بسم الله الرحمن الرحيم (( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ )) قال المؤلف : " صورة ص مكية " والقرآن الكريم مكي ومدني وأصح الأقوال في تمييز المكي والمدني أن ما نزل قبل الهجرة فهو مكي ، وما نزل بعدها فهو مدني وإن نزل في غير المدينة ، فالحد الفاصل زمني وليس مكاني فما بعد الهجرة مدني وما قبلها مكي ، قال: " ست أو ثمان وثمانون آية " والآيات هي عبارة عن الفواصل التي ستكون بين جملة أو جملتين فأكثر . و سميت آية لأنها معجزة فإن القرآن كما سبق قد تحدى الله فيه الناس أن يأتوا بحديث مثله وإن قل.
تفسير قول الله تعالى : (( بسم الله الرحمن الرحيم )).
قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا البسملة آية من كتاب الله. يؤتى بها في ابتداء كل سورة إلا سورة براءة. فإنه لا يؤتى بها وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما كتبوا المصحف أشكل عليهم هل براءة بقية الأنفال أو هي سورة مستقلة؟ فوضعوا فاصلاً دون بسملة لأنه لو جزموا بأنها من الأنفال لم يضعوا فاصلاً ولو جزموا بأنها مستقلة لوضعوا البسملة ولكن هذا الاجتهاد منهم نعلم أنه هو المطابق للواقع وأنهم مصيبون فيه قطعاً وذلك لأن البسملة لو نزلت بين الأنفال وبراءة لبقيت لأن الله يقول : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )). فلما لم تبقى باجتهاد من الصحابة علم أنهم كانوا مصيبين للواقع ، والبسملة كما تشاهدون جار ومجرور ومضاف إليه وصفة يعني نعتاً ، والقاعدة النحوية أن كل جار ومجرور لا بد له من متعلق أي من شيء يتعلق به. والشيء يتعلق به الجار والمجرور هو العامل وجار ومجرور معمول ولهذا قال ناظم الجمل قال : " لا بد للجار من التعلق بفعل أو معناه نحو مرتقب واستثني كل زائد له عمل كالبا ومن والكاف أيضاً ولا عن " فكل حرف أصلي غير زائد فلا بد له من متعلق بفعل أو بما كان بمعنى الفعل كاسم الفاعل واسم المفعول ، إذاً البسملة لا بد لها من متعلق فما هذا المتعلق ؟ أصح ما قيل في متعلق البسملة : أنه فعل متأخر مناسب للمقام ، فإذا كنت تريد أن تقرأ كان التقدير بسم الله أقرأ ، وإذا أردت أن تأكل كان التقدير بسم الله آكل ، وإذا أردت أن تذبح ذبيحة كان التقدير بسم الله أذبح ، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( فليذبح على اسم الله ). وإنما يقدر فعلاً لأن الأصل في العمل هو الفعل ولذلك يعمل في معموله بدون شرط ، وأما اسم الفاعل واسم المفعول واسم التفضيل والمصدر فلا يعمل إلا بشرط ، طيب إذاً نقدره فعلاً لأن هو الأصل في العامل ونقدره متأخراً فنقول : بسم الله أقرأ لسببين : السبب الأول : التبرك بالبداءة ببسم الله . والسبب الثاني : إفادة الحصر لأن تأخير العامل يفيد الحصر. فإن من طرق الحصر تقديم ما حقه التأخير ، طيب ، وقدرناه مناسباً للمقام لأنه أدل على المقصود مما لو قدرناه فعلاً عاماً كما قيل : إن التقدير بسم الله أبتدئ أو بسم الله أبدأ ، لأن بسم الله أبدأ أو أبتدئ لم تعين الفعل الذي ابتدأت به. فالحاصل أن نقدر يا أخ أنت أي نعم، نقدر المتعلق في البسملة ؟ الطالب : نعم . الشيخ : نقدر إيش؟ الطالب : بسم الله . الشيخ : أي نعم، إيش نقدر العامل ؟ يعني متعلق الجار والمجرور نقدره إيش؟ نعم ..... الطالب : نقدره فعلاً متأخراً مناسباً للمقام. الشيخ : نعم، نقدره فعلاً متأخراً مناسباً للمقام. نقدره فعلاً لماذا؟ بندر. الطالب : لأن الأصل في العامل فعلاً. الشيخ : لأن الأصل في العامل أن يكون فعلاً، طيب، ونقدره متأخراً. الطالب : لسببين الشيخ : لسببين؟ الطالب : ..... الشيخ : التبرك بالبداءة ببسم الله، الثاني: إفادة الحصر، كيف نقول إفادة الحصر ليش؟ الطالب : اذا تأخر المعمول عن العامل هذا يفيد الحصر... الشيخ : إذا تأخر، طيب، الثالث: نقدره بفعلاً مناسباً. الطالب : لأنه أدل على المقصود. الشيخ : لأنه أدل على المقصود، إذ أنك إذا قدرت بسم الله أقرأ كان أدل على المقصود من قولك: بسم الله أبتدئ ، لأن ابتدئ بأي شيء تبتدئ فهو أدل وأخص، طيب.
التعليق على تفسير الجلالين : (( ص )) الله أعلم بمراده به .
قال الله عز وجل: (( ص )) قال المؤلف : " الله أعلم بمراده به " وذلك لأن كلمة (( ص )) حرف هجائي لا يدل على معنى في اللغة العربية فذهب جماعة من العلماء إلى أن حال الحروف الهجائية التي ابتدئ بها بعض السور رموز إلى معاني وعينها كل إنسان بما يرى أنه مناسباً . وذهب آخرون إلى أنها أسماء من أسماء الله أو من أسماء الرسول . وذهب آخرون إلى ما ذهب إليه المؤلف بأنها مجهولة المعنى لا ندري ما معناها ولكن القول الراجح ما ذهب إليه إمام المفسرين في عهده مجاهد رحمه الله ، أن نقول : ليس لها معنى وذلك لأن الله تعالى يقول : (( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ )) واللسان العربي لا يثبت معنى لهذه الحروف الهجائية ، وعلى هذا فتكون هذه الحروف الهجائية ليس لها معنى يعني إيش معنى (( ص ، ن ، ق ، ألم )) ؟ وما أشبهها . فهي ليس لها معنى في اللغة العربية إذاً ليس لها معنى في القرآن لأن القرآن باللغة العربية ولكن يشكل على هذا القول مع رجحانه : أنه يقتضي أن يكون في القرآن كلمات لغو ليس منها فائدة ، والجواب عن هذا أن نقول : هي ليست لغواً في سياقها فإنه جاءت لمغزىً عظيم وذلك المغزى أن هذا القرآن العظيم الذي أعجز فصحاء اللغة وأمراء البيان لم يكن بحروف غير مألوفة عندهم حتى يقولوا : والله لا نحرف هذه الحروف بل كان بالحروف التي يتكون منها كلامهم ، قال الذين ذهبوا هذا المذهب : ودليل ذلك أنك لا تكاد ترى سورة مبدوءة بحرف هجائي إلا وجدت بعد هذا الحرف ذكر القرآن (( الم * ذلك الكتاب ))(( الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب ))(( المص * كتاب أنزل إليك ))(( الر * تلك آيات الكتاب الحكيم )) فكل سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية يأتي بعد الحرف الهجائي ذكر القرآن ، ما عدا قوله تعالى : (( الم * غلبت الروم في أدنى الأرض ))(( الم * أحسب الناس أن يتركوا )) ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال : أما قوله : (( الم * أحسب أن يتركوا أن يقولوا آمنا )) فلأنه ذكر صفة عظيمة من صفات من تمسك بالقرآن وهو الصبر على الأذى في ذات الله ، وأما الثانية : (( الم * غلبت الروم )) فقد ذكر شيئاً من خصائص الوحي وهو علم الغيب فإن كون الروم غلبت الآن وستغلب في بعض السنين من الأمر الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل وهو من خصائص الوحي ، وسواء كان هذا الجواب سديداً مقبولاً أم لم يكن فإن النادر لا حكم له . قال : (( ص )) إذاً نقول فيها : (( ص )) حرف هجائي ليس له معنى لكنه جيء به للإشارة إلى أن هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء العرب كان من هذه الحروف التي يتركب منها كلامهم .
قال : (( و القرآن ذي الذكر )) الواو هنا حرف قسم ولهذا جرت الكلمة التي بعدها (( القرآن ))(( و القرآنِ ذي الذكر )) و الواو حرف قسم لا تدخل إلا على الاسم الظاهر ولا يذكر معها فعل القسم يعني تختص الواو التي هي للقسم بأنها لا تدخل على اسم ظاهر و لا يذكر معها فعل القسم بخلاف الباء ، الباء تدخل ، باء القسم ، تدخل على الاسم الظاهر و على الضمير و يذكر معها فعل القسم و يحذف و تدخل على كل اسم قال الله تعالى : (( وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ )) فذكر معها فعل القسم و تقول : ربي به لأفعلن أو أقسم به لأفعلن ، فهنا دخلت على الضمير ، أما التاء فهي أخص أدوات القسم ما تدخل إلا على الله و لا يذكر معها فعل القسم و قيل : تدخل على الله و على رب ، قال ابن مالك : " و التاء لله و رب " . قال الله تعالى : (( و القرآن ذي الذكر )) وأكثر ما يقسم الله به الواو و ذلك لأنها هي الأكثر على الألسن فجاءت الأكثر في القرآن ، (( و القرآن ذي الذكر ))(( ذي )) بمعنى صاحب و هي مجرورة لكنها مجرورة بالحرف نيابة عن الكسرة .
التعليق على تفسير الجلالين : (( والقرءان ذي الذكر )) أي البيان أو الشرف ، وجواب هذا القسم محذوف أي ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة .
و قوله : (( ذي الذكر )) قال المؤلف : " أي البيان أو الشرف " يعني أن القرآن ذو ذكر أي ذو بيان للناس يذكرهم ويتذكرون به أو ذو شرف لشرفه وشرف من يعمل به ، قال الله تعالى : (( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )) فهو ذكر يذكر به ما ينفع الناس في معاشهم ومعادهم ، ذكر يتذكر به الناس ويتعظون به وهو أعظم موعظة ، ذكر أي شرف لمن تمسك به ، إذاً هو ذكر لكونه يذكر الناس ويعظهم ، ذكر لأنه يذكر فيه ما إيش ؟ ما يتعلق بمصالح الناس في معاشهم ومعادهم ، ذكر لأنه شرف لمن يتمسك به ، لقوله تعالى : (( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )) ، قال : " وجواب هذا القسم محذوف " لم قال المؤلف : وجواب هذا القسم ؟ لأنه ما من قسم إلا وله جواب إذ أن القسم أركانه ثلاثة بل أربعة : مقسم ، ومقسم به ، ومقسم عليه ، وصيغة ، كل قسم لا بد من فيه هذا وهي أربعة ..... الطالب : صيغة ، ومقسم ، ومقسم به ، ومقسم عليه . الشيخ : طيب إذاً لا بد فيه من أربعة أركان : مقسم ، ومقسم به ، ومقسم عليه ، وصيغة . المقسم عليه هو جواب القسم ، إذاً لا بد لكل قسم من جواب ، والجواب إن كان مذكوراً فهو معلوم وإن كان محذوفاً فيعينه السياق ، (( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ )) الجواب هنا مذكور ولا لا ؟ (( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ )) مذكور (( لئن أمرتهم ليخرجن ))(( قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ )) مذكور (( لتبعثن )) في هذه الآية قد وجد المقسَم به والصيغة (( والقرآن ذي الذكر )) والمقسِم هو الله بقي المقسم عليه وهو جواب القسم ، يقول المؤلف : " إنه محذوف وتقديره ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة " هذا التقدير فيكون جواب القسم جملة منفية ، ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة ولكن الأمر أن الإله واحد وهو الله ، وهذا التقدير الذي ذكره المؤلف لا يتعين يعني لو قال قائل : التقدير (( والقرآن ذي الذكر )) إن إلهكم لواحد ، لو قال قائل هكذا حصل به ما حصل من قول المؤلف ما الأمر كما قال كفار مكة ، وذهب بعض العلماء إلى أن مثل هذا القسم لا يحتاج إلى جواب لأن جوابه معلوم منه كقوله : (( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ))(( وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ )) ما في جواب فيكون المقسم به متضمناً للجواب ، كيف يكون متضمن الجواب في هذه الجملة القسمية ؟ (( والقرآن ذي الذكر )) يعني أنكم قد ذكرتم بهذا القرآن الذي من جملة ما ذكر به أن الله واحد وإلى هذا ذهب ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن إلى أن القسم أحياناً لا يحتاج إلى ذكر الجواب بل ولا يحتاج إلى تقديره لأنه يعلم من السياق المقسم به .
تفسير قول الله تعالى : (( بل الذين كفروا في عزة وشقاق )) .
قال الله تعالى : (( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ))(( بل )) هنا للإضراب ، الإضراب الإبطالي أو الانتقالي ؟ الطالب : الإبطالي . الشيخ : ما الفرق بينهم ؟ الإبطالي إبطال ما سبق ، كأنه مسحه وأتى ببدله ، والانتقالي إقرار ما سبق لكن انتقل من شيء إلى آخر وما قبل هذه الإضراب يكون باقياً غير باطل .
التعليق على تفسير الجلالين : (( بل الذين كفروا )) من أهل مكة (( فى عزة )) حمية وتكبر عن الإيمان (( وشقاق )) خلاف وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم .
قال : (( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا )) من أهل مكة ، وتقييد المؤلف للذين كفروا بأهل مكة فيه نظر والأولى الأخذ بالعموم وسلوك هذا الطريق أعني أن يخص القرآن ببعض أفراد العام ليس بسديد ولا جيد. وذلك لأنه نقص في التفسير إلا أن يقوم دليل على ذلك فإذا قام دليل على ذلك وجب الأخذ بالدليل ، أما إذا لم يقم دليل على ذلك فالواجب إيش ؟ الواجب الأخذ بالعموم لأنه أعم وأكثر معنى ، فالذين كفروا من أهل مكة وغيرها إلى يوم القيامة (( في عزة )) وليس عزة غلبة كالعزة التي في قوله تعالى : (( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )) لكنها عزة أنفة وكبرياء وعناد ولهذا قال : " حمية وتكبر عن الإيمان " وهذه عزة مذمومة لأنها عزة تمنع صاحبها من قبول الحق وأما العزة التي هي عزة النصر فهي تأييد لصاحبها وبينهما فرق كبير ، قال : (( في عزة وشقاق )) يعني مشاقة. فشقاق مصدر شاق كقتال مصدر قاتل والمعنى مشاقة ، مشاقة لمن ؟ مشاقة لله ولرسوله قال الله تعالى : (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ )) وهنا قال المؤلف : " خلاف عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم " وهذا أيضاً فيه نظر ، كيف ؟ لأنه خص الشقاق بمن ؟ بالنبي صلى الله عليه وسلم مع أن الكافرين يشاقون الله ورسوله فهم في أنفة وكبرياء وحمية ومشاقة لله ولرسوله ، يعني أنهم يجانبون ما أمر الله به ورسوله كأنما يكونون في شق وما جاء به الوحي في شق آخر ، (( بل الذين كفروا في عزة وشقاق )) ولربما يقول قائل : إنهم أيضاً في شقاق فيما بينهم ، ولا سيما اليهود فإن الله تعالى قال : (( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى )).
تفسير قول الله تعالى : (( كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص )) .
قال : (( كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ))(( كم )) أي كثيراً أهلكنا ، عندكم أي كثيراً بالنص ، أي كثيراً (( أهلكنا من قبلهم من قرن )) أي أمة من الأمم .
التعليق على تفسير الجلالين : (( كم )) أي كثيرا (( أهلكنا من قبلهم من قرن )) أي أمة من الأمم الماضية .
قوله : (( كم أهلكنا )) قدرها المؤلف بقوله : " كثيراً " وعلى هذا فتكون كم تكثيرية وهي منصوبة على أنها مفعول مقدم لـ(( أهلكنا )) و (( من قبلهم )) متعلق بـ(( أهلكنا )) و (( من قرن )) تمييز لـ(( كم )) لأن كم اسم مبهم تحتاج إلى تمييز أي إلى شيء يبينها و يميزها. فلو قليل : (( كم أهلكنا من قبلهم )) ما تبين الكلام و إيش أهلك ؟ فإذا قال : (( من قرن )) تبين الكلام و لهذا نقول : إن (( من قرن )) تمييز لإيش ؟ لـ (( كم )) مجرور بـ(( من ))(( كم أهلكنا من قبلهم ))(( من قبلهم )) أي من قبل الكفار الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : (( من قرن )) أي من أمة والمعنى أن الله أهلك كثيراً من الأمم قبل هؤلاء ومن أهلك كثيراً من الأمم قبل هؤلاء فإنه حري أن يهلك هؤلاء. لكن إهلاك الأمم السابقة كان بعذاب من الله وإهلاك المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم كان بأيدي المؤمنين. فالحروب والقتال الذي وقع بين الرسول صلى الله عليه وسلم كان عذاباً لهؤلاء المكذبين وكان على يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما قال الله تعالى : (( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) ولا شك أن عذاب الأعداء على يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا شك أنه أشفى من صدورهم مما لو كان العذاب من الله سبحانه وتعالى وهذا شيء مشاهد إذا كانت غلبة عدوك على يدك كان أشفى لصدرك وأحيا لنفسك وأقوى وأعز مما لو أهلكه الله بعذاب من عنده فلهذا كان هلاك المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم كان على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والله أعلم .
التعليق على تفسير الجلالين : (( فنادوا )) حين نزول العذاب بهم (( ولات حين مناص )) أي ليس الحين حين فرار ، والتاء زائدة ، والجملة حال من فاعل (( نادوا )) أي استغاثوا والحال أن لا مهرب ولا منجى ، وما اعتبر بهم كفار مكة .
تعود على الألفاظ باعتبار لفظها ويجوز أن تعود على الألفاظ باعتبار معناه ألم ترى إلى قوله تعالى : (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا )) ولم يقل : اقتتلا ، لو قال : اقتتلا لكان الضمير عائداً على اللفظ ولما قال : (( اقتتلوا )) صار عائداً على المعنى لأن الطائفة جماعة ، إذاً (( فنادوا )) أي القرن فأعاد الضمير عليها باعتبار المعنى. وقوله : (( فنادوا )) يقول المؤلف : " حين نزول العذاب بهم " ولكن نادوا من ؟ هل المعنى نادى بعضهم بعضاً يستغيث بعضهم ببعض، ولكن لا يمكن ؟ أو المعنى أنه نادوا الله أي دعوه أي يغيثهم ؟ أو المعنى أنه حصل منهم الأمران ؟ القاعدة عندنا في التفسير أنه متى كان اللفظ صالحاً لمعنيين فأكثر فإنه يحمل عليهما جميعاً وعلى هذا فيكون (( نادوا )) محذوف المفعول من أجل العموم أي أن بعضهم ينادي بعضاً يا فلان أغثني ، أغثني ، كذلك ينادون الله لأن الله يقول : (( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )) ولكن قال الله تعالى : (( ولات حين مناص ))(( لات )) هذه لا النافية زيدت عليها تاء التأنيث لتأنيث اللفظ كما زيدت تاء التأنيث في ربت وفي ثمت لتأنيث اللفظ تقول : رب رجل لقيته ، وتقول : ربت رجل لقيته ، وتقول : قام زيد ثم قام عمرو وتقول : قام زيد ثمت قام عمرو ، فإذاً هي لا النافية زيدت عليها إيش ؟ تاء التأنيث لماذا ؟ لتأنيث اللفظ ، هذه لا النافية تعمل عمل ليس واسمها محذوف في هذه الآية وخبرها (( حين مناص )) والتقدير أي ليس الحين حيناً فسرها المؤلف بالمعنى فعليه تقول : لا بمعنى ليس واسمها محذوف تقديره الحين ، وخبرها موجود وهو قوله : (( حين مناص )) والغالب أن خبر لا يكون زماناً هذا الغالب لا يأت إلا زماناً ، قال الشاعر : " ندم البغاة ولات ساعة مندم " يعني وليست الساعة ساعة مندم . طيب . وقوله : (( مناص )) المناص الفرار ، نعم الفرار والنجاة يعني ليس الحين حين فرار ونجاة لأنه بعد نزول العذاب لا ينفع نفساً إيمانها ، طيب قال المؤلف رحمه الله تعالى يقول : " ليس الحين حين فرار والتاء زائدة " ليش ؟ لتأنيث اللفظ والجملة حال من فاعل (( نادوا )) وعلى هذا فتكون في محل نصب لأن الجملة الحالية دائمة في محل نصب يعني نادوا في حال لا مناص لهم مما نزل به ولهذا قدرها المؤلف : " أي استغاثوا والحال ألا مهرب ولا منجا " هذا ما قدره المؤلف في جملة (( ولات حين مناص )) أي أنها حالية فتكون مقيدة بحال مناداتهم ولكن يجوز أن تكون استئنافية فنادوا ثم يخبر الله عز و جل أن هذا الوقت ليس وقت مفر ، والفرق بين قولنا استئنافية وغير استئنافية وحالية أنه إذا كانت حالية صارت قيداً للمناداة ، يعني نادوا في حال لا ينفعهم النداء . وإذا كانت استئنافية تكون منفصلة من حيث القيدية عما قبلها فيكون الله أخبر بأنهم نادوا ثم أخبر بأنهم في حال ليسوا متمكنين من الفرار ، قال المؤلف : " وما اعتبر بهم كفار مكة " وهذه هي الثمرة من ذكر أن الله أهلك قروناً كثيراً فيما سبق ومع هذا لم يعتبر بذلك أهل مكة بل كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وآذوه وقالوا : إنه مجنون وإنه ساحر وإنه كذاب وإنه شاعر وإنه كاهن وكل وصف ينفر الناس عنه وصفوه به صلى الله عليه وسلم ولم يعتبروا بما سبق بل زادوا على هذا .
تفسير قول الله تعالى : (( وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب )) .
(( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ))(( عجبوا )) العجب يكون له سببان : السبب الأول : الإنكار . والسبب الثاني : الاستحسان ، يعني يقال عجب من كذا أي استحسنه ، عجب من كذا يعني أنكره فهو شبيه بأفعال الأضداد لأن في اللغة العربية كلمات تدل على المعنى وضده تسمى عند علماء العربية الأضداد في اللغة ، طيب. العجب تارة يكون استحساناً وتارة يكون استنكاراً. فقول عائشة رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله " المراد بالإعجاب هنا الاستحسان ، وهنا (( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ )) هذا عجب استنكار ليس عجب رضا واستحسان بل هو عحب استنكار ورد، وهذا نظير قوله تعالى في سورة ق : (( بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ )) هنا نظيره قال : (( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ))(( أن )) هذه مصدرية على تقدير من أي عجبوا من أن جاءهم وقلنا : إنها مصدرية لأن ما بعدها يحول إلى مصدر أي عجبوا من مجيء المنذر منهم ، وقوله : (( منذر )) المنذر هو المخبر بالخبر للتخويف ولهذا نقول :إن الإنذار خبر مقرون بتخويف والنبي صلى الله عليه وسلم كان منذراً ومبشراً ، ولكن الكفار يليق بحالهم إيش ؟ الإنذار (( لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ )) والتبشير يكون لمن ؟ للمؤمنين . و هنا قال : (( عجبوا أن جاءهم منذر منهم )) لأن هذا هو اللائق بحالهم . وقوله : (( منهم )) نسباً وجنساً فهو منهم جنساً لأنهم بشر ولم ينزل الله تعالى رسولاً على البشر من الملائكة نسباً لأنه من قريش فهو منهم جنساً ونسباً ومع ذلك عجبوا .
التعليق على تفسير الجلالين : (( وعجبوا أن جآءهم منذر منهم )) رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوفهم النار بعد البعث وهو النبي صلى الله عليه وسلم (( وقال الكافرون )) فيه وضع الظاهر موضع المضمر (( هذا ساحر كذاب )).
قال المؤلف : " رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوفهم النار بعد البعث " أي بعد أن يبعثوا وهو النبي صلى الله عليه وسلم. عجبوا عجب استنكار ورفض ورد مع أنهم كانوا يصفون الرسول صلى الله عليه وسلم في الأول بالصادق الأمين ولما جاءهم بالرسالة صار كاذباً خاطئاً والعياذ بالله ، طيب إذاً معاداتهم لهم ليس لشخصه ولكن إيش ؟ لما جاء به ، (( وقال الكافرون )) فيه وضع الظاهر موضع المضمر ، وكيف يكون الكلام لو أتي بالمضمر ؟ وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقالوا هذا ساحر كذاب ، لكن قال : (( وقال الكافرون )) والفائدة من الإظهار في موضع الإضمار: أولاً : تنبيه المخاطب لأن الكلام إذا تغير نسقه أوجب للسامع أن إيش ؟ أن ينتبه، ينتبه بخلاف ما إذا كان على نسق واحد فقد يأتيه النوم لكن إذا اختلف انتبه . ثانياً : التسجيل على هؤلاء بالكفر لأنه لو قال : وقالوا هذا ساحر كذاب لم نعرف حكمهم فإذا قال : وقال الكافرون عرفنا أنهم إيش ؟ أنهم كافرون . الثالث : أن الحامل لهم على هذا هو الكفر فلا يبعد أن يأتي من غيرهم مثل ما أتى منهم لأنه إذا كانت العلة واحدة فمتى وجدت هذه العلة حصل المعلول من أي شخص كان . فهذه فوائد الإظهار في موضع الإضمار ، يقولها لنا عيسى . الطالب : ..... الشيخ : أي نعم . الطالب : ..... الشيخ : نعم ، الثالث . الطالب : ..... الشيخ : كيف ؟ الطالب : ..... الشيخ : هذا أن يقال لفظاً ، نعم . الطالب : ..... الشيخ : يعني تعليل هذا القول بأن الحامل عليه هو الكفر فيكون هذا متعدياً لغيره ، يعني كل كافر يقول هذا الكلام ، طيب. (( وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ))(( هذا ساحر كذاب )) يشيرون إلى من ؟ إلى المنذر منهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ، (( ساحر كذاب )) جمعوا بين أمرين وصفين ذميمين ، (( ساحر )) لأنه يسبي عقول الناس ، (( كذاب )) لأن ما جاء به كذب غير مطابقاً للواقع فصار الرسول عليه الصلاة والسلام الذي هو أصدق الخلق صار عندهم كذاباً ولم يقولوا : كاذباً لأن كذاباً تكون صفة للمتصف بها كما تقول : نجار وحداد وما أشبه ذلك مما يكون صفة لازمة ، فهم قالوا : إنه ساحر لقوة تأثيره على سامعه فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الناس قراءته تأثروا بها تأثراً عظيماً، وكانت النساء والصبيان يجتمعون إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يسمعون قراءته ، وكانوا يتأثرون بهذه القراءة ، فكان كفار قريش يقولون : إن محمداً سحر أبناءنا ونساءنا وأنه ساحر لقوة تأثيره فيهم ، (( كذاب )) يعني أن ما جاء به فهو كذب لا حقيقة له ، طيب ، من الكاذب ؟ الكاذب هو المخبر بخلاف الواقع ، كل من أخبرك بخلاف الواقع فقد كذبك .
تفسير قول الله تعالى : (( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب )) .
قال : (( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا )) هذا مصب الإنكار (( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا )) هذا الاستفهام يحمل معنيين : المعنى الأول : التعجب الاستنكاري . والثاني : الإنكار البليغ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جعل الآلهة إلهاً واحداً ، هنا قال : (( جَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا )) نصبت مفعولين : الأول : (( الآلهة )) والثاني : (( إلهاً واحداً )) يعني أصير محمد الآلهة إلهاً واحداً ، وهم يعبدون آلهة متعددة : اللات والعزة ومناة وهبل وغيرها من الأصنام، كيف يأتي محمد ويقول : ليس فيه آلهة إلا الله ؟ هذا عندهم من أكبر الكذب .
التعليق على تفسير الجلالين : (( أجعل الألهة إلها واحدا )) حيث قال لهم قولوا ( لا إله إلا الله ) أي كيف يسع الخلق كلهم إله واحد (( إن هذا لشىء عجاب )) أي عجيب .
طيب يقول : (( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا )) من حيث قال لهم : قولوا لا إله إلا اله ، أي كيف يسع الخلق كلهم إلهاً واحداً . وهذا من جهلهم وغباواتهم أي ينكروا كون الآلهة إلهاً واحداً . فنقول لهم : من الخالق ؟ وكم ؟ يقولون : الخالق هو الله ، كم هذه ..... واحد . إذا كان الخالق هو الله وهو واحد كما تؤمنون به فإنه لا غرابة أن يكون الإله هو الله وهو واحد . ومن وسع الخلق خلقاً وسعهم تعبداً فإذا كانت الآلهة لم تخلق شيئاً بإقراركم فكيف تستحق أن تكون إلهاً ؟ وإذا كان يمكن حصار الخلق في واحد فإنه يمكن أن تنحصر العبادة في واحد، طيب، و لهذا قال : (( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ))(( إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ))(( إن هذا )) المشار إليه جعله الآلهة إلهاً واحداً ، يعني إن جعله الآلهة إلهاً واحداً (( لشيء عجاب ))(( عجاب )) أي عجيب لكن كلمة (( عجاب )) أبلغ من كلمة عجيب...