تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( الذين يجادلون فى ءايات الله )) معجزاته مبتدأ (( بغير سلطان )) برهان (( أتاهم كبر )) جدالهم خبر المبتدأ (( مقتا عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك )) أي مثل إضلالهم (( يطبع )) يختم (( الله )) بالضلال (( على كل قلب متكبر جبار )) بتنوين (( قلب )) ودونه ، ومتى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس و كل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب .
وهذا النعت أو الحال يعني جملة: (( بغير سلطان )) حال من فاعل يجادلون، هذا الوصف وصف لبيان الواقع وليس وصفا مقيدا، والفرق أننا لو قلنا أنه وصف مقيد صار الذين يجادون بآيات الله لإبطالها أحيانا يكون معهم سلطان وأحيانا لا يكون معهم سلطان، والواقع أنه ليس لهم سلطان، والقيد المبين للواقع ليس له مفهوم، وهذا آت في القرآن كثيرا، وإنما المقصود به أي بالقيد المبين للواقع، المقصود به الاستدلال، يعني فكأنه تعليل للموصوف.
وانظر إلى قول الله تعالى: (( ومن يدع من الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه )) فقوله: (( لا برهان له به )) مبين للواقع وليس قيدا، لأنه لا يمكن أن يدعو أحد مع الله إلها آخر له فيه برهان، طيب.
وكذلك قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) [الأنفال :24] فإن هذا لا يعني أنه قد يدعونا لما لا يحيينا، بل هو لا يدعون إلا لما يحيينا، فيكون هذا كالتعليل لموصوفه الذي صار قيدا فيه، طيب.
إذن: (( بغير سلطان أتاهم )) هذا نقول أنه وصف لبيان الحال والواقع، وأنه لا سلطان لهم بذلك، وعلى هذا فيكون كالتعليل لموصوف، وأعنى بالوصف هنا ما يشمل الحال وغير الحال.
وقوله: (( أتاهم )) الجملة صفة لسلطان وقوله: (( كبر مقتا )) هذا الجملة خبر مبتدأ، وقوله: كبر أي عظم، وضمت الباء حتى صار من باب فعل لأنه أريد به التعجب، يعني ما أكبر مقتهم عند الله، قال: مقتا هذه تمييز لكبر، لأن كبر المراد به الجدال، يعني كبر جدالهم مقتا، فهي مميزة للفاعل المستتر.
وقول المؤلف: " (( كبر )) جدالهم (( مقتا )) " الصواب أن يقال: كبر مقتهم مقتا عند الله، لأن التمييز مبين للفاعل المستتر، وقوله: (( مقتا )) المقت هو أشد البغض، وقوله: (( عند الله )) متعلق بكبر.
(( كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا )) يعني وكذلك المؤمنون يكبر مقتهم لهؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان، الذين يريدون إدحاض الحق وإظهار الباطل، وقوله: (( عند الذين آمنوا )) إذا أطلق الإيمان فالمراد به ما يشمل الإسلام، وإذا أطلق الإسلام فالمراد به ما يشمل الإيمان، ولهذا لو سألت فقيل لك: هل الإسلام والإيمان مترادفان بمعنى واحد ؟
فقل: هما عند الإفراد مترادفان، وأما عند الاقتران فإنه يفسر الإيمان بأعمال القلوب، والإسلام بأعمال الجوارح، مثال ذلك قول الله تبارك وتعالى: (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )) ففرق بين الإيمان والإسلام، وبين أن الإيمان لم يدخل في قلوبهم ولكنه قريب الدخول، لأن لما تفيد القرب، طيب.
إذن في حديث جبريل فرق بين الإيمان والإسلام لماذا ؟ وهكذا إذا اجتمعا.
ومنه قوله تعالى : (( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )) ففرق بين هذا وهذا، المخرجون مؤمنون والبيت مسلم لأن في البيت امرأة كافرة، وهي امرأة لوط، فهي في ظاهر الحال مسلمة مستسلمة لأنها لا تظهر أنها كافرة كما قال تعالى: (( فخانتاهما )) ولكن حينما أراد الله عز وجل أن ينجي من ينجي من قوم لوط أنجى المؤمنين فقط، وأما المرأة فبقيت مع قومها وهلكت، طيب.
يقول: (( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )) نعوذ بالله، كذلك: مرت علينا، وقلنا مثل هذا التركيب يكون إعرابه كالتالي: الكاف اسم بمعنى مثل، وهي مفعول مطلق للفعل الذي بعدها، العامل فيها الفعل الذي بعدها، ويطبع هو الفعل العامل، وعليه فنقول: مثل هذا الطبع يطبع الله.
وأما قول المؤلف رحمه الله تعالى: " مثل إضلالهم " ففيه نظر، وإن كان يلزم من الإضلال الطبع، لكن الأحسن أن يفسر بما يطابق العامل، فيقال: مثل هذا الطبع يطبع الله.
قال: " (( يطبع )) يختم " نعم الطبع بمعنى الختم، كأن الله جعل على قلوبهم غلافا ثم ختم عليه كما يختم على الوثائق، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: (( وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها )).
" (( كذلك يطبع الله )) بالضلال (( على كل قلب متكبر جبار )) " قوله: يطبع الله بالضلال، يقال فيها كما قيل فيما سبق، بأن المراد: يطبع الله بالطبع على القلوب على كل قلب متكبر.
وقوله: " (( على كل قلب متكبر جبار )) بتنوين ( قلب ) ودونه " على كل قلبٍ متكبر، وعلى كل قلبِ متكبر، والفرق أنه على قراءة التنوين يكون التكبر وصفا للقلب، وعلى قراءة الإضافة يكون الطبع على قلب متكبر، وليس القلب هو المتكبر، والمعنى واحد، لأنه إذا تكبر القلب تكبرت النفس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ).
قوله: على كل قلب متكبر، أو قلب متكبر، التكبر: معناه الترفع، يعني أن الإنسان يترفع، وهو نوعان:
تكبر على الخلق، وتكبر عن الحق، وإلى هذا يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الكبر بطر الحق وغمط الناس ) بطر الحق: يعني رده وعدم الإذعان له، وغمط الناس: يعني احتقارهم فيرى نفسه أنه فوق الناس، هذا هو الكبر والعياذ بالله، ومعلوم أن من غمط الحق وازدراه فإنه لا يأخذ به، إذ كيف يأخذ بشيء يرى أنه نقيصة، وكذلك من غمط الناس فإنه لا يعدل فيهم، بل يعاملهم بالكبرياء والعياذ بالله، فيكون الطبع حقيقا بمثل هذا القلب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثال حبة خردل من كبر.
1 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( الذين يجادلون فى ءايات الله )) معجزاته مبتدأ (( بغير سلطان )) برهان (( أتاهم كبر )) جدالهم خبر المبتدأ (( مقتا عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك )) أي مثل إضلالهم (( يطبع )) يختم (( الله )) بالضلال (( على كل قلب متكبر جبار )) بتنوين (( قلب )) ودونه ، ومتى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس و كل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ... )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا سلطان لكل إنسان جادل لإدحاض الحق وإظهار الباطل، يؤخذ من قوله: (( بغير سلطان )).
ومن فوائدها تقوية قلوب المجادلين بالحق لأنكم تعلمون أن الجدال يكون من طرفين، فالمجادل في آيات الله لإبطالها هذا لا حجة له، يكون الخصم المقابل الآخر يكون له حجة، فإذا إذا علم المجادل الذي يريد إثبات الحق وإبطال الباطل أنه لا سلطان لخصمه فإنه سوف يقوى قلبه ويزداد ثباتا.
فيستفاد منه بطريق المفهوم أن المجادل في آيات الله لإثباتها سيكون معه السلطان والقوة.
ولكن هل كل من معه حجة يستطيع أن يحتج بها ؟ لا، قد لا يستطيع، هو يعرف أنه على حق لكن لا يستطيع أن يجادل بها، ولهذا ينبغي للإنسان أن يعرف ما عند الأقوام من الباطل ليتمكن من ردهم، أما كونه لا يقرأ الباطل ويقول أنا كل ما ورد علي من باطل فعندي القدرة على دفاعه، فهذا قد يخذل الإنسان في مكان يحب أن ينتصر فيه، فلابد من أن يعرف الإنسان الباطل من أجل أن يرد عليه، ولهذا نرى العلماء المحققين يقرؤون كتب المناطقة والفلاسفة وغيرها ثم يردون عليها، وهذا إنما يكون في رجل رسخت قدمه في العلم، أما رجل ابتدأ طالبا فهذا لا نشير عليه أن يقرأ كتب أهل الضلال، وذلك لأنه ليس عنده منعة فيخشى أن يتأثر بهذه الكتب فيضل، لكن الراسخ في العلم نقول اقرأ حتى تعرف كيف ترد على هؤلاء .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن من جادل بحق فليس بمذموم لقوله: (( بغير سلطان )) إذ لو كان لهم سلطان لكانوا على حق لكن ليس لهم سلطان .
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المقت لله عز وجل وأنه يتفاضل، فيكون مقته على شخص أو طائفة أكبر من مقته على شخص أو طائفة آخرين، يؤخذ من قوله: (( كبر مقتا عند الله )).
وهل هذا المقت حقيقة أو يراد به لازمه وهو العقوبة ؟ الأول، هذا مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يقولون كل ما وصف الله به نفسه فهو على حقيقته، لكنه يجب أن نعلم أنه لا يماثل صفات المخلوقين، لأن الله أثبت ونفى، قال: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وهذه خذها جادة عندك امشي عليها في كل ما وصف الله به نفسه، لا تقل: هذا لا يراد به ظاهره، كل ما وصف الله به نفسه فإنه يراد به ظاهره لكن ينزه عن مماثلة المخلوقين. إذن الله سبحانه وتعالى يمقت ويبغض ويكره ويحب حقا على حقيقته، ولكنه لا يماثل صفات المخلوقين.
وذهب أهل التعطيل الذين يحكمون على الله بعقولهم لا بكلامه وبكلام رسوله، ذهبوا إلى أن مثل هذه الأوصاف يجب وجوبا أن تأول إلى لوازمها، فيقولون مثلا: المقت المراد به الانتقام والعقوبة، وليس البغض أو الكراهة أو أشد من ذلك، فيقال لهم: إذا فسرتم ذلك بالعقوبة ارتكبتم محذورين:
المحذور الأول: إخراج كلام الله عن ظاهره.
والمحذور الثاني: إثبات معنى لا يراد به.
وهكذا كل محرف نقول أنه ارتكب محذورين:
الأول: إخراج الكلام عن ظاهره، وهذه جناية لا شك حيث سلب اللفظ معناه، والثاني: إثبات معنى لا يراد باللفظ، وهذا عدوان أيضا، فكل مؤول فإنه يرتكب هذين المحذورين.
والعجب أنهم يسمون أنفسهم أهل التأويل، والصواب أنهم أهل التحريف، لكن هم تسموا بهذا الاسم تلطيفا لما هم عليه من الباطل، لأن التأويل يراد به حق ويراد به باطل، إذا أولنا الكلام بما يريد به المتكلم فهذا حق، لكن بخلافه هذا باطل، وهذا هو الذي هم عليه، ولكن عدلوا عن اسم التحريف إلى اسم التأويل، وانظر إلى دقة عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية قال: " من غير تحريف ولا تعطيل " ولم يقل: من غير تأويل، مع أن أكثر الذين يتكلمون في العقائد أو يكتبون في العقائد يقولون: من غير تأويل، ولكن ما قاله هو الصحيح، لأن كل تأويل لا يدل عليه الدليل فهو تحريف طيب.
إذن نحن نثبت لله بأنه يمقت ويكره ويبغض حقا على حقيقته، وأما العقوبة فهي من لازم ذلك، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله وغيره قال: أنتم إذا أثبتم أن الله يعاقب فقد أثبتم أن الله يكره بطريق اللزوم، إذ لا يعاقب إلا من يكرهه، لا يمكن أن يعاقب من يحب، فأنتم لما فررتم من إثبات الكراهة أو المقت وقعتم فيه من وجه آخر، نقول: إذا أثبتم العقوبة فلا عقوبة إلا بعد مقت وكراهة، هذا أمر ضروري، لأنه لا يمكن لأحد يحب شخصا أن يقوم ويضربه، طيب.
من فوائد الآية الكريمة: إثبات العندية لله: (( عند الله )). ثم العندية نوعان:
عندية وصف، وعندية قرب، فقول الله تبارك وتعالى: (( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عند عبادته )) هذه عندية قرب، وقوله هنا: (( كبر مقتا عند الله )) عندية وصف، لأن المقت ليس شيئا منفصلا بائنا عن الله حتى يكون عندية قرب، بل هذا عندية وصف، كما تقول للشخص: أنت عندي عزيز، تقوله وهو بعيد منك، وليس المعنى أنت عندي عزيز يعني قريب، هذه عندية وصف أي أن عزتك عندي قائمة بي.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما يكرهه الله فإن المؤمنين يكرهونه لقوله: (( وعند الذين آمنوا )) وهذه علامة الإيمان خذها قياسا وميزان عدل، متى رأيت من نفسك أنك تكره ما يكرهه الله وتحب ما يحبه الله فذلك الإيمان، دل عليه هذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث، ودل عليها العقل أيضا، لأن من كمال المحبة والإيمان أن تحب ما يحبه من تحب وتكره ما يكرهه .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: فضيلة الإيمان حيث يكون المؤمن دائرا مع الله عز وجل في محبة ما يحب وكراهة ما يكره .
2 - فوائد قوله تعالى : (( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ... )) . أستمع حفظ
تتمة فوائد قوله تعالى : (( ... كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )) .
ومن فوائد الآية الكريمة أيضا: التحذير من الجبروت وهو التعاظم على الغير والشدة عليه وما أشبه ذلك لقوله: (( كل متكبر جبار )) إذا في الآية التحذير من الكبر والجبروت.
ومن فوائد الآية: الرد على من قيل: " الكمال أن تتصف بصفات الكامل " يعنون الله، ولا أكمل من الله.
نقول: هذه قاعدة من أقبح القواعد، ولا يمكن للإنسان أن يجاري الله تعالى بأوصافه، فالتكبر والجبروت والتعالي والتعاظم بالنسبة لله ؟ كمال، وبالنسبة لنا ؟ نقص وعيب، وسبب للبلاء، وبهذا بطلت هذه القاعدة التي لا أساس لها من الصحة.
حتى إن بعضهم وضع حديثا قال: " تخلقوا بأخلاق الله " أعوذ بالله، هل نسمي أوصاف الله أخلاقا ؟ أبدا، لا نسميها، لأن كلمة أخلاق قد تدل على خلق كسبي، والأخلاق نوعان:
غريزي وكسبي، لا إشكال في هذا، ولهذا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس قال : ( إن فيك لخلقين يحبهما الله الحلم والأناة ) قال: يا رسول الله أخلقان تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما قال: (بل جبلك الله عليهما ) قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب، أو كلمة نحوها، فالأخلاق كسبي وغريزي، ولا يمكن أن نسمي أوصاف الله تعالى أخلاقا له، بل نقول أوصاف وصفات وما أشبه ذلك، على أن من العلماء من أنكر أن تقول لله صفة مثل ابن حزم رحمه الله تعالى، قال: إياك أن تقول لله صفة، الله ما له صفة، الأسماء لا بأس، صفة لا، لكنه محجوج بقول الرجل الذي كان يقرأ قل هو الله أحد قال: ( إنها صفة الرحمن وأحب أن أقرأها ).
فعلى كل حال نحن نقول: إن هذه الآية تدل دلالة واضحة على كذب هذه القاعدة التي قعدها من قعدها من الناس، ونحن نقول لكل مؤمن تخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأن نبينا صلى الله عليه وسلم لنا أسوة نعم.
تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )) بتنوين (( قلب )) ودونه ، ومتى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس و كل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب .
وقوله: " وبالعكس " فيه نظر، لأنه يقتضي أن يتكبر صاحب القلب قبل القلب، لأنك إذا عكست العبارة: متى تكبر القلب تكبر صاحبه، متى تكبر صاحب القلب تكبر القلب، هل هذا صحيح ؟ لا، لكن مراده رحمه الله أن تكبر القلب وتكبر النفس متلازمان، إن تكبر القلب تكبرت النفس، وإن تكبرت النفس كان ذلك دليلا على أن القلب متكبر.
" وكل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب " الظاهر أن القلوب أصلح ...
طيب كلام المؤلف الآن يقول: إن الكلية هنا تعود على الفرد لا على الأفراد (( على كل قلب )) يعني على كل القلب لا على بعضه، وليست لعموم القلوب، يعني ليست لعموم كل قلب على حدة، ولكن ما ذهب إليه ليس بصواب، بل نقول على كل القلوب، والعموم مستفاد من كلمة يطبع على القلب لا على بعضه، فإذا قلنا إنها لعموم القلوب شملت عموم القلب ولا عكس، ثم إن ظاهر السياق (( على كل قلب متكبر )) إذا نظرنا إلى السياق ماذا نفهم ؟ هل نفهم أن جميع القلوب المتكبرة يطبع عليها أو نفهم أن القلب الواحد يطبع على جميعه لا على بعضه ؟ الأول لا شك، هذا ظاهر السياق، وهذا كما أنه ظاهر السياق فهو أشمل في المعنى، لأنه إذا قيل: كذلك يطبع الله على كل القلوب المتكبرة الجبارة، الطبع على القلب يشمل الطبع على جميعه، ما لم يوجد دليل على أن المراد الطبع على بعضه، وحينئذ يكون الصواب عكس ما قال المؤلف.
الصواب أن هذا لعموم القلوب وليس لعموم القلب، لكن ليت شعري هل فهمتم الفرق، طيب. إذا قلنا إنها لعموم القلب صار معنى الآية: أن الله يطبع على القلب كله لا على جميع القلوب، فيخرج بذلك بعض القلب، ما يطبع على بعض، يطبع على القلب كله، لكنه مثلا على قلب فلان من الناس.
إما إذا قلنا أنها لعموم القلوب صارت معنى الآية أن الله يطبع على جميع القلوب المتكبرة، في أي واحد من الناس، فإذا قلنا لعموم القلوب صارت عامة لأفراد القلوب، إذا قلنا لعموم القلب صارت عامة للقلب الواحد، يعني والقلوب الأخرى مسكوت عنها، هذا وجه الفرق.
ولكن نقول الصواب أن معنى قوله: (( على كل قلب متكبر )) يعني من جميع الناس، وإذا قال: طبع على القلب، فالمعنى أنه على جميع القلب ما لم ينص على أن المراد بعض القلب ...
أي نعم، والطبع ما ينقسم، الطبع ختم على القلب ما فيه نافذة يخرج منها، ... القلوب باعتبار الأفراد تنقسم إلى ثلاثة أقسام، لكن القلب الواحد ما ينقسم، ... هذا هو يعني معناه لا على بعضه، ولذلك كلام المؤلف فيه نظر من عدة وجوه، كلما تأملت عرفت أنه خطأ، والمحشي ( الجمل ) يقول: " فليتأمل " تأملناه ووجدناه غير صحيح.
4 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )) بتنوين (( قلب )) ودونه ، ومتى تكبر القلب تكبر صاحبه وبالعكس و كل على القراءتين لعموم الضلال جميع القلوب لا لعموم القلب . أستمع حفظ
نوح ولوط عليهما السلام ما الحكمة في بقائهما مع أزواجهم وهما كافرتان .؟
الشيخ : ما دام الله يقول: (( فخانتاهما )) وقال له: (( فأسر بأهلك ... إلا امرأتك )) ما كانوا يعلمون، وهذه لأجل الاعتبار بالنسبة لزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنت تعرف السورة هذه كلها نزلت شبه معاتبة لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم: (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير )).
سمعت واحدا من المتثيقفين يقول: هذه الآية فيها دليل على عظم كيد المرأة، إن الله تحاشا هو وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة على امرأتين من زوجات الرسول، وهذا غلط عظيم، ليس المقصود بهذا بيان قوة المرأتين، المقصود بيان عناية الله عز وجل برسوله، وأنكما إن تظاهرتما عليه فله أولياء، فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير.
ما مراد صاحب الجلالين في قوله تعالى : (( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )) جميع القلوب لا لعموم القلب .؟
الشيخ : لا، ليس هذا مراده، مراده مثلا قلب زيد وعمرو وبكر وخالد هذه القلوب، لكن إذا قلنا لعموم القلب صار معناه قلب زيد فقط، الطبع عام له، ما نقول لعموم القلب، نقول لعموم القلوب، هذا عام في كل قلب متكبر، ففرق بين أن تقول الكلية هذه للأجزاء أو للأفراد، إن قلنا لعموم الأجزاء صار معناه لعموم القلب، وإن قلنا لعموم الأفراد صار جميع القلوب، كل قلب متصف لو يكون مئات الملايين متصف بهذا فهو مطبوع عليه، ولا شك أن كلام المؤلف رحمه الله ما له وجه إطلاق، ولكن سبحان الله.
6 - ما مراد صاحب الجلالين في قوله تعالى : (( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )) جميع القلوب لا لعموم القلب .؟ أستمع حفظ
قراءة الطالب للآيات الكريمات .
تفسير قوله تعالى : (( وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب )) .
(( وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا )) هامان وزيره وقوله: (( ابن لي صرحا )) يعني مر من يبني لي ذلك، لأن من المعلوم أن الوزير لن يباشر بناء الصرح (( صرحا )) قال المفسر: " بناء عاليا " يعني رفيعا.
(( لعلي أبلغ الأسباب )) لعل هنا للتعليل، وهي تأتي للتعليل تارة، وللإشفاق تارة، وللترجي تارة.
فمن مجيئها للتعليل هذه الآية وقوله تعالى : (( إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )) هذه للتعليل، وكلما جاءت لعل في حق الله عز وجل فإنها للتعليل، لأن الرب عز وجل لا يترجى، إذ أن كل شيء عليه هين.
وتأتي للإشفاق مثل أن تقول: لعل الحبيب هالك، يعني أخشى أن يكون هالك.
وتأتي للترجي مثل: حضرت إلى الدرس فلعلي أفهم، لو قلت: لعلي أفهم، احتمل أن تكون للتعليل، فإذا قلت فعلي صارت للترجي.
وتكون أيضا للتوقع كما لو قلت لشخص تخاطبه: لعلك فاهم، وهذه المعاني التي تأتي للحروف بل وللأسماء أيضا وللأفعال إذا كانت متعددة فالذي يعينها السياق وقرائن الأحوال.
تفسير قوله تعالى (( أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب )) .
فإن قال قائل: لماذا لم يقع الكلام مبينا من أول الخطاب فيقال: لعلي أبلغ أسباب السماوات ؟
قلنا: إن الإبهام أولا ثم التفصيل والبيان ثانيا أوقع في النفس، لأن الشيء إذا جاء مبهما ثم بين صار البيان وقع عند تشوف النفس لمعرفة هذا المبهم، يعني لو جاء الكلام مبين من أول الأمر لكان سهلا على النفوس، لكن إذا جاء أولا مبهما تشوفت النفس لمعرفة هذا المبهم، ثم جاء البيان والنفس مستعدة لقبوله متشوفة إلى الوصول إليه.
9 - تفسير قوله تعالى (( أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( أسباب السموات )) طرقها الموصلة إليها (( فأطلع )) بالرفع عطفا على ( أبلغ ) وبالنصب جوابا لابن (( إلى إله موسى وإني لأظنه )) أي موسى (( كاذبا )) في أن له إلها غيري قال فرعون ذلك تمويها (( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل )) .
واعلم أن القراءتين الواردتين في القرآن الكريم هما أحد الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها، فإن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولما كان في زمن عثمان رضي الله عنه أمر أن يجعل القرآن على حرف واحد هو حرف قريش، يعني لغتها، فهذه القراءات الموجودة ليست هي الأحرف السبعة، بل هي على حرف واحد.
الثاني: اعلم أن القراءتين كلتاهما صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنها نقلت بالتواتر.
ثالثا: اعلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يقرأ بين العامة بقراءة تخالف ما في أيديهم من المصاحف، لأن ذلك يوجب التشويش والارتباك واتهام القارئ، وربما تهبط عظمة القرآن في قلوبهم بسبب هذا الاختلاف، أما فيما بينك وبين نفسك فالأفضل أن تقرأ بهذا تارة وبهذا تارة بشرط أن تكون عالما غير متخبط، وإنا قلنا أن هذا هو الأفضل لأن كل من القراءتين قد قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا مثل العبادات الواردة على وجوه متنوعة كالاستفتاحات والتشهد وما أشبه ذلك، لكن هذا بين وبين نفسك، أو في مقام التعليم إذا كنت تعلم الطلبة.
(( لعلي أبلغ الأسباب فاطلع إلى إله موسى )) يعني أصل إليه وأنظر هل هذا حق أو غير حق، ثم استدرك خوفا من أن يقول أحد من جنوده إنه حق فقال: " (( وإني لأظنه )) أي موسى (( كاذبا )) في أن له إلها غيري " قال هذا تمويها على أصحابه، وخوفا أن يقع في نفوسهم شيء حين أمر وزيره أن يبني له صرحا، قال: (( وإني لأظنه كاذبا )) وفرعون في هذه المقالة كاذب، هو لا يظن أن موسى كاذب.