تتمة فوائد قوله تعالى : (( ... إن الله هو السميع البصير )) .
الأمر الثالث إذا كان الاسم متعديا: الأثر أو الحكم، فمثلا السميع ذو السمع الذي يسمع لابد أن تؤمن بسمع يتعدى للغير، فيسمع كل قول، البصير كذلك متعديا نؤمن بالبصير اسما وبالبصر صفة وبأنه يبصر حكما أو أثرا.
أما إذا كان الاسم لازما فإنه يؤمن بأمرين: الأول الاسم، والثاني الصفة، الحي لازم أو متعدي ؟ يحيي ليست من الحي من المحيي، الحي وصف لازم أو الحياة وصف لازم لا يتعدى لغير الله، فالحي إذن اسم من الأسماء اللازمة فتؤمن بالحي اسما من أسماء الله وتؤمن بالصفة التي دل عليها الحي وهي الحياة.
طيب، إذن إذا آمنا بهذا خالفنا كل أهل التعطيل، خالفنا من لا يسم الله باسم ولا يصفه بصفة وهؤلاء غلاة الجهمية، وخالفنا من يؤمن بأن لله أسماء ولكن لا صفات له مثل المعتزلة، وخالفنا من يقول له أسماء وصفات لكن ليس لها حكم، ما يتعدى لأن لو تعدى إلى الغير لزم قيام الحوادث به، إذ أن المسموع حادث أو أ.لي ؟ حادث، فإذا تعلق السمع بحادث صار السمع حادثا حدوث المسموع، فلزم قيام الحوادث به، إذن قل هو سميع له سمع لكن لا يسمع به لئلا تقوم به الحوادث، فإذا أتينا على هذه الشروط الثلاثة: الإيمان بالاسم، اثنين بما تضمنه من صفة، ثلاثة بالأثر أو الحكم صح إيماننا بالأسماء.
أما السميع والبصير فقد سبق لنا معناهما، وذكرنا أن السميع يدل على السمع، وأن سمع الله تعالى نوعان: سمع بمعنى الإجابة مثل قوله تعالى : (( إن ربي لسميع الدعاء )) وهل السمع يأتي بمعنى الاستجابة في اللغة العربية ؟ الدليل ؟ ... (( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون )) أي لا يستجيبون، ومنه قول المصلي وأنتم كل يوم تصلون على الأقل سبعة عشر ركعة وتقولون: سمع الله لمن حمده، معناها استجاب، ليس المعنى مجرد سماع لمن حمده، لأن هذا لا يفيد شيئا لكن معناه استجاب، هذا سمع بمعنى الاستجابة.
الثاني: سمع بمعنى إدراك المسموع وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما يراد به التهديد، والثاني ما يراد به التأييد، والثالث ما يراد به بيان شمول سمع الله، يعني سمع الإحاطة.
مثال الأول الذي يراد به التهديد: (( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم )) هذا للتهديد، ولهذا قال : (( بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) ومثال سمع التأييد قوله تعالى لموسى وهارون: (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) ومثال ما يراد به سمع الإحاطة مثل قوله تعالى: (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما )) فقسم السمع أولا إلى قسمين: سمع إجابة وسمع إدراك، والإدراك ثلاثة أقسام وإن شئت فقل ثلاثة أنواع لئلا تتداخل الأقسام: سمع يقتضي التهديد، وسمع يقتضي التأييد، وسمع لبيان الإحاطة، وكل هذا ثابت لله عز وجل.
فإن قال قائل: ما الذي يعين أن هذا السمع للتهديد أو للتأييد أو للإحاطة ؟ قلنا سياق الكلام وقرائن الأحوال، ولهذا يمكن أن يقال في قول الله تعالى لموسى وهارون: (( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )) يمكن أن يقال أن هذا السمع للتأييد والتهديد، تأييد موسى وتهديد فرعون، لكن يمنع من القول بأنه لتهديد فرعون أن فرعون لم يكن يسمع هذا الكلام من الله، فكيف يهدد من لا يسمع التهديد ؟ ولهذا قال العلماء أن السمع في هذه الآية للتأييد ولم أرهم قالوا أنه للتهديد ولا لتهديد فرعون، ووجه ذلك أن فرعون الآن ليس يسمع ما يقول الله عز وجل، فكيف يهدد من لا يسمع التهديد ؟.
أما البصير فهو بمعنى ذو البصر الثاقب الذي لا يغيب عن نظره شيء عز وجل. أي حركة وأي فعل فإن الله تعالى يبصره، طيب إذا كان يبصر كل شيء فكيف موقفنا في مثل قوله : ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ) قال: ( ولا ينظر إليهم ) فنفى النظر إليهم ؟ نقول: النظر المثبت غير النظر المنفي، المنفي هو نظر الرحمة، والمثبت نظر الإحاطة، فالله تعالى ينظر كل شيء نظر إحاطة حتى المغضوب عليهم منظورون أمام الله عز وجل لكن نظر إحاطة، وأما المنفي فهو نظر الرحمة ( لا ينظر إليهم ) وبهذا تلتئم الأدلة ويتبين أنه لا تعارض بينها، هناك بصير بمعنى العلم لكن المتبادر منه الرؤية كما سبق .
المفتونين بأصحاب القبور إذا بينا لهم آيات القرآن لا يقتنعون فهل من حجة لإقناعهم .؟
الشيخ : هو بارك الله فيك غالب أصحاب القبور مسلمين، يعني يرون أنهم على إسلام ويؤمنون بالقرآن، ... ممكن على سبيل التحدي بأن يتحدى الإنسان هؤلاء بشيء يغضب آلهتهم يفعله ولا يأت الشيء، هذا يمكن يكون من باب التحدي.
هل السميع صفة ذات .؟
الشيخ : السميع صفة ذات، لكن الذي يحدث المسموع أما السمع فلم يزل الله ولا يزال سميعا، لا يتعلق بمشيئته، وإذا أردت أن تعرف الفرق فإن كان يمكن أن يتخلى الله عن هذه الصفة فهي صفة فعل، وإذا كان لا يمكن فهي صفة ذات، ومعلوم أنه لا يمكن أن يتخلى الله عز وجل عن صفة السمع فيكون أصم، فإن الله منزه عن ذلك، لكن الذي يحدث هو المسموع.
ما المقصود بنظر الرحمة من الله تعالى .؟
الشيخ : المقصود أن الله ينظر إليه نظرا يرحمه به، ما هي نفس الرحمة، ولهذا تفرق الآن بين النظر إلى ولدك الذي أرضاك والنظر إلى ولدك الذي أغضبك، ولدك الذي أرضاك تنظر إليه نظرا باردا وهو يشعر بأن عينك قد قرت به، قرت من القر وليس من القرار من القر وهو البرودة، ولهذا أقر الله عينك يعني بردها، ما معنى قرها سكنها حتى لا تتحرك، طيب الولد الذي غضبت عليه إذا نظرت إليه كيف تكون عينك ؟ حارة حمراء يظهر منها الشرر يكاد يعمي الولد، طيب ...
لكن لا يصح هذا، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هو له وجهة نظر، وأقوى من هذه الوجهة قوله: (( أو لم يسيروا في الأرض فينظروا )) بعد هذه الآية، لكن نحن نقول العبرة بعموم اللفظ، والسبب لا يخصص العام، وإذا ذكر حكم يتعلق ببعض أفراد العام لا يقتضي تخصيصه أيضا كما هي القاعدة.
ما حكم قول : هذا العمل أقرب إلى نظر رحمة الله .؟
الشيخ : ما يصح إلى نظر رحمة الله، الرحمة لا تنظر، أقرب إلى رحمة الله.
ما الفرق بين عبادة الأحبار والرهبان وعبادة الأصنام .؟
الشيخ : ما تقولون في هذا السؤال ؟ نعم هو لا شك أن عبادة الأحبار والرهبان بالمعنى الذي فسره الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كعبادة الأصنام، لأن عبادة الأصنام عبادة تقرب وخضوع، وعبادة الأحبار والرهبان عبادة إتباع، ولا شك أنها عبادة كما جاء في الحديث: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا )) فإذا كانت عبادة الأحبار والرهبان كعبادة المسيح عيسى ابن مريم لزم من هذا أنهم يعبدونهم عبادة التقرب، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لعدي بن حاتم: ( أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ) قال( نعم قال: ( فتلك عبادتهم ) فهذه عبادة إتباع، وغالب عبادة المشركين عبادة تقرب وتعظيم.
سؤال عن التفريق بين سمع الإحاطة وسمع التأييد من الله تعالى .؟
الشيخ : هي السمع هنا سمع إحاطة، لكنه يراد به النصر والتأييد، لأن مجرد الإحاطة حتى فرعون يسمعه الله عز وجل.
ما هي أهم الكتب المفيدة في الأسماء والصفات .؟
الشيخ : والله الكتب متعددة ومختلفة في المنهج، فمثلا مجرد الإثبات إثبات العقيدة من أحسن ما يكون العقيدة الواسطية، لأن كلها مبنية على آيات وأحاديث، من جهة المناقشة والمحاجة من أحسن ما رأيت الصواعق المرسلة على غزو الجهمية والمعطلة لابن القيم ومختصره هذا من أحسن ما يكون لطالب العلم في المناقشة، هذا مفيد لأنه يذكر رحمه الله أمهات المسائل التي فيها الخلاف ثم يناقش هؤلاء أو يجادل بالأصح، ما هي مناقشة يجادل هؤلاء حتى يتبين الحق ... اسمه الموصلي على كل حال المختصر معروف، مختصر الصواعق المرسلة بهذا الاسم.
سؤال عن شرك الطاعة وضابط الطاغوت .؟
الشيخ : هو شرك الإتباع وشرك الطاعة، لكن ذاك شرك عبادة، ولهذا من أحسن حدود الطاغوت ما قاله ابن القيم: " ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع " المعبود الأصنام، والمتبوع العلماء، والمطاع الأمراء، هذا أحسن ما يقال في حد الطاغوت، لكن باعتبار الطاغي، أما باعتبار المعبود أو المتبوع أو المطاع فهؤلاء ليسوا بطواغيت باعتبار ذواتهم، لأن العالم قد لا يرضى بهذا الشيء والأمير كذلك والمعبود كذلك، لكن باعتبار الفاعل هي طواغيت لأنه طغا فيها، هي محل طغيانه، وليست هي طاغية، فعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام معبود، هل نقول أنه طاغوت ؟ لا، لكنه محل طغيان الذين عبدوه، انتبهوا لهذه النقطة لأن بعض الناس استشكل كلام ابن القيم وقال كيف يقول هذا الكلام إذن عيسى طاغوت لأنه معبود، فيقال: مراده رحمه الله أن محل الطغيان يكون في المعبود والمتبوع والمطاع.
ما الفرق بين الفعل اللازم والمتعدي .؟
الشيخ : اللازم ما لا ينصب المفعول به، والمتعدي ما ينصب المفعول به، سمع تنصب المفعول به أو لا ؟ حي ؟ عظُم ؟ هل يمكن أن تتسلط عظُم على شيء ؟ عظُم هو بنفسه، أما عظَّم صحيح متعدية، لكن عظُم لازمة لا شك، جل ؟ لازمة، فالعظيم من أسماء الله اللازمة، والعلي من أسماء الله اللازمة، والأجل أو الجليل من أسماء الله اللازمة نعم.
في قوله تعالى : (( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون )) وعيسى عليه السلام عبد .؟
الشيخ : ... أنت تحفظ القران ؟ طيب: (( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )) [الأنبياء : ] وعيسى ؟ ممن سبقت له الحسنى، عرفت ؟ ولهذا ضرب الكفار عيسى مثلا وقالوا لما نزلت الآية: (( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم )) قالوا: إذن عيسى في النار جدلا فأنزل الله تعالى : (( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون )) مثل قوله: (( أألهتنا خير أم هو )) قال الله تعالى (( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون )) وأبغض الرجال إلى الله الألد الخصم، نعم .
11 - في قوله تعالى : (( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون )) وعيسى عليه السلام عبد .؟ أستمع حفظ
قراءة الطالب للآيات الكريمات .
تفسير قوله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) .
قال الله تبارك وتعالى: (( أولم يسيروا في الأرض )) وهذا النظم موجود في القرآن كثيرا أن تأتي أداة الاستفهام وبعدها حرف العطف ثم الجملة، وقد اختلف المعربون في كيفية إعراب هذا النظم وهذا التركيب، فقال بعضهم إن التقدير: وألم يسيروا في الأرض، فتكون الواو عاطفة على ما سبق، وتكون الهمزة داخلة على جملتها مصدرة الجملة بها، وهذا القول لا يحتاج إلى تقدير، لكنه يرد عليه أن الهمزة متقدمة على حرف العطف، فأجابوا عن ذلك بأن الهمزة مقدمة وقالوا إن تقديمها في مثل هذا سائغ.
والقول الثاني للمعربين: أن الهمزة داخلة على شيء مقدر وأن حرف العطف عاطف على ذلك المقدر، وحينئذ نحتاج إلى تعيين ذلك المقدر ولا يعينه إلا السياق، فيقدر ذلك المحذوف بحسب ما يقتضيه السياق، فمثلا فيقال: أولم يسيروا أفرطوا ولم يسيروا في الأرض، أو أغفلوا ولم يسيروا في الأرض، أو ما يؤدي إلى هذا المعنى.
وقوله: (( أو لم يسيروا في الأرض )) هل المراد سير القلوب بالنظر والتأمل والتفكر أو المراد سير الأقدام حتى يقف الإنسان على ما حصل للأمم السابقة بعيني رأسه ؟ كلاهما، فمن لم يتيسر له أن يسير بقدمه فليسر بقلبه، ولكن ما طريق سيره بقبله ؟ طريق سيره بقلبه أن يقرأ تاريخ الأمم السابقة، وحينئذ بأي شيء يثبت هذا التاريخ ؟ يثبت هذا التاريخ بطريقين فقط، الطريق الأول: القرآن، والطريق الثاني: السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى قال فيمن سبق: (( والذين من قبلهم لا يعلمهم إلا الله )) وإذا كان لا يعلمهم إلا الله فإن مصدر التلقي لأخبارهم من عند الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما ما حدثت به بنو إسرائيل عمن سبق فهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما شهد شرعنا به أو ما شهد القرآن والسنة به فهذا مقبول لا لأنه خبر بني إسرائيل ولكن لأن القرآن والسنة شهدت بصدقه.
الثاني: ما شهد القرآن والسنة بكذبه فهذا مرفوض ولا يجوز التحدث به إلا إذا أراد الإنسان بيان كذبه وبطلانه.
القسم الثالث: ما لم يشهد الوحي بصدقه ولا كذبه، أي ما ليس في القرآن ولا في السنة تصديقه ولا تكذيبه فهذا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) فيكون من الكلام الذي يباح نقله لكن لا فائدة منه فلا يشتغل به عن ما هو أهم منه، وبهذا نعرف كيف نسير بقلوبنا في أخبار من سبق، فصار مصدر التلقي في أخبار من سبق المصدر الأساسي الأكيد هو الكتاب والسنة، وأما ما وقع من أخبار بني إسرائيل فعرفتم أنه على ثلاثة أقسام.
وقوله: (( أو لم يسيروا في الأرض )) قال بعض المعربين: إن في هنا بمعنى على لأنه لا يمكن السير في جوف الأرض بناء على أن في للظرفية والظرف محيط بالمظروف، كما إذا قلت الماء في الإناء فإن الإناء محيط به والماء في جوفه، ولكن ربما يقول قائل أن هذا غير متعين لأن المراد في الأرض أي في مناكب الأرض، كما قال تعالى: (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها )) وتكون الظرفية هنا ظرفية الأجواء أي في أجواء الأرض، والأجواء ظرف لمن يسير فيها.
(( فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم )) فينظروا: الفاء هنا قيل أنها عاطفة وعلى هذا فيكون السير منتفيا والنظر أيضا منتفي، والتقدير على هذا القول أو لم يسيروا في الأرض فألم ينظروا فيه كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلكم، وقيل أن الفاء للسببية، أي فبسبب سيرهم ينظروا كيف كان، والمعنيان متلازمان، لأنهم إذا لم يسيروا لم ينظروا وإن ساروا نظروا.
وقوله: (( فينظروا كيف كان )) هل النظر هنا نظر قلب وبصيرة أو نظر عين وبصر ؟ ينبني على ما سبق في السير إن كان سير قلب فالنظر نظر قلب وبصيرة، وإن كان سير قدم فالنظر نظر عين وبصر، وقد قلنا أن السير صالح لهذا وهذا فيكون النظر أيضا صالحا لهذا وهذا.
(( كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم )) كيف: اسم استفهام وهو في محل نصب على أنه خبر كان مقدم، وعاقبة: اسمها (( كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم )) أي ماذا كان مآلهم ؟ سيأتي ذكر المآل لكن الله ذكر حالهم قبل أن يذكر مآلهم قال : (( كانوا هم أشد منهم قوة )) أشد من الشدة وهي الصلابة والعظم.
13 - تفسير قوله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم )) وفي قراءة منكم (( قوة وءاثارا فى الأرض )) من مصانع وقصور (( فأخذهم الله )) أهلكهم (( بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) عذابه ؟ .
" وفي قراءة منكم (( أشد قوة وآثارا في الأرض )) من مصانع وقصور " فهم أقوياء الأبدان، ولهم من الآثار في الأرض أكثر مما عند هؤلاء الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشاهد في هذا ظاهر في ديار ثمود، فإن كل من شاهدها تبين له كيف كانت قوة القوم، وكذلك آثار عاد في الأحقاف التي اطلع عليها وقال الله فيها : (( إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد )) قوة عظيمة حتى أن عادا قالوا من أشد منا قوة، فماذا كانت حالهم ؟ قال تعالى : (( فأخذهم الله )) أهلكهم (( بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) هؤلاء القوم الأشداء الذين لهم من الآثار ما يبهر العقول أخذهم الله بذنوبهم، أهلكهم بسبب ذنوبهم، وذنوبهم مكونة من شيئين: التكذيب والتولي، فهم مكذبون للخبر، متولون عن الأمر، فكذبوا الأخبار وخالفوا الأوامر، وقعوا فيما نهوا عنه، وتركوا ما أمروا به، وكذبوا ما يلزمهم تصديقه، (( فأخذهم الله بذنوبهم )) والباء هنا للسببية (( وما كان لهم من الله من واق )) ما: نافية، ومن متعلقة بواق، وواق اسم كان دخلت عليه من الزائدة للتوكيد، وأصل واق واقي فحذفت الياء للتخفيف، أي ما كان لهم من أحد يقيهم من عذاب الله، حتى أن ابن نوح عليه السلام لم يقه من عذاب الله قربه من نوح، ولا دخوله في العموم لأن الله سبحانه وتعالى ذكر أنه منجيه وأهله أعني نوحا، فلما أرسل الله عليهم الغرق دعاه ابنه أن يركب معه في السفينة ولكنه أبى وقال: (( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء )) فغرق، وقال نوح: (( رب إن ابني من أهلي )) وقد وعده الله أن ينجيه وأهله، فقال الله تعالى : (( إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين )) فلم يقه هذا الابن قربه من أبيه، أحد أولي العزم من الرسل، ولكنه هلك فيمن هلك كما قال الله تعالى هنا: (( وما كان لهم من الله من واق ))
14 - التعليق على تفسير الجلالين : (( أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم )) وفي قراءة منكم (( قوة وءاثارا فى الأرض )) من مصانع وقصور (( فأخذهم الله )) أهلكهم (( بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) عذابه ؟ . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) .
ومن فوائدها: أن السير في الأرض في أرض المكذبين وبيان ما أحل الله بهم من النكال إذا كان على سبيل العبرة فلا بأس به، على سبيل العبرة بما جرى لهم من الهلاك لا العبرة بما كان لهم القوة، وبناء على ذلك نعرف أن الذين يذهبون الآن إلى ديار ثمود للاطلاع على قوتهم والاعتبار بصنعتهم على خطأ عظيم لأنهم لم يسيروا في الأرض السير الذي أمر الله به بل ساروا في الأرض السير الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ) فمن الذي يذهب الآن إلى ديار ثمود يقف يشاهد آثارهم وهو يبكي ؟ لا أحد إلا من هداه الله عز وجل وتبين له الحق وإلا فإنهم يذهبون يتفرجون. والعجب أن بعض الجهال منا يرون أن هذا من الآثار المحترمة فيقال: سبحان الله الآثار المحترمة أيها الجهال هي الكتاب والسنة آثار الوحي، أما آثار المكذبين للرسل فليست محترمة، ثم هل هي آثار آبائكم وأجدادكم ؟ آثار قوم فنوا وأعقبهم أناس ثم أناس ثم قرون كثيرة، لكن هذا من الجهل والتقليد الأعمى الذي يجعل القوم يتعلقون بالآثار المادية دون الآثار المعنوية.
ومن فوائد هذه الآيات الكريمة: أن عاقبة الذين كانوا من قبلهم عاقبة سيئة لقوله: (( كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم )) إلى قوله: (( فأخذهم الله )).
ومن فوائدها أن هؤلاء الذين كانوا من قبلهم كانوا أشد منهم قوة في الأبدان وقوة في الصناعة وقوة في الآثار، ومع هذا لم تمنعهم قوتهم هذه من أخذ الله لهم.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن قوة الله سبحانه وتعالى فوق كل قوة فإنه قال: (( كانوا أشد منهم قوة )) ومع ذلك أخذهم الله عز وجل، ذلك لأن الله تعالى إذا أراد شيئا قال له كن فيكون، لا يحتاج أن يأتي بأحد يساعد، ولا يحتاج إلى صنع قنابل أو مدافع، لا، كن فيكون، انظروا إلى عاد افتخروا بقوتهم فأهلكهم الله تعالى بألطف الأشياء، سخر عليهم الريح ولم يسخرها لهم بل سخرها عليهم، وهي الريح من ألطف الأشياء فدمرتهم: (( تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم )) حتى كانوا كأعجاز نخل خاوية، يقولون أن الريح تحمل الواحد منهم حتى يكون في عنان السماء ثم ترده إلى الأرض فينقلب منحنيا كأنه عجز نخل خاوية، وأعجاز النخيل إذا رأيتموها تجدون أن النخلة قد تقوست، هؤلاء الذين كانوا أشداء أقوياء يقفون على أقدامهم أصبحوا كأنهم أعجاز نخل خاوية، والآية الثانية كأنهم أعجاز نخل منقعر.
فرعون قال لقوله: (( يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون )) بماذا أهلكه ؟ أهلكه الله بأن أخرجه من مصر التي كان يفتخر بها باختياره، خرج مختارا، بل خرج وكأنه غانم، كأنه رابح في المعركة، ثم أهلكه الله بجنس ما يفتخر به بالماء، ليتبين أن القوة قوة الله سبحانه وتعالى، وأن الله أشد من هؤلاء قوة، نعم.
من فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى إذا أراد بقوم سوء فلا مرد له لقوله : (( وما كان لهم من الله من واق )) وقد بين الله ذلك صريحا في قوله: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له )) لا يقي دون ما أراد الله لا قصور ولا مدافع ولا طائرات ولا أي شيء (( وما كان لهم من الله من واق )).
15 - فوائد قوله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق )) . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات عدل الله عز وجل وأنه لا يؤاخذ أحدا بدون ذنب لقوله: (( ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات )).
ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ما من أمة خلت إلا وقد جاءتها رسله لقوله: (( كانت تأتيهم رسلهم بالبينات )) على كل حال هذه المسألة.
كل أمة جاءها نذير وجاءها رسول أنذرها وبين لها، وقد أقر هذه الأمم بذلك قال الله تبارك وتعالى في سورة الملك: (( كلما ألقي فيها )) أي في النار (( فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير )) ثم قالوا : (( لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم )) وقال تعالى: (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) وهذا من تمام رحمة الله عز وجل وحكمته أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل ،ولأجل مصلحة الخلق، نحن لولا رسول الله عليه الصلاة والسلام أرسله الله إلينا هل نعرف كيف نتوضأ ؟ هل نعرف كيف نصلي ؟.