تتمة تفسير قوله تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ))
(( فأولئك يدخلون الجنة )) وهنا قال: أولئك باسم الإشارة الموضوع للبعيد إشارة إلى علو مرتبتهم، كأنك تشير إليهم وهم فوق.
1 - تتمة تفسير قوله تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة )) بضم الياء وفتح الخاء وبالعكس (( يرزقون فيها بغير حساب )) رزقا واسعا بغير تبعة .
(( يرزقون فيها بغير حساب )) يرزقون: الرزق بمعنى العطاء، ومنه قوله تعالى : (( وإذا حضر القسمة أولي القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه )) أي أعطوهم، فمعنى يرزقون إذا يعطون.
وقوله : " (( بغير حساب )) أي بغير تبعة " يعني لا يحاسبون عليه ولا ينقدون له ثمنا، في الدنيا لا تملك رزقا إلا بثمن، لكن في الآخرة تعطى الرزق بغير ثمن، وبغير تبعة لا تحاسب عليه، لأن الثمن كان مقدما، سلما، نقد الثمن وتأخير المثمن، فهنا الثمن مقدم، الثمن كان في الدنيا حين عملوا بطاعة الله فكان هذا هو العوض، فالقوم قد أسلموا في هذا المبيع وقدموا ثمنه، ولهذا قال: (( يرزقون فيها بغير حساب )).
2 - التعليق على تفسير الجلالين : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة )) بضم الياء وفتح الخاء وبالعكس (( يرزقون فيها بغير حساب )) رزقا واسعا بغير تبعة . أستمع حفظ
فائدة قوله تعالى : (( وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار )) .
أولا: تلطف هذا الداعي هذا الرجل المؤمن الذي يدعوا إلى الله لقوله: (( يا قوم )) فإن هذا لا شك من أساليب التلطف .
ومن فوائد هذه الآية وهي الآية الأولى: قوة جأش هذا المؤمن حيث كان رجلا واحدا يقول لهؤلاء الجماعة اتبعوني، وهذا كما قلنا في التفسير فعل أمر.
ومن فوائد هذه الآية أنه ينبغي للداعية إذا دعا إلى شيء أن يبين ما يكون به ترغيب المدعو حتى ينشط ويفعل لقوله: (( أهدكم سبيل الرشاد )).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى كذب فرعون حين قال لقومه: (( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )) ففرق بين قول فرعون وبين قول هذا المؤمن، قول فرعون كذب، وقول هذا الرجل حق لا شك.
ومن فوئد هذه الآية الكريمة: أن السبل تختلف، سبل ضلال وسبل غي سبل رشاد، فالسبيل الموصل إلى الله هذا سبيل رشاد، والسبل المتفرقة هذا سبل ضلال قال الله تعالى : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ )) [الأنعام :153].
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان حال الدنيا وأنها متاع يتمتع بها الإنسان ثم تزول، إما بزوال هذا التمتع، وإما بزوال المتمتع، ولهذا انظر مصارع الدنيا هل فيها أحد خلد ؟ وهل فيها أحد خلد له ما بين يديه ؟ كل ذلك لم يكن، فالدنيا إما زائلة وإما أن يزال عنها، قال الله تعالى : (( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون )).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: انحصار الدنيا في هذه الكلمة القليلة وهي متاع، كل الدنيا متاع لا تتحمل أكثر من ذلك.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الاستعداد والرغبة في الآخرة لقوله : (( وإن الآخرة هي دار القرار )) فإذا اجتمع هذا إلى ما قبله صار متضمنا لفائدتين وهما: الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
3 - فائدة قوله تعالى : (( وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار )) . أستمع حفظ
فائدة قوله تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) .
أن عمل السيئة لا يزداد إثما على قدر السيئة لقوله هنا: (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها )).
ومن فوائد الآية أنه في مقام التهديد ينبغي أن يبدئ بما يدل على التهديد قبل أن يبدئ بما يدل على الترغيب، لأنه هنا بدأ بالسيئة ثم أعقب بالصالح، وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى في مقام ذكر الأحكام الشرعية قال : (( اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله هو الغفور الرحيم )) ولما أراد جل وعلا أن يتحدث عن نفسه ويبين كمال صفاته قال: (( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم )) فلكل مقام مقال، فالإنسان ينبغي له أن يرتب المعاني حسب ما تقتضيه الحال، لا يلقي الحديث على عواهنه، وفضل الله يؤتيه من يشاء، قد يريد الإنسان هذا الشيء ويريد أن يرتب كلامه، وأن يبنيه على ما تقتضيه الحال، ولكن يخونه التعبير، إلا أن الإنسان إذا استعان بالله سبحانه وتعالى واعتمد عليه يسر الله له الأمر.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا يقبل العمل إلا إذا كان صالحا ولا ينفع صاحبه إلا إذا كان صالحا.
طيب وذكرنا أن الصالح ما اجتمع فيه شروط القبول وهما: الإخلاص والمتابعة، بفقد الإخلاص يكون الإنسان مشركا، وبفقد المتابعة يكون الإنسان مبتدعا، ولهذا لا يقبل العمل إلا الخالص الموافق للشرع.
ففي فقد الإخلاص يقع الإنسان في الشرك، وبفقد المتابعة يقع الإنسان في البدعة، أيهما أشد ؟ الأول، وقد يكون الثاني حسب المخالفة، لكن الشرك من حيث هو أعظم من البدعة، وقيل إن البدعة أشد وأعظم لأن الله قال : (( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ )) [الأعراف :33] والآية بالتدريج من الأدنى إلى الأعلى، وصاحب البدعة يضر نفسه ويضر غيره لأنه يكون إماما يدعوا إلى مخالفة الرسل، والذي يظهر أن الشرك من حيث هو شرك أعظم، لكن قد يكون المترتب على البدعة أشد من المترتب على الشرك.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الذكور والإناث مشتركون في الثواب والعقاب، بمعنى أن الله لا يعاقب الأنثى أكثر من عقوبة الرجل، ولا الرجل أكثر من عقوبة الأنثى، وكذلك لا يجزي الرجل أكثر مما يجزي الأنثى، ولا الأنثى أكثر مما يجزي الرجل، لقوله في هذه الآية : (( من ذكر أو أنثى )).
ونظيرها قوله تعالى : (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)) [آل عمران :195] نعم .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن العمل الصالح لا ينفع إلا مبنيا على الإيمان لقوله: (( وهو مؤمن )) والجملة كما تعرفونها في موضع نصب على الحال، يعني والحال أنه مؤمن.
وبناء على هذا نسأل هل عمل المنافق ينفعه ؟ لا، لفقد الإيمان، هو غير مؤمن.
طيب وهل الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره أو هو إيمان وراء ذلك كله ؟ الجواب الثاني، من جملة الإيمان الذي يجب أن تكون الأعمال الصالحة مبنية عليه أن تؤمن بالثواب على العمل، ولهذا إذا عمل الإنسان العمل الصالح وهو يرجوا هذا الثواب لا شك أنه سيزداد رغبة في العمل وسيزداد إحسانا للعمل، لأنه يعرف أن السلعة على قدر الثمن، فإذا كنت تعمل وأنت تشعر بأنك ستجازى على هذا العمل مجازاة تامة، فسوف تحسن العمل لأجل أن يحسن لك الثواب والجزاء، وهذه مسألة مهمة يغفل عنها الإنسان كثيرا عن كونه ينوي بذلك الثواب الذي أعده الله لعامل هذا العمل.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن رزق الجنة ليس فيه حساب، يعني أنه لا يطلب من الإنسان عوض، ولا يلحقه تبعة لقوله: (( يرزقون فيها بغير حساب )).
4 - فائدة قوله تعالى : (( من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب )) . أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار )) .
سؤال عن الإرادة المؤثرة التي قد تحصل في القلب .؟
الشيخ : الإرادة نوعان: إرادة يلحقها هم، وإرادة مجرد خاطر، فهذه الثانية لا يأثم بها الإنسان لا في مكة ولا في غيرها، وإرادة يلحقها هم هذه يأثم بها الإنسان.
الطالب : في الآية: (( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم )) ؟
الشيخ : نعم عذاب أليم، لأن الحرم ليس كغيره، فإذا كان الهم بالإلحاد المقرون بالظلم يذقه الله من عذاب أليم فما بالك بالفعل، يكون أشد.
لماذا جر لفظ الجلالة في قوله تعالى : (( إلى صراط الله العزيز الحميد الله ... )) وهل ينبني عليها شيء لو قلنا إنها صفة :؟
الشيخ : (( إلى صراط العزيز الحميد الله )) هذه على أنها عطف بيان، من هو العزيز الحميد ؟ الله، فبين، قوله الله بالكسر بيان للعزيز الحميد.
الطالب : ينبني عليها شيء لو قلنا صفة
الشيخ : هو العادة أن لفظ الجلالة هي التي توصف، لأنها العلم المعين لمسماه تعيينا لا اشتباه فيه، ولهذا قل النحويون أنه أعرف المعارف، وأنه أعرف حتى من الضمير، وإذا كان أعرف فإنه لا يكون صفة، بدل أو عطف بيان، وعطف البيان يقول ابن مالك:
وصالحا لبدلية يرى في غير نحو: يا غلام يعمرا
ونحو بشر تابع البكري وليس أن يبدل بالمرضي
كل عطف بيان فهو صالح أن يكون بدلا إلا في هذين المسألتين.
الطالب : ...
الشيخ : ما هو على كل حال، لأنه قد يراد بالإلحاد هنا إلحاد بظلم إن نوى الكبيرة.
7 - لماذا جر لفظ الجلالة في قوله تعالى : (( إلى صراط الله العزيز الحميد الله ... )) وهل ينبني عليها شيء لو قلنا إنها صفة :؟ أستمع حفظ
ضمير الفصل هل له محل من الإعراب .؟
الشيخ : لا هو ضمير الفصل، أما الضمائر المنفصلة الأخرى فالأصل أن لها محلا من الإعراب.
الطالب : ...
الشيخ : لا هذا بعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة، بعد أن يخلص كل شيء، يعني أهل الجنة ما يخرجون منها وأهل النار ما يخرجون منها، يعني بعد أن يستقر كل شيء.
قراءة الطالب للآيات الكريمات .
الشيخ : لا هو ضمير الفصل، أما الضمائر المنفصلة الأخرى فالأصل أن لها محلا من الإعراب.
الطالب : ...
الشيخ : لا هذا بعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة، بعد أن يخلص كل شيء، يعني أهل الجنة ما يخرجون منها وأهل النار ما يخرجون منها، يعني بعد أن يستقر كل شيء.
تتمة تفسير قوله تعالى : (( ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار )) .
(( ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار )) جملة وتدعونني إلى النار: معطوفة على الجملة التي قبلها، وليست استئنافية ولا حالية كما قيل فيها به، بل هي معطوفة على ما سبق، لأن التعجب إنما يكون من اجتماع الأمرين: أنه يدعوهم إلى النجاة ويدعونه إلى النار.
وقوله: (( إلى النجاة )) يعني النجاة من النار ولم يقل إلى الجنة مع أنه قال: (( وإن الدار الآخرة هي دار القرار )) لأنهم هم يدعونه إلى الهلاك يدعونه إلى النار فقابل دعوته بدعوتهم فكأنه يقول: أنا أدعوكم إلى النجاة من النار وأنتم تدعونني إلى النار، والدعوة إلى النار ليس أن يقول القائل: هلموا إلى النار أيها الناس، لكنها الدعوة إلى عمل أهل النار، وليعلم أن النار حفت بالشهوات، وأن الجنة حفت بالمكاره، وعمل أهل النار مبني على الشهوات أو على الشبهات، يعني إما جهالات وضلالات كعمل النصارى، وإما شهوات كعمل اليهود، وعلى هذين يدور عمل أهل النار الشبهات والشهوات، والشبهات دواؤها العلم والشهوات دواؤها الحزم والإرادة التامة لما يحبه الله ويرضاه (( ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار)).
تفسير قوله تعالى : (( تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار )) .
(( لأكفر بالله )) أي أجحده وأنكره والمراد إنكار وحدانيته بدليل قوله: (( وأشرك به )) وقد يقال أن المراد إنكار وجوده بالكلية أو الإشراك به مع الإقرار به، فيكون يدعونه إلى شيئين: إما إنكار الخالق عز وجل، وهذا يستفاد من قوله: (( لأكفر به )) أي أجحده، أو إثباته مع وجود شريك له، وهذا مستفاد من قوله: (( وأشرك به )).
وقوله: (( ما ليس لي به علم )) هذا قيد مبين للواقع، وأن كل من أشرك بالله فإنه مشرك بلا علم، بل بما يعلم بالفطرة خلافه، ولكن من المعلوم أن الشيء إذا كان بلا علم فإنه لا ثبوت له ولا أصل له، فالصفة بل فالصلة في قوله: (( ما ليس لي به علم )) لبيان الواقع، وقد بينا أن كل قيد لبيان الواقع أو الغالب أو المبالغة فإنه لا مفهوم له.
(( وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار )) بدأ هنا باسم العزيز لأن المقام يقتضيه إذ أن هؤلاء أقباط من آل فرعون يظنون أن العزة له فقال: أدعوكم إلى العزيز، ولم يقل إلى الغفور الرحيم، بل قال: إلى العزيز الغفار، يعني العزيز الغالب فيهلككم إذا أنتم كفرتم به أو أشركتم به، الغفار يغفر لكم ما سبق إن أنتم آمنتم به، وهذا من تمام فقه هذا الرجل المؤمن.
فإنه قد يقول قائل: إن المقام يقتضي أن يقول: وأنا أدعوكم إلى الغفور الرحيم، لكن الأمر بالعكس، المقام يقتضي ذكر اسمه العزيز لأن هؤلاء يدعون أنهم فوق الناس، وأن ربهم فرعون، وأنه لا غالب له.
وقوله العزيز اسم من أسماء الله، والغفار اسم من أسماء الله، والغفور اسم من أسماء الله، وليعلم أن أسماء الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين:
الأول ما كان مشتقا من وصف متعدي، فهذا لا يتم الإيمان به إلا بأمور ثلاثة:
الأول: إثباته اسما لله، والثاني: إثبات الصفة التي دل عليها، والثالث: إثبات الحكم يعني الأثر المترتب على هذه الصفة.
والقسم الثاني: لازم غير متعدي ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات اثنين: إثباته اسما من أسماء الله، والثاني: إثبات الصفة التي دل عليها هذا الاسم.
لأن كل اسم من أسماء الله يدل على صفة، ليس لله اسم يكون جامدا، خلافا لمن قال أن كلمة الله اسم جامد غير مشتق، وهذا ليس بصحيح، ما من اسم من أسماء الله إلا ومشتق، لأن الله وصف أسمائه بأنها حسنى، وما لا يتضمن صفة ليس بحسن فضلا على أن يكون أحسن، نضرب أمثلة لهذا:
الحي من اللازم، تؤمن به اسما من أسماء الله، وبالحياة التي دل عليها الاسم، السميع متعدي، تؤمن بالسميع اسما لله، وبالسمع صفة لله، وبأنه يسمع إثباتا للحكم وهو الأثر المترتب على هذه الصفة.
ثم اعلم أن الاسم يتضمن أحيانا صفة وأحيانا صفتين وأحيانا أكثر، لأن أنواع الدلالة ثلاثة:
مطابقة، وتضمن، والتزام، فمثلا من أسماء الله تعالى الخلاق: (( إن ربك هو الخلاق )) تؤمن بالخلاق اسما من أسماء الله، تؤمن بصفة الخلق التي تضمنها اسم الخلاق، وإيمانك بالاسم والصفة هذا إيمان بدلالة المطابقة، وإيمانا بالاسم وحده أو بالصفة وحدها إيمان بدلالة التضمن، ثم إيمانك بأنه عليم قدير إيمان بدلالة الالتزام، لأنه ما من خلاق إلا وهو عليم، وما من خلاق إلا وهو قادر، لأنه إن كان جاهلا فكيف يخلق، وإن كان عاجزا فكيف يخلق، فدلالة الخلاق على العلم والقدرة دلالة التزام.
وهذه الدلالة دلالة الالتزام يتفاوت فيها الناس تفاوتا كثيرا، فمن الناس من يعطيه الله تعالى فهما يدرك به اللوازم التي تلزم على هذا الاسم، ومن الناس من هو دون ذلك، فتجد بعض الناس يستنبط فوائد عدة بدلالة اللزوم، وآخر لا يقدر، وفضل الله يؤتيه من يشاء، طيب.
إذن (( العزيز )) لا يتم الإيمان به إلا ؟ العزيز معناه أولا ذو العزة (( سبحان ربك رب العزة )) والعزة قالوا أنها ثلاثة أنواع:
عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع، عزة القدر بمعنى أنه سبحانه وتعالى عزيز قدرا، بحيث لا يكون مماثل له، عزة الامتناع يعني أنه عز وجل عزيز أي يمتنع أن يناله السوء، والعزيز يأتي بمعنى الامتناع كقوله تعالى: (( وما ذلك على الله بعزيز )) أي بممتنع.
والثالث عزة القهر: بمعنى أنه الغالب ومنه قوله تعالى: (( ويقولن لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل )) فقال الله تعالى: (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )) العزة يعني الغلبة، إذا كان العزيز بمعنى الغالب فهو من الأسماء المتعدية، عز أي غلب، فهو غالب ومقابله مغلوب، وإذا كانت عز بمعنى امتنع أو بمعنى كان ذا قدر عظيم فهو لازم، طيب.
إذن نقول العزيز من جهة تكون من الأسماء المتعدية إذا كانت بمعنى الغالب، ومن جهة أخرى تكون غير متعدية إذا كانت بمعنى الامتناع أو بمعنى القدر طيب.
جملة معترضة قال الله تعالى : (( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ )) [المنافقون :8] هل الجواب مطابق لقولهم أو غير مطابق ؟ المطابقة أن يقول: والله أعز والمؤمنون، لكن لم يذكر هذا بل قال: (( ولله العزة )) إشارة إلى أن المنافقين لا عزة لهم أصلا، لأنه لو قال: الله أعز، لأثبت للمنافقين عزة، ولكنه ليس لهم عزة حصر العزة في الله ورسوله والمؤمنين، وهذه من بلاغات القرآن، وإذا تأملت القرآن تبين لك أمور تبهرك في دلالته وإشاراته وإيماءاته، فسبحان الذي أنزله عز وجل طيب.
الغفار اسم من أسماء الله، وهو من الأسماء المتعدية، لأن الله قال: (( يغفر لم يشاء ويعذب من يشاء )) إذن لا بد أن نثبت الغفار اسما من أسماء الله، ولابد أن نثبت الصفة وهي المغفرة (( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم )) طيب ونثبت أنه يغفر، يوصل المغفرة من شاء، طيب قال: (( وأن الله هو العزيز الغفار )).
11 - تفسير قوله تعالى : (( تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( لا جرم )) حقا (( أنما تدعونني إليه )) لأعبده (( ليس له دعوة )) أي استجابة دعوة (( في الدنيا ولا في الأخرة وأن مردنا )) مرجعنا (( إلى الله وأن المسرفين )) الكافرين (( هم أصحاب النار )) .
قال المفسر: " (( لا جرم )) حقا " يعني أن معنى لا جرم حق، وعلى هذا فتكون لا زائدة، وجرم بمعنى حقا، وهذا ما ذهب إليه المؤلف، والمعربون اختلفوا فيها، والصواب في إعرابها أن لا نافية للجنس، وجرم اسمها، ومعنى جرم أي لا شك أو لابد، هذا هو الصواب، والتركيب واضح، ولا يحتاج أن يقدر أن لا زائدة، وجرم بمعنى قطع، وأن مصير الجملة إلى أن تكون مصدرا لعامل محذوف يعني: أحق حقا أن ما تدعون إليه، لا حاجة لهذا، إذا قلنا: لا شك أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، زال الإشكال.
وعلى هذا فتكون جرم اسم لا، (( وأن ما )) وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر لا وانتهى الموضوع، والمعنى يقول: لا شك ولا ارتياب أن الذي تدعونني إليه ليس له دعوة.
وقوله: (( أنما تدعونني إليه )) مكتوبة عندي مربوطة أي ما مربوطة بـ أن وحسب القواعد المعروفة أن تكون مفصولة، لأن المعنى لا جرم أن الذي تدعونني إليه، وإذا كانت ما موصولة فإنها تفصل عن أن كتابة، لكن رسم المصحف تمشى فيه العلماء على الرسم العثماني، احتراما للقرآن أن يغير. ولهذا تجدون الصلاة في المصحف مكتوبة بالواو، والزكاة بالواو، والربا بالواو، (( وإن رحمت الله قريب من المحسنين )) بالتاء المفتوحة، كل هذا إتباعا للرسم العثماني، احتراما لكتاب الله أن يدخله التغيير.
وقد اختلف العلماء هل يكتب القرآن حسب القواعد وفي كل وقت بحسبه، أو على الرسم العثماني ؟
فقيل أنه يجوز أن يكتب على القواعد في كل وقت بحسبه، لأن المقصود أن يتلى كتاب الله على حسب ما نزل لا على حسب ما كتب، والقرآن نزل مقروء، إذا الكتابة ما هي إلا اصطلاحات تخضع لأعراف الناس.
والقول الثاني أنه لا يجوز أن يغير أبدا، سدا للباب، ومنعا للتغيير، حتى لا يجزئ أحد أن يغير في كتاب الله عز وجل، وهذا لا شك أنه يرمي إلى قوة احترامنا للقرآن الكريم، والأول يرمي إلى قوة إيصال القرآن إلى الناس على وجه لا إشكال فيه.
والقول الثالث: أنك إن كتبته للدارسين المبتدئين فلا بأس أن تكتبه حسب القواعد المعروفة، لأن الدارسين المبتدأين لا يعرفونه، وأما إذا كنت تريد أن تكتبه ليقرأ فهذا يكتب على حسب الرسم العثماني. والظاهر أن هذا القول المفصل أرجح الأقوال الثلاثة.
(( لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة )) أن: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وما: اسمها، وليس له دعوة: خبرها الجملة.
يقول: " (( أنما تدعونني إليه )) لأعبده " ولكن هذا التفسير قاصر، الذي دعوه إليه أن يكفر بالله ويشرك به، هم دعوه إلى أمرين، والمؤلف قصره على أمر واحد وهو عبادة غير الله، وهذا إشراك.
" (( ليس له دعوة )) أي ليس له استجابة دعوة " والصواب أنه ليس له دعوة يدعى بها ولا دعوة يجيبها، فمعنى: (( ليس له دعوة )) يعني لا يستحق أن يدعى، وهو أيضا لا يستجيب إذا دعي، كما قال الله تعالى: (( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا )) فرضا (( ما استجابوا لكم )) زد على ذلك أنكم تريدون أن ينفعوكم في الآخرة والأمر ليس كذلك (( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير )) وهذه الآية كقوله تعالى : (( ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة )) هذا الذي تدعوه لا يمكن أن يستجيب لك إلى يوم القيامة أبدا.
(( وهم عن دعائهم غافلون )) هم: يجوز أن يكون المدعوون ويجوز أن يكون الداعون، والهاء في دعاءهم يجوز عودها لهذا وهذا حسب الضمير السابق (( وإذا حشر الناس )) وهو الوقت الذي يريد هؤلاء الداعون أن ينتفعوا بالمدعوين (( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين )) لأن الله يقول : (( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب )) أي المودة والمحبة التي كانوا يضمرونها لهم في الدنيا (( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرئوا منا )) طيب.
على كل حال (( ليس له دعوة )) المؤلف يقول: " ليس له دعوة مستجابة " يعني لا يستجيب الدعوة، والصواب أن لها معنيين: لا يستجيب ولا يستحق، فهو لا يستحق أن يدعى ولو دعي لم يستجب.
(( ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة )) نعم لا يستطيع هذا في الدنيا ولا في الآخرة، فالأصنام لا تنفع عابديها لا في الدنيا ولا في الآخرة قال: (( وأن مردنا إلى الله )) ذكرهم بالحساب رحمه الله وجزاه خيرا.
" (( وأن مردنا )) أي مرجعنا (( إلى الله )) " عز وجل في الدنيا والآخرة، (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) فالمرد هو الله في الدنيا وفي الآخرة (( وأن المسرفين هم أصحاب النار )) يعني: ولا جرم أيضا أن المسرفين هم أصحاب النار، فهذه ثلاثة أشياء كلها جزم بها جزما:
أولا: أن ما تدعونه إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، والثاني: أن مردنا إلى الله، والثالث: أن المسرفين هم أصحاب النار.
المسرف اسم فاعل من الإسراف وهو تجاوز الحد، ويكون كفرا ويكون دون الكفر، فالإنسان الذي يملأ بطنه من الطعام والشراب مسرف لكنه ليس بكافر، لأن الله قال: (( كلوا واشربوا ولا تسرفوا )) وكذلك الإسراف اللباس وغيره لا يؤدي إلى الكفر، لكن الإسراف في عبادة الله بأن تتجاوز عبادة الله إلى عبادة غيره هذا هو الكفر، وهذا هو مراد هذا الرجل المؤمن.
(( وأن المسرفين هم أصحاب النار )) هم: ضمير فصل، وقد سبق لنا أن ضمير الفصل من حيث الإعراب لا محل له من الإعراب، فلا يؤثر فيما قبله، ولا يؤثر فيه ما قبله، وسبق لنا أن لضمير الفصل فوائد:
التوكيد والحصر وتمييز الخبر عن الصفة، وضربنا لذلك مثلا.