تعالى: (( إن تمسسْك حسنة تسؤهم وإن تصبْكَ مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرَنا من قبل )) فالمسّ بمعنى الإصابة، وقوله: (نصب) تعب (لُغوب) إعياء " لأنَّ هناك تعبًا مباشِرًا ينال الإنسان حين الفعل، وإعياءً يكون أثرًا للتعب أليس كذلك؟ أنت إذا مارست عملًا شاقًّا فإنك حين ممارستِه تتعَب، ثم بعد انتهائه تُعْيِي يعني تضعف وتخلُد إلى الراحة وإلى النَّوم، في الجنة ليس فيها نصَب يعني تعب بدني حين مزاولة الأعمال، ولا لُغوب أي إعياء وهو الناتج عن التعب، طيب قال: " إعياء مِن التعب لعدمِ التكليف فيها " هذا تعلِيلٌ عليل، لأنَّ التكليف حتى في الدنيا غالبُه ليس فيه تعب، بل إنَّ بعضه يكون راحةً للبدن وراحة للقلب وتنشيطًا للبدن وصِحَّةً له، وليس هذا هو المقصُود الأول في العبادات لكنُّه يحصُل مِن ممارسة العبادة يحصُل مِن ذلك النشاط والصِّحَّة كما هو موجود مثلًا في الصلاة موجُودٌ في الصيام موجود في الحج فليس هناك تعب في الأعمال الصالحة بل نقول: (لا يمسنا فيها نصب) هذا مِن باب الصفات السلْبِيَّة المتضمنة لكمال ضدِّها، فلا يمسنا فيها نصَب ولا يمسُّنا فيه لغوب لِكمال نعيمهم وراحتِهم وأُنسِهم وفرحِهم وما أشبه ذلك، طيب يقول: " لعدم التكليفِ فيها وذكرَ الثاني التابعَ للأوَّل للتصرِيحِ بنفيِه " ذكَر الثاني وهو (اللغوب) التابع للأول وهو (التعب) لأن اللغوب -كما قلنا قبل قليل- نتيجة التعب فكأنَّ المؤلف أجابَ عن سؤال كأنَّه قيل: إذا انتفى التعب انتفى اللغوب الذي هو نتيجتُه فلماذا لم يُقتصَر على نفيِ التعب، وقال لا يمسنا فيها نصب وإذا انتهى النصب انتهى اللغوب؟ واضح؟ أجابَ عن ذلك بأنَّه ذكر مِن أجل التصريح بنفيِه، هذا ما ذهب إليه المؤلف، ولا شكَّ أنه وجهٌ حسن لكن ربما نقول: إنَّ الإنسان أحيانا يجد إعياءً وكسلًا وموتَ قُوَى بدون عمل وبدون تعب، وهذا مشاهد، وعليه فيكون نفي اللغوب أمرًا ليس تأكيدًا وإنَّما هو أمر أساسي، كيف أمر أساسي؟ لأنَّ الإنسان قد يجد إعياءً أحيانا وهو ما اشتغل، ألم تجدوا ذلك؟ إذًا نقول: إن ذِكرَه أساسي وليس مِن باب التصريح بنفيِه الذي لا يُقصَد منه إلا مجرَّد التوكيد، المهم أنَّ أهل الجنة لكمالِ نعيمِهم لا يمسُّهم فيها نصَب ولا يمسُّهم فيها لغوب
3 - تفسير قول الله تعالى : (( الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ))
4 - تفسير قول الله تعالى : (( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور )) أستمع حفظ
فائدة : على أن القرآن مثاني ، وعلى أن الإنسان يدور بين الخوف والرجاء
فوائد قول الله تعالى : (( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ))
مِن فوائد هذه الآية الكريمة إثبات أنَّ القرآن كلام الله عز وجل لقولِه: (( والذي أوحينا إليك )) فالوحي إعلام الله سبحانه وتعالى أحدَ أنبيائه بشريعةٍ مِن شرائعه، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أنَّ القرآن كلامُ الله تعالى تكلَّم به حقيقَة بحروفِه وبصوتٍ مسمُوع لكنَّه لا يُشبِه أصوات المخلوقين.
ومن فوائدِها فضيلَةُ رسول الله صلى لله عليه وسلم بِماذا؟ بِمَا أوحى الله إليه هذا القرآن العظيم (( والذي أوحينا إليك)).
ومن فوائدِها اشتمالُ القرآن الكريم على الحقّ في أخبارِه وفي أحكامه، فأخبارُه كلها صدق، وأحكامُه كلها عدل.
ومن فوائدها أنَّ ما خالف القرآن فهو باطل، لقوله: (( هو الحق )) فحصَرَ الحق فيه، والحصر إثباتُ الحكم في المذكور ونفيُه عما سواه، وكل ما خالفَ القرآن فهو باطل بلا شك.
ومِن فوائد الآية الكريمة إنذارُ المخالِفِين لهذا القرآن وبشارَةُ الموافِقِين له واستفاد هذه الفائدة مِن قوله: (( إنَّ الله بعباده لخبيرٌ بصيرٌ )).
ومِن فوائدها إثباتُ هذين الاسمين لله عز وجل وما تضمَّناه مِن صفةٍ وحُكم، (خبير) و(بصير).
ومن فوائدها عمومُ علمِ الله وشمولُه حتى لِمَا يقوم به العباد لقولِه: (( إنَّ الله بعباده )) (( خبير بصير )).
ومن فوائدها علمُ الله تعالى بما تكِنِّه الصدُور مِن أي الاسمين تؤخذ؟ من قوله: (خبير)، وربما نقول أيضًا و(بصير)، لأنَّ البصِير بمعنى العلِيم والـمُبْصِر.
طيب ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ جميع الخلق عابِدُون لله، كلُّ الخلق، كلُّهم عبادُ الله (( إن الله بعباده خبير بصير )) فلا حَقَّ لأحدٍ مِن المخلوقين في شيءٍ مِن خصائص الرب، بل الكلُّ عبدٌ ذليل لله سبحانه وتعالى.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ القرآن كتاب أي مكتُوب، وهو مكتوبٌ في اللوحِ المحفوظ، ومكتوبٌ في الصحف التي بأيدي الملائكة، ومكتوبٌ في الصحف التي بأيدينَا طيب
ثم قال تعالى: (( ثم أورثنا الكتاب )) مِن فوائد الآية الكريمة أنَّ هذا القرآن مُصَدِّقٌ لِمَا سبقَه مِن الكُتُب لقولِه: (مصدقًا لما بين يديه) ويتفرَّعُ على هذه الفائدة أنَّ الذي يؤمِنُ بهذا القرآن مؤمِنٌ بالكتب السابقة، لأنَّ هذا القرآن مصدقٌ لها فيكونُ الإيمان به إيمانًا بما سبق مِن الكتب.
ومِن فوائد الآية الكريمة الاستشهاد بالأمْرِ الواقِع حتى وإن كان مِن عندِ الله، بمعنى أنَّ الله تعالى يستشْهِد بالأمر الواقع ليزدادَ إيمانُ المؤمِنِين، وجهُ ذلك (مصدقًا لما بين يديه) على أحد المعنيين وهما أنَّه وَقع مطابِقًا لما أخبرت به فإنه إذا أخبرتْ به ثم جاء فهذا دليل على صدقِه كما قال الله تعالى: (( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ))[الشعراء:197] فاستشهدَ الله تعالى بعلْمِ علماءِ بني إسرائيل زيادَةً في التثبيت وإقامةً للحجة على المنكرين أهل الكتاب نعم.
ومِن فوائد الآية الكريمة رحمةُ الله تعالى بعبادِه حيث لم يدعْهُم هملًا بل أنزل إليهم الكتب التي يستنِيرُون بها في سيرِهم إلى الله عز وجل لقولِه: (( لِما بين يديه )).
طيب ومِن فوائد الآية الكريمة سَعَةُ التعبير في اللغةِ العربية وأنَّ المقصود المعنى دون مُجَرِّدِ اللفظ لقولِه: (لما بين يديه) لأنه قد يكون قائل وهل للقرآن يد فالجواب أنَّ هذا مِن باب التوسُّع في التعبير في اللغة العربية، عرفتم؟ وأنَّ المقصود هو المعنى، والألفاظ قوالب تدُلُّ على المعنى، قوالبُ الشيء يعني معناه: أوانِيه التي يُجعَل فيها، فأنت مثلًا إذا قُدِّم إليك كُرْتُون مُزَخْرَف مُزَيَّن بالذهب تستدِلّ بهذا على ما في باطنِه وأنَّه شيءٌ غالي طيِّب، فالألفاظ في الواقع قوالب يُستَدَلُّ بها على ما تضمَّنَتْه مِن المعاني، وليس لها -أي لِلألفاظ- معنى ذاتِيٌّ حتى لا تَتَغَيَّر بأي تركيب كانت، بل هي تتغيَّر بحسب التركِيبَات والسِّيَاق.
6 - فوائد قول الله تعالى : (( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ))
ومن فوائدها أنَّ هذه الأمة أفضلُ الأمم لقولِه: (( الذين اصطفينا مِن عبادنا )) وهم هذه الأمة، واستدللنا لذلك أيضًا بآية أخرى وهي (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )).
ومن فوائد الآية الكريمة الإشارة إلى الفتْرَة بين عِيسى ومحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِن أين تؤخذ؟ مِن (ثُمّ) الدالة على التراخِي وهي كذلك، ولا نعلَم فترةً أطولَ منها بالنسبة لما بين الرسالات والكتبِ المنَزَّلة، فقد قيل: إنَّ أطول ما كان بين آدم ونوح وهذا أمْرٌ قد يشُكُّ فيه الإنسان، لكن ما بين عيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام حوالي ستمائة سنة وإنما طالَتِ الفترة لِتشتَدَّ حالُ الناس إلى إرسالِ الرسل، فتأتِي الرسالةُ المحمدية إلى قومٍ في غايةِ الضَّرُورة إلى الرسالة والوحي، ويكونُ لرسالتِه مزيةٌ عظيمَة حيث جاءَت كالمطر ينزِل على أرضٍ مجدبة فتكون أشدّ قابلِيَّة به وأشد تأثرًا به.
خُلِقَت له بل معناها يختَلِف بحسب السياق، وعلى هذا فلا مجال ما دام أنَّ المعنى مفهوم فلا مجال ولهذا تجِد أنَّ الكلمة في معناها المفهوم بالسياق لو أنَّك أرادت أن تحوِّلَها إلى المعنَى الأصلِيّ ما صَح
7 - فوائد قول الله تعالى : (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ))
ومنها أي من فوائدها الردّ على الخوارج والمعتزلة لقولِه: (( فمنهم ظالم لنفسه )) وجعلَهم مِن الذين اصطفاهم اللهُ تعالى مِن عباده، ولو خرجُوا مِن الإسلام لم يكونُوا مِن المصطفَيْن، قد يقول قائل: يمكن أن يعارِض الخوارج والمعتزلَة هذا الاستدلال بأن يقولوا إنَّ المراد بالظلم هنا ما دُون الكبائر فيقال: إنَّ ما دون الكبائر يقَعُ مغفورًا بفعل الطاعات كالصلوات الخمس والجُمعة إلى الجُمعة ورمضان إلى رمضان، وحينئذ ينتَفِي الظلم بمجَرَّدِ فعل هذه الطاعات، ثم نقول قولًا آخر: بأنَّ الآية مُطْلَقَة تشْمَل الظلم الأصغر والظلم الأكبر، ففيها رد على الخوارج والمعتزلة الذين يُكَفِّرُون أو يخرجون الإنسان بالكبيرة مِن الإسلام وحينئذ لا يكُونُ مِن العباد الذين اصْطُفُوا
فوائد قول الله تعالى : (( بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ))
ومِن فوائدها أيضًا كبحُ النفسِ عن الاستعلَاء والفَخْر بالطَاعة لقولِه: (بإذن الله) حتَّى لا يقول الإنسان: فعلتُ ذلك مِن نفسي وأنا الذي فعلْت وفعلْت، وهذا خلافًا لما يسيِرُ عليه بعضُ الناس إذا فعلَ المعصية كان جبريًّا، وإذا فعل الطاعَة كان قدريًّا إذا فعل الطاعة قال: هذا مني وأنا الذي فعَلْت وأنا الذي فعلت، وإذا فعلَ المعصية قال: هذا مِن الله وأنا مجبرٌ عليه، فَبعضُ الناس يسلُك هذا المسلَك، وهذا مسلكٌ بعيدٌ عن العدل.
ومِن فوائد الآية الكريمة إثباتُ عُمُومِ مشيئةِ الله عز وجل حتَّى في أفعالِ العبد لقوله: (بإذن الله).
ومن فوائدها تفاضُل الناس في العمَل ويتفرَّع عليه تفاضُلُهم في الإيمان، أين الدليل على التفاضُلِ في العمل؟ تقسيمُهم إلى ثلاثة أقسام، ويلزمُ مِن تفاضلُهِم في العِلم أن يتفاضلوا في الإيمان فيكون في ذلك دليلٌ لمذهب أهل السنة والجماعة القائلين بزيادة الإيمان ونقصِ الإيمان.
طيب ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ أكبر فضل يتفضلُ الله به على عبده أن يوفِّقَه للقيام بطاعته لقولِه: (( ذلك هو الفضل الكبير ))، وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى في قوله: (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ))[يونس:58].
ومِن فوائدها أيضًا أن إِفْضَالَ الله على عباده يتفاضَل فمنه الكبير ومنه الصَّغير، وهذا أمرٌ مُشَاهَد ففضْلُ الله على الرسل أعلى من فضلِه على الأنبياء، وعلى الأنبياء أعلى مِن فضلِه على الصِّدِّيقِين، وعلى الصديقين أعلى من فضله على الشهداء، وعلى الشهداء أعلى مِن الصالحين، وهذا لا شكَّ فيه نعم
فوائد قول الله تعالى : (( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ))
ومن فوائدِها أيضًا ما يُنْعِمُ الله بِه على عبادِه في هذه الجنات مِن أنواعِ الفواكه والمطاعِم لدخولِه في كلمة (جنات) وكذلك مِن الملابس لقولِه: (( يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ )).
ومِن فوائدها أنَّ الجنة ليسَت دارَ تكليف أي دارًا يُمْنَع منها العبد مما يَتَنَعَّم به، بل يتنَعَّم بكل ما شَاء لأنَّنا نعلم جميعًا أنَّ تحلِّيَ الرجال في الدنيا بالذهب ممنُوع وحرام، لكنَّه في الجنة مباح وممنُوح وليس بممنوع لأنَّ الجنَّة لهم فيها ما يشاءون بل أكثَر مما يشاءون ويريدون.
ومنها ما يحصل مِن الجمال لتنْوِيع الحُلِيّ لكونِه مِن ذهَب ولؤلؤ وفي الآية الأخرى فِضَّة، وهنا لم يذْكُرِ اللهُ تعالى تحديدَ هذه الحلية لكن جاءت بها السنة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تبلُغُ الحلْيَةُ مِن المؤمن حيث يبلُغ الوُضُوء )، ومنها نُعُومَةُ لباسِهم وأنَّه أنعمُ ما يكون مِن اللِّبَاس لقولِه: (( ولباسُهم فيه حرير )) حرير لا يخلَق ولا يتدَنَّس فهو دائمًا على جِدَّتِه ونظافَتِه
10 - فوائد قول الله تعالى : (( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ))
ومن فوائدها أيضًا أنَّ حمدَ الله تعالى يكون على إنعامِه وإفضالِه وعلى كمالِ صفاته، فهنا قالوا: (الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور) فحمِدُوا الله على إنعامِه عليهم وعلى كونِه غفورًا شكورًا.
ومن فوائد الآية الكريمة كمالُ الفرح والسرور لأهلِ الجنة لقولِهم: (أذهب عنا الحزن) فإنَّ هذه الصفة السلبية تدُلُّ على كمالِ ضدِّها، فإذا كان الحزَنُ منفِيًّا عنهم كان ذلك دليلًا على كمالِ سرورِهم وأنَّه سرورٌ لا يُشَابُ بحزَنٍ أبدًا، بخلاف سُرُورِ الدنيا فإنَّ سرورَ الدنيا مهما عظُم فإنه مَشُوبٌ بالكدَر: ولهذا يقولُ الشاعر الحكيم:
لا طيبَ للعيش ما دامَت مُنَغَّصَةً لَذَّاتُه بادِّكَارِ الموْتِ والهرَم
نعم، الإنسان مهما كان في الدنيا مِن النعيم فإنَّه إذا تَذَكَّر أنَّ أمامه شيئيْن لابدَّ منهما لا بد مِن أحدِهما قطعًا، فإن طالَت به الحياة فلا بدَّ مِن الأمرين جميعا، وهو الهرم والموت، وحينئذ تَتَنَغَّص عليه حياتُه، ثم هو أيضًا يعرف أنَّه كلّ يوم يمضِي عليه فإنه يُبْعِدُه مِن الدنيا ويُقَرِّبُه مِن الآخرة وهذا تنغيصٌ آخر، ولهذا قال الشاعر:
والمرءُ يفرَحُ بالأيام يقطَعُها وكلُّ يومٍ مضَى يُدْنِي مِنَ الأجَل
نعم، على كلِّ حال في الآخرة نعيمٌ لا كدرَ فيه، لقوله: (أذهبَ عنَّا الحزَن).
ومِن فوائدِها أنَّ نعيمَ الآخرَة يُنْسِي كل ما سبقَه مِن حزن لقولِه: (( أذهبَ عنَّا الحزن )) وذهابُ الحزَن هنا ذهابٌ لما قد وُجِد ولما يُتَوَقَّع وُجودُه، فلا يمكن أن يمسَّه فيها حزن.
ومِن فوائد الآية الكريمة إثباتُ اسمَيْن مِن أسماء الله وهما الغفور والشكور، الغفور في جانِب المعاصي والشكور في جانب الطاعات، أمَّا في المعاصي فإنَّه عز وجل قال في الحديث القدسي: ( يا ابنَ آدم لو بلغَتْ ذنوبُك عنان السماء ثم لقيتَنِي لا تشرِكُ بي شيئا لَغَفَرْتُ لك )، أمَّا في الطاعات فإنَّ الله تعالى يقول: (( مَن جاءَ بالحسنة فله عشرُ أمثالها )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ ما فاعل الحسَنة تُكْتَب لها عشْرُ حسنات إلى سبعمائة ضعْف إلى أضعاف كثيرة )
فوائد قول الله تعالى : (( الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ))
ومن فوائدها أنَّ دارَ الجنة دارُ إقامة كلُّ إنسان لا يتمَنَّى أن يزولَ عن مكانه منها حتى مَن كان في الدرجات غير العالية يرَوْن أنَّهم في أكملِ النعيم، لقوله: (دار المقامة) ومنها تأبيدُ الجنة لإطلاقِ قولِه المقامَة ولم تُقَيَّد بزمن.
ومِنها من فوائد الآية أنَّ بِلوغَهم إلى هذه الدار ليس بحولِهم وقوَّتِهم ولكن بفضلِ الله عز وجل لقوله: (من فضله).
ومن فوائدها إثباتُ الأسباب لأنَّ (مِن) هنا سببية أي بفضلِ الله، ففيها ردٌّ على مَن ينكرون الأسباب ويقولون: إنَّ الأسبابَ لا تأثيرَ لها وإنما يحصُلُ الشيء عندها لا بها.
ومِن فوائدها أنَّ الإنسان لا يدخُلُ الجنة بعملِه لقوله: (من فضله).
ولكن قد يُشْكِلُ على هذا قولُه تعالى: (( جزاء بما كنتم تعلمون )) (( ادخُلُوا الجنة بما كنتم تعلمون )) وأشباهِهِما مِن الآيات، وقد جمعَ العلماء بينهما بأنَّ الباء في قولِه: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) الباء للسببية وأنَّ الباء في قولِ الرسول عليه الصلاة والسلام: ( ما يدْخُلُ الجنةَ أحدٌ بعملِه ) للعِوَض يعني أنَّ دخولَ الإنسان ليس بعملِه إذ لو أنَّه أُرِيدتِ المعَاوضَة لَهَلَكَ الإنسان، لو أنَّ الإنسان نُوقِشَ في عملِه بالإضافَة إلى نِعْمَةِ الله عليه لكانَت نعمَةٌ واحدة تُقابِل كلّ العمل، بل لكَان العمل نفسُه نعمَة يحتَاجُ إلى شُكْر، ولَّا لا؟ لأنَّ توفِيق الله عز وجل للعبد