فوائد قول الله تعالى : (( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رءوس الشياطين )) .
يستفاد من هذه الآية ومن بعدها أن شجرة الزقوم خبيثة المنبت لقوله تخرج في أصل الجحيم والخبيث المنبت يكون هو خبيث أيضا لأن العادة أن النبات يكون على حسب أرضه كما يكون على حسب مائه أيضا
ومن فوائدها بيان قدرة الله عز وجل حيث خلق هذه الشجرة في وسط النار مع أن المعروف أن النار تحرق الأشجار ولكن الله على كل شيء قدير فها هي نار إبراهيم عليه السلام تحرق الأجسام بلا شك ولكن الله عندما قال لها (( كوني بردا وسلاما على إبراهيم لم )) تحرقه بل كانت بردا وسلاما عليه
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أن هذه الشجرة تنتشر إما أغصانها كما قال المؤلف أو أنواعها في النار كلها لأن الله أخبر أن أهل النار يأكلون منها ومعلوم أن النار دركات بعضها أسفل من بعض فيلزم من ذلك أن تكون هذه الشجرة إما ذاتها منتشرة أغصانها وإما نوعها موجودا في جميع النار
ومن فوائد قوله (( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )) بيان أن هذه الشجرة لها طلع ولكن طلعها أقبح ما يكون من الطلع لأنه يشبه رؤوس الشياطين
ومنها أن من أغراض التشبيه ما يسمى عند البلاغيين بالتقبيح فيشبه الشيء بما يستقبح نفسيا وإن لم يكن معلوما حسيا لقوله (( كأنه رؤوس الشياطين ))
ومن فوائدها أن رؤوس الشياطين مستكرهة مستقبحة لأنه شبه بها القبيح والتشبيه إلحاق الشيء بما هو أعلى منه في الصفة التي ألحق به فيها لأن المشبه دون المشبه به
طيب من فوائد الآية إثبات أن للشياطين رؤوسا وهو كذلك فإن الشياطين لها رؤوس
ومن فوائدها الرد على من يقول أن الشياطين والملائكة والجن هي قوى الشر الملائكة قوى الخير والشياطين والجن قوى الشر وليس هناك أجسام تحس وجه الدلالة أنه أثبت للشياطين رؤوسا ولا يمكن أن يكون هذا في الأمور المعنوية التي هي القوى
ومن فوائدها ضلال من يعتمد على العقل في إثبات الأشياء أو نفيها لأن الاعتماد على العقل يؤدي إلى أن يرد الإنسان ما ثبت في الكتاب والسنة من أجل ما يدعي أنه عقل
1 - فوائد قول الله تعالى : (( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رءوس الشياطين )) . أستمع حفظ
فوائد قول الله تعالى : (( فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم )) .
من فوائدها إثبات أكلهم منها على سبيل التأكيد لقوله (( فإنهم لآكلون منها ))
ومن فوائدها... أنه ينبغي تأكيد الشيء المستبعد أمام المخاطب من أجل اطمئنان نفسه وإقراره به اليس كذلك ؟ولهذا قال علماء البلاغة إن المخاطب له ثلاثة حالات : ابتداء وشك وإنكار ففي الابتداء لا يحسن أن تؤكد له الخبر بل تلقيه له غير مؤكد لأنك إذا أكدته بدون سبب للتأكيد فقد يشك يقول لولا أن هذا الرجل كاذب ما ذهب يؤكد الخبر بدون سبب فالفصاحة أن تلقيه إليه ايش ؟ مجردا من التأكيد مثلا إذا أردت أن تخبر بقدوم زيد تقول قدم زيد إذا كنت تخاطب رجلا خطاب ابتداء ليس عنده شك في قدومه ولا إنكار الحالة الثانية: أن يكون عند المخاطب شك في الأمر فهنا يحسن أن يؤكد ولكن لا يجب فهذا الرجل الذي تخشى أن يكون شاكا في قدوم زيد لاستبعاده إياه يحسن عندما تخبره أنه قادم يحسن أن تؤكده له فتقول لقد قدم زيد أو إن زيدا قادم هذا متى ؟ مع الشك مؤكده بمؤكد على سبيل الاستحباب
الحالة الثالثة: أن يكون منكرا ففي هذه الحال يجب أن يؤكد له الخبر من أجل أن يزول عنه الإنكار ويطمئن إلى مدلول الخبر كما لو كنت تخاطب شخصا ينكر أن يكون فلان قدم البلد فتقول له لقد قدم وإن رأيت أنه يحتاج إلى زيادة قلت والله لقد قدم وإن كنت تخشى أن يكون غير مقتنع فبعض العامة يقول عليه الطلاق لقد قدم أي نعم لأن كثيرا من الناس يؤمنون بالحلف بالطلاق أكثر ما يؤمنون بالحلف بالله عز وجل طيب بقي أن يقال هذا باعتبار حال المخاطب أي أنه يحسن توكيد الخبر أو تجريده من التوكيد أو وجوب تأكيده باعتبار حال المخاطب قد يكون التأكيد وعدمه باعتبار حال مدلول الخبر إذا كان المدلول أمرا هاما فإنه يؤكد حتى لو كنت تخاطب من لا ينكر مثل قوله تعالى (( لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة )) وأشباه ذلك مما أقسم الله به على البعث وهو يخاطب المؤمنين فهنا نقول تأكيد هذا الخبر مع إقرار المخاطب به يقصد بذلك بيان أهميته وأنه أمر يجب أن يتأكد في قلب الإنسان وأن يثبت فيه ويرسخ واضح قال أهل العلم -نبحث في البلاغة لأجل أن نستذكر ما مضى- قال بعضهم وقد ينزل المقر منزلة المنكر لفعله فعل المنكر مثل (( ثم إنك بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )) (( ثم إنك بعد ذلك لميتون )) هل الموت متردد فيه أو منكر أبدا لا يتردد فيه ولا ينكره أي أحد من الناس إذن فلماذا يؤكد لأن المخاطب قد تكون حاله حال المنكر لعدم استعداده للموت فكأنه منكر له فيؤكد له الخبر طيب هنا (( فإنهم لآكلون منها )) نقول هنا أكد الله عز وجل أنه سيأكلون لأن المقام مقام استبعاد للأكل قد يستبعد الإنسان أن يأكل هؤلاء من هذه الشجرة التي تخرج في أصل الجحيم وطلعها كأنه رؤوس الشياطين فأكد الله ذلك بإن واللام وأتى أيضا بالجملة الاسمية الدالة على استمرار أكله
طيب من فوائد هذه الآية الكريمة أن الله يعذب أهل النار في الأكل من هذه الشجرة بكونهم لا يشبعون لقوله (( فمالئون منها البطون )) فلا يأكلون منها بقدر الضرورة كما يأكل المضطر الميتة بقدر الضرورة ولكن يأكلون أكلا يملأ بطونهم وكلما فرغ البطن قليلا أكلوا
ومن فوائد الآية الكريمة أيضا أن هذه الشجرة إذا أكلوها والعياذ بالله عطشوا وطلبوا الماء وطلبوه على طلب المضطر إليه بدليل قوله (( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل )) فهم يعطشون كثيرا ويسألون سؤال المضطر يستغيثون الله عز وجل فإذا أغيثوا بماء أغيثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه والعياذ بالله ولهذا قال (( ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم )) يعني مع هذا الأكل القبيح المستكره المبتلى بمحبته يشربون عليه من الحميم الذي يخالطه وقد سبق لنا أن هذا الحميم يقطع أمعاءهم
ومن فوائد قوله (( ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم )) أن هؤلاء الذين في النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وهذا فيه زيادة تعذيبهم كيف ذلك ؟ لأن الإنسان إذا انفتح له باب الأمل والرجاء ثم عاد إلى الخيبة صار ذلك أشق وأشد عليه مما لو استمر في خيبته فيكون في هذا زيادة تعذيب لهم (( ثم إن مرجعهم لإلى
الجحيم ))
ومن فوائدها أيضا أن هؤلاء لن يذوقوا نعيما أبدا لأن مرجعهم ومآلهم إلى الجحيم فلا يمكن أن يخرجوا منه نسأل الله لنا ولكم السلامة
2 - فوائد قول الله تعالى : (( فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم )) . أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين )) .
(( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين )) يعني لا كلهم فإن من الأولين من اهتدى ولكن أكثرهم ضل حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرضت عليه الأمم ( رأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد ) -... نزل المصحف لأنك نمت الآن..ما هذا من الأدب أنك تنزل رأسك وأنت نائم - ( والنبي وليس معه أحد ) إذن أكثر الناس الذين أرسل إليهم الرسل قد ضلوا ما دام أنه لم يكن مع النبي أحد يبعث نبي في قومه ولا يكون معه أحد .. أكثر الأولين أي السابقين فكل من سبق هذه الأمة فانه يعتبر من الأولين (( ولقد أرسلنا فيهم منذرين )) هذه الجملة مؤكدة بما سبق بالقسم واللام وقد وأكدت بالوجوه الثلاثة التي أشرنا إليها وقوله (( أرسلنا فيهم منذرين )) يعني رسلا منذرين كما قال الله تعالى (( رسلا مبشرين ومنذرين )) لكنه هنا لم يذكر البشارة لأن المقام مقام تهديد فكان طي البشارة أنسب والاقتصار على الإنذار أنسب فقال ولقد أرسلنا فيهم منذرين فمن هو الرسول قال أهل العلم إن الرسول هو الذي أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بتبليغه كذا ؟
الطالب: لا
الشيخ : وأمر بتبليغه ولهذا يقال أرسل يعني بعث برسوله وامر بالتبليغ فإن قلت ماذا نصنع في قوله تعالى (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ))[الحج:52]حيث قال وما أرسنا من قبلك من رسول ولا نبي فهو يقتضي أن النبي وهو الذي أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بتبليغه قد أرسل فالجواب أن تقدير الآية وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبأنا من نبي فهو على حد قول الشاعر
" علفتنا تبنا وماء باردا " فالماء البارد لا يعلف ولكنه يسقى وهو على تقدير وسقيتها ماء باردا ومن المعلوم أن حذف ما يعلم جائز كما قال ابن مالك في ألفيته
" وحذف ما يعلم جائز كما تقول زيد بعد من عندكما "
(( ولقد أرسلنا فيهم منذرين )) أي مخوفين من خالف بالعقوبة وحرمان الثواب فالرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم ينذرون من خالفهم بالعقوبة وحرمان الثواب لأن العاصي يحرم من ثواب الطاعة إذ لو شاء لأحل مكان المعصية طاعة وكذلك يعاقب بما تقتضيه هذه المعصية طيب يقول فيهم (( منذرين )) ومنذرين اسم فاعل من أنذر ينذر والمنذر هو المخوف قال ومنذرين من الرسل مخوفين
تفسير قول الله تعالى : (( فانظر كيف كان عاقبة المنذرين * إلا عباد الله المخلصين )) .
التعليق على تفسير الجلالين : (( فانظر كيف كان عاقبة المنذرين )) الكافرين : أي عاقبتهم العذاب (( إلا عباد الله المخلصين )) أي المؤمنين فإنهم نجوا من العذاب لإخلاصهم في العبادة ، أو لأن الله أخلصهم لها على قراءة فتح اللام .
(( المخلَصين )) و(( المخلِصين )) لكن لم يصرح بهما ولكن أتى بمضمونهما ففي الآية قراءتان مخلصين لإخلاصهم لله لأنهم أخلصوا القصد لوجه الله عز وجل رب العباد إليه الوجه والعمل فلم يلتفتوا إلى ما سوى الله والإنسان المخلص لله الذي أخلص قلبه له يوفق وتكون عاداته عبادات لأنه دائما مع الله ودائما يتفكر في آيات الله ودائما يحب القرب من الله فيسعى أن يكون قوله وفعله وتركه كله لله عز وجل وهذا في الحقيقة هو الرابح الذي ربح الوقت وربح العمر لم تضع عليه لحظة من اللحظات إلا وهو كاسب فيها ولكن أكثر الناس في غفلة عن هذا الشيء أكثر الناس في غفلة غافلون لم يخلصوا أنفسهم لله عز وجل بل من الناس من قد تكون العبادات في حقه عادات يقوم ويتوضأ ويصلي لأن هذه عادته كأن هذه العبادات عمل يومي يقوم به ولهذا لا نجدها تؤثر على القلب بواسطة الغفلة الشديدة عن الإخلاص لله عز وجل فهم مخلصون في العبادة كذلك مخلَصون أخلصهم الله قال المؤلف " للعبادة " ولو قيل معنى أسمى من ذلك لكان أولى أخلصهم الله لنفسه واختصهم من بين سائر العباد وإنهم عندنا لمن المصطفين الذين اصطفاهم الله وجعلهم صفوة عباده لنفسه وهذا أبلغ في الثناء مما قال المؤلف من أن الله أخلصهم للعبادة بل نقول أخلصهم له من بين سائر العباد (( إلا عباد الله المخلصين )) يقول المؤلف
5 - التعليق على تفسير الجلالين : (( فانظر كيف كان عاقبة المنذرين )) الكافرين : أي عاقبتهم العذاب (( إلا عباد الله المخلصين )) أي المؤمنين فإنهم نجوا من العذاب لإخلاصهم في العبادة ، أو لأن الله أخلصهم لها على قراءة فتح اللام . أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون )) .
(( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ))[الحديد:26]فإذا كانت النبوة والكتاب في ذريتهما فليس قبل نوح أحد أوتي النبوة والكتاب والمراد بالنبوة نبوة الرسالة أما نبوة الوحي والعبادة فقد سبقت بآدم فإن آدم نبي مكلم ولكنه ليس نبي مرسل وأما من السنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة ( أن الناس يأتون إلى نوح ويقولون له أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ) فنوح عليه الصلاة والسلام هو أول الرسل ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يعني تسعمائة وخمسين سنة يدعوهم ليلا ونهارا (( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا )) يدعوهم سرا وعلنا (( ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا )) ولكنهم والعياذ بالله لا يزيدهم ذلك إلا نفورا واستكبارا مع قوة الرسالة والآيات العظيمة ولكنهم والعياذ بالله نقصوا واستكبروا وما آمن معه إلا قليل لما رأى عليه الصلاة والسلام ما حصل من قومه وأيس منهم دعا عليهم (( قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا )) وقال (( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ )) فأجاب الله تعالى دعاءه
التعليق على تفسير الجلالين : (( ولقد نادانا نوح )) بقوله رب (( أني مغلوب فانتصر )) [ 10 : 54 ] (( فلنعم المجيبون )) له نحن : أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق .
(( فلنعم )) الفاء حرف عطف تفيد الترتيب والتعقيب واللام موطئة للقسم وتقدير الكلام والله لنعم المجيبون والمجيبون فاعل نعم ونعم وبئس وشبههما تحتاجان إلى فاعل وإلى مخصوص يكون مبتدئا جملتهما خبرا عنه هذا المبتدأ يسمى المخصوص بالمدح أو بالذم فأين المخصوص هنا في هذه الآية ؟ يقول نحن فلنعم المجيبون نحن نعم وصدق ربنا ولنعم المجيبون الله سبحانه وتعالى فإن إجابته ليست كإجابة غيره إجابة الله سبحانه وتعالى إجابة محققة لكن بشرط أن تتم شروط الإجابة وأن تنتفي الموانع فإن لم تتم شروط الإجابة فإنه لا يجيب عز وجل لأن إجابته كسائر أفعاله مبنية على ايش ؟ الحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه فإذا تمت شروط الإجابة صار للإجابة محل فحلت الإجابة وإذا لم تتم لم يكن للإجابة محل فلم تتحقق الإجابة ولابد من انتفاء الموانع ألا يوجد مانع من موانع الإجابة وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر هذه الشروط والموانع عند ذكر الفوائد
المهم أن الله تعالى أثنى على نفسه بأنه نعم المجيب وصدق الله العظيم فإنه تعالى نعم المجيب يجيب عباده إذا اقتضت الحكمة ذلك بوجود الشروط وانتفاء الموانع (( فلنعم المجيبون )) " له نحن أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق " دعا الله على قومه فاهلكهم بالغرق غرقوا عن آخرهم وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لو كان الله تعالى منجيا أحدا من الغرق لأنجى أم الصبي ) ما أم الصبي امرأة كان معها صبي فلما رأت الماء يتزايد خافت على نفسها من الغرق فلجأت إلى جبل فارتفع الماء حتى وصل إليها ثم ارتفع حتى وصلها الماء ثم ارتفعت حتى وصلها الماء حتى بلغت قمة الجبل ووصلها الماء فلما رأت الماء قد وصلها وألجمها رفعت الصبي فوق يديها لتغرق قبله قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يذكر عنه ( لو رحم الله أحدا لرحم أم الصبي ) لأن هذا أبلغ ما يكون في الرحمة أن تجعل موتها قبل موته ترفعه على يديها ليدركها الغرق قبله المهم أن هؤلاء القوم وغيرهم من الأمم لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا البأس فانظر إلى فرعون لما أدركه الغرق قال (( آمنت بأنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )) ولكن ما نفعه ذلك قيل له (( الآن وقد عصيت قبل )) لم يكن أحد من الأمم نفعه إيمانه حين رأى البأس إلا قوم يونس (( لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ )) قال أهل العلم والحكمة من ذلك أن نبيهم خرج منهم مغاضبا قبل أن يؤذن له فلم تحق عليهم الكلمة لعدم تمام الإنذار في حقهم فلهذا لما آمنوا كشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين وسيجدون ما يستحقونه من العقوبة أو المثوبة
7 - التعليق على تفسير الجلالين : (( ولقد نادانا نوح )) بقوله رب (( أني مغلوب فانتصر )) [ 10 : 54 ] (( فلنعم المجيبون )) له نحن : أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق . أستمع حفظ
تفسير قول الله تعالى : (( ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين )) .
طيب يستثنى من أهل نوح ابنه الذي كفر به فإنه أدركه الغرق ولما سأل نوح ربه (( فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )) ويستثنى من ذلك امرأته كما قال الله تعالى في سورة التحريم (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا )) خانتهما بماذا ؟ بالكفر لا بالفاحشة والزنا لأنه من المستحيل أن يجعل الله امرأة نبي تزني لأن الزنا خبث وقد قال الله تعالى (( الخبيثات للخبيثين )) فخيانة امرأة نوح وامرأة لوط كانت بالكفر والكفر قد يكون في امرأة النبي وهو لا يعلم ولهذا قال (( فخانتاهما )) يعني أخفتا الكفر عن نوح وعن لوط المهم أن أهل هنا ليس على عمومه فهل نقول أنه عام أريد به الخاص أو عام مخصوص ؟ عام مخصوص لأن العام الذي أريد به الخاص لابد أن يكون معلوما للمخاطب أنه لم يرد به الا الخاص من أول الأمر فأما الشيء الذي لا يعلم إلا بنص آخر فإن هذا يسمى عاما مخصوصا
طيب يقول الله عز وجل (( ونجيناه وأهله من الكرب العظيم )) الكرب معناه ضد السعة والإنسان المكروب هو الذي أصابه ما يكره به ولا شيء أعظم من كرب الموت وهذا الكرب الذي أصاب قومه كرب عظيم لأنه غرق يموت الإنسان وهو ينظر يعني موت الإنسان بمرض يموت بشيء يعلم أنه لا قدرة له على إزالته لكن بالغرق يموت وهو يؤمل أن ينجوا ولهذا تجده بكل قواه يحاول النجاة ولكن لا تحصل له فكأنه يموت قتلا بالموت وهو ينظر إليه ولهذا صار كربا عظيما لأنه موت بغرق ومثله الموت بالحرق بالنار لأنه يموت بأمر يشعر بنفسه أنه يستطيع التخلص منه ولكنه يعجز فيكون وقع الموت عليه أشد
8 - تفسير قول الله تعالى : (( ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( ونجيناه وأهله من الكرب العظيم )) أي الغرق .
الطالب: ...
الشيخ : الأخ هداية الله يقول أنها ضمير الفصل وضمير الفصل ليس له محل من الإعراب وعلى هذا فتكون الباقين المفعول الثاني لجعلنا لأن جعلنا من أفعال التصيير فهي بمعنى صيرنا وتنصب مفعولين المفعول الأول ذريته والمفعول الثاني الباقين وقوله (( هم الباقين )) الآن لو قلنا أنها ضمير فصل وضمير الفصل ليس له محل من الإعراب لكن له محل من المعنى فما هو يا احمد ؟
الطالب:...
الشيخ : يعني يميز بين الخبر والصفة هذه واحد الثاني
الطالب: التوكيد
الشيخ : يفيد التوكيد
الطالب: الحصر
الشيخ : ويفيد الحصر ففوائد ضمير الفصل ثلاثة التوكيد والحصر والفصل يعني التمييز بين الخبر والصفة أما هو لا يؤثر في الإعراب إطلاقا
طيب ذريته من ذريته ؟ أي نسله جعل الله نسل نوح هم الباقين ولهذا يقال إن نوحا عليه الصلاة والسلام هو الأب الثاني للبشرية والأب الأول آدم ويقال إن إبراهيم أبو الأنبياء ولا يقال أبو البشرية لأن البشر لم ينحصروا في ذرية إبراهيم لكنه أبو الأنبياء لأن الأنبياء من بعده كلهم من ذريته كما قال تعالى فيما سبق(( وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب )) فما قبل إبراهيم من الأنبياء من ذرية نوح وما بعد إبراهيم من الأنبياء من ذرية نوح وإبراهيم لأن إبراهيم من ذرية نوح (( وجعلنا ذريته هم الباقين )) قال المؤلف " فالناس كلهم من نسله عليه السلام " .