تابع لفوائد قول الله تعالى : (( استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا )) .
ومِن فوائدِ الآية الكريمة ثُبُوتُ القياس أو إن شئت فقل: استعمالُ القياس لقولِه: (( فهل يَنْظُرُون إلا سنة الأولين )) فيقِيس حال هؤلاء بحال الأولين الذين كذَّبوا فعُوقِبُوا.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ سنَّةَ الله عز وجل في عبادِه واحدة فكلُّ مَن أطاع الله أثابَه وكلُّ مَن عصى الله عاقبَه لقولِه: (( فلن تجدَ لِسنةِ اللهِ تبديلًا ولن تجدَ لسنةِ الله تحويلًا )) لا يقال مثلًا: إننا أمةٌ شرَّفَنا الله عز وجل وعظمنا وكرمَنا فلا يؤاخذُنا كما آخذَ من قبلنا بل نقول: إنَّ مقتضَى التشريف أن نكون نحنُ أشدَّ عبادةً له ممَّن سبقنا، لأنَّ الإنسان إذا كُرِّم ينبغِي أن يَقُومَ بمقْتَضى هذا التكريم، وليسَ إساءةُ مَن لم تُكْرِمْه إليك كإساءةِ مَن أكرمتَه، بلا شَك، ولهذا كل مَن كان مغتَبِطًا بنعمةِ الله عز وجل وجبَ عليه من شُكر نعمةِ الله مالا يجب على مَن سواه.
ومِن فوائدِ الآية الكريمة كمالُ قدرةِ الله عز وجل وحِكْمتُه حيثُ إنَّ سنتَه لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر (( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لِسنةِ الله تحويلا )) وجهُ كونِها مِن تمامِ القدرة أنَّ العاجز لا يستطِيع أن يجعلَ أفعالَه على وتيرةٍ واحدة بل قد تتخَلَّف وتتغيَّر لعجزِه عن الاطِّرَاد، وأما كونُه مِن تمامِ الحكمة فلأن مُعاقَبَة السَّابِقين كانت لِسبَب، وهذا السَّبب إذا وُجِد في الآخِرِين فإنه يعمَلُ عملَه، لأنَّ مُقتَضى الحكمة أنَّ الأسباب لا تتَخَلَّفُ عنها مُسَبَّبَاتُها، ففي قولِه: (( فلن تجدَ لسنةِ الله تبديلًا ولن تجدَ لسنةِ الله تحويلًا )) فيها إثبات تمامِ القُدْرة وتمَامِ الحِكْمَة.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ الشيء الذي يستَمِرّ ويُؤْخَذُ به يُسَمَّى سُنَّة يقال: سنة فلان أي طريقتُه، ولهذا يُفَرَّق بين السُّنَّة وبين العارض، الشيء العارض شيء ولا يمكن أن يُجعَل طريقة مُتَّبَعَة، والشيء المطَّرِد يسمى سنَّة، ويدل على هذا التفريق قولُه صلى الله عليه وسلم: ( صلُّوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب ثم قال في الثالثة: لمن شاء ) كراهِيَةَ أن يتَّخِذَها الناس سُنَّة ) مُطَّرِدَة يفعلونَها دائمًا
1 - تابع لفوائد قول الله تعالى : (( استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا )) . أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ))
وقولُه: (( فينظُروا كيف كانَ عاقبةُ الذين مِن قبلهم )) (فينظروا) الفاء هنا قيل: أنَّها عاطفة وقيل إنَّها سببية فعلى أنها عاطفة تكون في محَلّ جزْم أي يكون الفعلُ بعدها مجزومًا، وعلى أنَّها سببية يكونُ الفعل بعدها منصوبًا، فعلى كونها سببية يكون التقدير: أو لم يسيروا في الأرض فبِسبَبِ سيرِهم ينظروا، وعلى أنّها عاطفة يكونُ المعنى: أو لم يسيروا في الأرض ولم ينْظُروا كيف كان عاقبة الذين مِن قبلهم، والنَّظَر هنا هل هو نظَرُ القلب أم نظر العين؟ إذا قلنا إنَّ السَّير سير القدم فالنَّظَرُ نظر العين، وإذا قلنا إنَّ السير سيرُ القلب فالنظر نظرُ القلب، إذًا تكُون شاملةً للأمرين حسَب ما نُفَسِّر السير فيما سبق، (( فينظروا كيف كان عاقبة الذين مِن قبلهم )) هذا الاستفهام الجملة الاستفهامية عَلَّقَت (ينظروا) عن العمل يعني: فينظروا كيف كان عاقبتُهم يعني: أيّ عاقبة كانت لهم هل نُعِّمُوا وأُكْرِمُوا أو عُذِّبُوا وأُهْلِكُوا انظُروا فإذا نظر الإنسانُ العاقل فسوف يعتَبِر ويقِيس الحاضر على الغائب، (( كيف كان عاقِبَةُ )) عاقبة الشيء مآلُه (( الذين مِن قبلهم )) ما هي العاقبة للذين مِن قبلهم؟ الهلاك عاقبَتُهم الهلاك ولهذا قال الله تعالى: (( وإنكم لتمرُّون عليهم مصبحين * وبالليل أفلا تعقلون )) فانظروا إلى آثارهم ماذا كانت؟ كانت الدمار، فإذا كانت الدمار وسببُه التكذيب والاستكبار فإنَّ السبب الذي كان فيما سبًق مؤدِّيًا إلى هذا الهلاك فإنه سيكون مؤديًا إليه فيما لَحِق، إذ لا فرْق
2 - تفسير قول الله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض ))
الطالب: الياء
الشيخ : لا، الظاهر مصطفى اليوم ما أفطَر! مُفطِر؟ (شيء) فاعِل مرفُوع بضمة مقدرة؟
الطالب: على الهمزة.
الشيخ : على الهمزَة على الألف؟
الطالب: .. على الهمزة.
الشيخ : على الهمزة؟ ما علمنا أحد مِن الناس قال: مقدرة على الهمزة، من يعرف الإعراب؟
الطالب: مقدَّرَة على الياء.
الشيخ : خطأ.
الطالب: على آخرِه.
الشيخ : على آخرِه.
الطالب: منعَ مِن ظهورها اشتغالُ المحل بحركة حَرفِ الجرّ الزائد.
الشيخ : اي صح! طيب، (مِن شيءٍ في السَّماء)[كذا] قال المؤلف: " يسبقُه ويفوتُه " وهذا تفسيرٌ لا بأس ببعض اللوازِم كما قال تعالى: (( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ))[العنكبوت:4] ولكن العجْز هو عدَمُ القدرة على الشيْء وهذا أولى مِن تفسير المؤلف تقول: ما كان الله تعالى ليحُولَ بينَه وبين ما يُريدُ عجزٌ في قدْرتِه بل هو قادِرٌ على كلِّ شيء مِن إيجادِ معدُوم أو إعدَام موجُود أو تغيِير حال أو غيرِ ذلك، فالله تعالى لا يعجزُه شيء لا في السماوات ولا في الأرض، لأنَّ أمره عز وجل إذا أراد شيئًا أن يقول: (كن) فيكُون بدُون أيّ عمَل كلمَة واحدة تجعَلُ الشيء على حسبِ مُرادِه تبارَك وتعالى فلا يُعجزُه شيءٌ في السماوات ولا في الأرض، وإذا كان لا يعجزُه شيءٌ في السماوات ولا في الأرض فإنَّه لن يعجَزَ عن إهلاك المكذِّبِين الذين كذَّبوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
3 - تفسير قول الله تعالى : (( وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( إنه كان عليما قديرا ))
الطالب: ما يقدر.
الشيخ : لَماذا؟
الطالب: لأنه بدون علم.
الشيخ : لأن ما عنده علْم، ما يِقْدَر يصلحها يمكن يفسِّدْها أكثَر، فيه رجلٌ آخر عندَه علْم وقد درَس علْم تصلِيح الساعات مثلًا لكن ما عنده قُدرَة بدنِيَّة مشلُول هل يمكن أن يصلِّحْها؟ لا يمكن، لعدَم القدرَة إذًا انتفَاء عجزِ الله عز وجل لكمال علمِه وكمال قدرته، وبهذا نعرف أنَّه لا يُوجَدُ نفْيٌ محض في صفات الله بل كُلُّ نفي في صفاتِ الله فهو مُتَضَمِّن لثُبُوتِ كمَال لا يمكن أن يوجَد نفيٌ محض ولهذا لَمَّا نفى العجز بَيَّن السبب قال: (( إنه كان عليمًا قديرًا )) والله أعلم.
قال الله تبارك وتعالى: (( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ))[فاطر:42]
فوائد قول الله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ))
ومن فوائدها أنَّه ينبغي لنا أن ننْظُر إلى عاقبةِ السابِقين نظرَ اعتبار بمآلِهم حين كذَّبوا رسلَهم وليس اعتبارًا بقوتِهم وصناعتِهم وطرازِهم وما أشبهَ ذلك، وإذا طبَّقْنَا هذا على واقعِ الناس اليوم الذين يذهبون إلى ديارِ ثمود وجدنا أنَّهم يذهبون إليها لا لِيعتبِرُوا بما صنعَ الله بهم مِن العقوبة لتكذيبِهم الرسل ولكن لِينظروا كيف كانت قوتُهم وصناعتُهم وزخارِفُهم وما أشبهَ ذلك، وهذا حرام لا يجوز أن يذهبَ الإنسانُ إلى ديارِ هؤلاء المكذِّبين لهذا الغرض، لقولِ الرسول عليه الصلاة والسلام: (( لا تدخلُوا على هؤلاء المعذَّبِين إلَّا أن تكونوا باكِين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلُوا عليهم )).
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ في التاريخ عبرٌ يعتَبِرُ بها العاقِل لقولِه: (( فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم )).
ومِن فوائد الآية استعْمَالُ قياسِ الأَوْلى لقولِه: (( وكانوا أشد منهم قوة )) فإذا كان الله تعالى أهلكَهم مع كونِهم أشدَّ منهم قوة فإنَّ إهلاك هؤلاء مِن باب أولى.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ قوَّة البشر مهما عظُمَت لا تمنعُهم مِن الله شيئًا لقوله: (( فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة )) ولهذا لما قالت عاد: مَن أشدُّ منا قوة؟ قيل لهم: (( أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة )) طيب.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ في السير في الأرض قلبًا أو قدمًا عبرَة لا للمُرْسَلِ إليهم بل ولِلرُّسُلِ أيضًا، فإنَّ إهلاك المكذبِين للرسُل انتصَارٌ للرسُل، معلوم أنَّ الله إذا أهلكَ عدُوَّك يا ناصر! فإنَّه انتصارٌ لك بلا شك.
ومِن فوائد الآية الكريمة نفيُ العجْزِ عن الله عز وجل لقوله: (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض )) لأنَّ فيها نفْيَ العجز عنه لكمالِ علمِه وقدرتِه.
ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ مِن صفاتِ الله تعالى ما يكون سلبيًّا أي منفِيًّا عنِ الله، وضابطُه أنَّ كلَّ صفَةِ نقْص فهي منفِيَّةٌ عن الله عز وجل هذه قاعِدة عامة، كما أنَّ كل صفة كمال فهي ثابتةٌ له، ولكن التفصيل لابدَّ فيه من دليل، لأنَّ هذه القاعدة عامة لقوله: (( ولله المثل الأعلى )) (( ولله الأسماء الحسنى )) لكن التفصيل في أنَّ هذه الصفة المعيَّنَة الثابتة لله أو منتفِيَة عنه لابد فيها مِن دليل.
طيب ومِن فوائد الآية الكريمة أنَّ الله سبحانه وتعالى لا ينفِي شيئًا عن نفسه إلا لِثبوتِ كمال ضدِّه لأنَّه لما قال ما كان الله ليعجزه قال: (( إنه كان عليما قديرًا )) فيستفاد مِن ذلك أنَّ كل صفَةٍ منفية عن الله لا يُرَادُ بها مجرَّدُ النفْي، لأنَّ مجرد النفي ما فيه فائدة إذ أنَّ النفيَ المحض عدَمٌ محْض والعدمُ ليس بشيْء فضلًا عن أن يكون كمالًا، ولأنَّ النفي قد يكون سببُه العجْز كما في قول الشاعر:
قُبَيِّلَةٌ لا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ ولا يَظْلِمُونَ الناسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
هذا مدْح ولَّا ذم؟ ذمّ، لأنهم لعجزِهم ما يستطيعون يظلمون الناس ولا يغدِرُون بالذمم، وقد يكون سببُه عدمَ القابلِيَّة لا للكمال ولكن لأنَّه غيرُ قابلٍ لهذه الصفة كما لو قلت: إنَّ جدارَ بيتِنَا لا يظلِم واحد يمدح بيته مثلاً يقول أن جداره ما بيظْلِم أحد صحيح؟ .. لا يظلِم أحد لكن لا، لا لأنَّه عدْل كامل العدل لكن لأنَّه لا يقبَل كلمة ظُلْم، فنفيُها عنه كثبوتِها له، حتى لو قلت: جدارٌ يظلِم ما أحَد يُصَدِّق، طيب إذًا صِفَات الله المنفية التي يسمِّيها العلَمَاء السلْبِيَّة تتضَمَّن كمَال الضَّدّ يعنِي لكمالِ علمِه وقُدْرَتِه لا يُعْجِزُه شيْء في السَّمَاوات ولا في الأرض.
ومِن فوائد الآية الكريمة إثباتُ أنَّ السَّمَاوَات أكثَر مِن واحِدَة لوُجُودِ الجمْع يعنِي جاءَت بصِيغَة الجَمْع (السَّمَاوات) وهي سَبْع بنصِّ القرآنِ والسُّنَّة (( ألم تروا كيف خلق الله سبع سَمَاوات طِبَاقًا )) والسُّنَّة كذلك ظَاهِرَة فِي أَنَّ السماوات السبع كقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم ربَّ السماوات السَّبْع ومَا أَظْلَلْنَ ).
ومِن فوائدِ الآية الكريمة إثباتُ اسمَين مِن أسماءِ الله وهُمَا العلِيم والقدير وما تضمَّنَاه من صفة أو حكم من صفة وهي العلم والقدرة أو حُكْم وهو أنَّه يَعْلَم ويقْدِر على كُلِّ شيء إنَّه كان عليمًا قديرًا، ... السَّيْرُ في الأرض للنُّزْهَة يعني؟
الطالب: لا، للاعتبار ....
الشيخ : السير في الأرض لِلاعْتِبَار لا بأسَ به، وإذا كانَت مصلَحَتُه أكثَرَ مِن نقْصِه كان محْمُودًا، وإن كان نقصُه أكثرَ مِن مصلَحَتِه فإنَّه لا ينْبَغِي، فمثلًا لو ذهَبَ ينظُر في آيات الله تعالى في الجبال الشاهقة وفي الأنهار وفي البحار وما أشبَه ذلك فهذا حَسَنٌ محمود، لكن إذا كان يُكَلِّف مِن النَّفَقَة أكثَر مما ينْتَفِعُ به الإنسان فإنه يُنْهَى عنه، لأنَّ في ذلك إضَاعَة الـمَال أمَّا إذا كان النَّفَقَة قَلِيلَة أو كان هذا الرجل ذا مَالٍ كثير لا يَتَضَرَّرُ به ولكنَّه ينتفِعُ به مِن الناحية الإيمَانِيَّة فلا بَأْسَ به
5 - فوائد قول الله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا )) أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ))
ولو نُعْطَى الخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا
والأكثر ما افترقنا، يقول الله تعالى: (( لو يؤاخِذُ الله بما كسبوا )) مِن المعاصي (( ما تركَ على ظهرِها مِن دابَّة )) قولُه: (يؤاخذ) أي يُعَاقِب والمؤاخَذَة بالذَّنْب العُقُوبَة عليه، وقولُه: (الناس) عَامّ يشمَل الكفار ويشمَل العُصَاة مِن المؤمنين، فلو يؤاخذُ الناس كلَّهم بما كسبوا ما تركَ على ظهرها مِن دابة، وقولُه: (بما كسبوا) (ما) يجوز أن تكون مصدرية أي: بكسبِهم، ويجوز أن تكون موصُولةً فإذا كانت موصولة فلابد مِن تقدِيرِ العائد وتقديرُه: بِمَا كَسَبُوه، وقولُه: (بما كسبوا) أي بما اكتَسَبُوا مِن المعاصي وسَمَّى الله تعالى المعاصي كسبًا، لأنَّ العامِل ينَال جزائها فكأنَّه كسَب هذا الجزَاء مع أنَّه كَسْبٌ رابِح ولَّا كسبٌ خاسر؟ خاسِر ولهذا إذَا اقترَن مع العمل الصالح أتَى بغير هذا اللفظ قال الله تعالى: (( لا يكلف الله نفسًا إلا وُسْعَها لها ما كسَبَت وعليها ما اكْتَسَبَت )) ففرَّق بينهما، أما إذا أُفْرِد أحدُهما عن الآخر ... الكسْب بالخيرات وفي السيئات، وقولُهُ: (( ما تركَ على ظهرِها )) أي الأرض " كيف قال المؤلف: أي الأرض وأعادَ الضمير على غير مذكور؟ قال بعضُهم: إنَّه أعاده على مذكُور وهو قولُه: (( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنَّه كان عليمًا قديرًا )) والكلام كلُّه في سياقٍ واحد في سياقِ العاصين ومآلِهم وعقوبَتِهم فالكلام نسقٌ واحد فالأرض إذًا مذكورة، وقال بعضُهم: هي غيرُ مذكورة لكنَّها معلومة مِن السياق لأنَّ الدواب إنَّما هم على ظهْر الأرض فهي معلُومة مِن السياق، وما عُلِمَ مِن السياق فإنَّه لا يحتاجُ إلى مَرْجِعٍ مذكور، ألم ترَ إلى قوله تعالى: (( حتى توارَتْ بالحجاب )) توارَتْ ما هي؟ الشَّمْس مع أنَّه لم يَسْبِقْ لها ذِكْر، لكنَّها معلومة لأنَّها هي التي تتوارى بالحجاب، يقول: (( ما ترك على ظهرِها من دابة )) نسمَة تدِبُّ عليها " (مِن) حرف جر زائد زائد ولَّا لا؟ لأنَّها جاءَت بعد النفي (ما ترك عليها من دابة) أي ما ترك عليها دابةً لكنَّها دخلَت عليها (مِن) لتؤكِّد العموم، قال المؤلف: نسمة تدب عليها " النسَمَة هي كلُّ ذاتٍ تتنَفَّس لأنَّها مأخوذة مِن النَّسَم وهو التَّنَفُّس وكل شيء فيه رُوح فإنه يتنفَّس، المعنى لَهَلَك كُلُّ شيء على الأرْض، أمَّا البَّشَر العَاصُون فهَلَاكُهُم واضِح وأمَّا غيرُهم فبِشُؤْمِهِم بِشُؤْمِ العُصَاة تَمُوتُ هذه الدواب إمَّا بأن يمنعَ الله عز وجل المطَر والنبات فتَمُوتُ هذه الدواب لأنَّها لا تجِدُ عيشًا، أو أنها تموت بأوبِئَة تجْتَاحُهَا بسبب أعمالِ الناس، ثم قال: (( ولكن يُؤَخِّرُهُم إلى أجَلٍ مُسَمًّى )) أي يوم القيامة " ولكن يؤخرُهم أي الناس والفاعل هو الله، (إلى أجل) أي مُدَّة (مسمَّى) مُعَيَّن وما هو؟ يومُ القيامة كما قال الله تبارك وتعالى في سورة هود (( إنَّ في ذلك لآيةً لِمَن خافَ عذابَ الآخرة ذلك يومٌ مجموعٌ له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخرُه إلَّا لِأجَلٍ معدود )) أجلٍ مسمَى معيَّن عند من ؟ عند الله سبحانه وتعالى ولا يعلَمُ هذا الأجل إلا الله، فإنَّ علم الساعة لا يكونُ إلا للهِ سبحانه وتعالى عَجَزَ عنه أعلَمُ البَشَر وأعلَمُ الملائِكَة حين سألَ جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: ( ما المسئُولُ عنها بأعلَم مِن السَّائِل ) طيب، والأجَل المسمى لابد أن يَجِيء، كلُّ شيء مسمّى فهو قريب لكن الأجل المبْهَم هو الذي ينتظِرُه الإنسان إلى أن يحصُل، أمَّا المسمى فلابد أن يُوصَل إليه، (( فإذا جاءَ أجلُهم )) يعني انتَهَت المدة وصارَ يومُ القيامة سواءٌ كانت القيامةُ الكبرى أو القيامة الصُّغْرى، القيامة الكبرى العامَّة لجميعِ الناس والصغرى موتُ كُلِّ إنسان (( فإنَّ اللهَ كانَ بعبادِه بصيرًا )) فيجازيهم على أعمالِهم بإثابةِ المؤمنين وعقابِ الكافرين، جملة (فإنَّ الله) جوابُ الشَّرْط (فإذا جاءَ أجلهم)، فإن قال قائل: ما وجهُ اعتبارِ الجوابِ بالشرط (فإذا جاءَ أجلُهم فإنَّ الله كان بعباده بصيرا) يعني قد تتوقَّع: فإذا جاء أجلُهم عاقَبَهُم الله فيقال: إنَّ قولَه: (فإنَّ الله كان بعبادهِ بصيرًا) أبلَغ مِن: فإذا جاء أجلُهم عاقبَهُم الله لأنَّ مِن هؤلاء مَن قد يعفو الله عنه فلا يعاقِبُه، ولكنَّه ذَكَر أنَّه بصِيرٌ بأعمالهم يجازِيهم عليها وإن شاءَ ألَّا يعاقبهم فعَل في مَن يستَحِقّ العفْو
6 - تفسير قول الله تعالى : (( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا )) أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ))
ومن فوائدِها تمامُ قدرةِ الله تعالى حيث يقْدِرُ على إهلَاك العالَم بِلحظة (ما ترك على ظهرها من دابة).
ومنها بيانُ شؤْمِ المعاصي وأنها قد تَعُمّ العاصِي وغيرَه ولِلمُكَلَّف وغير المكَلَّف ولا لا؟ وإلَّا فإنَّ هذه الدواب التي هي أكثَر بكثير مِن البشر ومِن الجن ما ذنبُها وهي غيرُ مكلَّفة لكن هذا مِن شؤْم المعاصي وأنَّها تشمل حتى من ليس بمكلف.
ومِن فوائِد الآية الكريمة الردّ على الجبرية لقولِه: (بما كسَبُوا) فأثْبَتَ للعبْدِ كسبًا، والجبرية يقولون: إنَّ الإنسان مُجْبَرٌ على العمَل ما يستَطِيع يكتَسِب، مُجْبَرٌ على أن يعمَل خيرًا أو شرًّا.
ومِن فوائدِ الآية الكريمة إثباتُ حِكْمَةِ الله عزَّ وجل في مُجَازَاةِ العَامِلِين بعملِهم لقولِه: لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابَّة) ولكِن لِحِلْمِه يُؤَخِّرُهم إلى أجلٍ مسمى.
ومِن فوائد الآية الكريمَة أنَّه مهما حَلَّتْ بالبَشَر مِن عُقُوبَة مُدَمِّرَة أو منقِّصَة فإنَّما ذلك بماذا؟ بما كسبَتْ أيديهِم