تابع لتفسير قول الله تعالى : (( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ))
يقول عز وجل: (( فمن كفَر فعليه كفره )) أي وَبالُ كفرِه " (( ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا )) نعم كفْرُ الكافرين عند الله لا يزيدُهم إلا مقتًا لا يزيدهم عند الله مُحابَاةً لهم أو رحمةً بهم لأنَّ الحجة قامت عليهم فكلما ازدادوا كفرا ازدادوا بُغضًا، قال المؤلف: في (مقتا) غضبًا" والمعروف أن المقْت أشدُّ البغض قال الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ))[الصف:3] وقال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ))[غافر:10] وهذا يدُلّ على أن المقتَ هو البغض لكنَّهم قالوا: إنَّه أشدُّ البعض فتفسيرُ المؤلف له بالغضَب فيه نظَر، قال: (( ولا يزيدُ الكافرين كفرهم إلا خسارًا )) فبيَّن هنا أنَّ الكفرَ سببٌ لشيئيْن الشيء الأول: نزُول مرتَبَة الكافر فإنَّ كفرَه لا يزيدُه عند الله إلا بغضًا، والثاني: العقوبة التي تحصُل له وذلك بالخسارة فماذا يخسَر؟ يخسَر نفسَه وأهلَه ودنياه وآخِرَته (( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ))[الزمر:15] فهو خَسِر نفسه لأنَّه لو آمَن لَرَبِح ونالَ ثوابَ الآخرة بالجنة وهذا ربح، أمَّا الآن فقد أهلكَ نفسه ففاتَت عليه، خسِر أهله لأنَّه لو آمَن واتبعه أهلُه بالإيمان صارُوا في الجنة في منزلة واحدة، خسِر دنياه لأنه لم يستفِدْ مِن وجوده في الدنيا شيئا بل استفاد الخسارة والعمَل السيء، خسِر الآخرة أيضًا لأنه فاتَه النعيم المقِيم في الآخرة وصارَ مِن أصحاب الجحيم، فلا أحدَ أعظَمُ خسارةً مِن الكافر والعياذ بالله، حتى وإن كان في الدنيا مُنَعَّمًا نعمَة جسد فهو في الحقيقة معذبٌ عذابَ قلب لأنَّه ليس عند الكافر انشراحُ صدْر كما عند المسلم، يقول الله تعالى: (( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ))[الزمر:22] يعني فمَن لم يكن كذلك فهو على ظُلْمَة، طيب نأخذ الفوائد كما اقترحْتم
1 - تابع لتفسير قول الله تعالى : (( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ))
ومنها بشارةُ المؤمنين وإنذارُ الكافرين لأنَّ مِن جملةِ الخلافة أن يَخلُف المؤمنون الكافرين في أرضِهم قال الله تعالى: (( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا ))[الأحزاب:27] وقال موسى لقومِه: (( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ))[الأعراف:128] وقال لهم: ( إن الله استخلَفَكم في الأرض ) ففي هذا بَشَارَة للمؤمن فلا ييْأَس مِن أنَّ الله تعالى يجعل له الخلافة في الأرض، وإنذارٌ لِمَن؟ للكافر بأن تُجْتَاح أرضه على أيدِي المؤمنين.
ومِن فوائدِها أيضًا حكمةُ اللهِ عز وجل في توارُثِ الأمَم بعضِها بعضًا فإنَّه لولا ذلك لضاقَت الأرْض بأهلِها، لو كان كلُّ مَن أوجده الله بقِي نعم كم يكون عدد العالم؟ ما يُحْصَوْن وحينئذٍ تضيقُ بهم الأرض ويشقُّ عليهم تحصِيل الأرزاق، وإن كان الله عز وجل قد يجعلُ لهم من الرزق ما لا يخطُر بالبال لكن لا شكَّ أنَّ كون الناس يخلُف بعضهم بعضًا هذا يموت وهذا يحيا هو الحكمة والرحمة.
ومِن فوائد الآية الكريمة بيانُ شُؤْمِ الكفر وعاقبَتِه لقولِه: (( فمن كفر فعليه كفره )).
ومِن فوائدها أنَّ كفر الكافر على نفسِه لا على غيره وهو كقوله: (( ولا تزِرُ وازرةٌ وزرَ أخرى )) وأورَدْنا على هذه الجملة إشكالًا وأجبْنَا عنه.
ومن فوائدها إثبات صفةِ البغض لله عز وجل بل إثباتُ صفة المقت الذي هو أشدُّ البغض لقولِه: (إلا مقتا) والمقتُ مِن صفات الله الذاتية أو الفعلية؟ الفعلية، لأنَّ كُلَّ صفة تُقْرَنُ بسبب فهي مِن الصفات الفعلية لأنها حينئذٍ تتعَلَّق بمشِيئَة الله إذ أنَّ السبب واقعٌ بمشيئتِه والسببُ هو الذي عُلِّقَت فيه الصفة، فتكون الصفة إذًا واقعة بمشيئته، والقاعدة عند أهل السنة أنَّ الصفات التي تكونُ بمشيئة الله تُسَمَّى صفة فعلية، وذكرنا أن الصفات ذاتيَّة وفعليَّة وخبريَّة، فالذاتية هي الصفات التي لا ينفَكُّ الله عنها لم يزَل ولا يزالُ متصفًا بها مثل الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والعِزة والحكمة وغير ذلك كثير، والصفات الفعلية هي التي تتعَلَّق بمشيئَتِه إن شاءَ فعلَها وإن شاء لم يفعلْها سواءٌ كانت صفَةً ظاهرة أم غيرَ ظاهرة مثل المحَبَّة والكراهَة والرِّضَا والبُغض والضَّحِك والاستِواء والنزول وغير ذلك، والصفات الخبرية هي التي نظيرُ مسمَّاها أبعاضٌ لنا مثل الوجْه واليدَين والعَين والساق والإِصبع وما أشبهَها وهنا لا نقول: إنَّها أجزاء بالنسبة لله هي لنا أجزاء ولكن نتحاشَى أن نقول: إنها أجزاء بل نقول: نظير مسماها أجزاءٌ لنا، ولا يمكن أن نجعل هذه صفاتٍ معنوية، إذ لو قلنا بأنها صفات معنوية لساوَيْنَا أهلَ التعطيل لأنهم يجعلُون هذه الصفات صفاتٍ معنويَّة، طيب اللي معنا الآن (إلا مقتا) مِن الصفات الفعلية طيب.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّه كلما ازدادَ الإنسان كفرًا ازداد عند الله مقتًا وجه ذلك القاعدة التي ذكرناها ونكررها دائمًا وهي أنَّ الحكمَ المعلَّقَ على وصْف يزداد بزيادتِه وينقُص بنقصَانه، وهنا الحكم معلق على الكفر فإذًا يزداد مقتُ الله عز وجل على الكافِر بزيادة كفره وينقص بنقصان كفرِه.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ الكافر أيضًا خاسرٌ في الدنيا والآخرة ولهذا قال: (( ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارًا )) ولم يُقَيِّد لم يقل في الدنيا ولا في الآخرة ولا عند الله، بل أطلق فأخسَرُ الناس هم الكفار خسِرُوا-كما قلنا في التفسير- أنفسَهم وأهليهم ودنياهم وآخرتَهم، وشخصٌ خسِر كل هذه الجهات ليس له رِبح فأعظَم الناس خسرانًا هم الكافرون، طيب إذا قال قائل: هل نستعْمِلُ هنا قياسَ العكس فنقول: إذا كان الكافر أخسرَ الناس فأربحُ الناس المؤمن؟ الجواب: نعم، نستعمل مقياسَ العكس، لأنَّ قياسَ العكس جاءَت به السنة قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وفي بُضْعِ أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوتَه ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتُم لو وضعَها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعَها في الحلال كان له أجر) فكلُّ عمل حلال تستغني به عن حرام يكون له فيه أجر، إذًا المؤمن رابح في مقابل أنَّ الكافر خاسر، وإن شئت تلونا آية صريحة في هذا قال الله تعالى: (( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذي آمنوا )) يعني فليسوا في خُسْر بل في ربح (( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) وتجارة المؤمنين تجارةٌ رابحة (( يرجُون تجارة لن تبور )) لن تهلِك ولن تخسَرَ شيئًا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة لَمَّا قال يا رسول الله إنَّ الله أنزل قوله: (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) وإن أحبَّ مالي إلي بَيْرُحَاء وإني أضعُها -يعني عند الرسول عليه الصلاة والسلام- صدقةً إلى الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بخٍ بخٍ ذاك مالٌ رابِح ذاك مالٌ رابح ذاك مال رابح ) طيب
2 - فوائد قول الله تعالى : (( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ))
(( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ))[غافر:60] ولكن لو قالَ قائل: إنَّ قولَه: (تدعُون) شامِلٌ لدعاءِ المسألة وهو طلَبُ الحاجة، ودعاءِ العبادة لكانَ أولى لأنَّ هذه الأصنام التي يدعونَها، أحيانًا يجمعون بين الأمرين فيركعون لها ويسجدون ويذبحُون وينذرون، وأحيانا يدعونها دعاءً، وأحيانًا يجمعون بين الأمرين فالأولى أن نجعَل الآية شاملة لِدعاءِ المسألة ودعاء العبادة والله أعلم.
(( قل )) يا محمد (( أرأَيْتُم )) والخطاب ب(قل) هنا خطاب لِمُفْرد وإذا جاء مثل هذا في القرآن فإما أن يكون ممّا يختَصّ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم فالأمر فيه واضح كقولِه: (( ألم نشرح لك صدرك )) (( يا أيها الرسول بلِّغ )) وما أشبهَها فهذا خاصّ بمن؟ بالرسول والأمر فيه واضح، إذا جاء مفردًا وليس خاصًّا بالرسول عليه الصلاة والسلام يعني لم يقُم دليل على اختصاصِه به فهل نقول: إنَّ الخطاب موجَّه لكل مَن يتأتى خطابه أو إنَّه موجَّه إلى الرسول وأمتُّه تبعٌ له وإنما وُجِّهَ إليه وحدَه باعتباره الإمام المتبُوع، في هذا خلاف بين أهل العلم والخلافُ هنا قريبٌ مِن اللفظي لأنَّ الكلَّ متفقُون أن هذا الحكم يشمَل الأمة إذ لا دليلَ على اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم به، بخلاف (( ألم نشرح لك صدرك )) فهذا خاصٌّ بالرسول لأن ليس كل أحدٍ قد شرح الله له صدرَه، طيب هنا (قل أرأيتم شركائَكم) الخطاب لِمفْرد فهل هو للرسول عليه الصلاة والسلام أو لِكل من يتأتَّى خطابه؟ نقول: إنَّه لكل مَن يتأتي خطابُه، وقيل: للرسول باعتباره الإمام وغيرُه مثله، حتى مثلًا في زمننِا هذا نقول للمشركين: أرأيتُم شركائَكم الذين تدعون مِن دون الله أروني ماذا خلقوا مِن الأرض، وسبق أنَّ المؤلِّف رحمه الله فَسَّر الدعاء هنا بالعبادة وقلنا: إنَّه تفسير ناقص، لأن الدعاء يكون للعبادة ويكون للمسألة، والمشركون أشركوا بشركائِهم بالنوعين جميعًا فقد يدعُون هؤلاء الشركاء وقد يعبدونَهم، وسبَق أنهم يقولون إنَّ الأصنام شركَاء لله عز وجل حتى إنَّ المشركين في تلبيتِهم يقولُون: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكُه وما ملَك، يقول: أروني أخبرُوني ماذا خلقوا مِن الأرض قولُه: (( ماذا خلقُوا مِن الأرض )) مِن حيثُ الإعراب يجوزُ فيها وجهَان: الوجه الأول أن نُعرِب (ماذا) جميعًا على أنَّها اسم استفهام مفعول مقدَّم لـ(خلقوا)، والثاني أن نعرب (ما) وحدَها على أنَّها اسم استفهام و(ذا) بمعنى الذي، وعلى هذا فيكون في (خلقوا) ضميرٌ محذوف هو العائد لاسم الموصول والتقدير: ماذا خلقوهُ مِن الأرض والمعنى لا يختلف فهؤلاء يُتَحَدَّوْن ويُقال: أرونا ماذا خلقُوا مِن الأرض هل خلقوا الجبال هل خلقوا الأشجار هل خلقوا الرمال الأنهار البحار؟ الجواب: ما خلقُوا شيئًا مِن هذا، طيب ننتقل إلى أعلى (( أم لهم شرك في السماوات )) وهنا ما قال: أم خلقُوا شيئًا من السماوات قال: (أم لهم شرك)، لأنَّ السماوات ليست في متناول أيديهم لكن يحتمِل أن يكون لهم فيها مُشَارَكَة، نعم فالذي لهم مُتناولٌ فيه قيل ؟ (ماذا خلقَوا) لجواز أن يقول قائل: لهم شركٌ في الأرض فهذا له مثلا مَسَاحَة يأتي الناس إليه وهي حَرِيم قبرِه مثلًا، فنقول: طيب هل خلقُوا هذا إذا ادعَّيْتم أنَّ هذه الأرض مثلًا له، وأنَّه .. على هذا القبر لزائريه أو ما أشبهَ ذلك فهل خلقوها، لكن في السماوات ما قال: أم ماذا خلقوا من السماوات قال: (أم لهم شرْك) لا على سبيل الخلق ولا على سبيل التمَلُّك، (( أم لهم شركٌ )) شَرِكةٌ مع الله" (( في )) السماوات، وقول المؤلف:" في خلْق السماوات " فيه نظر بل الصواب أن نقول: في السماوات سواءٌ كان ذلك عن طريق التمَلُّك أو عن طريق الخلق، وش الجواب؟ لا، لا هذا ولا هذا (( أم آتيناهُم كِتَابًا فهُم على بيِّنَةٍ منْه )) بأنَّ لهم معي شركة " يعني أو عندَهم إذا قلتم: لم يخلقوا شيئا مِن الأرض وليس لهم شرِكة في السماوات نقول: طيب هل عندهم كتاب وهم على بيِّنة حُجَّة منه بأنَّهم شركاء مع الله؟ وش الجواب؟ لا، فكلُّ هذه التقسيمات كلها منتَفِية بالنسبة للأصنام فلم يخلقوا شيئا مِن الأرض وليس لهم شركة في السماوات وليس معهم بيِّنة مِن الله كتاب بأنَّهم شركاء مع الله، وإذا انتفت هذه الأمور الثلاثة لا خَلق ولا مشاركة ولا وثيقَة تبيَّنَ ايش؟ تبيَّن بطلانُها، قال: (( بل إن )) ما "يعني أنَّ (إن) هنا نافية بمعنى (ما) (( يعِدُ الظالِمُون )) الكافرون (( بعضُهم بعضًا إلا غُرورًا )) باطلًا بقولِهم: الأصنامُ تشفَعُ لهم " يعني أنَّ ما يعِدُ الظالمون بعضُهم بعضًا فهو غُرور أي تغرِيرٌ وخداع وليس له حقِيقة، والوعدُ الذي يعد الظالمون بعضُهم بعضًا أنهم يقولون: هذه الأصنَام تشفعُ لكم عند الله اعبدوا محمدًا صلى الله عليه وسلم اعبدوا جبرِيل اعبدوا الشجر اعبُدوا اللات اعبدوا العزى فإنَّها تشفَع لكم (( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ))[يونس:18] كيف يعبدونَهم ثم يكونون شفعاء؟ الشافع هل ينال درجة المشفُوعِ إليه؟ لا، الشافع درجتُه دون درجةِ المشفوع إليه، نعم إذ لو كان مساويًا أو أعلى ما احتاجَ أن يشفع إن كان أعلى أمَر أمرًا وإن كان مساويًا غالبَه، فأيهما غلَب عاد يكون السلطة له، على كل حال نقول: إن الظالمين يغرُّ بعضهم بعضًا في الباطل حتى يُخدعُوا ويظنُّوا أنَّ الباطل حقّ وأنَّ الحق باطِل، التغرير تارةً يكون بالأقوال الكاذبة الملَفَّقَة التي ليس لها أصل، وتارةً يكون بالألقابِ السيِّئة التي تشوِّه السمعة، فأما الأقوال الكاذبة فمثل قولهم فيما حكى الله عنهم: (( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ))[الأعراف:28] قولهم: والله أمرَنا بها. هذا كذِبٌ وزُور ولهذا قال الله تعالى مبطلًا لهذه الدعوة: (( قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون )) هذا مِن جملة التغرير أن يدَّعُوا قولًا كذبًا وزورا، أو بالألقاب السيئة (( وعجِبُوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذاب * أجعلَ الآلهة إلهًا واحدًا إنَّ هذا لشيء عجاب )) فأتَوا بالألقاب السيئة: ساحر ايش بعد؟ وكذَّاب، العامَّة إذا قيل لهم ولاسِيَّما إذا كان القائل زعماء إذا قيل: هذا ساحر أو كذَّاب يتبعُونَه ولَّا لا؟ لا يتْبَعُونه، طيب وإذا قيل لهم أي للعامة: إنَّكم إذا عبدتُّم الولي الفلاني أو القبرَ الفلاني فإنَّ ذلك ينفعُكم فإن العامة تنخَدِع لأنَّه ليس عندها علم وليس عندها عقْل ولُبّ فتنخَدِع
3 - تفسير قول الله تعالى : (( قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ))
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّه لا أحدَ يخلُق مع الله (( أرونِي ماذا خلقوا من الأرض )) فإن قلت: يرِد عليك أنَّ الله أثبت أنَّ هناك خالِقِين في قولِه تعالى: (( فتبارك الله أحسن الخالقين ))، وفي قولِ الرسول صلى الله عليه وسلم: يقال لهم -أي المصوِّرِين- ( أحيُوا ما خلقْتُم ) فالجواب: أنَّهم لم يخلُقُوا هذا ولكِن حوَّلُوه مِن صورَة إلى صُورَة فهنا ليس منهم إيجَاد بل تحويلٌ مِن صورة إلى صورَة فالمصَّوِّرُ مثلًا الذي أخَذَ الطين وجعل منه صُورَةً على صورةِ إنسان أو صورة طَيْر أو صورة دابَّة ماذا نقول هل خلقَ هذا الشيء؟ لا، لكن حوَّله من كونِه كُتْلَة مِن الطين إلى كونِه صُورَة وليس خلقًا جديدًا، النجارُ مثلا إذا أتَى على الخشب ونجَرَه على صورة معينة ما نقول: إنه خلقَه، لأنه لم يُوجِدْه لكن حوَّلَه مِن صُورَة إلى أخرى طيب.
ومِن فوائد الآية الكريمة إبطَال أُلُوهِيَّة هذه الأصنام ومِن باب أولى ربوبِيَّتِها وجْه هذا: أنَّ الله تحدَّى أن تكون هذه الأصنامُ صالِحَةً للمشاركَة في كل وجه مِن الوجوه ايش؟ الخلْق والمشاركة والوثيقة، كلُّ هذه منتفية إذًا فيبْطُل جعلُها إلهًا مع الله.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ الظالمين -ويشمَل الكافرين ومَن دونهم- أنَّ الظالمين لا يعدُ بعضهم بعضا إلا غرورًا وخداعًا فيشمَل ذلك الكافرين الذين يُزَيِّنُون الكفر، ويشمل ذلك أهلَ الخلاعة الذين يزيِّنُون الخلاعة، ويشمَل أهل اللهو الذين يزينُون اللهو، فكلُّ باطل يزيِّنُه أصحابه نقول فيه: لا يعدُ الظالمون بعضُهم بعضًا إلا غرورًا.
ومن فوائد الآية الحذر مِن أن يتمنى الإنسانُ على الله الأماني بل الذي ينبغي أو يجِب أن يكون الإنسان كَيِّسًا فطنًا حازمًا كما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( الكيِّس من دانَ نفسَه وعَمِل لما بعد الموت، والعاجز من أتبعَ نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني )) فالوُعُود التي يُوعَدُ بها الإنسان مِن قبل الظالمين أو مِن قبل نفسه إذا كانت مُخالفَة للشرع فما هي إلا غرور وباطل فليحذَرِ الإنسانُ منها
4 - فوائد قول الله تعالى : (( قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ))
(( يمسِكُ السماوات والأرض أن تزولَا ولئن زالتَا )) قال: لام قسم اللام لام قسَم، و(إن) شرطية و(زالتا) الفعل هنا فعلُ الشرط، و(( إن أمسكهما )) الجملة جوابُ الشرط، و(إن) هنا يقول المؤلف: ما " أي تكونُ نافية (أمسكهما) قال المؤلف يُمْسِكُهُما إشارة إلى أنَّ (أمسكهما) فعل ماضي لكنُّه بمعنى المضارع، لأنه وقَعً جوابًا للشرط، ومعلومٌ أنَّ جواب الشرط يكون للمستقبل لا يكُون للماضي، لأنَّه لا يكون إلا بعد تحَقُّق الشرط، وتحقق الشرط أمرٌ مستقبل، وقولُه: (( مِن أحد مِن بعدِه )) (مِن أحَد) (مِن) هذه زائدةٌ زائدةٌ، كذا؟ كلام صحيح ولا فيه تناقض، زائدةٌ زائدةٌ ما فيه تنَاقَض، كيف ذلك يا محمد؟
الطالب: زائدة في الإعراب.
الشيخ : أحسنت، زائدةٌ في الإعراب ولكنَّها تزيدُ في المعنى، و(زائدة) اسم فاعل مِن زادَ يزيد، ونحن نعرف أن (زاد) يأتي متعدِّيًا ويأتي لازمًا، فإذا قلت: زادَ الشيء يعني ارتفَع وكثُر وما أشبه ذلك ... لازمة، وإذا قلت: زدتُّه خيرًا نعم صارَ متعديًا لهذا نقول: هي زائدةٌ زائدة، قد يقول بعض الناس إذا رأى مثل هذا الكلام قال: هذا تناقض كيف يكونُ الشيء زائدًا زائدًا، نقول: (من) زائدة إعرابًا زائدةٌ معنًى، لأنها تزِيد في المعنى وهو تأكيد النفي، وقولُه: (أحد) فاعلُ (أمسَك) مرفوع بضمَّة مقَدَّرة على آخره منَع مِن ظهورها اشتغالُ المحل بحركة حرف الجرّ الزائد، المعنى: لئن قُدِّر أن تزولَ السماوات والأرض فإنه لا أحدَ يستطِيعُ أن يمسكَهُما سوى اللهِ عز وجل، وهو كذلك هذا هو الواقع، بل لو زال ما دون السماوات والأرض مِن النجوم والكوكب والشمس والقمر ما استطاعَ أحَدٌ أن يمسِكَه سوى الله عز وجل بل لا يستطِيعُ أحد أن يصرِف شيئًا مِن هذه الكواكب أو النجوم أو الشمس والقمر فيصرِفَه عن جهةِ سيره إلا الله عز وجل، ولا أن يمنعَه مِن سيرِه إلا اللهُ عز وجل، في الإعراب هنا قلنا: إنَّ اللام في (لَئِن) لامُ قسم و(إنْ) شرطية، وأنَّ (أمسكَهما) جوابُ الشَّرْط ولا جَوَابُ القسم؟
الطالب: القسم.
الشيخ : أي جواب القسَم لِماذَا؟ لأنَّ لدينا قاعدة: إذا اجتمَع الشَّرْط والقَسَم حُذِفَ جَوابُ المتَأَخِّر منهما قال ابن مالك مقرِّرًا هذه القاعدة:
واحذِفْ لدى اجتِمَاعِ شَرْطٍ وقَسَم جوابَ ما أَخَّرْتَ فهو مُلْتَزَم
إذًا المؤخَّر هنا الشَّرط فيكونُ جوابه هو المحذوف دلَّ عليه جوابُ القسم طيب
5 - تفسير قول الله تعالى : (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( إنه كان حليما غفورا ))
وهو الحَلِيمُ فلا يُعاجِلُ عبدَه بعقوبَةٍ ليَتُوبَ مِن عِصْيَان
فبحلْمِه عزَّ وجل تتَأَخَّرُ العقوبات لعَلَّ الناس يتُوبُون إلى الله سبحانه وتعالى، (غفورًا) هذا يغفِر الذنب ويمحُو أثره بالكلية، وسبق لنا أنَّ المغفرَة هي ستْرُ الذنب والتجاوز عنه وذلك لأنَّها مأخوذة من المِـغْفَر الذي يُغَطِّي الرأس ويقِيه السهام، وليست كما قيل مجرَّدَ الستر، لأنَّ مجرَّد الستر لا تحصُل به الوقاية بل لابد مع الستر مِن الوقاية، ويدلُّ لهذا المعنى قولُه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي لعبدِه إذا خَلا به وقرَّرَه بذنوبه يقول: ( كنت سترْتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرُها لك اليوم ) فإنَّ هذا يدل على أن الستْر غير المغفرة وأنَّ المغفرة لابُدّ فيها مِن عدم المؤاخَذَة وعدَم العُقُوبة
فوائد قول الله تعالى : (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ))
ومِن فوائدها أيضًا بيانُ رحمة الله عز وجل بعبادِه حيث سخَّر لهم السماوات والأرض بل سخَّر لهم ما في السماوات وما في الأرض أيضًا، وهذا مِن كمال رحمته، فلولا رحمةُ الله عز وجل بعباده لوقعتِ السماوات على الأرض وهلك الناس وما تَركَ عليها من دابة.
ومِن فوائد هذه الآية أنَّ السماوات والأرض مخلوقَتان مِن جملة المخلوقات مُسَخَّرَتان بأمرِ الله ففيه ردٌّ على الفلاسِفَة الذين يقولون بقِدَمِ العالم وقدَمِ الأفلاك وأنَّ الفَلكَ التاسع كما يزعُمون هو المدَبِّر لما تحته، بل نقول: هذه الأفلاك كلُّها مخلوقةٌ لله مسخَّرَةٌ بأمرِه، لو شاء اللهُ عز وجل أن تزولَ لزالت ولم يستطِع أحدٌ أن يُمْسِكَهَا
7 - فوائد قول الله تعالى : (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده )) أستمع حفظ
ما هو وجه الفائدة من إمساك السماوات ؟
الشيخ : وجهُ الفائدة أنها مخلوقَة من مخلوقات الله فليست قديمَة.
الطالب: وين هذي الفائدة؟
الشيخ : في (يُمسِك السماوات) فإن إمساكَها دليل على أنَّها قائمةٌ بأمره
تتمة فوائد قول الله تعالى : (( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ))
ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا توجِيهُ الخلق أنَّهم إذا رأوا في هذه الآيات في السماوات والأرض إذا رَأوا ما يُزعِجُهم ويقلقُهم ألا يرجعوا إلى أحدٍ إلا إلى الله عز وجل، فالزلازل والبراكين والكُسوف والصَّوَاعق وغيرُها مما يخوِّفُ العالم لا نرجِعُ فيه إلا إلى الله، لأنه هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولَا ولا أحدَ يمسكُهُما إذا زالتَا إلا الله، ولكن كيف نلجأُ إلى الله في هذه الأمور؟ هل نلجأُ إليه بالصفَة التي أرشدَنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، أو نلجَأُ إلى الله تعالى بالصفَة التي أرشدَنا النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف في الكسوف فقط وما عدَاه فإنَّنا نلجأُ إلى الله تعالى بالدعاء المطلق هذا محلُّ خلاف بين العلماء فمنهم مَن قال: إنه إذا وُجِدَت آيات أُفُقِيَّة تُخِيفُ العباد فإنَّه يُشْرَع للعباد أن يُصَلُّوا صلَاة الكُسُوف حتَّى يَذهَب ما بِهم