كيف الجمع بين قوله تعالى : (( في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة )) وقوله : (( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )) .؟
الشيخ : (( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) وقال : (( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة )) لكن يوم القيامة لم يرد فيه إلا خمسين ألف سنة: (( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )) وفي الحديث الصحيح في قصة مانع الزكاة: ( في يوم مقداره خمسين ألف سنة ) وعلى هذا فاليوم الذي عند ربنا كألف سنة ما ندري ما هذا اليوم، هو يوم مجهول لنا، أما: (( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم مقداره ألف سنة )) فهذا لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة سنة، فإذا كان ما بينهما خمسمائة سنة فإن صعود الأمر إلى الله ثم رجوعه يكون ألف سنة، فالأيام ثلاثة يوم مقداره خمسون ألف سنة وهذا يوم القيامة، ويوم عند الله لا نعلم ما هو مقداره ألف سنة، ويوم مقداره ألف سنة في تدبير الأمر من السماء إلى الأرض ثم عروجه إلى الله عز وجل .
1 - كيف الجمع بين قوله تعالى : (( في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة )) وقوله : (( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )) .؟ أستمع حفظ
في قوله تعالى : (( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) ما هو حال هذا الشفيع .؟
الشيخ : لا، تمثل لهم أصنامهم حتى الذي يعبدون عيسى يمثل لهم عيسى عليه الصلاة والسلام.
الطالب: ...
الشيخ : هو لا يعارضه لأن يوم القيامة كما تعرف خمسون ألف سنة، ...
يفرغ منهم في نصف يوم، الساعة تطلق على الزمن القليل والكثير إلا إذا فصلت مثل من جاء في الساعة الأولى من يوم الجمعة من جاء في الثانية من جاء في الثالثة.
ما المراد بقول المفسر في قوله تعالى : (( إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين )) عوملت بالجمع بالياء والنون معاملة أصحابها .؟
الشيخ : (( كاظمين )) ما قال: إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة، لأنه لو جرى الوصف للقلوب لقال: إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة (( قلوب يومئذ واجفة )) وأنا ذكرت لكم أنه لا يجمع جمع المذكر السالم بالواو والنون إلا العاقل .
3 - ما المراد بقول المفسر في قوله تعالى : (( إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين )) عوملت بالجمع بالياء والنون معاملة أصحابها .؟ أستمع حفظ
ما صحة قول البعض : كل آت قريب .؟
الشيخ : ما سمعنا بهذا إلا صباح هذا اليوم، الذي نسمع والذي يريده الناس إذا قال: " كل آت قريب " أن المستقبل قريب، ... حتى واحد يوعدك يقول: إن شاء الله أمر عليك بعد ستة أشهر قال: بعيد قال: كل آت قريب، هذا الذي يستعمله الناس .
قراءة الطالب لللآيات الكريمات .
مناقشة تفسير قوله تعالى : (( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) .
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى : (( وأنذرهم يوم الآزفة )) ما معنى أنذرهم ؟
الطالب: الإنذار هو التخويف،
الشيخ : نعم التخويف، وإن شئت فقل الإعلام بتخويف، أن تخبرهم إخبارا مقرونا بالتخويف طيب.
الشيخ : ما المراد بيوم الآزفة ؟
الطالب: يوم القيامة.
الشيخ : ما معنى الآزفة ؟
الطالب: الآتية.
الشيخ : لا، القريبة طيب.
الشيخ : قوله : (( إذ القلوب لدى الحناجر )) ما هي الحناجر ؟
الطالب: طرف في الحلق، ما بين الوجه والصدر.
الشيخ : الرقبة يعني ؟ لا.
الشيخ : ما بين الترقوتين هذه الحناجر طيب.
الشيخ : ما معنى قوله: (( لدى الحناجر )) كيف ذلك ؟ ترتفع القلوب إلى الحناجر من شدة الخوف.
الشيخ : تكلم المؤلف رحمه الله عن ( كاظمين )؟
الطالب: أنها حال من صاحب القلوب.
الشيخ : حال من القلوب ؟ وين أصحاب القلوب ؟ حال من القلوب باعتبار أصحابها.
الشيخ : لماذا اضطر إلى القول باعتبار أصحابها ؟
الطالب: لأن جمع المذكر السالم لا يكون إلا للعاقل، والقلوب ليست عاقلة فنقلت إلى أصحاب القلوب.
الشيخ : طيب صحيح، لا يقال القلوب كاظمين يقال الرجال كاظمين أو ما أشبه ذلك، لكن لما كان المراد بالقلوب أصحابها صح مجيء الحال منها، نعم ما معنى كاظمين ؟ ممتلئين غما طيب.
الشيخ : ما معنى قوله: (( ولا شفيع يطاع )) ؟ كلمة يطاع ؟ هل معناه أن هناك شفعاء لا يطاعون أو ما المعنى ؟
الطالب: فيها وجهان: إما أنها صفة كاشفة يعني ليس هناك شفعاء، أو أنهم تمثل لهم أصنامهم ولكن لا تشفع لهم، وكذلك عيسى ابن مريم.
الشيخ : يعني لا تطاع هذه الأصنام ولو شفعت طيب، وعلى هذا فتكون الصفة مقيدة (( ولا شفيع يطاع )) أي يشفع ولكن لا يطاع طيب.
الشيخ : لماذا لجئنا إلى هذا التأويل ؟
الطالب: لأنه وردت آيتان في إثبات الشفاعة وانتفاء الشفاعة.
الشيخ : ما هي الآية الثانية ؟
الطالب: قوله تعالى: (( فلما لنا من شافعين )).
الشيخ : نعم (( فلما لنا من شافعين )) وقوله تعالى : (( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )) وهؤلاء لا يرتضيهم الله، طيب .
6 - مناقشة تفسير قوله تعالى : (( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) .
يستفاد من هذه الآية فوائد منها: وجوب الإنذار على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله: (( وأنذرهم )) والأصل في الأمر الوجوب لاسيما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكلف بذلك.
ومن فوائدها: أنه ينبغي للداعية أن يكون مخوف أحيانا ومبشرا أحيانا، أما البشارة أحيانا ففي آيات كثيرة: (( وبشر المؤمنين )) (( وبشر الذين آمنوا )) وما أشبه ذلك وأما الإنذار فكذلك في مثل هذه الآية، فالداعية ينبغي أن يكون منذرا مبشرا من أجل أن يحرك القلوب.
ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي في الإنذار أن يذكر الناس أحوال يوم القيامة وأهوالها لقوله : (( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب )).
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الآية قريبة لقوله: (( يوم الآزفة )) والقرب هنا يعني أن الوقت يمضي بسرعة حتى لا يشعر الإنسان إلا وقد قامت القيامة، إما قيامته هو، وتسمى القيامة الصغرى أو القيامة العامة.
ومن فوائد الآية الكريمة: بيان هذا التمثيل العظيم في حال الناس ذلك اليوم (( إذ القلوب لدى الحناجر )).
ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه الحال عامة للمؤمنين وللكافرين دليل ذلك عموم قوله: (( إذ القلوب )) ثم قوله: (( ما للظالمين من حميم )) فدل ذلك على أن الآية عامة، ولكن هل يلحق المؤمنين شر من ذلك اليوم ؟ لا، لقول الله تعالى : (( فوقاهم الله شر ذلك اليوم )) ومجرد الهم والغم لا يلزم منه الشر والضرر .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن القلوب عند شدة الخوف ترتفع حتى تبلغ الحناجر، وهذا يشهد به الواقع قال الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب: (( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر )) والإنسان في نفسه أيضا يحس أنه إذا خاف خوفا شديدا وكأن قلبه قد علق في حنجرته .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الناس في ذلك اليوم مع شدة الخوف يمتلئون غما لقوله: (( كاظمين )) والغم هو التحزن أو التهيؤ لما يستقبل، فالغم في المستقبل، والهم والحزن في الماضي.
ومن فوائد الآية الكريمة: تقطع الأسباب بالظالمين فلا يجدون حميما ولا شفيعا لقوله : (( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) والمراد بالظالمين ما سبق وهم الكافرون.
فإن قال قائل: الظلم أعم من الكفر فكيف فسرتم الظلم هنا بالكفر ؟ قلنا: لأن الله تعالى قال: (( والكافرون هم الظالمون )) ولأن ما دون الكفر من المعاصي تمكن فيه الشفاعة، فإن الشفاعة ثابتة لأهل الكبائر من هذه الأمة.
ومن فوائد الآية الكريمة: تحذير هؤلاء الكفار من ذلك اليوم فإنهم في الدنيا يجدون من يناصرهم ويواليهم ويساعدهم ويعاونهم ولكن في الآخرة لا يجدون شيئا من ذلك.
7 - فوائد قوله تعالى : (( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( يعلم )) أي الله (( خائنة الأعين )) بمسارقتها النظر إلى محرم (( وما تخفى الصدور )) القلوب .
ثانيا: قد ينظر الإنسان النظر بدون مسارقة بل بمجاهرة ولا يحس جليسه أنه ينظر نظرا محرما، لذلك حذر الله عز وجل من هذه الحال فقال: (( يعلم خائنة الأعين )). قال المفسر: " بمسارقتها النظر إلى محرم (( وما تخفي الصدور )) القلوب " فسر المؤلف الصدور بالقلوب لأنها في الصدور كما قال الله تعالى : (( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )) فبين الله عز وجل هنا دقة علمه ولطف علمه بأنه يعلم حتى هذه الحال التي لا يعلمها الناس الذين يشاهدون (( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور )) نعم.
8 - التعليق على تفسير الجلالين : (( يعلم )) أي الله (( خائنة الأعين )) بمسارقتها النظر إلى محرم (( وما تخفى الصدور )) القلوب . أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير )) .
قضاء كوني كقوله تعالى : (( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا )) وقضاء شرعي كقوله تعالى : (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه )) قضى يعني قضاء شرعي، ومعناها وصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، فهنا يقول الله يقضي بالحق، هل المراد القضاء الكوني أو القضاء الشرعي ؟ المراد الأمران جميعا، أي أنه يقضي قضاء كونيا بالحق فليس في قضائه الكوني عبث ولا لعب (( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق )) وكذلك يقضي قضاء شرعيا بالحق فقضائه سبحانه وتعالى الشرعي كله حق لأنه خير فيأمر به أو شر فينهى عنه، وهذا هو الحق، إذن الله يقضي بالحق بالنوعين القضاء الكوني والقضاء الشرعي، طيب (( والذين يدعون من دونه )) الواو هنا عاطفة ويجوز أن تكون استئنافية.
9 - تفسير قوله تعالى : (( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( والله يقضى بالحق والذين يدعون )) يعبدون أي كفار مكة بالياء والتاء (( من دونه )) وهم الأصنام (( لا يقضون بشيء )) فكيف يكونون شركاء الله (( إن الله هو السميع )) لأقوالهم (( البصير )) بأفعالهم .
وأما يدعون ففسرها بكلمة يعبدون، والصواب أن المراد بها يعبدون ويسألون لأنهم هم يعبدون الأصنام ويسألونها جلب المنافع ودفع المضار ويعبدونها أيضا بالركوع والسجود والنذور وغير ذلك.
وأما الواو ففسرها المؤلف بكفار مكة فجعل الضمير عائدا إلى كفار مكة، وهنا نسأل هلا يوجد أحد يعبد الأصنام ويدعوا الأصنام إلا كفار مكة ؟ يوجد منهم ومن غيرهم، وإذا كان كذلك فإن تفسير العام بالخاص نقص في التفسير، فالتفسير المطابق للواو أن تكون عامة لكل من يدعوا من دون الله من كفار مكة أو كفار المدينة أو كفار الطائف أو كفار العراق أو كفار الشام أو كفار هذه الأمة أو كفار من قبلها، عامة كل من يدعوا من دون الله فإنه يدعوا من لا يقضي بشيء.
وقوله: (( من دونه )) أي من دون الله، والدون هنا بمعنى سوى أي: من سوى الله عز وجل وهم الأصنام، هنا قال المؤلف: " وهم الأصنام " وكان مقتضى اللغة العربية أن يقول وهي الأصنام لأن الجمع لغير ما يعقل لا يعود عليه ضمير ما يعقل، هم للعقلاء، طيب ولكن المؤلف عدل عن الأصل وهي الأصنام لمراعاة قوله: (( والذين يدعون )) كما تعرفون هذه للعاقل، وذلك أن الله تعالى جعل هذه المعبودات نزلها منزلة العقلاء، ومع كونها منزلة منزلة العقلاء لا تقضي بشيء.
(( والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء )) ولم يقابل هذه الجملة بالجملة التي قبلها بل جعلها أعم، في الجملة الأولى قال: (( والله يقضي بالحق )) وهنا قال: (( لا يقضون بشيء )) ولم يقل: لا يقضون بالحق، إشارة إلى أنها لا تقضي لا بحق ولا بباطل فليست أهلا لأن تعبد من دون الله عز وجل طيب، (( لا يقضون بشيء )) أبدا لا شرع ولا قدر ولا حق ولا باطل، فكيف يكونون شركاء لله ؟ هذا محط النفي، يعني إذا كانت هذه الأصنام لا تقضي بشيء فكيف تجعل شريكة لله، وهذا يعني توبيخ هؤلاء الذين يعبدون هذه الأصنام من دون الله (( إن الله هو السميع العليم )) " (( السميع )) لأقوالهم (( البصير )) بأعمالهم " وهو في قوله: (( هو السميع )) يجوز أن تكون ضمير فصل ويجوز أن تكون مبتدأ، والجمل خبر إن، لكن هي ضمير فصل أحسن منها مبتدأ.
10 - التعليق على تفسير الجلالين : (( والله يقضى بالحق والذين يدعون )) يعبدون أي كفار مكة بالياء والتاء (( من دونه )) وهم الأصنام (( لا يقضون بشيء )) فكيف يكونون شركاء الله (( إن الله هو السميع )) لأقوالهم (( البصير )) بأفعالهم . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور )) .
في هذه الآية فوائد منها: عموم علم الله عز وجل بكل شيء حتى في الأشياء الخفية يعلمها عز وجل.
ومن الفوائد: لطف علم الله ودقة علم الله وأنه يصل إلى أشياء لا تصل إليها علوم الآخرين وهي خيانة الأعين وما تخفيه الصدور، فإن هذا لا يعلمه إلا الله حتى الذي إلى جنبك لا يعلم.
ومنها التحذير من مخالفة أمر الله وجهه أنه يعلم، فإياك إياك أن تخالف الله عز وجل لا في سرك ولا في جهرك.
ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن القلوب في الصدور لقوله: (( وما تخفي الصدور )) والإخفاء والإسرار يكون بالقلب فلهذا قال: (( وما تخفي الصدور )).
فوائد قوله تعالى : (( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ... )) .
من فوائدها إثبات أن قضاء الله تعالى كله حق لقوله: (( يقضي بالحق )) سواء كان القضاء كونيا أم شرعيا.
ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على الله عز وجل بهذه الصفات الكاملة وهي قضاء الحق وأنه لا يفعل شيئا سدى أو عبثا بل كل ما يقضيه فإنه حق.
ومن فوائد الآية الكريمة: التنديد بعباد الأصنام حيث عبدوا مع الله من ليس بشيء بالنسبة لله عز وجل لقوله: (( والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء )).
ومن فوائد الآية الكريمة أن هذه الأصنام لا تنفع عابديها إطلاقا لقوله: (( لا يقضون بشيء )) وشيء نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء.
فإن قال قائل: إن من القوم الذين يدعون مع الله إلها آخر من إذا دعوا هذه الأصنام أجابتهم فإذا دعوها لكشف الضر انكشف الضر عنهم ومن الناس من إذا خالف هذه الأصنام أصيب ببلاء، فما هو الجواب ؟ الجواب أن يقال هذا الذي يحصل يحصل من الله عز وجل لا من هذه الأصنام ابتلاء وامتحانا، ويقال فيه إنه حصل عند ذلك لا به، يعني حصل هذا القضاء من الله عز وجل عند دعاء هذه الأصنام لا بدعاء هذه الأصنام.
فإن قال قائل: لماذا تعدلون عن السبب الظاهر إلى سبب آخر لا يعلم ؟ قلنا: عدلنا إلى ذلك لقول الله تبارك وتعالى: (( والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء )) وبقوله تعالى : (( إن تدعوهم لا يسمعون دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبك مثل خبير )) وبقوله تعالى: (( ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين )) وإلا فإن العامي قد يأتي إلى صاحب القبر ويقول: يا سيد يا ولي الله يا مولاي أنقذني من هذه البلية أنقذني من هذه الضائقة، فيذهب إلى بيته ويجد الأمر قد انفرج، هو على كل حال سوف يضيف هذا الانفراج إلى السبب الظاهر الذي قام به وهو دعاء هذا القبر حتى انفرجت عنه الغمة، فنقول هذه فتنة ونعلم علم اليقين أنه أي صاحب القبر ليس هو الذي كشف الضر، وإنما الذي كشفه الله عز وجل لكن حصل الكشف عند دعاء صاحب القبر لا بدعائه.
انتبهوا لهذا لأنه دائما يوردون علينا أصحاب القبور هذه الشبهة، يقول: أنا دعوت السيد الفلاني فاستجاب لي وانكشفت الغمة، وواحد كنا قد أتينا من مكة إلى المدينة في زمان مضى طويل، فلنا أقبلنا على المدينة قاموا يدعون، يدعون الرسول، خافوا الله يا جماعة ـ وكان ذاك الوقت الإنسان صغيرا لم يترعرع بعد ـ: اتقوا الله ادعوا الله قالوا: لا هذا سيدنا، واحد من الناس انفتح بطنه وتدلت أقتابه وضاقت به الأرض ذرعا، فقالوا: اذهب إلى نبي الله، فذهب فلما أقبل على المدينة دعا الله فدخلت الأمعاء وانسدت البطن، لما أقبل على المدينة دعا النبي قال: يا رسول الله أنقذني البطن منفرج والأمعاء متدلية، فدخلت الأمعاء في البطن وانسد البطن، هذه أولا القصة من يقول إنها صدق، ثم على فرض على أنها صارت صدقا هل هذا حصل بدعاء الرسول ؟ أبدا ما حصل، الرسول لا يملك هذا أبدا، في حياته ربما يريهم الله آية من آيات الرسول فيحصل مثل هذا، كما حصل في عين أبي قتادة أصيبت فندرت حتى صارت على خده فأدخلها النبي صلى الله عليه وسلم في مكانها والتأمت في الحال، وهذه آية من آيات الله، ولكنها حدثت في حياته أما بعد موته فلا.
المهم أن الله تعالى قد يجعل الشفاء عقب دعاء صاحب القبر ابتلاء وامتحان، فيصدق الإنسان بالحس ويكذب الشرع، يصدق بالحس وهو بناء هذا الأمر على الشيء الظاهر ويكذب بالشرع، فإن قال قائل: هل لهذا نظائر قلنا نعم، قد يبتلي الله الإنسان بتيسير أسباب المعصية ابتلاء ليعلم الله من يخافه بالغيب، كما ابتلى بني إسرائيل بالحيتان، حرم الله عليهم صيد الحوت في يوم السبت وابتلاهم فكانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعا على الماء بكثرة، وفي غير يوم السبت لا تأتي، فطال عليهم الأمد وقالوا: لابد أن نصطاد يوم السبت ولكن يوم السبت محرم علينا، واش العمل، قال: فيه حيلة ـ واليهود أصحاب حيل ـ ضعوا شبكة يوم الجمعة وتأتي الحيتان يوم السبت تدخل وخذوا الحيتان يوم الأحد، وقولوا لله: إننا لم نصطد يوم السبت، فماذا عوملوا به ؟ (( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ )) [البقرة :65] قلبهم الله عز وجل إلى شيء يشبه الإنسان وليس بإنسان، كما صنعوا شيئا يشبه الحل وليس بحل جزاءا وفاقا، هذه الأمة حرم الله عليهم الصيد في حال الإحرام فابتلاهم الله بدأت الصيود تأتي بكثرة، الصيد الطائر يناله الرمح والصيد الزاحف تناله اليد: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ )) [المائدة :94] فصارت الصيود الطائر يناله الإنسان برمحه مع أنه لا ينال الطائر إلا بالسهم، والزاحف باليد، فالصحابة رضي الله عنهم تجنبوا هذا، لا أمسكوا باليد ولا صادوا بالرمح، فأنت احذر أيها المسلم أن تنخدع إذا تيسرت لك أسباب المعصية، فإن الله تعالى قد يبتليك، ربما يبتلي الله الإنسان بوظيفة يستطيع أن يسرق فيها من بيت المال إما سرقة حقيقية يعني يأخذ دراهم، وإما سرقة غير مباشرة بأن يتأخر عن الدوام أن يتعجل في الخروج، لأن من فعل ذلك فهو سارق، إذا قدرنا أنه يتأخر عن الدوام بمقدار السدس أو يتعجل بمقدار السدس، كم سرق من راتبه ؟ سرق سدسا، لأنه إذا تأخر السدس لا يستحق من الراتب إلا خمسة أسداس فقط والباقي يأخذه بغير حق، هو مطمئن لأن ليس فوقه أحد، هو المدير مثلا أو مطمئن لأن مديره يتأخر ومعلوم أن المدير إذا كان يتأخر ويتأخر من تحته أنه لا يقول لهم شيئا لأنه لو قال لهم شيئا فضح نفسه، نعم. إذن احذر أن تغتر إذا يسر الله لك أسباب المعصية فإن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لا تغتر بهذا الشيء طيب.
من فوائد هذه الآية الكريمة: النداء الصارخ على سفاهة هؤلاء القوم الذين يعبدون من دون الله، يؤخذ من كونهم عدلوا عن عبادة من يقضي بالحق إلى عبادة من لا يقضي بشيء، وهذا في غاية السفه .
فوائد قوله تعالى : (( ... إن الله هو السميع البصير )) .
وذلك أن أسماء الله عز وجل لا يتم الإيمان بها إلا بالإيمان بأمور ثلاثة إذا كانت متعدية: الأول إثبات الاسم، والثاني إثبات ما دل عليه من الصفة، والثالث إثبات ما دل عليه من أثر أ و من حكم، هذا إذا كان متعديا، أما إذا كان لازما فلا يتم الإيمان به إلا بأمرين: إثبات الاسم وإثبات ما دل عليه من صفة.
السميع متعدي: (( قد سمع الله قول )) (( والله يسمع تحاوركما )) متعدي، إذن لا بد أن تؤمن بالسميع اسما من أسماء الله، وهل هناك أحد أنكر الأسماء ؟ نعم، فيه من المعطلة المنتسبين للملة الإسلامية من ينكر أسماء الله، وأن تؤمن بما دل عليه من صفة وهي السمع، فليس الله تعالى سميعا بلا سمع بل هو سميع بسمع.
وهل أحد أثبت الاسم دون الصفة ؟ نعم المعتزلة، قاعدتهم إثبات الأسماء وإنكار الصفات التي دلت عليها هذه الأسماء، فيقولون أن الله سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، سبحان الله كيف بصير بلا بصر ؟ قال: نعم بصير بلا بصر لأنك إذا أثبت البصر فالبصر صفة زائدة على الذات، الصفة غير الموصوف، فإن قلت أنها قديمة أثبت تعدد القدماء وصرت أكفر من النصارى، النصارى أثبتوا ثلاثة آلهة أنت الآن ستثبت خمسين إله أو أكثر بقدر الأسماء التي يثبت لها الصفة، وهذا كفر، فإذا كفرنا النصراني بثلاثة وقلنا كافر، نقول أنت كافر ـ كافر ـ كافر اضرب ثلاثة في ... حتى تصل إلى الأسماء، أنت أكفر من النصارى إذا أثبت صفة قديمة، وإن أثبتها حادثة لزم من ذلك قيام الحوادث بالله والحوادث لا تقوم إلا بحادث فتكون أنت أثبت أن الله مخلوق، وأنه حادث، ما بالكم إذا صيغ هذا الكلام بكلام أفصح من كلامي وأبلغ، أفلا ينخدع به الجهال ؟ ينخدعون به لا شك، لكننا نقول: إن الله تعالى سميع بسمع، ولا يعقل أن يكون مشتق بدون ما اشتق منه، أبدا، إذ لا يصح أن تقول للأصم أنه سميع، ولا للأعمى أنه بصير، لا يمكن أن يوجد اسم مشتق في جميع لغات العالم إلا والأصل المشتق منه سابق عليه.
وأما قولكم أن الصفة غير الموصوف فإننا نقول أن الله تعالى لم يزل ولا يزال بصفاته، ولا يوجد ذات بلا صفة إطلاقا، من ادعى أنه يوجد ذات بلا صفة فقد ادعى المحال، ما من موجود إلا وله صفة، لو لم يكن من صفاته إلا صفة الوجود والقيام بالذات وما أشبه ذلك، فما من موصوف إلا وله صفة، لكن الموصوف بصفاته ليست شيئا بائنا منه، ولهذا لا نقول: إن صفات الله هي الله ولا نقول إنها غير الله، بل نقول: إن الله بصفاته، لأنك إذا قلت أن الصفات هي الله صار معناه أنه لا صفة له، وإذا قلت أنها غيره أبنت الصفة عن الموصوف، وهذا مستحيل.
إذن الإيمان بالاسم لابد أن تؤمن بما تضمنه من صفة، وتضمنه للصفة قد تكون تضمنا وقد تكون التزاما، فهل نؤمن بالصفة التي دل عليها تضمنا فقط أو تضمنا والتزاما ؟ تضمنا والتزاما، فمثلا الخالق اسم دل على صفة الخلق دلالته على صفة الخلق بطريق التضمن، ودلالته على العلم التزام، لأنه لا خلق إلا بعلم، ودلالته على القدرة التزام أيضا، لأنه لا خلق إلا بقدرة، إذن تؤمن بما دل عليه الاسم من صفة سواء كانت تضمنا أو التزاما.
الأمر الثالث إذا كان الاسم متعديا: الأثر أو الحكم، فمثلا السميع ذو السمع الذي يسمع، لابد أن تؤمن بسمع يتعدى للغير، فيسمع كل قول، البصير كذلك متعديا نؤمن بالبصير اسما، وبالبصر صفة، وبأنه يبصر حكما أو أثرا.
أما إذا كان الاسم لازما فإنه يؤمن بأمرين: الأول الاسم، والثاني الصفة، الحي ليس الله يحيي، ليست من الحي من المحيي، الحي وصف لازم أو الحياة وصف لازم لا يتعدى لغير الله، فالحي إذن اسم من الأسماء اللازمة فتؤمن بالحي اسما من أسماء الله، وتؤمن بالصفة التي دل عليها الحي وهي الحياة، طيب إذن إذا آمنا بهذا خالفنا كل أهل التعطيل.