تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( يوم تولون مدبرين )) عن موقف الحساب إلى النار (( ما لكم من الله )) أي من عذابه (( من عاصم )) مانع (( ومن يضلل الله فما له من هاد )).
مع بقا النفي وترتيب زكن.
وهنا لا ترتيب لأن الخبر مقدم، وعلى هذا فنقول: ما هنا اتفقت فيها اللغتان التميمية والحجازية.
(( ما لكم من الله من عاصم )) أي من مانع (( ومن يضلل الله فما له من هاد )) هذه الجملة قد تشكل كيف ختم بها الدعوة إلى الله عز وجل، لأن مقتضى الحال أن يقول: وأسأل الله لكم الهداية ؟
فيقال: هل قوله: (( ومن يضلل الله فما له من هاد )) هل هي من كلام الرجل أو من كلام الله ؟ لابد أن نبحث قبل كل شيء، هل هي من كلام الله عز وجل ليبين أن هؤلاء القوم مع قوة الدعوة لم يستفيدوا أو هي من كلام المؤمن ؟ إن كانت من كلام الله فلا إشكال، إلا أنها حالت بين الكلام أوله وآخره، وهذا لا يضر لأن الجملة الاعتراضية تأتي كثيرا، وإن كان من كلام الرجل فهنا محل الإشكال، ونرجئ القول عنكم إلى غد إن شاء الله، يكون الجواب منكم غدا، والله أعلم. نعم غدا أو بعد غد أو بعد غد .
1 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( يوم تولون مدبرين )) عن موقف الحساب إلى النار (( ما لكم من الله )) أي من عذابه (( من عاصم )) مانع (( ومن يضلل الله فما له من هاد )). أستمع حفظ
سؤال عن كيفية الرفق في الدعوة إلى الله تعالى من أجل نتائج طيبة .؟
الشيخ : هو لا شك أن الدعوة إلى الله برفق أقرب إلى النتائج الطيبة من العنف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) وكذلك قال: ( إن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف ) هذا واضح، يعني لو لم يكن إلا قد استعملنا ما هو أولى وما يحبه الله عز وجل لكفى، ونحن نشاهد الآن أن النتائج الطيبة في الدعوة برفق.
وهناك وقائع كثيرة، يقال أن أحد مشايخ الدعوة من آل الشيخ جاء إليه رجال الحسبة يشكون عاملا، ليس عاملا أجنبيا، كان بالأول الناس يسنون الإبل ويسنون على البقر ويسنون على الحمير، ويسمون الذي يسوق السانية يسمونه عاملا، ويكون معه عادة عصا طويلة من عسب النخل، جيدة، لأنه يريد أن يسوق إبلا أو بقرا أو حمرا، فجاءه قوم من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عند غروب الشمس وهو يغني، عند غروب الشمس الناس يسبحون ويهللون وهذا يغني بأعلى صوته، لأن هذا يوجب أن تهملج الدواب، تسرع، الدابة تطرب للغناء كما قال الرسول: ( رفقا بالقوارير ) فتكلموا عليه، الناس يسبحون ويحمدون ويهللون في هذا الوقت وأنت رفعت صوت الشيطان، فأخذ بهم ضربا، قال: أنا أسوق إبلي لأروي زرعي وأنتم تقولون: ترفع صوت الشيطان، راحوا لأنه هو قوي وكبير الجسم ونشيط، تولوا عنه وجاءوا للشيخ وقالوا يا شيخ الرجل الفلاني فعل كذا وكذا، قال: ماذا قلتم له، قال: نحن قلنا له الناس يسبحون ويهللون وأنت تغني، ثم قام على أحد منا بالمسوقة، قال: طيب الظاهر أن الخطأ منكم أنتم، لكن أتركوا الأمر لي، اليوم الثاني ذهب الشيخ العالم هذا عند غروب الشمس وجاء وإذا الرجل على حاله يغني ويسوق الإبل، وضع مشلحه على العصا على نخلة هناك وتوضأ، وقد أذن بعد ما فرغ من الوضوء، فجاء إلى الرجل وهو يغني، الظاهر ما أدري أجاب المؤذن أو لم يجب، المهم قال له: ألا أدلك على شيء أحسن من هذا، الآن أذن لو رحت وصليت وبعدين ترجع أنزل الله لك البركة، والصلاة سبب للرزق (( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك )) المهم كلمه بهدوء، قال: الله يعافيك الله يجزيك خيرا، جاءني أمس ناس ثيران، أنا أفعل كما أفعل اليوم، وقاموا يتكلمون علي وقالوا هذا صوت الشيطان، والله عجزن أن أملك نفسي وضربت واحد منهم، لكن الله يجزيك عني خيرا، ذهب الشيخ يصلي، ويوم صلى وانتهى والرجل قد لحقه لكن فاتته ركعة، تركه ما قال شيء، في اليوم الثاني راح يتوضأ عند غروب الشمس ولم يقل له شيئا أبدا، وجده في اليوم الثاني يصلي ولم يفته شيء، سبحان الله، المهم أن الرفق كله خير، وهذا شيء مجرب، لكن أحيانا الإنسان للغيرة التي عنده يثور يعجز أن يملك نفسه، نقول هدأ لأنك أنت مثل الطبيب الذي يريد أن يشق الجرح، فلابد أن تكون بهدوء وعلى الوجه الذي يحصل به المطلوب .
قراءة الطالب للآيات الكريمات .
مناقشة تفسير قوله تعالى : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد )) .
قوله تبارك وتعالى عن مؤمن آل فرعون: (( مثل دأب نوح وعاد وثمود )) ما معنى مثل دأب ؟ يعني مثل جزائهم، وليس مثل دأبهم، إذا هو من التعبير بالعمل عن الجزاء.
الشيخ : هل هذا كثير في القرآن أن يعبر عن الجزاء بالعمل ؟ ما الحكمة منه ؟ ليبين أن الجزاء من جنس العمل سواء في الخير أو في الشر طيب.
الشيخ : قوله تعالى : (( وما الله يريد ظلما للعباد )) هل في الآية ما يدل على انتفاء الظلم عن الله ؟ وكيف ذلك والآية لم يقل: وما الله يظلم قال: (( وما الله يريد ظلما )) ؟ نريد من الآية نفسها ؟ لأن نفي الإرادة يستلزم نفي الوقوع من باب أولى طيب.
الشيخ : نفي إرادة الظلم نفي للظلم، ما الذي نستفيده من نفي الظلم وهي صفة سلبية والسلب عدم ؟ يعني لا يمكن السلب المحض.
الشيخ : إذا ما الذي يتضمنه النفي هنا ؟
الطالب: كمال العدل.
الشيخ : أحسنت بارك الله فيك، طيب قوله تعالى: (( يوم التناد )) ؟ المراد به يوم القيامة، وما معنى التناد ؟ يعني التنادي بين الناس، ومنه لأصحاب الجنة طيب.
الشيخ : ما الفرق بين التحذير الأول والثاني ؟ (( مثل يوم الأحزاب )) ثم قال: (( إني أخاف عليكم يوم التناد)) ؟ الأول عقوبة دنيوية، والثاني أخروية طيب.
أظن أخذنا الفوائد ؟ ما أخذنا شيئا أبدا ؟ نأخذ الفوائد إن شاء الله من قوله ؟ .
4 - مناقشة تفسير قوله تعالى : (( مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد * ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد )) . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم )) .
من فوائد الآية: أن هذا المحذر كان مؤمنا باليوم الآخر .
ومن فوائدها أن ما يحدث في اليوم الآخر كان معلوما للناس من قبل أن ينزل القرآن لقوله: (( يوم التناد )) وذلك لأن هذا أمر لابد منه، أي لابد أن يعلم العباد ما يحدث في اليوم الآخر ليكونوا على بصيرة من أمرهم .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن يوم القيامة له أحوال فقد قال الله تعالى في سورة طه: (( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا )) وهنا يذكر أنه يوم تناد، والنداء هو الصوت الرفيع، وعلى هذا فيكون الجمع بين هذه الآية وبين قوله: (( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا )) هو أن يوم القيامة له أحوال، لأن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، فلابد أن تتغير أحوال الناس.
ومن فوائد الآية الكريمة: نصح هذا الرجل لقومه حيث يناديه بهذا النداء اللطيف يا قوم.
ثم قال الله تبارك وتعالى مكملا لما ذكره هذا المحذر: (( يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم )) هذه معروف إعرابها أنها بدل مما سبق، ففيها إثبات أن آل فرعون يولون مدبرين يوم القيامة إذا لم يؤمنوا، وقد بين الله في آية أخرى أنهم يعرضون على النار غدوا وعشيا، وأنهم يوم القيامة يقال لهم أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، فهم والعياذ بالله سيولون مدبرين معذبين في نار جهنم.
ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا أحد يعصم من عذاب الله لقوله: (( ما لكم من الله من عاصم )) وهذا كقول نوح لابنه لما: (( قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء )) قال : (( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين )).
5 - فوائد قوله تعالى : (( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم )) . أستمع حفظ
تتمة تفسير قوله تعالى : (( ... ومن يضلل الله فما له من هاد )) .
واقرن بفا حتما جوابا لو جعل شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل
وذكروا له ستة ضوابط مجموعة في قوله:
اسمية طلبية وبجامد وبما وقد وبلن وبالتنفيس
فهذه الجمل الست إذا وقعت جوابا للشرط فإنه يجب أن يقترن بالفاء، وهنا الجملة ؟ مصدرة بما، وإن شئت فقل إنها جملة اسمية، ولا مانع أن يوجد سببان لحكم واحد.
وقوله: (( من هاد )) أصلها من هادي بالياء فحذفت الياء للتخفيف.
يقول الله عز وجل إن من يضلل الله أي من كتب الله إضلاله فإنه لا أحد يهديه، لأن الذي يهدي ويضل هو الله، بيده الأمر كله، ولكن ليعلم أنه لا يهدي أحدا إلا لحكمة ولا يضل أحدا إلا لحكمة، فمن كان أهلا للهداية هداه، ومن كان أهلا للإضلال أضله والعياذ بالله، وإلا فإن الله سبحانه وتعالى لا يحرم فضله من أراده، إنما يحرم فضله من لم يرده، ودليل هذا قوله تعالى : (( فلما زاغوا أزغ الله قلوبهم )) فجعل إزاغة الله لقلوبهم مترتبا على زيغهم، أما من أراد الهدى بجد فإن الله سبحانه وتعالى ييسره له: (( فأما ن أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى )) إذا قوله: (( ومن يضلل الله فما له من هاد )) مقيد بمن فعل ما يقتضي إضلاله، لأن الله لا يضل أحدا إلا لحكمة.
فوائد قوله تعالى : (( ... ومن يضلل الله فما له من هاد )) .
ويستفاد منها تفويض الأمر إلى الله تبارك وتعالى.
التعليق على تفسير الجلالين : (( ولقد جاءكم يوسف من قبل )) أي من قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب في قول عمر إلى زمن موسى ، أو يوسف بن إبراهيم بن يعقوب في قول (( بالبينات )) بالمعجزات الظاهرات (( فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم )) من غير برهان (( لن يبعث الله من بعده رسولا )) أي فلن تزالوا كافرين بيوسف وغيره.
باللام وقد والقسم وكلما جاءتك صيغة كهذه فإنها مؤكدة بثلاثة مؤكدات: اللام وقد والقسم، لأن تقدير الكلام: والله لقد جاءكم.
وقوله: (( يوسف )) المراد به يوسف بن يعقوب، فإن قال إنسان: كيف يخاطبهم فيقول: جاءكم، ويوسف بن يعقوب قبلهم بأزمان كثيرة ؟
فيقال: إن ما حصل للأسلاف فهو للأخلاف، يعني أن من جاء أسلافهم فهو كالذي جاءهم، ودليل ذلك أن الله يخاطب بني إسرائيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل لأسلافهم في عهد موسى، وبينهم قرون كثيرة: (( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وظللنا عليكم الغمام )) معلوم أن هذا كله لم يحصل لليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكنه حصل لأسلافهم، فما كان من الأمة من أولها فإنه ثابت للأمة في آخرها. إذن لا إشكال في هذه الآية ما دمنا نقول أنه قد جاء أسلافهم، وأن ما يحصل من أسلافهم فيما سبق يكون منسوبا إلى الجميع إذا لم يخرجوا عن هذا المنهاج.
" (( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات )) أي من قبل موسى، وهو يوسف بن يعقوب " إلى آخره.
قوله: (( من قبل )) لماذا جرها بالضم والمعروف أن من حرف جر إذا دخلت على كلمة جرتها كسرتها، تقول: من زيد، فهنا قال: من قبل ؟ طيب أحيانا تبنى وأحيانا تعرب، متى تبنى ومتى تعرب ؟ إذا لم تضف بنيت، طيب وإذا أضيفت ؟ مطلقا.
حذف المضاف إليه ونوي معناه، لأنه إما أن يوجد المضاف أو يحذف وينوى معناه، أو يحذف وينوى لفظه، أو يحذف ولا ينوى لا لفظه ولا معناه، فالأقسام أربعة، تبنى في واحد منها والباقي معربة، تبنى إذا حذف المضاف إليه ونوي معناه.
فإن قال قائل: ما هو الدليل ؟ قلنا: الدليل أنها تكون مضمونة لأنها تبنى على الضم، فإذا كلمنا من هو عالم بالعربية وبناها على الضم عرفنا أنه حذف المضاف ونوى معناه.
يقول: (( من قبل )) أي من قبل مجيء موسى عليه الصلاة والسلام " وهو يوسف بن يعقوب في قول عمِّر إلى زمن يوسف أو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب في قول " يعني حكى المؤلف رحمه الله قولين في المراد بيوسف، فقيل أنه يوسف بن يعقوب وأنه عمر إلى زمن موسى، وهذا قول باطل لا إشكال فيه، ليس بصحيح بل هو باطل، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان يأتي موسى ويتصل به لأنهم كلاهما رسول.
القول الثاني: أنه يوسف وجده يوسف بن يعقوب، يوسف بن إبراهيم بن يوسف وهذا أيضا لا دليل عليه، والصواب أن المراد به يوسف بن يعقوب وأنه لم يعمر إلى زمن موسى، وأنه مات في زمنه، لكنه جاء أسلافهم لأنه كما تعرفون يوسف عليه الصلاة والسلام هاجر من الشام إلى مصر، بل لم يهاجر أخذه المارة الذين مروا بالبئر الذي ألقي فيها وذهبوا به إلى مصر، والقصة معروفة في سورة كاملة.
وقوله: (( بالبينات )) البينات من بان يبين إذا ظهر، ومعلوم أنها وصف لموصوف محذوف، وذلك لأنه يجوز أن يحذف النعت وأن يحذف المنعوت إذا دل عليه دليل، فما هو الموصوف هنا المحذوف ؟ المحذوف تقديره الآيات، كما يعبر به في القرآن كثيرا، بآيات بينات وما أشبهها.
وأما قوله: " بالمعجزات " فإن هذا تعبير متأخر لم يعرف في عهد السلف، وهو تعبير ناقص، لأن كلمة معجزة تشمل ما يفعله السحرة والمشعوذون من الأمور الخارقة للعادة، فإنها تعجز من ليس منهم، ولكنه إذا قيل آية بمعنى علامة صارت أبين وأوضح وأوفق لموافقتها للتعبير القرآني، على أنه لا يمكن أن تكون آية لرسول إلا والناس يعجزون عنها، لماذا ؟ لأنهم لو كانوا يستطيعون أن يأتوا بمثلها لم تكن آية للنبي، إذ كل واحد يأتي بها، طيب إذن تقدير الكلام بالآيات البينات، ولكن حذف الموصوف لدلالة السياق عليه، ومنه قوله تعالى : (( أن اعمل سابغات وقدر في السرد )) يعني أن اعمل دروعا سابغات، طيب.
(( بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به )) يعني من وقت يوسف إلى وقت موسى وآل فرعون، وإن شئت فعبر بالقبط، في شك مما جاء به يوسف، فلم يؤمنوا به الإيمان الواجب الخالي من الشك.
" (( حتى إذا هلك قلتم )) من غير برهان (( لن يبعث الله من بعده رسولا )) " يعني أنهم كانوا في شك مما جاء به يوسف ولم يصدقوه، ولما هلك قالت لهم نفوسهم: الآن استرحتم فلن يبعث الله من بعده رسولا، كفيتم، هلك من أرسل فكذبتموه فاطمئنوا لن يبعث الله من بعده رسولا، فكانوا قالوا ذلك بناء على أمنية كاذبة، لأنهم قالوا: هذا الرسول الذي جاءنا وتوعدنا إن خالفناه مات هلك، فلن يأتي من بعده رسول، وحينئذ نكون قد استرحنا من الرسل ومشاكلهم على زعمهم.
" (( قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا )) أي: فلن تزال كافرين بيوسف وغيره " لأنهم إذا قرروا في أنفسهم أن الله لن يبعث رسولا فسوف يكذبون كل من جاء من الرسل من بعد يوسف بناء على هذه العقيدة الفاسدة التي أصلوها.
8 - التعليق على تفسير الجلالين : (( ولقد جاءكم يوسف من قبل )) أي من قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب في قول عمر إلى زمن موسى ، أو يوسف بن إبراهيم بن يعقوب في قول (( بالبينات )) بالمعجزات الظاهرات (( فما زلتم فى شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم )) من غير برهان (( لن يبعث الله من بعده رسولا )) أي فلن تزالوا كافرين بيوسف وغيره. أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( كذلك )) أي مثل إضلالكم (( يضل الله من هو مسرف )) مشرك (( مرتاب )) شاك فيما شهدت به البينات .
فإن قيل وهل الكاف تأتي اسما ؟ قلنا: نعم، اللغة العربية واسعة، وإلا فالأصل أن الكاف حرف، لكن تكون اسم، قال ابن مالك:
شبه بكاف وبها التعليل قد يعنى وزائدا لتوكيد ورد
واستعمل اسما وكذا عن وعلى ...
استعمل: يعني الكاف اسما أي في اللغة العربية.
(( كذلك )) أي مثل ذلكم (( يضل الله من هو مسرف مرتاب )) لا يضل الله تعالى رجلا مؤمنا مقتصدا موقنا أبدا، يضل الله والعياذ بالله من هو مسرف مرتاب.
يقول: " (( مسرف )) مشرك " ولا شك أن الشرك من الإسراف، لأن الإسراف معناه تجاوز الحد، ومن جعل لله شريكا فقد تجاوز الحد بلا شك، لكن معنى الآية أعم من المشرك، فالمسرف من تجاوز حده هذا المسرف، بإفراط أو تفريط ،لكن الغالب يكون بالإفراط، لأنه مجاوزة الحد زيادة، فالمشرك لا شك أنه مسرف، والمستكبر مسرف، والجاحد مسرف، وهلم جرا، إذن من هو مسرف ينبغي أن يقول في تفسيرها، من هو متجاوز لحده كالمشرك.
وقوله: " (( مرتاب )) أي شاك " المرتاب ـ والعياذ بالله ـ الذي يطمئن للارتياب لا يهتدي، يبقى على ضلاله والعياذ بالله، أما إذا أوقع الشيطان في قلبك شكا ثم حاولت أن تنزعه من قلبك فإن الله يعينك عليه ويهديك، لكن البلاء كل البلاء أن تركن إلى هذا الشك وألا تنتشل منه، والدليل على هذا ما شكاه الصحابة رضي الله عنم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقع في نفوسهم حتى قالوا: نود أن يكون الواحد منا حممة، أي:، فحما محترقا ولا نتكلم به، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يضرهم، لماذا ؟ لأنهم لا يركنون إلى ما وقع في قلوبهم، ولهذا يجب أن تكون شجاعا، إذا ألقى الشيطان في قلبك مثل هذه الأمور فكن شجاعا، لا تركن لا تسترسل معها، كن شجاعا استعمل معه السلاح الذي أعطاك إياه من هو عالم به، ومن هو عالم بإصابته بالعدو وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بأمرين فقط:
أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتنتهي، تعرض، وبذلك يزول عنك هذا البلاء، أما إن استرسلت معه فالأمر خطير جدا، لأنه يتفاعل في نفسك ويقوى حتى يصل إلى درجة الشك والارتياب، وحينئذ تحرم من الهداية، وهذا لا شك أنه من حكمة القرآن مثل هذا التعبير، لئلا يقع في نفسك مثل ما ذكر الله عز وجل، فدواؤه بهذين الأمرين، لو أن أذكى العالم حاول أن يجد دواء لهذا البلاء ما وجده بهذه العبارة المختصرة السهلة، قال: ( فليستعذ بالله ثم لينته ) اعرض عن هذا، اشتغل بشئونك، وقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فاشتغالك بشئونك وإعراضك عنه يوجب لك أن تنساه، وهذا شيء مشاهد ومجرب.
9 - التعليق على تفسير الجلالين : (( كذلك )) أي مثل إضلالكم (( يضل الله من هو مسرف )) مشرك (( مرتاب )) شاك فيما شهدت به البينات . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب )) .
ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يكون لديه علم بما سبق، فإن التاريخ عبر سواء في هذه المسألة الكبيرة أو في المسائل الصغيرة، اقرأ التاريخ يتبين لك ما قدره الله على العباد، وأن سنة الله سبحانه وتعالى في السابقين ستكون في اللاحقين.
فمن فوائد الآية: أنه ينبغي أن يكون عند الإنسان خبرة بما سبق .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن أعظم رسول أرسل إلى آل فرعون بعد موسى هو يوسف، ولهذا طوي ذكر ما بعده، والظاهر والله أعلم أن الله تعالى لا يدع هذه الأمة يعني: أمة فرعون لا يدعهم بلا رسول من بعد موسى الذي له أزمان كثيرة، لكنهم ليسوا كيوسف فنوه بذكر يوسف.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرسل يأتون بالبينات الدالة على صدقهم ونبوتهم لأن هذا من حكمة الله، لو أرسل الله رسولا للناس ليس معه آية وقال أنا رسول الله إليكم آمنوا بي وإلا فلكم النار، هل يطيعونه ؟ أبدا، يقولون هذا مجنون، لابد من آية تدل على صدقه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من رسول بعثه الله إلا آتاه من الآيات من يؤمن على مثله البشر ) لابد من ذلك.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الآيات التي جاءت بها الرسل آيات بينة لا تخفى إلا على العميان، ودليل ذلك قوله: (( بالبينات )) وهنا ركز على الوصف دون الموصوف لأن الوصف أهم، وهو كون هذه الآيات بينة لا تخفى على أحد.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن آل فرعون ما زالوا في شك حتى مع وجود يوسف فهم في شك لأن الله تعالى لم يقدر هدايتهم، فبقوا حيارى واستمروا على الكفر.
ومن فوائد الآية الكريمة: بيان كراهة الشعوب المكذبة للرسل لما جاءت به الرسل لأنهم كأنهم انتهزوا الفرصة لما هلك يوسف فقالوا: (( لن يبعث الله من بعده رسولا )) وهذا يدل على أنم متضايقون غاية التضايق بوجود يوسف عليه السلام.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان بوجود الله لا يكفي في التوحيد والخلاص من عذاب الله، يؤخذ من قولهم: (( لن يبعث الله )) فهؤلاء كانوا مقرين بالله ومع ذلك لم ينفعهم إقرارهم بالله.
وكذلك الذين بعث فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام مقرون بالله: (( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ )) [يونس :31] مؤمنين بالربوبية تماما، وبأن المدبر هو الله، ومع ذلك استباح النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم وأموالهم ونساءهم وذرياتهم وأرضهم، لأن مجرد الإيمان بالله ليس إيمانا أبدا، لابد من الإيمان بالله عز وجل بوجوهه الأربعة المعروفة وهي: الإيمان بوجوده وبربوبيته وبألوهيته وبأسمائه وصفاته لابد من هذا، فمن لم يؤمن كذلك فليس بمؤمن بالله.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن إضلال الله عز وجل لا يكون إلا في محل من هو أهل للإضلال لقوله: (( كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب )).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من لزم حده وأيقن بما يجب الإيقان به فإنه أبعد الناس عن الإضلال، يؤخذ هذا من المفهوم، إذا كان الله يضل من هو مسرف مرتاب فإنه يهدي من لزم حده وأيقن في أمره وآمن بذلك، (( كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب )) والله أعلم .
10 - فوائد قوله تعالى : (( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب )) . أستمع حفظ
قراءة من تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور عن معنى قوله تعالى : (( ومن يضلل الله فما له من هاد )) .
الشيخ : طيب اقرأ.
الطالب : بسم الله الرحمن الرحيم: جاء في تفسير التحرير والتنوير: " قوله : (( ومن يضلل الله فما له من هاد)) عطف على جملة: (( إني أخاف عليكم )) لتضمنها معنى: إني أرشدكم إلى الحذر من يوم التنادي وفي الكلام إيجاز يدل عليه الجملة المعطوفة، والتقدير: هذا إرشاد لكم فإن هداكم الله عملتم به، وإن أعرضتم عنه فذلك لأن الله أضلكم (( ومن يضلل الله فما له من هاد ))، وفي الجملة معنى التهديد، ولم يقل لهم ومن يهد الله فما له من مضل، لأنه حس منهم الإعراض، ولم يتوسم فيهم ... للانتفاع بنصحه وموعظته، وقوله: (( ومن يضلل الله فما له من هاد )) يهديه إلى طريق النجاة أصلا، وكأن الرجل يئس من عدم قبولهم النصح فقال ذلك ".
الشيخ : هذا هو الظاهر، أن الرجل آيس، وهذا كقول نوح عليه الصلاة والسلام: (( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلى فاجرا كفارا )) .
11 - قراءة من تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور عن معنى قوله تعالى : (( ومن يضلل الله فما له من هاد )) . أستمع حفظ
في قوله : (( من هو مسرف )) هل الإسراف ينقسم إلى قسمين .؟
الشيخ : غالب الأشياء تنقسم إلى قسمين أو أكثر، الإسراف أكبر وأصغر ومتوسط، فليس المسرف في الإشراك كالمسرف في خبزة يأكلها.
التعليق على تفسير الجلالين : (( الذين يجادلون فى ءايات الله )) معجزاته مبتدأ (( بغير سلطان )) برهان (( أتاهم كبر )) جدالهم خبر المبتدأ (( مقتا عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك )) أي مثل إضلالهم (( يطبع )) يختم (( الله )) بالضلال (( على كل قلب متكبر جبار )) بتنوين (( قلب )) ودونه ، ومتى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس و كل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب .
وقوله: (( في آيات الله )) قال المؤلف المفسر: " معجزاته " والصواب أن يقال: آيات الله، يعني العلامات الدالة على ما يستحقه جل وعلا من الربوبية والإلوهية والأسماء والصفات والأحكام وغير ذلك، هذا هو المراد، وقد مر علينا أنه لا ينبغي أن نسمي الآيات المعجزات، لأن ذلك نقص في التعبير، وليس محددا للمعنى، وربما يدخل عليه فعل المشعوذين والسحرة لأنه معجز.
وقوله: (( يجادلون في آيات الله )) هل هم يجادلون لإثبات الآيات أو لنفي الآيات ؟ الثاني لا شك، ولهذا قال: (( بغير سلطان )) لأنهم لو كانوا يجادلون لإثبات الآيات والإقرار بها لكانوا على سلطان.
وقوله: (( بغير سلطان أتاهم )) قال المؤلف : " برهان " أي بغير دليل، وذلك لأن السلطان كل ما يكون به السلطة، ويختلف بحسب السياق، فالإمام الأعظم يسمى السلطان لأنه ذو سلطة، والدليل يسمى سلطانا لأن الآخذ به ذو سلطة، وعلى هذا يكون معنى قوله: (( بغير سلطان )) أي: بغير دليل.
13 - التعليق على تفسير الجلالين : (( الذين يجادلون فى ءايات الله )) معجزاته مبتدأ (( بغير سلطان )) برهان (( أتاهم كبر )) جدالهم خبر المبتدأ (( مقتا عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك )) أي مثل إضلالهم (( يطبع )) يختم (( الله )) بالضلال (( على كل قلب متكبر جبار )) بتنوين (( قلب )) ودونه ، ومتى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس و كل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب . أستمع حفظ