تتمة تفسير قوله تعالى : (( هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب )) .
الآيات تشمل الكونية والشرعية، البرق آية كونية: (( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا )).
(( وينزل لكم من السماء رزقا )) التنزيل يكون من أعلى وهنا قال: (( من السماء )) وهو العلو، وليس المراد بالسماء هنا السماء المحفوظة السقف المرفوع، بل المراد به العلو لقوله تعالى: (( والسحاب المسخر بين السماء والأرض )) فالمطر ليس ينزل من السماء السقف المحفوظ، وإنما ينزل من العلو من السحاب المسخر بين السماء والأرض وهذا أمر مشاهد، وقوله: (( رزقا )) أي ماء يكون به الرزق، فالذي ينزل ماء يكون به الرزق، فهو نفسه رزق: (( أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون )) وبه يكون الرزق (( فأخرجنا به من كل الثمرات )) والثمرات أرزاق والماء رزق يشرب، فهو رزق بكل حال، وفي تقديم الآيات على إنزال الرزق من السماء دليل على أن النعمة الدينية أهم وأكبر من النعمة الدنيوية نعم (( وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب )).
1 - تتمة تفسير قوله تعالى : (( هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالبين : (( هو الذي يريكم ءاياته )) دلائل توحيده (( وينزل لكم من السماء رزقا )) بالمطر (( وما يتذكر )) يتعظ (( إلا من ينيب )) يرجع عن الشرك .
" (( وما يتذكر )) يتعظ (( إلا من ينيب )) يرجع عن الشرك " وقوله: (( إلا من ينيب )) قال: " يرجع عن الشرك " وهذا لا شك أنه صحيح لكنه قاصر، فالصواب: (( من ينيب )) من يرجع إلى الله عز وجل من الشرك وغيره من المعاصي والفسوق فهو أعم مما قاله المؤلف.
2 - التعليق على تفسير الجلالبين : (( هو الذي يريكم ءاياته )) دلائل توحيده (( وينزل لكم من السماء رزقا )) بالمطر (( وما يتذكر )) يتعظ (( إلا من ينيب )) يرجع عن الشرك . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما يرينا الله تعالى من آياته حجة ملزمة لئلا يقول قائل: نحن لم يأتنا آيات حتى نتعظ بها .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن المخلوقات والمشروعات كلها تدل على الخالق المشرع سبحانه وتعالى .
ومن فوائد الآية الكريمة: منة الله عز وجل بإنزال المطر من السماء وأنه رزق لنا .
ومن فوائدها الحكمة في أن المطر ينزل من السماء، والله عز وجل قادر على أن يجعل للأرض أنهارا تسير على سطح الأرض وتسقي ما شاء الله أن تسقيه، لكن المطر أنفع وأفضل، لأن المطر إذا نزل من أعلى شمل قمم الجبال فيشمل السهل والوعر والنازل والعالي، وهذه من الحكمة أن يكون المطر ينزل من فوق حتى يشمل الأرض كلها .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما تتغذى به الروح أهم مما يتغذى به البدن، لأنه قدم قراءة الآيات على الرزق الذي ينزل من السماء، وهذا يدل على أنه أهم وهو كذلك، هذا هو الواقع، وذلك لأن فقد الغذاء البدني لا يكون فيه إلا شيء لابد منه وهو الموت الذي لا بد منه، حتى لو كان الإنسان في أنعم ما يكون من نعيم البدن وأترف ما يكون فلابد أن يموت، لكن غذاء الروح هو الذي يحتاج إلى معاناة ومعالجة وبفقده يكون الهلاك في الدنيا والآخرة: (( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة )) (( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه )) (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) إذن خسارة البدن دون خسارة الروح بكثير، خسارة الدنيا دون خسارة الدين بكثير، ولهذا قدم الله نعمته بقراءة الآيات على نعمته بإنزال المطر.
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الآيات والرزق والعطاء لا ينتفع به إلا من أناب إلى الله، أما من لم ينب إلى الله فإن الله يقول: (( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما كان الإنسان أكثر إنابة إلى الله كان أقوى إيمانا بالآيات، لأن الحكم المعلق على وصف يقوى بقوته ويضعف بضعفه، فإذا كان التذكر لمن ينيب فكلما كان الإنسان أقوى إنابة كان أقوى تذكرا .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن من لم يكن عنده إنابة فإنه يحرم من الانتفاع بالآيات لأن الله قال: (( ما يتذكر إلا من ينيب )).
ومن فوائدها أن الإنابة إلى الله سبب لكثرة الرزق ويدل لذلك قوله تعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) والله أعلم .
3 - فوائد قوله تعالى : (( هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب )) . أستمع حفظ
لو قال قائل بأن قوله تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) المراد به الكفر فكيف نجيب عليه .؟
الشيخ : نعم نجيب بأنه غلط، كيف يراد به شيء واحد ويكرره الله بألفاظ متعددة، والأصل أن اختلاف اللفظ يدل على اختلاف المعنى، لكن بعض العلماء قال: إن وصف الحاكم بالكفر لا يمنع من وصفه بالفسق لأن الله تعالى وصف الكفار بالفسق فقال تعالى: (( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )) ووصف الكافرين بالظلم فقال: (( والكافرون هم الظالمون )) فجعل هذه الأوصاف الثلاثة جعلها لموصوف واحد، ولا مانع من أن يوصف الإنسان بعدة أوصاف، فالكافر لا شك أنه ظالم، ولا شك أنه فاسق خارج عن الطاعة، بل فسقه فسق مطلق، وفسق المؤمن العاصي فسق مقيد، ولكننا إذا جعلنا اختلاف هذه الألفاظ منزلا على أحوال كان أبلغ، لأننا نقول الكفر متضمن للظلم والفسق، فدلالته عليه بالالتزام فيكون مجرد وصفنا إياه بالكفر هو وصف له بالظلم والفسق، ثم نستفيد فائدة جديد بالحكم بغير ما أنزل الله حيث يكون ظلما محضا لا كفرا أو فسقا لا كفرا، ...
لا، أنا أقول إن كوننا نجعل الاختلاف في اللفظ اختلافا في المعنى أحسن لأن هذا هو الأصل، وقد قال العلماء في هذه المسألة: حمل الكلام على التأسيس أولى من حمله على التوكيد، نعم .
4 - لو قال قائل بأن قوله تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) المراد به الكفر فكيف نجيب عليه .؟ أستمع حفظ
هل القول بأن ما ينزل من السماء أعيان وأوصاف صحيح .؟
الشيخ : لا ما قلنا هكذا، يقول إننا قلنا: أن ما ينزل من السماء فهو أعيان وأوصاف، لا أبدا ما قلنا هذا، هل نحن قلنا: ما ينزل من السماء، أو ما يضاف إلى الله مما أنزل ؟ أي فرق بينه وهذا، فرق، لأنه على كلامك يقتضي أن الغنم تنزل من السماء، والبقر تنزل من السماء، قلنا: ما يضاف إلى الله إنزاله إما أن يكون أعيانا وإما أن يكون أوصافا، فإن كان أوصافا فهو وصف لله، وإن كان أعيانا فهو أعيان قائمة بنفسها، نعم، ...
ما هي أوصاف، الصحيح أن الروح جسم، لكنه جسم ليس كالأجسام المعروفة الكثيفة، نحن قلنا: أن ما أنزله الله تعالى ينقسم إلى قسمين، والله تعالى لم يذكر أنه أنزل الروح، نعم .
ما معنى قول بعض المفسرين في قوله تعالى : (( ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا )) : فيه متروك استغني عنه بدلالة الظاهر عليه ومجازه ألا سبيل إلى ذلك .؟
الشيخ : هذا قصده لما قالوا: (( فهل إلى خروج من سبيل )) كأنه قال: لا سبيل إلى الخروج لأنكم قدمتم لأنفسكم ما لا يمكن معه الخروج، وهو أنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا .
6 - ما معنى قول بعض المفسرين في قوله تعالى : (( ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا )) : فيه متروك استغني عنه بدلالة الظاهر عليه ومجازه ألا سبيل إلى ذلك .؟ أستمع حفظ
هل من يضع القوانين الوضعية يشترط لتكفيره الاستحلال .؟
الشيخ : ... هو على كل حال الذي يضع القانون بدلا عن القانون السماوي هل استحله أو لا ؟ ...
بل رآه أفضل، فيكون كافرا، مع أن من استحل الحكم بغير ما أنزل الله وإن لم يحكم به فهو كافر، من قال: إنه يحل أن نحكم بغير ما أنزل الله فهو كافر وإن لم يحكم.
وهذه مشكلة كثيرا ما يلجأ بعض الناس إلى الاستحلال أو إلى الجحود، مثلا يقول: من ترك الصلاة جاحدا فقد كفر، هذا تحريف للكلم عن مواضعه، وهذه مسألة أخبركم بأنه يلجأ إليها المتعصب لقوله، فيحاول أن يلوي أعناق النصوص إلى ما يقول، فمثلا: ( من ترك الصلاة فقد كفر ) الذين قالوا لا يكفر ماذا عملوا ؟ قالوا من تركها جاحدا لوجوبها فقد كفر، نحن نقول: سبحان الله أنتم إذا فعلتم ذلك جنيتم مرتين على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، المرة الأولى حملكم الكلام على غير ظاهره، والمرة الثانية إثبات أمر لم يقله الرسول عليه الصلاة والسلام، الرسول قال: ( من تركها ) ولم يقل من جحدها هل في لسانه عي أن يقول من جحدها، ثم نقول لكم: الجحد كفر وإن صلى، والرسول يقول: ( من ترك الصلاة ) لو أن الإنسان قال: إن الصلاة ليست بواجبة، ولكنه أو من يواظب عليها وهو أول من يأتي للمسجد وآخر من يخرج يكفر، كيف تلغون وصف الترك وتأتون بوصف جديد تعلقون به الحكم، وهذه مشكلة.
ولما قيل للإمام أحمد في قوله تعالى: (( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزائه جهنم خالدا فيه وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )) قالوا له: إن فلانا يقول هذا فيمن استحل قتل المؤمن، ضحك الإمام أحمد قال: " سبحان الله من استحل قتل المؤمن فهو كافر قتله أو لم يقتله " وهذا تحريف لا شك أنه مضحك، كذلك أيضا من استحل الحكم بغير ما أنزل الله فهو كافر سواء حكم أم لم يحكم، والآية علقت الحكم بالحكم (( ومن لم يحكم بما أنزل الله )) أعرفت الآن، وهذه مسألة احذروها، احذورا تحريف الكلم عن مواضعه من أجل اعتقاد تعتقدونه، واجعلوا اعتقادكم وحكمكم على الشيء تابعا للنصوص لا تجعلوا النصوص تابعة، إذا جعلت النص تابعا لما تعتقد فإن هذا هو إتباع الهوى تماما، اجعل نفسك بين يدي النصوص كالميت بين يدي الغاسل، تقلبك النصوص ولا تقلبها، هذا هو المؤمن، لكن نعم قد يكون أحيانا النصوص بعضها يقيد بعضا أو يخصص بعضا، أو الفقه بالشريعة يقتضي تقييد المطلق أو تخصيص العام وما أشبه ذلك، وهذا لا يخرج بنا عن إتباع النصوص، نعم .
قراءة الطالب للآيات الكريمات .
التعليق على تفسير الجلالبين : (( فادعوا الله )) اعبدوه (( مخلصين له الدين )) من الشرك (( ولو كره الكافرون )) إخلاصكم منه .
وقوله: (( له الدين )) المراد بالدين العمل سواء كان عبادة أم دعاء، والدين يطلق على العمل ويطلق على جزاء العمل، فقوله تعالى: (( لكم دينكم ولي دين )) هذا من باب إطلاق الدين على العمل، وقوله تعالى : (( مالك يوم الدين )) هذا من باب إطلاق الدين على الجزاء، ويقال: " كما تدين تدان " أي كما تعمل تجازى، فالدين هنا بمعنى العمل.
" (( مخلصين له الدين )) من الشرك " كما قال المؤلف رحمه الله تعالى، أن ندعو الله تعالى مخلصين له الدعاء، وأن نعبده مخلصين له العبادة من الشرك، فلا نشرك به غيره لا في دعائنا ولا في عبادتنا.
" (( ولو كره الكافرون )) إخلاصكم " يعني: ادعوا الله مخلصين على كل حال سواء رضي الكافرون أم سخطوا، ومن المعلوم أنهم سوف يسخطون، لكن لا يهم أن يسخطوا علينا إذا أخلصنا الدين لله، وقول المؤلف: " ولو كره الكافرون إخلاصكم " ينبغي أن يقال: ولو كرهوا عملكم المخلص، لأن الإخلاص نية القلب، والكافر إنما يكره ما يظهر من عمل الإنسان، فالمعنى: ولو كره الكافرون عملكم الذي تخلصون فيه لله على رغم أنوفهم.
9 - التعليق على تفسير الجلالبين : (( فادعوا الله )) اعبدوه (( مخلصين له الدين )) من الشرك (( ولو كره الكافرون )) إخلاصكم منه . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالبين : (( رفيع الدرجات )) أي الله عظيم الصفات ، أو رافع درجات المؤمنين في الجنة (( ذو العرش )) خالقه (( يلقي الروح )) الوحي (( من أمره )) أي قوله (( على من يشاء من عباده لينذر )) يخوف الملقى عليه الناس (( يوم التلاق )) بحذف الياء وإثباتها يوم القيامة لتلاقي أهل السماء والأرض ، والعابد والمعبود ، والظالم والمظلوم فيه .
وقول المؤلف: " خالقه " فيه أيضا إشارة إلى إنكار الاستواء، لأن معنى ذو العرش أي صاحبه المستوي عليه، هذا هو المعنى، ولهذا لا يقال: ذو الأرض ولا ذو السماء ولا ذو الجبال ولا ذو السحاب مع أنه خالقها، فتفسيره ذو العرش بخالقه لا شك أنه تحريف للكلم عن مواضعه فرارا من إثبات الاستواء على العرش، وتفسير الآية المتعين أن نقول: إنه رفيع الدرجات أي هو نفسه عز وجل مرتفع، بل رفيع الدرجات أتى بالصفة المشبهة الدالة على الثبوت والدوام، والدرجات من الدرجات المعروفة أي ما كان بعضه فوق بعض حتى يصل إلى الغاية، وأما ذو العرش فمعناه صاحب العرش المختص بالاستواء عليه، هذا هو المتعين من الآية.
" (( يلقي الروح )) الوحي (( من أمره )) أي من قوله (( على من يشاء من عباده )) إلى آخره " (( يلقي الروح )) الروح الوحي لقوله تعالى: (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا )) وسمى الله تعالى الوحي روحا لأن به حياة القلوب، وقوله: " (( من أمره )) أي قوله " وهذا جيد، هذا التفسير، يعني أن الوحي من قول الله عز وجل يقول فيسمع جبريل ثم ينزل به إلى من شاء الله سبحانه وتعالى، وقوله: (( على من يشاء من عباده )) ولم يبين من هؤلاء، ولكننا نعلم أنهم الأنبياء لأنهم هم الذين يلقى إليهم الوحي سواء كانوا رسلا أم غير رسل، ثم إن قوله: (( على من يشاء )) إطلاق المشيئة في كل موضع جاءت في القرآن مقيد بالحكمة، كلما رأيت الله يقول يشاء فإنه مشيئة مقرونة بالحكمة لقوله تعالى : (( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) ولقوله تعالى : (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما )) ومن هؤلاء الذين يشاء الله تعالى أن يلقي عليهم الروح ؟ بينهم الله في قوله : (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )) وقوله: (( من عباده )) المراد بالعباد هنا العبودية الخاصة، وهم الذين آمنوا بالله عز وجل بل ما هو أخص وهم الرسل.
(( لينذر يوم التلاق )) قال: " (( لينذر )) يخوف " واللام هنا للتعليل، والإنذار هو الإعلام المقرون بالتخويف ولهذا قال المؤلف: " ليخوف " تفسيرا بلازمه وإلا فإن الإنذار إعلام مقرون بتخويف، وقوله: " الملقى عليه الناس " أفادنا المفسر رحمه الله أن فاعل ينذر هو الملقى عليه وهو الرسول، ولا شك أنه هو المنذر مباشرة، ويحتمل أن الفاعل يعود على فاعل يلقي الروح وهو الله عز وجل، أي لينذر الله، والحكمة من عدم ذكر الفاعل والله أعلم ليصلح الفعل للأمرين، أي ليكون صالحا لأن يعود الإنذار إلى الله وأن يعود إلى الرسول، فإن عاد إلى الله فلأنه الأصل، وإن عاد إلى الرسول فلأنه المبلغ المباشر للإنذار.
وقوله: " الناس " هذا تقدير للمفعول الأول الذي هو مفعول ينذر، لأن ينذر تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، المفعول الأول يكون محذوفا أو المفعول الثاني يكون محذوفا قال الله تعالى : (( وأنذرهم يوم الآزفة )) هذا موجود فيه المفعولين جميعا (( وأنذر الناس يوم يأتيهم )) كذلك المفعولان جميعا، وقد يحذف أحدهما إما الأول وإما الثاني لدلالة السياق عليه.
" (( لينذر يوم التلاق )) بحذف الياء وإثباتها " أي أن فيها قراءتين التلاقي بالياء، والتلاق بحذف الياء، أما إثبات الياء فلأنه الأصل، وأما حذف الياء فللتخفيف، مثل قوله تعالى: (( الكبير المتعال )) أصلها المتعالي لكن حذفت الياء للتخفيف، فهنا التلاق أصلها التلاقي وحذفت الياء للتخفيف، ويوم التلاق هو يوم القيامة وعلل المفسر ذلك بقوله: " لتلاقي أهل السماء والأرض، والعابد والمعبود، والظالم والمظلوم فيه " أي في ذلك اليوم، ولو قلنا بمعنى أعم: لتلاقي الخلائق في ذلك اليوم، لأن كل شيء يلاقيه الآخر حتى الوحوش (( وإذا الوحوش حشرت )) فسمي يوم التلاقي لتلاقي الخلق فيه، يحشر الله عز وجل الخلائق كلها في ذلك اليوم فيتلاقون.
10 - التعليق على تفسير الجلالبين : (( رفيع الدرجات )) أي الله عظيم الصفات ، أو رافع درجات المؤمنين في الجنة (( ذو العرش )) خالقه (( يلقي الروح )) الوحي (( من أمره )) أي قوله (( على من يشاء من عباده لينذر )) يخوف الملقى عليه الناس (( يوم التلاق )) بحذف الياء وإثباتها يوم القيامة لتلاقي أهل السماء والأرض ، والعابد والمعبود ، والظالم والمظلوم فيه . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون )) .
ومن فوائدها أيضا: وجوب إخلاص العبادة لله لأننا فسرنا الدعاء بدعاء المسألة ودعاء العبادة، وجوب إخلاص العبادة لله، فمن تعبد لغير الله استقلالا فقد صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فيكون بذلك مشركا شركا أكبر، يعني من صلى لشخص فإنه يكون مشركا شركا أكبر، أو ذبح لشخص تقربا إليه وتعظيما له فإنه يكون مشركا شركا أكبر مخرجا عن الملة، وأما إذا فعل العبادة لله لكن رائى فيها أو سمع فهذا لا يكون مشركا شركا أكبر ولكنه مشرك شركا أصغر، وعبادته مردودة عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
ثم اعلم أن الرياء إذا طرأ على القلب فإن كان قبل الدخول في العبادة أبطلها من أصلها، لأنه دخل فيها على شرك، وإن كان في أثناء العبادة فإن كان آخرها ينبني على أولها بطلت، وإن كان لا ينبني على أولها بحيث يصح أن نميز الأول عن الثاني فإنه لا يصح ما فيه الرياء ويصح ما سبق الرياء، مثال الأول: إذا دخله الرياء في أثناء الصلاة في الركعة الثانية، فإن الصلاة تبطل كلها، لأنه إذا بطلت الركعة الثانية لزم بطلان الركعة الأولى، لأن الصلاة لا تتبعض، ومثال الثاني: رجل أعد مائة صاع للصدقة بها فتصدق بخمسين صاعا صدقة خالصة ثم دخله الرياء في الأصواع الباقية، فهنا تبطل الأصواع الباقية أما الأولى فتصح، وذلك لأن هذه العبادة أعني الصدقة تتبعض ولا ينبني آخرها على أولها، حتى لو فرض أنها مما عينه الشرع كإطعام ستين مسكينا مثلا في الكفارة، فأطعم ثلاثين مسكينا بإخلاص ثم بعد ذلك دخله الرياء فإن ما سبق الثلاثين الأخيرة يكون مجزيا، هذا إذا استرسل مع الرياء وأما إذا طرأ عليه الرياء فدافع وما زال جاهدا في مدافعته فإنه لا يضره شيئا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) وهذا لم يعمل ولم يتكلم، بل ربما أنه لم يحدث نفسه لكن هاجمه الرياء.
فصار الآن من فعل العبادة لغير الله يعني تعبد لغير الله فحكمه شرك أكبر، ومن فعل العبادة لله لكن دخلها الرياء: إن كان آخرها ينبني على أولها بمعنى أنها لا تتبعض ...،
طيب قيدنا هذا التفصيل إذا استرسل مع الرياء واستمر المرائي، طيب فإن دافعه فلا شيء عليه ولا يضره ذلك.
من فوائد هذه الآية الكريمة : مراغمة الكفار في الإخلاص لله وفي العمل لقوله: (( ولو كره الكافرون )) وينبني على ذلك أنه يجب على الإنسان أن يقوم بالواجب ولو كره ذلك غيره، ولا يحابي أحدا في هذا، فمثلا إذا كره أبو الشاب أن يصلي ابنه مع الجماعة ـ كما يوجد الآن ـ فهل يداهن أباه في ذلك ؟ لا، يصلي مع الجماعة ولو رغم أنف أبيه، ولو كره ذلك،
ولو وصل الشاب رحمه كعمه وخاله وما أشبه ذلك، وكان بينه وبين أبيه عداوة شخصية فكان يكره لابنه أن يصل أقاربه الذين يكرههم أبوه، فهل يواصلهم ولو كره أو لا ؟ نعم يواصلهم ولو كره، لكن في هذه الحال يداري أباه، بمعنى أنه يكتم عنه أنه وصلهم لتحصل المصلحة بدون مفسدة، وهناك فرق بين المداراة والمداهنة، المداراة أن يفعل الإنسان ما يلزمه مع التكتم عن الشخص الآخر الذي يكره، ولهذا سميت مداراة من الدرء وهو الدفع، وأما المداهنة فأن يوافقه في ترك ما يجب مداهنة له، مأخوذة من الدهن لأنه يلين، فعلى كل حال نقول يتفرع على هذه الفائدة أن الإنسان يفعل ما يلزمه ولو كره ذلك غيره ولو كان الكاره أقرب أهله إليه.
فوائد قوله تعالى : (( رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق )) .
وهذا مر علينا كثيرا وبينا أن الأدلة الخمسة كلها تدل على علو الله الكتاب والسنة والإجماع السلف والعقل والفطرة طيب.
ومن فوائد الآية الكريمة :فضل العرش لقوله: (( ذو العرش )) فإن اختصاص العرش بالله عز وجل لا شك أنه فضل عظيم .
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العرش لقوله: (( ذو العرش )).
ومن فوائدها : إثبات عظمة الله لأن العرش يختص بالملك والسلطان، فلا يقال للرجل الجالس على الكرسي أنه على عرش، لكن يقال للملك والسلطان الجالس على الكرسي الفخم العظيم يقال له صاحب عرش.
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات منة الله سبحانه وتعالى على من يشاء بالوحي لقوله : (( يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده )) .
ومن فوائدها: أن الوحي روح تحيا به القلوب لقوله: (( يلقي الروح من أمره )).
ومن فوائدها: إثبات القول لقوله: (( من أمره )) والله سبحانه وتعالى يقول ويتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء، لا نحجر على ربنا سبحانه وتعالى في الكلام لا وقتا ولا كيفية، بل له أن يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء.
ومن فوائد الآية الكريمة : إثبات المشيئة لقوله: (( على من يشاء )).
ومن فوائدها :أن مرتبة النبوة لا تنال بالكسب والفتوة كما قال السفاريني في العقيدة، وإنما هي فضل من الله سبحانه وتعالى على من يشاء من عباده.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن العلماء لهم حظ ونصيب من الروح التي يلقيها لله تعالى على الرسل لأنهم ورثة الأنبياء، فلهم حظ ونصيب من هذه الروح التي يلقيها الله على من يشاء، لكن لهم حظ من هذه الهداية هداية الدلالة والبيان، ثم قد يكون لهم حظ من هداية التوفيق وقد لا يكون، لأن العالم قد يعمل بعلمه فيكون له حظ من الهدايتين هداية الإرشاد وهداية التوفيق، وقد لا يعمل بعلمه فيكون له حظ من هداية العلم والإرشاد لكنها صارت وبالا عليه حيث خالف مع العلم بالحق، وهذا أشد ممن خالف بدون علم بالحق.
ومن فوائد الآية الكريمة : أن الوحي الذي ينزله الله عز وجل على من ينزله من عباده الحكمة منه إنذار الناس يوم القيامة (( لينذر يوم التلاق )).
ومن فوائد الآية الكريمة : إثبات الحكمة لله وأن أفعاله مقرونة بالحكمة.