تفسير سورة غافر-10b
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير القرآن الكريم
تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه )) أي موسى (( كاذبا )) في أن له إلها غيري قال فرعون ذلك تمويها (( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل )) طريق الهدى بفتح الصاد وضمها (( وما كيد فرعون إلا في تباب )) خسار .
فقال: " (( وإني لأظنه )) أي موسى (( كاذبا )) في أن له إلها غيري " قال هذا تمويها على أصحابه، وخوفا من أن يقع في نفوسهم شيء حين أمر وزيره أن يبني له صرحا، قال: (( وإني لأظنه كاذبا )) وفرعون في هذه المقالة كاذب، هو لا يظن أن موسى كاذب بل يعلم أنه صادق لقول الله تبارك وتعالى عن موسى أنه قال له أي لفرعون: (( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر )) قال هذا الكلام: (( لقد علمت )) قال هذا مؤكدا إياه بالقسم واللام وقد، ويخاطب هذا الرجل القادر على إنكار ما قاله موسى لو كان كذبا قال له: (( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا )) فرعون هل له مانع يمنعه أن يقول لم أعلم ؟ لا، هو قادر، لكنه يعلم أنه يعلم أنه ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر.
وقال الله تعالى : (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما )) هذه مفعول من أجله لجحدوا ما هي لاستيقن، جحدوا بها ظلما، فالمهم أن قوله: (( وإني لأظنه كاذبا )) هذه الجملة كذب أو حق ؟ هو كاذب، يقول لأظنه كاذبا وهو كاذب، هو يعلم أنه صادق، لكنه قال ذلك تمويها لقومه وخوفا من أن يقع في قلوبهم شيء من الشك. قال الله تعالى عن فرعون: (( وإني لأظنه كاذبا )) يقول المفسر: " قال فرعون ذلك تمويها ".
(( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل )) نعم وكذلك: أي مثل هذا الفعل أو مثل هذا التزيين، أيهما الذي على القاعدة ؟ الثاني، لأننا قلنا أن كذلك تكون مفعولا مطلقا للفعل الذي بعدها، أي مثل هذا التزيين الذي زين لفرعون، وهذا التمويه والترويج لقومه زين لفرعون سوء عمله، والذي زينه الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وقد يقال والله عز وجل، لأن الله يضل من يشاء، كما قال تعالى: (( كذلك زينا لكل أمة عملهم )) فالله تعالى زينه قدرا بمعنى أنه حجب عنه الهدى، ثم زين له الشيطان والنفس الأمارة بالسوء أن يعمل هذا العمل.
(( سوء عمله وصد عن السبيل )) والسبيل هنا فيها ال التي للعهد، أي العهود الثلاثة ؟ الذكري أو الحضوري أو الذهني ؟ الذهني، (( عن السبيل )) الذي هو سبيل الهدى ولهذا قال المؤلف: " طريق الهدى وفيها قراءتان ( صد ) بفتح الصاد وضمها " صُد هذه بضم الصاد على أنها مبنية لما لم يسم فاعله، صَد بفتح الصاد على أنها مبنية لما سمي فاعله، ولكن هل هي متعدية أو لازمة ؟ هل معنى أنه صد بنفسه أو صد غيره ؟ تشمل المعنيين، لأنها لفظ مشترك صالح للمعنيين جميعا، والقاعدة في التفسير أن كل لفظ يصلح لمعنيين لا يتنافيان فإنه يحمل عليهما جميعا، إلا إذا كان في أحدهما ما يرجحه فيعمل بما يترجح.
(( وصد عن السبيل )) قال الله تبارك وتعالى : (( وما كيد فرعون إلا في تباب )) الكيد والمكر والخداع وما أشبهها كلها كلمات متقاربة، ومعناها أن يتوصل الإنسان بالأسباب الخفية إلى مقصوده بخصمه، كل إنسان يقصد من خصمه أن يكون مغلوبا، فيتوصل إلى هذا بأسباب خفية لا يعلم بها الخصم إلى الوصول إلى هذا، طيب فرعون كاد كيدا في أن يقول لهامان: ابن لي صرحا، من أجل أن يرقى على هذا الصرح فإذا وصل غايته نظر أمام الناس ثم نزل وقال: لم أجد رب موسى، وهذا تمويه، لاسيما على العامة، لاسيما على عامة كآل فرعون الذين قد بهرهم هذا الظالم الطاغية، فكل شيء يكون عندهم حقيقة، لكن هل هذا الكيد ينفعه ؟ قال الله تعالى : (( وما كيد فرعون إلا في تباب ) أي إلا في خسارة.
ما هنا حجازية أو تميمية ؟ هي حجازية مهملة، يعني أنها لا تعمل، وأبطل عملها الإثبات، وابن مالك يقول: إعمال ليس أعملت ما دون إن مع بقا النفي
والنفي هنا لم يبقى، فعلى هذا نقول هي مهملة لبطلان النفي وانتفائه بإلا .
وقال الله تعالى : (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما )) هذه مفعول من أجله لجحدوا ما هي لاستيقن، جحدوا بها ظلما، فالمهم أن قوله: (( وإني لأظنه كاذبا )) هذه الجملة كذب أو حق ؟ هو كاذب، يقول لأظنه كاذبا وهو كاذب، هو يعلم أنه صادق، لكنه قال ذلك تمويها لقومه وخوفا من أن يقع في قلوبهم شيء من الشك. قال الله تعالى عن فرعون: (( وإني لأظنه كاذبا )) يقول المفسر: " قال فرعون ذلك تمويها ".
(( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل )) نعم وكذلك: أي مثل هذا الفعل أو مثل هذا التزيين، أيهما الذي على القاعدة ؟ الثاني، لأننا قلنا أن كذلك تكون مفعولا مطلقا للفعل الذي بعدها، أي مثل هذا التزيين الذي زين لفرعون، وهذا التمويه والترويج لقومه زين لفرعون سوء عمله، والذي زينه الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وقد يقال والله عز وجل، لأن الله يضل من يشاء، كما قال تعالى: (( كذلك زينا لكل أمة عملهم )) فالله تعالى زينه قدرا بمعنى أنه حجب عنه الهدى، ثم زين له الشيطان والنفس الأمارة بالسوء أن يعمل هذا العمل.
(( سوء عمله وصد عن السبيل )) والسبيل هنا فيها ال التي للعهد، أي العهود الثلاثة ؟ الذكري أو الحضوري أو الذهني ؟ الذهني، (( عن السبيل )) الذي هو سبيل الهدى ولهذا قال المؤلف: " طريق الهدى وفيها قراءتان ( صد ) بفتح الصاد وضمها " صُد هذه بضم الصاد على أنها مبنية لما لم يسم فاعله، صَد بفتح الصاد على أنها مبنية لما سمي فاعله، ولكن هل هي متعدية أو لازمة ؟ هل معنى أنه صد بنفسه أو صد غيره ؟ تشمل المعنيين، لأنها لفظ مشترك صالح للمعنيين جميعا، والقاعدة في التفسير أن كل لفظ يصلح لمعنيين لا يتنافيان فإنه يحمل عليهما جميعا، إلا إذا كان في أحدهما ما يرجحه فيعمل بما يترجح.
(( وصد عن السبيل )) قال الله تبارك وتعالى : (( وما كيد فرعون إلا في تباب )) الكيد والمكر والخداع وما أشبهها كلها كلمات متقاربة، ومعناها أن يتوصل الإنسان بالأسباب الخفية إلى مقصوده بخصمه، كل إنسان يقصد من خصمه أن يكون مغلوبا، فيتوصل إلى هذا بأسباب خفية لا يعلم بها الخصم إلى الوصول إلى هذا، طيب فرعون كاد كيدا في أن يقول لهامان: ابن لي صرحا، من أجل أن يرقى على هذا الصرح فإذا وصل غايته نظر أمام الناس ثم نزل وقال: لم أجد رب موسى، وهذا تمويه، لاسيما على العامة، لاسيما على عامة كآل فرعون الذين قد بهرهم هذا الظالم الطاغية، فكل شيء يكون عندهم حقيقة، لكن هل هذا الكيد ينفعه ؟ قال الله تعالى : (( وما كيد فرعون إلا في تباب ) أي إلا في خسارة.
ما هنا حجازية أو تميمية ؟ هي حجازية مهملة، يعني أنها لا تعمل، وأبطل عملها الإثبات، وابن مالك يقول: إعمال ليس أعملت ما دون إن مع بقا النفي
والنفي هنا لم يبقى، فعلى هذا نقول هي مهملة لبطلان النفي وانتفائه بإلا .
1 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه )) أي موسى (( كاذبا )) في أن له إلها غيري قال فرعون ذلك تمويها (( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل )) طريق الهدى بفتح الصاد وضمها (( وما كيد فرعون إلا في تباب )) خسار . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب )) .
في هذه الآية فوائد: من فوائد هذه الآية استعلاء فرعون وترفعه، وذلك بتوجيه الأمر إلى وزيره أن يبني له صرحا، وتأمل قوله: (( ابن لي )) ولم يقل ابن، لأن هذا أعظم في الترفع والتعاظم، إذ لو قال: ابن، لكان لأي أحد يبني، فيه إبهام، لكن إذا قال: لي، دل هذا على أنه استخدم هذا الرجل الذي هو الوزير استخداما تاما.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن اتخاذ الوزراء كان عرفا قديما سواء كان وزيرا في الخير أو وزيرا في الشر، فمن وزراء الخير قول موسى عليه السلام: (( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي )) وقول علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم حين سأله زعماء الشيعة وهم الرافضة عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فترحم عليهما، وقال في الثناء عليها: " هما وزيرا جدي " يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فرفضوه لأنهم قد زين لهم سوء عملهم بأن كل من أحب أبا بكر وعمر فقد أبغض عليا، وعلى هذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم مبغضا لعلي، لأنه سئل أي الرجال أحب إليك قال: ( أبو بكر ) فعلى قاعدتهم يكون الرسول مبغض لعلي، فانظر كيف كانت عاقبة هذه القاعدة الفاسدة الباطلة نعم.
من فوائد هذه الآية الكريمة: جواز نسبة الشيء إلى الآمر به دون فاعله، تؤخذ من قوله: (( ابن لي صرحا )) وهو لا يريد أن هامان يتولى البناء بنفسه بل يأمر لأنه وزير .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات علو الله تعالى العلو الذاتي في الشرائع السابقة، تؤخذ من قوله: (( ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات )) فهذا يدل على أن موسى عليه السلام قد أبلغه بأن الله في السماء.
وهذا أعني علو الله الذاتي أمر لا ينكر لأنه دلت عليه جميع الدلائل: الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، كلها دلت على علو الله عز وجل العلو الذاتي، وأنه سبحانه وتعالى في السماء، وأنه لا يمكن أن يكون في الأرض، ونحن نركز على هذه النقطة لأهميتها لأنها تتعلق بالعقيدة.
أما القرآن فما أكثر الأدلة المتنوعة الدالة دلالة قاطعة على علو الله الذاتي.
وكذلك السنة دلت على ذلك قولا وفعلا وإقرارا، فالنبي عليه الصلاة والسلام أثبت علو الله الذاتي بقوله وبفعله وبإقراره، أما بقوله فإنه عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده: ( سبحان ربي الأعلى ).
وأما في فعله فأشار إلى علو الله تعالى في الوقوف بعرفة حين خطب الناس وقال: ( اللهم اشهد ).
وأما إقراره فبإقراره الجارية التي قالت: في السماء لما سألها: ( أين الله ؟ ).
وأما الإجماع: فقد أجمع السلف على ذلك ما منهم أحد قال: إن الله ليس في السماء، وما منهم أحد قال: إن الله في الأرض، وما منهم أحد قال: إن الله لا يوصف بعلو ولا سفول ولا محايثة ولا مجانبة، يعني ما منهم أحد قال: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل كما قاله المعطلة،
فإذا قال قائل: نسلم أنه لم يرد عنهم النفي، فما هو دليل الإثبات ؟ فنقول: دليل ذلك أن كل نص في القرآن والسنة لم يأتي عن الصحابة خلافه فإننا نعلم علم اليقين أنهم يقولون به، لأن القرآن نزل بلغتهم ويعرفونه، فإذا خوطبوا بهذا ولم يرد عنهم خلافه دل ذلك على أنهم قائلون به، وهذه نقطة مهمة تنفعك عند المناظرة مع الخصوم، إذا قال لك: أين قال الصحابة أن الله في العلو مثلا ؟ تقول: قال الصحابة ذلك لأن كل نص جاء بإثبات العلو ولم يرد عن الصحابة خلافه فإنهم قائلون به قطعا، لأنه نزل بلغتهم وعرفوه وفهموه على ما أراد الله عز وجل.
وأما العقل: فلو سألت أي إنسان هل العلو صفة كمال أو النزول ؟ لقال لك: العلو، ولو قلت: العلو صفة أكمل أو المحاذاة ؟ لقال لك: العلو، إذن فالعلو دل العقل على ثبوته لله عز وجل.
وأما الفطرة: فلا تسأل، اسأل عجوزا من العجائز لم تقرأ في كلام المتكلمين المعطلين ماذا تقول لك ؟ لو سألتها: أين الله ؟ قالت: في السماء، ولا تعرف إلا ذلك، والعجب أن نفس القائلين بالنفي إذا دعوا الله عز وجل رفعوا أيديهم قهرا عليهم إلى السماء، وهذا شيء مسلم.
وادعاؤهم أنهم يقولون: إن السماء قبلة الداعي كما أن الكعبة قبلة المصلي، نقول إذن أنتم تدعون السماء، فوقعتم في الشرك من حيث لا تعلمون، وعلى كل حال الحمد لله أن علو الله عز وجل أمر فطري لا يحتاج إلى تعلل ولا تكلف، ومع ذلك جميع الأدلة دلت عليه.
ثم يأتي أقوام أعمى الله تعالى بصائرهم فيقولون: إن الله تعالى ليس في العلو، فماذا يقولون ؟ استمع:
منهم من يقول: إن الله في كل مكان، وهؤلاء حلولية الجهمية، أن الله في كل مكان في المساجد في الأسواق في البيوت في الجو في السماء والعياذ بالله في المراحيض في كل مكان، وهذا باطل كما تبطل الشمس ظلمة الليل، لأنه يلزم منه واحد من أمرين ولابد:
إما أن يكون الله متعددا، وإما أن يكون الله متجزئا بعضه هنا وبعضه هناك، أو متعددا واحد هنا وواحد هناك، هذا بقطع النظر عما يلزم عليه من اللوازم الفاسدة التي توجب أن يكون الله في أقذر الأمكنة وأنتن الأمكنة.
والقول الثاني: لمن ينكرون علو الله الذاتي يقولون: لا نقول إن الله فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه، وين يروح ؟ عدم، يعني قال بعض العلماء: لو قيل صفوا لنا العدم لم نجد وصفا أشمل من هذا، فحقيقة الأمر أنهم لا يعبدون الله، وأنه ليس لهم إله إطلاقا.
نعود إلى التفسير فنقول: في الآية دليل على علو الله الذاتي.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن اتخاذ الوزراء كان عرفا قديما سواء كان وزيرا في الخير أو وزيرا في الشر، فمن وزراء الخير قول موسى عليه السلام: (( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي )) وقول علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم حين سأله زعماء الشيعة وهم الرافضة عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فترحم عليهما، وقال في الثناء عليها: " هما وزيرا جدي " يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فرفضوه لأنهم قد زين لهم سوء عملهم بأن كل من أحب أبا بكر وعمر فقد أبغض عليا، وعلى هذا يكون النبي صلى الله عليه وسلم مبغضا لعلي، لأنه سئل أي الرجال أحب إليك قال: ( أبو بكر ) فعلى قاعدتهم يكون الرسول مبغض لعلي، فانظر كيف كانت عاقبة هذه القاعدة الفاسدة الباطلة نعم.
من فوائد هذه الآية الكريمة: جواز نسبة الشيء إلى الآمر به دون فاعله، تؤخذ من قوله: (( ابن لي صرحا )) وهو لا يريد أن هامان يتولى البناء بنفسه بل يأمر لأنه وزير .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات علو الله تعالى العلو الذاتي في الشرائع السابقة، تؤخذ من قوله: (( ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات )) فهذا يدل على أن موسى عليه السلام قد أبلغه بأن الله في السماء.
وهذا أعني علو الله الذاتي أمر لا ينكر لأنه دلت عليه جميع الدلائل: الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، كلها دلت على علو الله عز وجل العلو الذاتي، وأنه سبحانه وتعالى في السماء، وأنه لا يمكن أن يكون في الأرض، ونحن نركز على هذه النقطة لأهميتها لأنها تتعلق بالعقيدة.
أما القرآن فما أكثر الأدلة المتنوعة الدالة دلالة قاطعة على علو الله الذاتي.
وكذلك السنة دلت على ذلك قولا وفعلا وإقرارا، فالنبي عليه الصلاة والسلام أثبت علو الله الذاتي بقوله وبفعله وبإقراره، أما بقوله فإنه عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده: ( سبحان ربي الأعلى ).
وأما في فعله فأشار إلى علو الله تعالى في الوقوف بعرفة حين خطب الناس وقال: ( اللهم اشهد ).
وأما إقراره فبإقراره الجارية التي قالت: في السماء لما سألها: ( أين الله ؟ ).
وأما الإجماع: فقد أجمع السلف على ذلك ما منهم أحد قال: إن الله ليس في السماء، وما منهم أحد قال: إن الله في الأرض، وما منهم أحد قال: إن الله لا يوصف بعلو ولا سفول ولا محايثة ولا مجانبة، يعني ما منهم أحد قال: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالخلق ولا منفصل كما قاله المعطلة،
فإذا قال قائل: نسلم أنه لم يرد عنهم النفي، فما هو دليل الإثبات ؟ فنقول: دليل ذلك أن كل نص في القرآن والسنة لم يأتي عن الصحابة خلافه فإننا نعلم علم اليقين أنهم يقولون به، لأن القرآن نزل بلغتهم ويعرفونه، فإذا خوطبوا بهذا ولم يرد عنهم خلافه دل ذلك على أنهم قائلون به، وهذه نقطة مهمة تنفعك عند المناظرة مع الخصوم، إذا قال لك: أين قال الصحابة أن الله في العلو مثلا ؟ تقول: قال الصحابة ذلك لأن كل نص جاء بإثبات العلو ولم يرد عن الصحابة خلافه فإنهم قائلون به قطعا، لأنه نزل بلغتهم وعرفوه وفهموه على ما أراد الله عز وجل.
وأما العقل: فلو سألت أي إنسان هل العلو صفة كمال أو النزول ؟ لقال لك: العلو، ولو قلت: العلو صفة أكمل أو المحاذاة ؟ لقال لك: العلو، إذن فالعلو دل العقل على ثبوته لله عز وجل.
وأما الفطرة: فلا تسأل، اسأل عجوزا من العجائز لم تقرأ في كلام المتكلمين المعطلين ماذا تقول لك ؟ لو سألتها: أين الله ؟ قالت: في السماء، ولا تعرف إلا ذلك، والعجب أن نفس القائلين بالنفي إذا دعوا الله عز وجل رفعوا أيديهم قهرا عليهم إلى السماء، وهذا شيء مسلم.
وادعاؤهم أنهم يقولون: إن السماء قبلة الداعي كما أن الكعبة قبلة المصلي، نقول إذن أنتم تدعون السماء، فوقعتم في الشرك من حيث لا تعلمون، وعلى كل حال الحمد لله أن علو الله عز وجل أمر فطري لا يحتاج إلى تعلل ولا تكلف، ومع ذلك جميع الأدلة دلت عليه.
ثم يأتي أقوام أعمى الله تعالى بصائرهم فيقولون: إن الله تعالى ليس في العلو، فماذا يقولون ؟ استمع:
منهم من يقول: إن الله في كل مكان، وهؤلاء حلولية الجهمية، أن الله في كل مكان في المساجد في الأسواق في البيوت في الجو في السماء والعياذ بالله في المراحيض في كل مكان، وهذا باطل كما تبطل الشمس ظلمة الليل، لأنه يلزم منه واحد من أمرين ولابد:
إما أن يكون الله متعددا، وإما أن يكون الله متجزئا بعضه هنا وبعضه هناك، أو متعددا واحد هنا وواحد هناك، هذا بقطع النظر عما يلزم عليه من اللوازم الفاسدة التي توجب أن يكون الله في أقذر الأمكنة وأنتن الأمكنة.
والقول الثاني: لمن ينكرون علو الله الذاتي يقولون: لا نقول إن الله فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا متصل بالعالم ولا منفصل عنه، وين يروح ؟ عدم، يعني قال بعض العلماء: لو قيل صفوا لنا العدم لم نجد وصفا أشمل من هذا، فحقيقة الأمر أنهم لا يعبدون الله، وأنه ليس لهم إله إطلاقا.
نعود إلى التفسير فنقول: في الآية دليل على علو الله الذاتي.
فوائد قوله تعالى : (( أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب )) .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن من بلاغة المتكلم أن يسلك أقرب الطرق إلى جذب المخاطب.
ومنها الإبهام ثم البيان لقوله: (( لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات )) وهذا كثير في القرآن وفي كلام البشر.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن السماوات جمع وعدد لقوله: (( السماوات )) وهي كما هي معروف سبعة، قال الله تعالى : (( وبنينا فوقكم سبعا شدادا )) وقال تعالى: (( قل من رب السماوات السبع ) وهذا متفق عليه، وهل السماوات هذه متراصة أو بينها فجوات ؟ الجواب الثاني، ويدل على ذلك دلالة قاطعة حديث المعراج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرج من سماء إلى سماء .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن رؤساء الضلال وأئمة الضلال يدعون الناس إلى الضلال بكل ما يستطيعون، ويحاولون أن يحولوا بينهم وبين الحق، لقوله: (( وإني لأظنه كاذبا )) وقد بينا في التفسير لماذا قال هذه الكلمة، فلا تغتر برؤساء الضلال وأئمة الضلال وما يقولون من التمويه والدجل، وليس هذا مقصورا على أئمة السلطة الذين لهم السلطة، بل حتى على أئمة الدعوة الذين يدعون الناس إلى أفكارهم الهدامة وأخلاقهم السافلة، تجد عندهم من التمويه والتضليل ما يوجب أن يكون فخا يقع به من ليس له بصيرة .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يبتلي العبد فيزين له سوء عمله لقوله: (( وكذلك زين لفرعون سوء عمله )) ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى: (( كذلك زينا لكل أمة عملهم )) وقوله تعالى: (( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)) فاحرص على الانتباه لهذه المسألة، فإن الإنسان قد يزين له سوء العمل، والتزيين نوعان:
النوع الأول: أن يرى الإنسان هذه السيئة حسنة، وهذا أعظم النوعين.
النوع الثاني: ألا يراه سيئا فيميل إليه بهواه، ويقول: هذا سهل وليس فيه شيء، هذا من التزيين في الواقع، لأن من لا يرى السيئ سيئا فإنه سيقع فيه، إما رغبة فيه لأنه زين له، وإما لهوى في نفسه لأنه لا يراه سيئا.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن فرعون يصد الناس عن سبيل الله، فهو من أئمة الصد عن سبيل الله تعالى، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: (( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون )) فاحذر هؤلاء الأئمة، لا يخدعونك فإنهم يكيدون كيدا، والله تعالى يكيد كيدا لعبده المؤمن .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن فرعون أمر ببناء هذا الصرح مكايدة لا حقيقة، وإلا فمن المعلوم أنه سوف يخسر نفقات كثيرة على هذا الصرح العالي، لكنه لغرضه وهواه لا يهتم بذلك.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كيد المضلين والحمد لله في خسارة، كل مضل فكيده في خسارة، لأنه إذا كان كيد هذا الطاغية في خسارة فمن دونه من باب أولى ولا شك، ولهذا حصر كيده في الخسارة، ما هو إلا في خسارة، وقال الله تبارك وتعالى: (( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا )) أي كيدا أعظم من كيدهم.
وقال تعالى: (( أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون )) وهذه من أعظم الآيات التي تفرح المؤمن أن كيد الكافر يجعله هو المكيد. وجاءت الآية بالجملة الاسمية (( فالذين كفروا هم المكيدون )) وبضمير الفصل إشارة إلى ثبوت ذلك عليهم وتأكده، إلى ثبوته بكونه جاء بالجملة الاسمية، لأن الجملة الاسمية كما يقول أهل العلم تفيد الثبوت والاستقرار، وجاء بالحصر عن طريق ضمير الفصل (( فالذين كفروا هم المكيدون )).
وهذه الآيات والحمد لله تفرح المؤمن، لكن لاحظوا أن هذا وعد الله عز وجل وهو لا يخلف الميعاد، لكنه يحتاج إلى سبب، أن يكون من المؤمن عمل مضاد، وأن المؤمن إذا عمل العمل المضاد لكيد الكافرين يثق بوعد الله ويقول إن هذا الكيد سيكون عليهم وهم في خسارة منه، أما أن نقول: إن الله يكيد لهم وهم المكيدون، ولكننا ننام على فرشنا، وندع السباع تأكل الغنم فهذا غير صحيح، لابد من عمل: (( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم )) وما كيد فرعون إلا في تباب.
ومنها الإبهام ثم البيان لقوله: (( لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات )) وهذا كثير في القرآن وفي كلام البشر.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن السماوات جمع وعدد لقوله: (( السماوات )) وهي كما هي معروف سبعة، قال الله تعالى : (( وبنينا فوقكم سبعا شدادا )) وقال تعالى: (( قل من رب السماوات السبع ) وهذا متفق عليه، وهل السماوات هذه متراصة أو بينها فجوات ؟ الجواب الثاني، ويدل على ذلك دلالة قاطعة حديث المعراج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرج من سماء إلى سماء .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن رؤساء الضلال وأئمة الضلال يدعون الناس إلى الضلال بكل ما يستطيعون، ويحاولون أن يحولوا بينهم وبين الحق، لقوله: (( وإني لأظنه كاذبا )) وقد بينا في التفسير لماذا قال هذه الكلمة، فلا تغتر برؤساء الضلال وأئمة الضلال وما يقولون من التمويه والدجل، وليس هذا مقصورا على أئمة السلطة الذين لهم السلطة، بل حتى على أئمة الدعوة الذين يدعون الناس إلى أفكارهم الهدامة وأخلاقهم السافلة، تجد عندهم من التمويه والتضليل ما يوجب أن يكون فخا يقع به من ليس له بصيرة .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يبتلي العبد فيزين له سوء عمله لقوله: (( وكذلك زين لفرعون سوء عمله )) ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى: (( كذلك زينا لكل أمة عملهم )) وقوله تعالى: (( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)) فاحرص على الانتباه لهذه المسألة، فإن الإنسان قد يزين له سوء العمل، والتزيين نوعان:
النوع الأول: أن يرى الإنسان هذه السيئة حسنة، وهذا أعظم النوعين.
النوع الثاني: ألا يراه سيئا فيميل إليه بهواه، ويقول: هذا سهل وليس فيه شيء، هذا من التزيين في الواقع، لأن من لا يرى السيئ سيئا فإنه سيقع فيه، إما رغبة فيه لأنه زين له، وإما لهوى في نفسه لأنه لا يراه سيئا.
ومن فوائد الآية الكريمة: أن فرعون يصد الناس عن سبيل الله، فهو من أئمة الصد عن سبيل الله تعالى، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: (( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون )) فاحذر هؤلاء الأئمة، لا يخدعونك فإنهم يكيدون كيدا، والله تعالى يكيد كيدا لعبده المؤمن .
ومن فوائد الآية الكريمة: أن فرعون أمر ببناء هذا الصرح مكايدة لا حقيقة، وإلا فمن المعلوم أنه سوف يخسر نفقات كثيرة على هذا الصرح العالي، لكنه لغرضه وهواه لا يهتم بذلك.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كيد المضلين والحمد لله في خسارة، كل مضل فكيده في خسارة، لأنه إذا كان كيد هذا الطاغية في خسارة فمن دونه من باب أولى ولا شك، ولهذا حصر كيده في الخسارة، ما هو إلا في خسارة، وقال الله تبارك وتعالى: (( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا )) أي كيدا أعظم من كيدهم.
وقال تعالى: (( أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون )) وهذه من أعظم الآيات التي تفرح المؤمن أن كيد الكافر يجعله هو المكيد. وجاءت الآية بالجملة الاسمية (( فالذين كفروا هم المكيدون )) وبضمير الفصل إشارة إلى ثبوت ذلك عليهم وتأكده، إلى ثبوته بكونه جاء بالجملة الاسمية، لأن الجملة الاسمية كما يقول أهل العلم تفيد الثبوت والاستقرار، وجاء بالحصر عن طريق ضمير الفصل (( فالذين كفروا هم المكيدون )).
وهذه الآيات والحمد لله تفرح المؤمن، لكن لاحظوا أن هذا وعد الله عز وجل وهو لا يخلف الميعاد، لكنه يحتاج إلى سبب، أن يكون من المؤمن عمل مضاد، وأن المؤمن إذا عمل العمل المضاد لكيد الكافرين يثق بوعد الله ويقول إن هذا الكيد سيكون عليهم وهم في خسارة منه، أما أن نقول: إن الله يكيد لهم وهم المكيدون، ولكننا ننام على فرشنا، وندع السباع تأكل الغنم فهذا غير صحيح، لابد من عمل: (( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم )) وما كيد فرعون إلا في تباب.
3 - فوائد قوله تعالى : (( أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب )) . أستمع حفظ
قول فرعون : (( ابن لي صرحا )) قال بعض المفسرين أنه أراد التعجيز .؟
الطالب : ...
الشيخ : هذا لا يظهر، لأن كونه يقول: (( ابن لي صرحا )) ولا يبني هذا بعيد، إذ أنه سيقول والناس يسمعون، إما أن يكونوا حاضرين أو يبلغهم الخبر، وسيبني الصرح، نعم.
الشيخ : هذا لا يظهر، لأن كونه يقول: (( ابن لي صرحا )) ولا يبني هذا بعيد، إذ أنه سيقول والناس يسمعون، إما أن يكونوا حاضرين أو يبلغهم الخبر، وسيبني الصرح، نعم.
هل علم فرعون بأن الله في السماء كان ذلك بفطرته أم بإخبار موسى له .؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم سواء كان بفطرته أو بدعوة موسى، لكنه إذا قلنا بدعوة موسى ما بقي علينا شيء، أما بفطرته فقد تكون انحرفت كما جاء في الحديث: ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) لكن الشيء المؤكد لدينا الآن هو قول موسى وتقريره بأن الله في السماء.
الشيخ : نعم سواء كان بفطرته أو بدعوة موسى، لكنه إذا قلنا بدعوة موسى ما بقي علينا شيء، أما بفطرته فقد تكون انحرفت كما جاء في الحديث: ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) لكن الشيء المؤكد لدينا الآن هو قول موسى وتقريره بأن الله في السماء.
قراءة ابن مسعود في كفارة اليمين : ( متتابعات ) هل تعد متواترة أم تفسيرا للآية .؟
الطالب : بالنسبة لقراءة ابن مسعود هل هي ثابتة أم هو تفسير من الصحابي على أنه قرآن ... ؟
الشيخ : نعم، هات مثال.
الطالب : كقراءته في آيات الكفارة: ثلاثة أيام متتاليات، هل هي قراءة سبعية يقرأ بها، أو هي تفسير من الصحابي. ؟
الشيخ : هي ليست سبعية، لكن إذا صحت القراءة سندا فالصحيح جواز القراءة بها لا في الصلاة ولا في خارج الصلاة، وأما قول بعضهم: إنه لا يجوز القراءة إلا بالسبعيات وأنه لو قرأ بقراءة غير سبعية مما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن صلاته تبطل فهو ضعيف، ثم إن كلمة ( متتابعة ) ليست تفسيرا بل هي قيد، وابن مسعود رضي الله عنه لا يقرأ قراءة تكون قيدا في مطلق إلا وقد سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم، ... لا، ما هو لازم، لأن المهم النقل، إذا قال لك إنسان: فيها قراءة كذا، لابد أن تعرف أن الناقل ثقة، فإذا علمت أنه ثقة فلا حاجة أن تعرف من القارئ من القراء السبعة ما هو لازم.
الشيخ : نعم، هات مثال.
الطالب : كقراءته في آيات الكفارة: ثلاثة أيام متتاليات، هل هي قراءة سبعية يقرأ بها، أو هي تفسير من الصحابي. ؟
الشيخ : هي ليست سبعية، لكن إذا صحت القراءة سندا فالصحيح جواز القراءة بها لا في الصلاة ولا في خارج الصلاة، وأما قول بعضهم: إنه لا يجوز القراءة إلا بالسبعيات وأنه لو قرأ بقراءة غير سبعية مما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن صلاته تبطل فهو ضعيف، ثم إن كلمة ( متتابعة ) ليست تفسيرا بل هي قيد، وابن مسعود رضي الله عنه لا يقرأ قراءة تكون قيدا في مطلق إلا وقد سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم، ... لا، ما هو لازم، لأن المهم النقل، إذا قال لك إنسان: فيها قراءة كذا، لابد أن تعرف أن الناقل ثقة، فإذا علمت أنه ثقة فلا حاجة أن تعرف من القارئ من القراء السبعة ما هو لازم.
قراءة الطالب للآيات الكريمات .
القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ*تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ )).
التعليق على تفسير الجلالين : (( وقال الذي ءامن يا قوم اتبعون )) بإثبات الياء وحذفها (( أهدكم سبيل الرشاد )) تقدم .
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى: (( وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد )) في أول هذه الآيات يقول الله عز وجل: (( وقال رجل مؤمن من آل فرعون )) وهنا وما قبلها يقول: (( وقال الذي آمن )) تحقيقا لإيمانه وأنه مؤمن حقا.
(( وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد )) يا قوم: سبق الكلام على إعرابها، وبينا أنها منادى منصوبة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، طيب.
وقوله: " (( يا قوم اتبعوني )) بإثبات الياء وحذفها (( أهدكم )) " يعني أنها قراءتان: اتبعوني واتبعون، أما على وجود الياء فالأمر ظاهر لأنها ياء المتكلم، وأما على حذفها فهي محذوفة للتخفيف.
وقوله: (( اتبعون )) فعل أمر، و (( أهدكم )) جواب فعل الأمر، ولهذا وقع مجذوما بحذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، وأصل أهدكم أهديكم، لكن الفعل المضارع إذا وقع جوابا للأمر فإنه يكون مجزوما، قيل إنه مجذوم به وقيل أنه مجذوم بشرط مقدر، والتقدير إن تتبعوني أهدكم، وهكذا يقال في كل ما جاء على هذا التركيب.
(( أهدكم سبيل الرشاد )) أي طريقه، والهداية هنا هداية الدلالة، لأنه لا يمكن أن يراد بها هداية التوفيق، إذ أن هداية التوفيق تكون بيد الله عز وجل، لقوله تبارك وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (( إنك لا تهدي من أحببت )) أي لا تهدي هداية توفيق، فقوله: (( أهدكم سبيل الرشاد )) يعني أدلكم على سبيل الرشاد، سبيل الرشاد ضد سبيل الغي، والرشاد هو حسن التصرف، والغي هو ارتكاب الخطأ عن عمد.
(( وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد )) يا قوم: سبق الكلام على إعرابها، وبينا أنها منادى منصوبة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، طيب.
وقوله: " (( يا قوم اتبعوني )) بإثبات الياء وحذفها (( أهدكم )) " يعني أنها قراءتان: اتبعوني واتبعون، أما على وجود الياء فالأمر ظاهر لأنها ياء المتكلم، وأما على حذفها فهي محذوفة للتخفيف.
وقوله: (( اتبعون )) فعل أمر، و (( أهدكم )) جواب فعل الأمر، ولهذا وقع مجذوما بحذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، وأصل أهدكم أهديكم، لكن الفعل المضارع إذا وقع جوابا للأمر فإنه يكون مجزوما، قيل إنه مجذوم به وقيل أنه مجذوم بشرط مقدر، والتقدير إن تتبعوني أهدكم، وهكذا يقال في كل ما جاء على هذا التركيب.
(( أهدكم سبيل الرشاد )) أي طريقه، والهداية هنا هداية الدلالة، لأنه لا يمكن أن يراد بها هداية التوفيق، إذ أن هداية التوفيق تكون بيد الله عز وجل، لقوله تبارك وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (( إنك لا تهدي من أحببت )) أي لا تهدي هداية توفيق، فقوله: (( أهدكم سبيل الرشاد )) يعني أدلكم على سبيل الرشاد، سبيل الرشاد ضد سبيل الغي، والرشاد هو حسن التصرف، والغي هو ارتكاب الخطأ عن عمد.
8 - التعليق على تفسير الجلالين : (( وقال الذي ءامن يا قوم اتبعون )) بإثبات الياء وحذفها (( أهدكم سبيل الرشاد )) تقدم . أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار )) .
(( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار )) لما رغبهم في إتباعه زهدهم في الدنيا، لأن أصل ضلال بني آدم هو الطمع في الدنيا، والتنافس إنما يكون عليها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والله ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها ـ أي من قبلنا ـ فتهلككم ما أهلكتكم ) فهو لما طلب أن يتبعوه بين لهم حال الدنيا التي ينافسون فيها، والتي صدوا عن سبيل الله بها، فقال: (( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع )) إنما: أداة حصر، وهذه الحياة الدنيا: مبتدأ، ومتاع: خبره، أي: ما هذه الدنيا إلا متاع يتمتع به الإنسان قليلا ثم يزول، ولهذا يقول المؤلف في التفسير:
" (( متاع )) تمتع يزول ".
(( وإن الآخر هي دار القرار )) الآخرة: ما بعد الدنيا، هي: ضمير فصل، ودار القرار: خبر إن، واعلم أن ضمير الفصل ضمير لا محل له من الإعراب، لا يعرب مبتدأ ولا خبرا ولا أي شيء، لا محل له من الإعراب.
واعلم أيضا أن له ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى التوكيد، والفائدة الثانية الحصر، والفائدة الثالثة تمييز الخبر من الصفة، ويظهر هذا في المثال فإذا قلت: زيد هو الفاضل، فهو ضمير فصل استفدنا منه ثلاث فوائد:
أولا التوكيد: حيث أكدنا أن زيدا هو الفاضل، بل حيث أكدنا أن زيدا فاضل، ثم الحصر لأنك قلت: زيد هو، أي لا غيره، زيد هو الفاضل، الفائدة الثالثة: التمييز بين الصفة والخبر، فإنك لو قلت: زيد الفاضل، لاحتمل أن يكون الفاضل صفة لزيد وأن الخبر لم يأت بعد، فإذا قلت: هو الفاضل، تعين أن تكون الفاضل خبرا، فبذلك يحصل التمييز بين الخبر وبين الصفة، طيب.
ذكرنا أنه لا محل له من الإعراب ودليل ذلك قوله تعالى : (( لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين )) فهنا جاءت الغالبين خبرا لكان، ولو كان له محل من الإعراب لكانت: إن كانوا هم الغالبون، لكنه ليس له محل من الإعراب، طيب.
إذن ما هي دار القرار ؟ هي الدار الآخرة، وأكد ذلك بالإتيان بضمير الفصل، طيب.
(( وإن الآخرة هي دار القرار )) أي دار المستقر، ( ولهذا يؤتى بالموت على صورة كبش فيوقف بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون ويطلعون وكذلك يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيشرئبون ويطلعون، فيقال لهم: هل تعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم هذا الموت، فيذبح أمامهم، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت ) إذن هذا القرار، ما دام ليس فيه انتقال عن هذه الدار فهي دار القرار، طيب إذا كانت هي دار القرار والدنيا متاع فما الأولى أن يعمل له ؟ الآخرة، لأنها دار القرار، أما هذه فهي دار عبور دار متاع ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) طيب.
" (( متاع )) تمتع يزول ".
(( وإن الآخر هي دار القرار )) الآخرة: ما بعد الدنيا، هي: ضمير فصل، ودار القرار: خبر إن، واعلم أن ضمير الفصل ضمير لا محل له من الإعراب، لا يعرب مبتدأ ولا خبرا ولا أي شيء، لا محل له من الإعراب.
واعلم أيضا أن له ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى التوكيد، والفائدة الثانية الحصر، والفائدة الثالثة تمييز الخبر من الصفة، ويظهر هذا في المثال فإذا قلت: زيد هو الفاضل، فهو ضمير فصل استفدنا منه ثلاث فوائد:
أولا التوكيد: حيث أكدنا أن زيدا هو الفاضل، بل حيث أكدنا أن زيدا فاضل، ثم الحصر لأنك قلت: زيد هو، أي لا غيره، زيد هو الفاضل، الفائدة الثالثة: التمييز بين الصفة والخبر، فإنك لو قلت: زيد الفاضل، لاحتمل أن يكون الفاضل صفة لزيد وأن الخبر لم يأت بعد، فإذا قلت: هو الفاضل، تعين أن تكون الفاضل خبرا، فبذلك يحصل التمييز بين الخبر وبين الصفة، طيب.
ذكرنا أنه لا محل له من الإعراب ودليل ذلك قوله تعالى : (( لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين )) فهنا جاءت الغالبين خبرا لكان، ولو كان له محل من الإعراب لكانت: إن كانوا هم الغالبون، لكنه ليس له محل من الإعراب، طيب.
إذن ما هي دار القرار ؟ هي الدار الآخرة، وأكد ذلك بالإتيان بضمير الفصل، طيب.
(( وإن الآخرة هي دار القرار )) أي دار المستقر، ( ولهذا يؤتى بالموت على صورة كبش فيوقف بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون ويطلعون وكذلك يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيشرئبون ويطلعون، فيقال لهم: هل تعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم هذا الموت، فيذبح أمامهم، ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت ) إذن هذا القرار، ما دام ليس فيه انتقال عن هذه الدار فهي دار القرار، طيب إذا كانت هي دار القرار والدنيا متاع فما الأولى أن يعمل له ؟ الآخرة، لأنها دار القرار، أما هذه فهي دار عبور دار متاع ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) طيب.
9 - تفسير قوله تعالى : (( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار )) . أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) .
ثم قال: (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالح من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) هذا كالبيان لحال الآخرة وكيف يجازى الناس فيها، فقال: (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها )) من: شرطية، وعمل: فعل الشرط، وجملة فلا يجزى إلى مثلها: هذه جواب الشرط، وقوله: (( فلا يجزى إلا مثلها )) مثل مفعول يجزى الثاني، والمفعول الأول هو نائب الفاعل المستتر، يقول: (( من عمل سيئة )) السيئة هي ما يسوء حالا أو مآلا، فما أصاب الإنسان من مرض أو فقر أو عاهة أو ما أشبه ذلك هذا سوء لكنه في الحال، وما أصاب الإنسان من عقوبة على أعماله فهذا سوء ولكنه في المآل، وقد يكون في الحال قد يعاجل الإنسان بالعقوبة، فالسيئة كل ما يسوء حالا أو مآلا، طيب.
(( فلا يجزى إلا مثلها )) السيئة بواحدة مهما كانت حتى وإن كان الإنسان في مكة أو في المدينة أو في المسجد أو في أي مكان، أو في أي زمان أيضا، حتى ولو كان في الأشهر الحرم التي نص الله تعالى عن النهي عن الظلم فيها فقال : (( منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهم أنفسكم )) فإن السيئة لا تزاد، ولكن اعلموا أنها قد تكون أشد من حيث الكيفية لا من حيث الكمية، يعني أننا نرى أن ضربة واحدة قد تكون أشد على الإنسان من عشر ضربات لشدتها وشدة وقعها، ولهذا قال الله تعالى في الحرم المكي: (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )).
وبهذا التقرير الذي دل عليه الكتاب والسنة تبين أن ما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه خرج من مكة وقال: لا أبقى في بلد سيئاته وحسناته سواء، فإن هذا لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه، وابن عباس أفقه وأعلم من أن يلتبس عليه هذا الأمر، مع أن الله قال في سورة الأنعام وهي مكية: (( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )) [الأنعام :160]
قال: (( ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى )) من: هذه شرطية، وصالحا: يجوز أن نعربها صفة لموصوف محذوف، والتقدير: عمل صالح، ويجوز أن نجعلها مفعولا مطلقا، لأن وصف المصدر المحذوف يصح أن يقع الإعراب عليه على أنه مفعول مطلق أو على أنه صفة لموصوف محذوف، والتقدير عملا صالحا.
فما هو العمل الصالح ؟ العمل الصالح ما توافرت فيه شروط القبول، وذلك بأن يكون خالصا لله على شريعة الله، يعني يجمع بين أمرين:
الإخلاص لله والمتابعة لرسله عليهم الصلاة والسلام هذا العمل الصالح، إذا هو ما توافرت فيه شروط القبول وهما الإخلاص لله عز وجل، والثاني المتابعة لرسل الله سواء محمد أو غيره، لكن من المعلوم أنه بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لا يصلح إتباع غيره طيب.
إذا فقد الإخلاص فليس العمل صالحا بل هو مردود على صاحبه لقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
وإذا فقد في المتابعة لم يكن العمل صالحا وكان مردودا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )).
وقوله: (( من ذكر أو أنثى )) بيان لـ من، فمن هنا بيانية، كيف نقول بيان لمن ؟ لأن ( من ) اسم موصول، واسم الموصول الأصل فيه الإبهام، فإذا وجد بعده بيان فإنه يكون مبينا لإبهامه.
(( من ذكر أو أنثى وهو مؤمن )) هذا الشرط لابد أن يكون مؤمنا، فإن لم يكن مؤمنا فإن عمله الصالح لا ينفعه، حتى وإن كان العمل مما يتعدى نفعه فإنه لا ينفعه، لقوله تعالى : (( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله )) فغير المؤمن لا ينفعه عمله، لو أن رجلا كافرا أصلح الطرق، ومد أنابيب الماء يسقي الناس، وبنى المساجد، وطبع الكتب، وكسا العريان، وأطعم الجائع، فهل هذا ينفعه ؟ لا، ولهذا لا ينفع المنافقين عملهم لأنهم ليسوا مؤمنين، وبه نعرف أن الإيمان هو الأصل، آمن ثم اعمل.
(( فلا يجزى إلا مثلها )) السيئة بواحدة مهما كانت حتى وإن كان الإنسان في مكة أو في المدينة أو في المسجد أو في أي مكان، أو في أي زمان أيضا، حتى ولو كان في الأشهر الحرم التي نص الله تعالى عن النهي عن الظلم فيها فقال : (( منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهم أنفسكم )) فإن السيئة لا تزاد، ولكن اعلموا أنها قد تكون أشد من حيث الكيفية لا من حيث الكمية، يعني أننا نرى أن ضربة واحدة قد تكون أشد على الإنسان من عشر ضربات لشدتها وشدة وقعها، ولهذا قال الله تعالى في الحرم المكي: (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )).
وبهذا التقرير الذي دل عليه الكتاب والسنة تبين أن ما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه خرج من مكة وقال: لا أبقى في بلد سيئاته وحسناته سواء، فإن هذا لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنه، وابن عباس أفقه وأعلم من أن يلتبس عليه هذا الأمر، مع أن الله قال في سورة الأنعام وهي مكية: (( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )) [الأنعام :160]
قال: (( ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى )) من: هذه شرطية، وصالحا: يجوز أن نعربها صفة لموصوف محذوف، والتقدير: عمل صالح، ويجوز أن نجعلها مفعولا مطلقا، لأن وصف المصدر المحذوف يصح أن يقع الإعراب عليه على أنه مفعول مطلق أو على أنه صفة لموصوف محذوف، والتقدير عملا صالحا.
فما هو العمل الصالح ؟ العمل الصالح ما توافرت فيه شروط القبول، وذلك بأن يكون خالصا لله على شريعة الله، يعني يجمع بين أمرين:
الإخلاص لله والمتابعة لرسله عليهم الصلاة والسلام هذا العمل الصالح، إذا هو ما توافرت فيه شروط القبول وهما الإخلاص لله عز وجل، والثاني المتابعة لرسل الله سواء محمد أو غيره، لكن من المعلوم أنه بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لا يصلح إتباع غيره طيب.
إذا فقد الإخلاص فليس العمل صالحا بل هو مردود على صاحبه لقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ).
وإذا فقد في المتابعة لم يكن العمل صالحا وكان مردودا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )).
وقوله: (( من ذكر أو أنثى )) بيان لـ من، فمن هنا بيانية، كيف نقول بيان لمن ؟ لأن ( من ) اسم موصول، واسم الموصول الأصل فيه الإبهام، فإذا وجد بعده بيان فإنه يكون مبينا لإبهامه.
(( من ذكر أو أنثى وهو مؤمن )) هذا الشرط لابد أن يكون مؤمنا، فإن لم يكن مؤمنا فإن عمله الصالح لا ينفعه، حتى وإن كان العمل مما يتعدى نفعه فإنه لا ينفعه، لقوله تعالى : (( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله )) فغير المؤمن لا ينفعه عمله، لو أن رجلا كافرا أصلح الطرق، ومد أنابيب الماء يسقي الناس، وبنى المساجد، وطبع الكتب، وكسا العريان، وأطعم الجائع، فهل هذا ينفعه ؟ لا، ولهذا لا ينفع المنافقين عملهم لأنهم ليسوا مؤمنين، وبه نعرف أن الإيمان هو الأصل، آمن ثم اعمل.
اضيفت في - 2011-05-25