تتمة الكلام على حكم تفسير القرآن من غير الرجوع إلى كلام العلماء .
يفسر قول الله تعالى: (( وجاء ربك )) أي جاء أمر ربك.
يفسر قول الله تعالى: (( فأجره حتى يسمع كلام الله )) بأنه الكلام المخلوق.
يفسر قوله تعالى: (( ثم استوى على العرش )) يعني استولى عليه.
يفسر قوله تعالى: (( لما خلقت بيدي )) أي بقدرتي وما أشبه ذلك، هذا قائل في القرآن برأيه لا شك، لأنه لا فسره بمقتضى اللغة، ولا بمقتضى الشرع، وإنما بمقتضى رأيه الذي يطابق ما هو عليه من المذهب أو من الطريقة.
طيب فالتفسير بالرأي إذن محرم ومن كبائر الذنوب، وهو داخل في قوله تعالى : (( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا )) لأن هذا المفسر يقول: إن الله أراد بهذا هذا، فيكون صادقا أو كاذبا ؟ يكون كاذبا، فيكون ممن افترى على الله كذبا حيث قال: إن الله أراد كذا، ثم هو ممن اعتدى في حق الله حيث قال: لم يرد كذا، شف الخطر، إذا قال: (( وجاء ربك )) قال أراد الله: وجاء أمر ربك، فيكون كذب على الله، قال: ولم يرد أنه جاء بنفسه، يكون اعتدى على كلام الله وتجاوز حده، من قال لك إن الله لم يرد هذا وهذا ظاهر كلامه ؟ فيكون هذا معتديا محرفا والعياذ بالله.
وكذلك أيضا في المسائل الفقهية مثلا: (( وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم )) قال الرافضة: يعني أن الله أمرنا أن نمسح الأرجل بدل الغسل، فيقال: هؤلاء قالوا برأيهم، لأنهم أهملوا قراءة النصب (( وأرجلكم )) ولم يعملوا بها، ثم خالفوا المراد بقراءة الجر، وهي أنها تمسح الرجل على الوجه الذي بينته السنة، والذي بينته السنة أن الرجل تمسح إذا كان عليها خفان أو جوربان أو ما أشبه ذلك، فتبين الآن أن التفسير بالرأي من كبائر الذنوب لأنه يتضمن مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: تحريف الكلم عن مواضعه، والثاني: الكذب على الله والتعدي في حقه، حيث قالوا أنه لم يرد كذا وأراد كذا.
بيان درجة علم التفسير وأنه من أشرف العلوم .
ففي علم التفسير يطمئن القلب وفي علم التفسير يعرف الإنسان قدر هذا القرآن العظيم الذي وصفه الله بعدة أوصاف عظيمة: (( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم )) وأكثرنا عفا الله عنا لا يعتني بالتفسير، ولا يهتم به، ربما يستشرف كتاب عالم من العلماء يخطئ ويصيب، ويتأمل هذا الكتاب منطوقا ومفهوما وإشارة وإيماء وغير ذلك من أنواع الدلالة، لكن كلام الله لا يعتني به، ولولا أنه يتبرك به في أجره لما عرج عليه أصلا إلا أن يشاء الله، وهذا غلط.
حتى في طلبة العلم الآن من لا يهتم بالتفسير، تجده يهتم بكتب الفقه، يهتم بكتب الحديث، يهتم بكتب الرجال، ويعرض عن هذا الذي هو الأصل، أصل الأصول الذي يجب علينا أن نعرفه، والذي سنحاسب عليه، ( القرآن حجة لك أو عليك ) استوقف شخصا من أكبر طلبة العلم، عندي آية من القرآن قل له ما معناها ؟ ما يقول ؟ إما أن يكون جريئا فيقول: أراد الله بهذا كذا وكذا، وهو لم يرده، أو أنه يكون ورعا ويقول: لا أردي، لكن لو أن طلبة العلم أخذوا القرآن من أوله يقرؤونه ويتدبرونه ويتأملونه لوجدوا خيرا كثيرا، وانفتح لهم من أبواب المعرفة ما لا يخطر على البال.
والله عز وجل في القرآن الكريم يقول : (( ولقد يسرنا القرآن للذكر )) ما هو صعب، القرآن إذا أقبلت عليه حقيقة بقلب ونية جازمة فهو سهل، أسهل من جميع الكتب لأنه يقول : (( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )).
هذه نبذ تكلمت بها أسأل الله تعالى أن ينفع بها في مقدمة التفسير، لأن بعض إخواننا قد لا يكونون حضروا مثل هذه القواعد التي سوف تفيدهم إن شاء الله تعالى، أما الآن فإلى الدرس الذي نحن بصدده.
هل صحيح مقولة إن المغازي والسير والتفسير ليس لها سند .؟
الشيخ : نعم هذا يذكر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقال هي ثلاثة: المغازي والسير والتفسير، ومراده بذلك أنه ليس لها سند أن الناس يتناقلونها بدون إسناد، فمثلا يقول: قال مجاهد كذا، قال ابن عباس كذا، بدون إسناد هذا المعنى، كذلك التواريخ تجد مثلا يتكلمون الناس في هذا في غزوة أحد، لكن لا تجد الرجل يقول حدثني فلان عن فلان عن فلان حتى يصل إلى الغزوة، وكذلك يقال في السير، هذا مراد الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقصده بذلك أنك إذا سمعت مثل هذا الذي اشتهر ونقل أن تتأكد منه.
من اجتهد في تفسير القرآن بحضرة عالم كبير ثم عرضه عليه هل يعد من التقول على الله بغير علم .؟
الشيخ : لا، هذا لا يدخل في ظني، لأن هذا الذي قال معنى الآيات كذا لا يريد أن هذا المعنى مستقر، لكن يعرضه على شيخ أعلم منه، فكأنه حينما يقول: أراد الله كذا، كأنه يقول بلسان الحال: هل أراد الله بهذا كذا؟ فهذا لا يعتبر تفسيرا للقرآن بالرأي ولا محرما.
4 - من اجتهد في تفسير القرآن بحضرة عالم كبير ثم عرضه عليه هل يعد من التقول على الله بغير علم .؟ أستمع حفظ
بعض الناس يتوجه إلى قراءة السنة ويقول إن أهل البدع يستدلون بعمومات القرآن والسنة تبين هذه العمومات .؟
الشيخ : رأيي أنه صحيح أننا لا نزهد في السنة، ولا في معرفة الرجال، ولا في معرفة المصطلح، لكننا نرى أن هناك أولويات، وهناك أهميات قبل المهمات، وأما ما ادعاه من أن القرآن لم يبين الرد على أهل البدع والسنة بيت، فهذا غير صحيح، القرآن ليس فيه دليل واحد لأي بدعة من البدع أبدا، بل إن شيخ الإسلام رحمه الله قال في كتابه " درء تعارض العقل والنقل " قال: " أي دليل يستدل به شخص على بدعة فأنا أجعل هذا الدليل دليلا عليه " وصدق.
أضرب مثلا لكم: (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )) استدل بهذه الآية من يرى أن الله لا يرى، والحقيقة أنها تدل على أن الله يرى، استدل بها وهي دليل عليه، لأن نفي الأخص يستلزم وجود الأعم (( لا تدركه )) إذن تراه، ولو كانت لا تراه لقال لا تراه الأبصار، أما أن يعبر بلا تدركه عن لا تراه فهذا لا شك أنه تعمية وإلغاز، ولا يمكن أن يكون هذا في كلام الله الذي جعله الله تبيانا لكل شيء.
استدلوا بقول موسى: (( رب أرني أنظر إليك قال لن تراني )) قالوا: هذا يدل على أن الله لا يرى، نقول هذا دليل عليكم، موسى سأل الرؤيا في الآخرة أو في الدنيا ؟ في الدنيا، كيف تنقلونها أنتم إلى الآخرة، ولهذا قال: (( لن تراني )) يعني الآن ليس بك قدرة على أن تتحمل رؤيتي، ورؤية الله تعالى مستحيلة في الدنيا لا لأمر يتعلق بالرؤيا لكن لأمر يتعلق بالرائي، الرائي لا يتحمل، ولهذا ضرب الله مثلا لموسى فقال: (( انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل )) جل وعلا، ماذا صار ؟ (( جعله دكا )) هذا الجبل العظيم الذي لا تدكه القنابل صار دكا بمجرد أن الله تجلى له، ولهذا خر موسى صعقا، عجز أن يتحمل الموقف فضلا عن رؤية ربه عز وجل، فالمهم أن الآية الآن فيها دليل عليهم، لأن موسى إنما سأل الرؤيا في الدنيا لا في الآخرة.
ثم إن موسى سأل الرؤيا وأنتم تقولون رؤية الله مستحيلة، إذن أنتم أعلم بالله من موسى، يعني إما أن تكونوا أعلم بالله من موسى لأن موسى ما سأل شيئا مستحيلا، يرى أن الله يرى، لكن البشر لا يتحملون ذلك، فإما أن يكون جاهلا بقدر الله وأنتم عالمون به، وإما أن يكون معتديا على الله حيث سأل ما لا يحل له سؤاله.
فأقول لكم يا إخوان من قال أن البدع لا تدفع إلا بالسنة أو لا يتم دفعها إلا بالسنة فقد أخطأ، وهذا يدل على قصور فهمه للقرآن أو على تقصيره في تفهم القرآن، وإلا فالقرآن نفسه لا يمكن أن يوجد بدعة إلى رد عليها، أبدا، ولو لم يكن من ذلك إلا قوله : (( شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) هذه الآية قاضية على كل بدعة، كل بدعة تبطل بهذه الآية سواء كانت عقدية أو قولية أو فعلية .
5 - بعض الناس يتوجه إلى قراءة السنة ويقول إن أهل البدع يستدلون بعمومات القرآن والسنة تبين هذه العمومات .؟ أستمع حفظ
قلتم أن التفسير يكون بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة فهل يكفي أن يعتمد على تفسير ابن كثير مثلا حتى يحفظه .؟
الشيخ : هذا يكون تقليدا، يعني كوني أمسك تفسير ابن كثير أو غيره من العلماء هذا تقليد، لكن أنا أريد التفسير المجتهد، أما من لم يجد إلا ميتة فيأكل الميتة للضرورة، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ينبغي أن نعلم أن التقليد بمنزلة أكل الميتة، إن اضطررت إليه فقلد وإلا فاجتهد، أدلي إلى البئر بمثل ما أدلى به الناس، أدلي بدلوك، والحقيقة أن التقليد لا يجوز إلا عند الضرورة وعند العجز، وإلا من أمكنه أن يأخذ الأحكام أو العقائد من كتاب الله وسنة رسوله فليفعل، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (( ويوم نناديهم فيقولوا ماذا أجبتم المرسلين )) هذه تحتاج إلى جواب، ولولا قول الله تعالى: (( فاتقوا الله ما استطعتم )) لقلنا يجب على كل إنسان أن يجتهد، وأن يأخذ الحكم من القرآن والسنة، لكن الحمد لله وسع الله علينا (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) (( فاتقوا الله ما استطعتم )) وإلا لقلنا يجب أن كل واحد يأخذ من الكتاب والسنة لأننا سنسأل عن القرآن والسنة.
6 - قلتم أن التفسير يكون بالقرآن ثم بالسنة ثم بأقوال الصحابة فهل يكفي أن يعتمد على تفسير ابن كثير مثلا حتى يحفظه .؟ أستمع حفظ
ما هي أحسن كتب التفاسير التي تعتمد على الأثر .؟
الشيخ : هو أحسن شيء فيما أرى من التفاسير التي تعتني بالأثر تفسير ابن كثير، تفسير ابن كثير من أحسن ما يكون من الكتب التي تعتمد على التفسير بالأثر، لكن تعلمون أن القرآن ـ سبحان الله ـ القرآن واسع، لو اجتمع الناس كلهم على أن يدركوا معناه ما استطاعوا، تجد مثلا هذا يبحث في القرآن من الناحية اللغوية، وهذا من الناحية العقدية، وهذا من الناحية الفقهية، وهذا من ناحية البلاغة، علوم شتى كثيرة في القرآن الكريم، ابن كثير مثلا في الأثر لا شك أنه جيد لكن في كثير من أمور اللغة يكون قاصرا، أيضا في استنباط الأحكام قليل جدا أن يتكلم عن الأحكام، نجد مثلا القرطبي يعتني بالأحكام ويفرع على الآية وما أشبه ذلك، المهم أن كل عالم له منهج في تفسير كلام الله عز وجل.
متى يجوز تفسير القرآن بالوضع اللغوي .؟
الشيخ : إذا وجدنا كلمة لم تفسر بالقرآن ولا بالسنة ولا بأقوال الصحابة، على كل حال نرجع للغة، لأن القرآن كما قال الله عز وجل: (( بلسان عربي مبين )) (( إنا جعلناه )) أي صيرناه (( قرآنا عربيا )) أي باللغة العربية (( لعلكم تعقلون )) شف الآية الثانية: (( ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين )) لماذا ؟ لأنهم لا يفهمون معناه.
هل الذي يفسر القرآن بالرأي يكون مجتهدا فيه .؟
الشيخ : إذا اجتهد، والذي يفسر القرآن برأيه ما اجتهد، وأنا ضربت لكم عدة أمثلة من التفسير بالرأي، ليس معنى التفسير بالرأي أن تفسر القرآن حسب ما تقتضيه اللغة العربية، التفسير بالرأي أن تحمل معنى القرآن على رأيك، وهذا إنما يكون في المتعصبين لمذاهبهم الذين يحاولون أن يلووا أعناق النصوص إلى ما كانوا عليه.
هل صحيح أن من تزوج امرأة في عدتها تحرم عليه تحريما مؤبدا .؟
الشيخ : من الفقهاء ؟
الطالب : العلماء، في كتب الفقه.
الشيخ : كتب من ؟ هذه بارك الله فيك على مذهب الحنابلة لا تحرم، لكن قد روي عن عمر أثر بأنه حرمها على من تزوجها عقوبة له، عقوبة له ما هو تحريم نسب ولا مصاهرة لكن عقوبة له، ولعلها مرت عليك قاعدة ابن رجب: " من تعجل شيئا قبل أوانه ـ على وجه محرم ـ عوقب بحرمانه " هذه قاعدة مفيدة لطالب العلم. أي نعم طيب .
قراءة الطالب للآيات الكريمات .
تفسير قوله تعالى : (( وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب )) .
(( إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب )) أكد الجملة وإن كانت مستقرة في نفسه ولكن المخاطب بها فعله فعل المنكر لها.
التعليق على تفسير الجلالين : (( وقال الذي ءامن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب )) أي يوم حزب بعد حزب .
13 - التعليق على تفسير الجلالين : (( وقال الذي ءامن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب )) أي يوم حزب بعد حزب . أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد )).
يتبع في الإعراب الأسماء الأول نعت وتوكيد وعطف وبدل
وعلامة البدل أنه يصح أن يحل محل المبدل منه، يعني يصح أن يحذف المبدل منه ويحل محله البدل.
فإن قال قائل: ما الفائدة من أن نأتي بالمبدل منه ثم بالبدل ؟ لماذا لم نأتي بالبدل من أول الأمر ؟
نقول: لابد أن يكون هناك فائدة، إما تفصيل بعد إجمال، أو تبيين بعد إبهام، أو ما أشبه ذلك، ولابد أن يكون للبدل فائدة.
(( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود )) إلى آخره، مثل دأبهم، هو لا يريد مثل دأبهم يريد مثل جزاء دأبهم، لأن هناك دأب وهناك جزاء، فالجزاء من الله، والدأب من الأمم أو من الأحزاب، مثل دأب أي مثل جزاء دأبهم، فما دأبهم ؟ بين الله تعالى دأبهم بقوله : (( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا )) هذا هو دأبهم (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود )) هؤلاء كلهم دأبهم التكذيب بالرسل والكفر بهم (( والذين من بعدهم )) من بعد قوم نوح وهي أول الأمم، وعاد وثمود.
14 - تفسير قوله تعالى : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد )). أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم )) مثل بدل من مثل قبله ، أي مثل جزاء عادة من كفر قبلكم من تعذيبهم في الدنيا (( وما الله يريد ظلما للعباد )).
فإذا قال قائل: كيف يطلق العمل على الجزاء ؟ قلنا لأنه سببه، وهذا يوجد في القرآن كثيرا أن الله تعالى يطلق العمل على الجزاء مثل: (( ذوقوا ما كنتم تعملون )) المعنى: ذوقوا جزاء، لكن يعبر به أي بالعمل عن الجزاء لأن الجزاء من جنس العمل، وحتى يحذر الإنسان من عمله كما يحذر من عقوبة عمله، طيب.
يقول: " مثل جزاء عادة من كفر قبلكم من تعذيبهم في الدنيا ".
قال: (( وما الله يريد ظلما للعباد )) ما نافية وهي تميمية أو حجازية ؟ القرآن تميمي أو حجازي ؟ حجازية، لأن هذا القرآن باللغة الحجازية، انظر إلى قوله تعالى: (( ما هذا بشرا )) ولم يقل: ما هذا بشر، فنحمل كل ما كان على شاكلتها عليها، وإلا صحيح أن ما الله يريد ظلما للعباد ما تبين أنها حجازية أو تميمية لأن الخبر جملة ليس مفردا يظهر فيه النصب، لكن يحمل ما لا يظهر فيه الإعراب على ما ظهر فيه الإعراب، وهو قوله: (( ما هذا بشرا )) ثم اعلم أن القرآن إنما كتب بلغة قريش كما قال عثمان رضي الله عنه للذين كبتوا المصاحف قال: " إن اختلفتم في شيء فاجعلوه على حرف قريش " يعني على لغتهم.
15 - التعليق على تفسير الجلالين : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم )) مثل بدل من مثل قبله ، أي مثل جزاء عادة من كفر قبلكم من تعذيبهم في الدنيا (( وما الله يريد ظلما للعباد )). أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب )) .
وفيه دليل على التلطف في الدعوة إلى الله، وأن الإنسان لا يستعمل في الدعوة إلى الله عاطفته، لأنه إن استعمل عاطفته أخذته الغيرة ففعل ما لا يحمد عقباه، وإنما يحكم العقل وينظر إلى العواقب والنتائج، ولا ضير على الإنسان إذا أصابه ذل في أول الأمر إذا كانت النتيجة طيبة، ولا أظنه يخفى عليكم ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة الحديبية، من الشروط التي ظاهرها الإهانة ولكنها كانت نتيجتها طيبة حتى إن الله تعالى سماها فتحا (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل )) فالحاصل أنه ينبغي للإنسان عند الدعوة إلى الله ألا يحكم العاطفة فتزل قدمه، ولكن يحكم العقل وينظر إلى العواقب والنتائج.
ومن فوائد هذه الآية: بيان أن ذكر الأمم السابقة ينتشر في الأمم اللاحقة، إما بواسطة الكتب المنزلة، وإما بواسطة التاريخ المنقول، ويدل لذلك قوله : (( إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب )) لأنه لا يمكن أن يخوفهم بأمر لا يعرفونه، ولو كان الأمر كذلك لقالوا: ما هذه الأيام أو ما هذا الجزاء.
فوائد قوله تعالى : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: انتفاء إرادة الله الظلم لعباده (( وما الله يريد ظلما للعباد )) ومعلوم أنها إذا انتفت الإرادة انتفى الفعل، فنفي إرادة الظلم نفي للظلم من باب أولى، كما أنه جاءت آيات صريحة في نفي الظلم عن الله عز وجل .
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اتصاف الله سبحانه وتعالى بالنفي، أي: أن الله يتصف بالصفات المنفية التي يعبر عنها بعض العلماء بالصفات السلبية لأن النفي سلب.
ولكن إذا قال قائل: هل في النفي ثناء ومدح ؟ مع أن الله عز وجل يقول: (( ولله المثل الأعلى )) فصفات الله تعالى كلها صفات كمال، والنفي عدم، فهل يكون مدحا وثناء ؟
الجواب نقول: أما بالنسبة لغير الله عز وجل فإنه لا يدل على الكمال ولا على المدح، أما بالنسبة لله فيتعين أن يكون دالا على الكمال لقوله تعالى: (( ولله المثل الأعلى )) فكل نفي نفاه الله عن نفسه فإنه متضمن للكمال، دليلنا هذه الآية: (( ولله المثل الأعلى )).
وإلا فالنفي المجرد لا يدل على الكمال إطلاقا، بل أحيانا يدل على النقص، فقول الشاعر مثلا:
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
وصفهم بأنهم لا يغدرون بالعهد، وأنهم لا يظلمون، وهذا في ظاهره مدح، لكنه في الواقع ذم، يذمهم بأنهم ناس جبناء وضعفاء، لا يغدرون لأنهم لا يستطيعون لجبنهم، ولا يظلمون لا يستطيعون لضعفهم، وكذلك قول الشاعر الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يعني أنهم ليس لهم شر إطلاقا ولو هان.
يجزون بالظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا
ثم قال:
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
هنا يذمهم مع أنهم إذا ظلموا غفروا لمن ظلمهم، وإذا أسيء إليهم أحسنوا لمن أساء إليهم، وهذه صفة قد تبدوا مطلوبة محمودة لكن إذا كان السبب في ذلك أنهم ضعفاء صارت مذمومة.
والخلاصة الآن أنه لا يمكن أن يوجد في صفات الله تعالى نفي محض أبدا، الدليل قوله تعالى: (( ولله المثل الأعلى )) والنفي المحض ليس من المثل الأعلى في شيء، ولكن إذا نفى الله شيئا عن نفسه فالمراد إثبات كمال ضده، يعني أنه لثبوت كمال ضده انتفى عنه هذا الشيء.
فضد الظلم العدل، إذن نثبت من نفي الظلم عن الله نثبت إثبات كمال عدله، وأنه جل وعلا لعدله لا يظلم، لا لعجزه، لأنه قادر على أن يظلم، لكنه لا يظلم لكمال عدله، ولهذا جاء في الحديث الصحيح القدسي: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفس ) لم يقل: يا عبادي إني لا أستطيع أن أظلم، قال: ( إني حرمت الظلم على نفسي ) وهذا يدل على أنه قادر على أن يظلم لكنه لا يظلم لكمال عدله، ولو كان غير قادر على أن يظلم لم يكن انتفاء الظلم عنه مدحا لأنه عاجز، لكنه قادر ولكنه لا يظلم.
أقول هذا لأن الجهمية وغيرهم قالوا: إن الله لا يستطيع أن يظلم أبدا، وإلى هذا أشار ابن القيم في النونية حين قال: " والظلم عندهم المحال لذاته ".
يعني أنه مستحيل لذاته، لا لكمال الله لكن لذاته، لا يمكن أن يظلم. قال: لأن الظلم أن يتصرف الإنسان في ملك غيره، والله عز وجل يتصرف في ملكه، فإذا ظلم لم يكن ظالما لأن هذا ملكه، فيقال: تبا لعقولكم الفاسدة، إذا وعد المؤمن بشيء على عمل معين، وعمل هذا العمل ولم يعطه إياه ماذا يكون ؟ يكون ظلما ولا شك في هذا، وأنتم تقولون: يجوز أن يثيب العاصي الذي يعصي الله كل عمره، ويعاقب المطيع الذي يعمل بطاعة الله كل عمره، وأن الأمرين على حد سواء، لأنه لا يظلم حيث إنه يتصرف في ملكه، فنقول: هذا لا شك أنه سفه في العقل وضلال في الدين، والله عز وجل وعد العامل عملا صالحا بالثواب، والمخالف بالعقاب، كيف يجوز أن يخلف الله وعده، المهم على كل حال هذا قول باطل ولا شك في بطلانه، ومجرد تصوره يعرف الإنسان أنه باطل.
فقوله تعالى: (( وما الله يريد ظلما للعباد )) نقول نفي إرادة الظلم يستلزم كمال عدله، وهو أيضا يستلزم نفي الظلم لأن من لا يريد الظلم لا يمكن أن يفعل الظلم.
17 - فوائد قوله تعالى : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد )) . أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد )) .
التعليق على تفسير الجلالين : (( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد )) بحذف الياء وإثباتها أي يوم القيامة يكثر فيه نداء أصحاب الجنة أصحاب النار وبالعكس ، والنداء بالسعادة لأهلها وبالشقاوة لأهلها وغير ذلك .
طيب: (( يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد )) كلمة يوم هنا هل هي ظرف منصوبة على الظرفية، والتقدير إني أخاف عليكم العذاب يوم التناد، أو إن الفعل مسلط عليها فهي مفعول به ؟ الثاني، لقوله تعالى: (( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار )) فجعل الخوف مسلطا على يوم، لأن يوم تصلح أن تكون مفعولا فيه، وأن تكون مفعولا به، وأن تكون مبتدأ، وأن تكون خبر مبتدأ تتصرف، طيب.
يقول: " (( يوم التناد )) بحذف الياء وإثباتها أي يوم القيامة " هذا هو المراد به، وأنا أشرت في كلامي على قواعد في التفسير أن هناك تفسيرا لفظيا، والثاني: معنوي، اللفظي يفسر اللفظي، والمعنوي يفسر المراد، فهنا يوم التناد تفسيرها اللفظي أي: يوم يتنادى الناس بعضهم مع بعض، والمراد بها يوم القيامة، فإذا قلنا يوم التناد أي يوم القيامة فهذا ليس تفسيرا لفظيا بل هو تفسير معنوي للمراد بالآية، طيب.
يقول: " (( يوم التناد )) أي يوم القيامة يكثر فيه نداء أصحاب الجنة أصحاب النار وبالعكس والنداء بالسعادة لأهلها والشقاوة لأهلها وغير ذلك " التناد يوم القيامة يكثر، ينادي الله الناس، والناس ينادي بعضهم بعضا، وأهل النار ينادون أهل الجنة، وأهل الجنة ينادون أهل النار، والتنادي الحاصل يوم القيامة ليس كالتنادي الحاصل في الدنيا، لأنه بأصوات مزعجة، وحزينة إذا كان أهل النار ينادون أهل الجنة وما أشبه ذلك، فهذا اليوم ذكر هذا المؤمن قومه به ليحذروا من عذاب يوم القيامة.
19 - التعليق على تفسير الجلالين : (( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد )) بحذف الياء وإثباتها أي يوم القيامة يكثر فيه نداء أصحاب الجنة أصحاب النار وبالعكس ، والنداء بالسعادة لأهلها وبالشقاوة لأهلها وغير ذلك . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( يوم تولون مدبرين )) عن موقف الحساب إلى النار (( ما لكم من الله )) أي من عذابه (( من عاصم )) مانع (( ومن يضلل الله فما له من هاد )).
أولا: أنه يوم التناد، ينادي الناس بعضهم بعضا، والله تعالى يناديهم أيضا، ويتنادون بنداءات قد يكون بعضها مجهولا لنا الآن.
الوصف الثاني: (( يوم تولون مدبرين ))، يوم هذه بدل من قوله: (( يوم التناد )) أو عطف بيان، (( يوم تولون مدبرين )) مدبرين: هذه حال، حال مؤكدة لعاملها أو لصاحبها ؟ لعاملها، لأن التولي هو الإدبار، وعلى هذا فهي حال مؤكدة لعاملها، يعني: تولون يوم القيامة حال كونكم مدبرين، يولون إلى أي شيء ؟ إلى النار والعياذ بالله (( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا )) فهم والعياذ بالله يولون مدبرين.
قال: (( ما لكم من الله من عاصم )) الجملة هذه جملة خبرية مبدوءة بـ ما النافية، والمبتدأ فيها قوله: (( من عاصم )) لكن دخلت عليه من الزائدة.