تتمة فوائد قوله تعالى : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة وجوبُ الإخلاص لله والاستقامة على دينه
الطالب: الإخلاص من قوله تعالى: (( إلهٌ واحد )) والاستقامة (( فاستقيموا ))
الشيخ : لا لا (( استقِيمُوا إليه )) (استقِيمُوا) هذا العمل و(إليه) الإخلاص.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تهديد المشركين لقوله: (( وويلٌ للمشركين )) وهذا النوع من التهديد يكون فيما هو شرك ويكون فيما هو دون ذلك فقد قال الله تعالى: (( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون )) وهؤلاء ليسوا بمشركين يعني أنَّ عملَهم هذا لا يوصِل إلى الشرك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ويلٌ لمن حدَّث فكذَب لِيُضْحِكَ به القوم ويلٌ له ثم ويلٌ له ) وهذا أيضًا ليس من الشرك، وعلى هذا فلا يقال: إنَّ كل وعيدٍ كان بهذه الكلمة يفِيد أنَّ الفعل شرك بل قد يكون شركًا أو ما دونه.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ التوحيد تزكِيَةٌ للنفس لقوله: (( الذين لا يؤتون الزَّكَاة )) ولا شكَّ أنَّ التوحيد تزكية للنفس، لأنك تقطَعُ العلائق مع غير الله إلَّا فيما يُحِبُّ الله، الموَحِّد حقيقة قلبُه دائمًا مع الله عز وجل دائمًا يتقلَّب في قضائِه الكوني راضيًا به كما يتقلَّب في قضائِه الشرعِي راضيًا به، ولهذا تجدُه إذا أصابَتْه سرَّاء شكر ولم يبطَر، وإذا أصابته ضراء صبَر ولم يتسَخَّط، فهو دائمًا مع الله يقول لنفسه: أنا عبدُ الله يفعلُ بي ما شاء، أنا عبد الله إن أصابَني بالسراء شكرْت فكان خيرًا لي وإن أصابني بالضراء صبرت فكان خيرًا لي، أنا عبد الله لا يمكن أن أعارِضَ قضاءَ الله يقضِي علي اليوم بالسرور فأُسَرّ وغدًا بالسوء فأسْتَاء ويمشي مع الله مع قضائِه وقدرِه، وهذا هو الذي يجد الراحةَ تمامًا، ولهذا مِن ثمرات الإيمان بالقدر أنَّ الإنسان يكون دائمًا مطمئِنًّا ليس فيه قلق ولا حزن وإن كان ربما في الصدمة الأولى يجِد الإنسان الُحزْن لكن بالتصبير تصبيرِ نفسه ومشاهدَة القدر يسهُل عليه الأمر، وإلا فمن المعلوم أنَّ الإنسان ليس حديدًا أو حجارَة لا يتأَثَّر لكنه عندما يُصَبِّر نفسه ويُحَمِّلُها يصبِر فيطمئن، فالمهم أنَّ التوحيد كله خير وكله زكاة تزكية للنفس وتطهير لها.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ المشركين لا يؤمنون بالآخرة ولهذا إذا قيل له: وحِّدِ الله تَنْجُ من عذابِه قال: ما في عذاب. يكفرُون بالآخرة.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ الإيمان بالآخرة يدعو إلى التوحيد وتحقيقِه وهذا حقّ وواقع، كلُّ إنسان يؤمِن بأنه سوف يُحشَر يوم القيامة في أرض قاعٍ صَفْصَف لا يرى فيها عِوَجًا ولا أمْتًا وأنه سيُجازى على عملِه كلُّ إنسان عاقل سوف يستعِدّ لهذا اليوم، ولذلك ينبغي لنا مع كونِ قلوبِنا مع الله عز وجل أن نتذَكَّر الساعة وقيامَ الناس، وهل بين الإنسان وبين هذه الحال وقتٌ محدد معلوم؟ لا أبدًا، يصِلُ إلى هذا إذا مات، ومتى يموت؟ لا يُعلَم قد يخرُج الإنسان من بيتِه ولا يرْجِع إليه، قد ينامُ على فراشه ويُحمَل ميِّتًا، قد يركب سيارته ولا ينزِل منها، فإذًا تذَكَّر يا أخي عندما تستَولي على قلبك الغفْلة تذَكَّر هذا اليوم الذي تُحشَرُ فيه أنت وسائرُ الخلق خافِيًا عارِيًا أغْرَل ليس عندك مال ولا بنون ولا أحد يحمِيك، تذَكَّر هذا فإذا تذَكَّرْتَه فسوف تعمَل لهذا اليوم، إخوانُك أولادك آبائك أمهاتك الذين فقدتهم في الحياة متى تجتمع بهم؟ في هذا اليوم، ما في اجتماع إلا في هذا اليوم، إذًا استعد لهذا اليوم اعمل صالحًا لا يفوتُك الركب كُنْ في مقدمته واجعل الدنيا وراءَ ظهرِك اجعلها تابعة لك ولا تجعل نفسك تابعًا لها حتى تنجو، فكلُّ إنسان يؤْمِن بالآخرة فإنَّه إذا تذَكَّرَها سوف يعمَلُ لها لقول الله: (( لمثل هذا فليعمل العاملون )) أسأَلُ الله تعالى أن يجعَلني وإياكم مِن المتقين الذين يؤمِنُون بالآخرة ويعمَلُون لها. نعم
الطالب: ... (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفر لهم الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيمًا )) ....
1 - تتمة فوائد قوله تعالى : (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين )) . أستمع حفظ
سؤال عن المعنى الصحيح لقوله تعالى : (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ... )) .؟
2 - سؤال عن المعنى الصحيح لقوله تعالى : (( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ... )) .؟ أستمع حفظ
سؤال عن الفرق بين النبي والرسول .؟
الشيخ : هذه المسألة تنبني على اختلاف العلماء: مَن هو النبي ومَن هو الرسول فجمهور العلماء على أنَّ الرسول من أُرسِل أوحِي إليه بالشرع وأرسِلَ به وأُمِرَ أن يُبَلِّغَه، وأما النبي فهو مَن نُبِّئ أي أُخْبِر والإخبار لا يلزم منه التكلِيف بالإبلاغ فهو مَن أوحي إليه بشرْع ولم يؤْمَر بتبليغِه بل أُمِر أن يفعلَه بنفسه، فيكون هذا الإنباء تجديدًا للرسالة السابقة أو إنشاءً لشريعة لم تكن قائمة وهذا الذي قاله الجمهور هو الصحيح، لأننا لو قلنا: إنَّ النبي هو مَن جَدَّدَ شريعة سابقة وأُمِرَ أن يبلغ الناس وأن يوقظَهم لو قلنا: النبي هو هذا أشكل علينا نبُوَّةُ آدم، فإنَّ آدم نبي مُكَلَّم ومع ذلك لم يسبقه رسول فإن قال قائل: إذًا ما الفائدة؟ قلنا: الفائدة أولًا مصلحة هذا النبي هو بنفسه أنه أوحِي إليه بشرع، ثانيًا أنه إن كان في شريعة سابقة فهو عبارة عن تجْديد تلك الشريعة، وإن كان في غير شريعة سابقة كآدم فإنَّ الناس في عهده بُدَائِيِّين لم يكثُرُوا ولم يختلفوا ولم تُفتَح عليهم الدنيا فكانوا ينظرون إلى ما يفعله أبوهم فيفعَلونَه دون حاجةٍ إلى أن يُرسَل إليهم ولهذا قال الله: (( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين )) يعني فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين (( وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )) فأنا يترجح عندي قول جمهور العلماء أنَّ النبي مَن أوحي إليه بشرْع ولم يُؤْمَر بتبليغه، وأما نحن فلما لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبِيّ صِرْنا مأمورين بإبلاغ رسالتِه فنحن في الحقيقة رُسُلُ رسول الله ولهذا جاء في الحديث أنَّ العلماء ورثة الأنبياء. نعم
في قوله تعالى : (( وويل للمرشركين )) أعربنا " ويل " مبتدأ فهل هي مصدر لفعل محذوف .؟
الشيخ : مصدر لفعل محذوف وجوبًا أولا هل لها فِعْلٌ من لفظها؟ هل ويل لها فعل من لفظها
الطالب: ليس لها فعل
الشيخ : إذًا كيف تكون مصدر؟ الشيء الثاني: المصدَر لفعلٍ محذوف يكون منصوبًا
الطالب: .. النيابة عن الفعل
الشيخ : ما يستقيم حتى لو ناب عن الفعل يكون منصوبًا، هي ما فيها إشكال إلا ما قلت لكم وهو أنَّه ابْتُدِئَ بها وهي نكرة فقلنا: إنَّ الذي خصَّصَها هو الوعيد. حَجَّاج يقول: انتهى الوقت
قراءة الآيات القرآنية .
تفسير قوله تعالى : (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون )) .
التعليق على تفسير الجلالين : (( قل أئنكم )) بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينهما بوجهيها وبين الأولى (( لتكفرون بالذي خلق الأرض فى يومين )) الأحد والاثنين (( وتجعلون له أندادا )) شركاء (( ذلك رب )) مالك (( العالمين )) جمع عالم وهو ما سوى الله وجمع لاختلاف أنواعه بالياء والنون تغليبا للعقلاء .
(( ذلك رب العالمين )) (ذلك) أتى باسم الإشارة دون الضمير ثم جعلَها إشارَة بُعْد للتعظيم والتفخيم والتَّعلية لأنَّ البعد هنا إشارةٌ إلى المكان العالي (ذلك رب العالمين) لو قال: هو رب العالمين استقام الكلام لكن لم يحصل ما تدُلُّ عليه الإشارة مِن التعظيم ثم ما يدُلُّ عليه صيغة البعد من العُلُوّ نظير ذلك (( الم * ذلك الكتاب )) ولم يقل: هو الكتاب ولا هذا الكتاب إشارةً إلى ما ذكرنا، (( ذلك رب العالمين )) قال المفسر: (مالك) وفي هذا التفسير قُصور بل نقول: خالِق ومالِك ومدَبِّر، لأنَّ الربوبية هي الخلْق والـمُلْك والتدبير فإذا قلنا: مالك صار في هذا قُصور، (ذلك رب العالمين) أي خالقُهم ومالكهم ومدَبِّر أمورهم، " (( العالمين )) جمْعُ عالَم وهو ما سوى الله " عز وجل كلُّ ما سوى الله فهو عالم وسُمِّيَ عالم لأنه علَمٌ على خالقِه جل وعلا فإنَّ كلَّ شيء فيه آية تدل على وحدانية الله وقدرته وحكمته وعزته وغير ذلك، قال: " (( ذلك رب العالمين )) جمع عالم وهو ما سوى الله وجُمِعَ لاختلاف أنواعه " يعني لم يقل العالَم بل أتى بالعالمين، لاختلاف أنواعه، " بالياء والنون تغليبًا للعقلاء " فإن قال قائل: هل العُقَلاء أكثر أو غير العقلاء؟ ... عندنا الآن قولان: العقلاء أكثر، غير العقلاء أكثر ما في قول بالتوقف؟ نعم؟ أقول ما في شيء بتوقف؟ ... إذًا قل أنا متوقف إذا كنت لا تجزم قل متوقف حتى يكون فيه قولٌ ثالث؟ نعم، فيقال: إن قلنا إن العقلاء{ صليتوا ركعتين يا جماعة أنتم اللي جلستم؟ صلوا ركعتين تحية المسجد }إن قيل: العقلاء أكثر. يحتاج إلى دليل وربما يكون دليلُه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أطَّتِ السماء وحُقَّ لها أن تَئِطّ، ما مِن موضع أربع أصابع منها إلا وفيه ملك قائم لله أو راكعٌ أو ساجِد ) والسماء واسعة عظيمة كل سماء أوسع مما تحتها فمَن يحصِي هؤلاء؟ هذا شيء عظيم، البيت المعمور في السماء السابعة يدخلُه كلّ يوم من الملائكة سبعون ألف ملك لا يعودُون إليه مَن يحصِي الأيام وكلّ يوم يضربه بسبعين ألف ملك، فإذا رأينا إلى هذا قلنا: العقلاء أكثَر، العقلاء أكثَر مَن يحصي هؤلاء، وإن نظرْنا إلى ما في الأرض قلنا: غيرُ العقلاء أكثَر فعلى هذا التقدير أن المراد مثلًا أن نُريد مَن في الأرض نقول: إنَّه غُلِّبَ العقلاء لشرفِهم والحاصل أنَّ تغليب العقلاء إن كان العقلاء أكثر فغُلِّبُوا لِكَثْرَتِهم، طيب وإن قلنا: غير العقلاء أكثر فُغلِّب العقلاء أنت؟ كأني بك سرَحْت بعض الشيء .. يُغَلَّب مَن ليس بممَيِّز
الطالب: تشريفـ..
الشيخ : ؟ نعم لِشرَفِهم صح، على كل حال تغليبُ العقلاء الآن إن كان العقلاء أكثَر فلكثرتِهم، إن كان غير العقلاء أكثر فلشرف العقلاء، طيب (( ذلك رب العالمين ))
7 - التعليق على تفسير الجلالين : (( قل أئنكم )) بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينهما بوجهيها وبين الأولى (( لتكفرون بالذي خلق الأرض فى يومين )) الأحد والاثنين (( وتجعلون له أندادا )) شركاء (( ذلك رب )) مالك (( العالمين )) جمع عالم وهو ما سوى الله وجمع لاختلاف أنواعه بالياء والنون تغليبا للعقلاء . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( وجعل )) مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي (( فيها رواسي )) جبالا ثوابت (( من فوقها وبارك فيها )) بكثرة المياه والزروع والضروع (( وقدر )) قسم (( فيها أقواتها )) للناس والبهائم (( في )) تمام (( أربعة أيام )) أي الجعل وما ذكر معه في يوم الثلاثاء والأربعاء (( سوآء )) منصوب على المصدر ، أي استوت الأربعة استواء لا تزيد ولا تنقص (( للسائلين )) عن خلق الأرض بما فيها .
وما مِن المنعُوت والنَّعْت عُقِل يجُوز حذْفُه وفي النعت يَقِلّ
أي وفي المنعوت يكثُر (( أن اعمل سابغات )) أي دروعًا سابغات، المهم كثيرة (( عملوا الصالحات )) كما مر علينا، حَذفُ المنعوت كثير، لأنَّ المقصودَ الصفة والصفة تكون بايش؟ بالنعت وهو موجود، (( من فوقها )) أي هذه الرواسي مِن فوق، ... يعني صيَّر فيها رواسي، نعم؟ المفعول الأول هو رواسي والثاني الجار والمجرور، وقوله: (( من فوقها )) انتبِه لهذه الكلمة لها فائدة عظيمة، الرواسي قد تكون مِن أسفل وقد تكون مِن فوق، أليس كذلك؟ قد تكون من أسفل يعني يكون مثلًا يحفر في الأرض قواعد تُرَسِّي وتكون راسية لكن هنا قال: من فوقها، وذلك لفوائد: الفائدة الأولى ظهور هذه الرواسي وبيانُها للناس حتى يعرِفوا بذلك حكمة الله عز وجل، وربما لا تكون رواسي إلا إذا كانت من فوق بناءً على أنَّ الأرض تدُور حتى تحفَظ توازُنَها، ثانيًا: هذه الرواسي إذا كانت مِن فوق حصل فيها مِن المنافع في دَرْءِ العواصف وفي الملاجِئ شيءٌ كثير كما هو معرُوف في المغارات وكما يُعرَف مِن سفوح الجبال وخدُوج الجبال ورُؤوس الجبال من نَوابت لا توجَد لولا هذه المرتفَعَات، وثالثًا: أنها توجِب أن تندفِع مياه الأمطار بشدة حتى تصِل إلى أراضِيَ صالحةٍ للنبات، لأنكم تعرفون أنَّ بعض الأرض سبِخَات ما فيها خير وبعضها رِيَاض تُنْبِت فإذا نزَل الماء على هذه الجبال على قمَمِها وعلى خُدُوجِها نزَلَ إلى الأرض بشدة عظيمة حتى يصِلَ إلى ما أراد الله إيصالَه، ورابعًا أنَّ في قِمَمِ الجبال مِن المعادن الجيِّدَة أكثر مما في الأرض السفلى ولهذا قال: (( وأنزَلْنا الحديد فيه بأس شديد )) أنزلْنَاه مِن قِمَمِ الجبال ولهذا يقول العلماء يقولون: إنَّ الحديد الذي يكون مِن قِمَم الجبال أعلى وأقوى من الذي يكون من الأسفل، هذا ما نعلمُه وما لا نعلمه أكثر، المهم أنَّ كلمة (من فوقها) صار لها فائدة عظيمة ذكرنا منها الآن أربع فوائد.
طيب " (( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها )) بكثرة المياه والزروع والضروع " بارك فيها أي في الأرض وما أعظَمَ بركات الأرض مِن الزروع والأشجار والأنهار والمعادن وغيرها من بركات الأرض، وقول المؤلف: الضُّرُوع يعني ضُرُوع البهائم لأنَّ البهائم كلما شبِعَت من الربيع ازداد دَرُّها ومن يتأَمَّل يجِد أنَّ في الأرض بركاتٍ عظيمة حملت الأحياء والأموات والوحوش والسباع والبهائم والحشرات والآدميين، وكانت سعة أيضًا مع كثرة ما فيها، الآن هؤلاء الأحياء الذين على ظهر الأرض لو كان الناس يحْيَوْن إلى الآن لرأَيْتَ أمرًا بشِعًا وصعْبًا لكن جعل الله الأرض كفاتًا أحياءً وأمواتًا وهذه من بركاتها.
(( وقدَّر فيها أقواتها )) (قدَّر) قال المؤلف: " قسَّم (( فيها أقواتها )) للناس والبهائم " إلى آخره قَدَّرَ فيها الأقوات يقول: قدَّر مِن التقدير وهو التقسيم، قدَّر الأقوات ولم يجعَلِ القُوت في جانب واحِد من الأرض، لو كان في جانبٍ واحد من الأرض لشَقَّ هذا على الناس كثيرًا أليس كذلك؟ لو قُدِّر مثلًا أنَّ الأقوات لا تكون إلا في غرْب الكرة فكيف يعِيش أهل الشرق أو بالعكس كيف يعِيش أهلُ الغرب لكنَّه مُقَدَّر، ثم قدَّره من ناحيةٍ أخرى جعل في هذه الأراضي ما لا يصلُح في الأراضي الأخرى والعكس الحكمة: مِن أجل أن يتبَادَل الناس الأقوات فيأتِي الناس الذين ليس عندهم هذا النوع من القوت يذهبون إلى الأراضي اللي فيها هذا القوت يجلبُونَه إلى الأرض الخالية منه وكذلك العكس، في بعض الجهات من الأرض ما يكثُر فيه النخيل والعنب لكن يقِلُّ فيه الحَمْضِيَّات وأشباهها، وفيه أيضًا أشياء كثيرة أنا لست مِن أهل الزراعة لكن في أشياء كثيرة تصْلُح في مكان دون مكان مِن أجل أن يقَعَ التبادل بين الناس والضَّرْب في الأرض ابتغاء الرزق وهذا مِن الحكمة في قولِه: (( وقدر فيها أقواتها )).
(( في أربعة أيام )) " (( في )) تمام (( أربعة أيام )) أي الجعل وما ذُكِرَ معه في يوم الثلاثاء والأربعاء " إذا كان خلْق الأرض أولها الأحد والاثنين ثم قال: في أربعة أيام ماذا يكون الباقي؟ الثلاثاء والأربعاء فتكُون الأرض خُلِقَت وقُدِّرَ فيها الأقوات في أربعة أيام.
قال الله تعالى: (( سواءً للسائلين )) " منصوب على المصدَر أي استوَتِ الأربعة استواءً لا تزيد ولا تنقص " فأفادنا بقوله: (استوت استواء) أنَّ سواءً اسم مصدر فقولُه: (منصوب على المصدر) فيه تجَوُّز، لأننا إذا قلنا: (سواء) مصدَر (استوى) فإنه لا يستقيم على القاعدة، لأن القاعدة أنَّ المصدر ما وافَق الفعْل في حروفه وهنا (استوى) لا توافقُها (سَواء) بل الذي يوافقها (استواء) إذًا فـ(سواء) تكون اسم مصدر مثل كَلَّم والمصدر تَكْلِيم واسم المصدر (كلام)، طيب هنا (استوى) والمصدر (استِوَاءٌ) واسم مصدر (سواء) المهم أنَّ قوله: (سواء) يعني أنَّ هذا الخلق استوعب الأربعةَ كلها لم يكُن في يومين أو ثلاثة بل في الأيام الأربعة كلِّها، فعلى هذا يكون قوله: " منصوب على المصدر " الصواب أن يقال: على أنه مفعولٌ مطلق أي استَوَتِ الأربعة استواءً لا تزِيد ولا تنقص، " (( للسائلين )) عن خلقِ الأرض بما فيها " (للسائلين) هذه لا تظُنُّوا أنها متعَلِّقَة بسواء بل هي جوابٌ لخبر محذوف أي: هذا جوابٌ للسائلين أو نحو هذه الكلمة المهم أنّ قوله: (للسائلين) يفيد أنَّ ما ذُكِر جواب لِمَنْ سَأَل عن خلْق الأرض وأقواتها بأنها في أربعة أيام سواء
8 - التعليق على تفسير الجلالين : (( وجعل )) مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي (( فيها رواسي )) جبالا ثوابت (( من فوقها وبارك فيها )) بكثرة المياه والزروع والضروع (( وقدر )) قسم (( فيها أقواتها )) للناس والبهائم (( في )) تمام (( أربعة أيام )) أي الجعل وما ذكر معه في يوم الثلاثاء والأربعاء (( سوآء )) منصوب على المصدر ، أي استوت الأربعة استواء لا تزيد ولا تنقص (( للسائلين )) عن خلق الأرض بما فيها . أستمع حفظ