تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( والذين لا يؤمنون في ءاذانهم وقر )) ثقل فلا يسمعون (( وهو عليهم عمى )) فلا يفهمونه (( أولئك ينادون من مكان بعيد )) أي هم كالمنادي من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به .
((والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر والذي لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )) (أولئك) المشار إليهم الذين لا يؤمنون، وأشار إليهم بصيغة البعيد ليس رفعةً لشأنِهم ولكن إظهارًا للتَّبَرُّؤ منهم وإبعادهم، (أولئك ينادون من مكان بعيد) يعني كالذي ينادَي مِن مكان بعيد، والذي يُنادَى من مكان بعيد يعوقُه عن الحضور والاستجابة أمران: الأمر الأول: أنَّه لبُعْدِه قد لا يسمَع النداء، الأمر الثاني أنه لبُعدِه قد يرَى أنّ الاستِجَابة شاقَّةٌ عليه فلا يجيب وعلى هذا فكونُهم يُنادَون مِن مكان بعيد يتعلَّق بندائِهم آفَتَان: الأولى: يرون المسافة بعيدة فيكسَلُون ويرون أنَّه من المشقة فيدعون إجابة المنادي، والثاني أنهم لا يُدرِكُون المنادي لبُعدِهم عنه فلا يجيبون على الوجه المطلوب، " (( أولئك يُنادَون مِن مكانٍ بعيد )) أي هم كالـمُنادَى مِن مكانٍ بعيدٍ لا يسمَع "
1 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( والذين لا يؤمنون في ءاذانهم وقر )) ثقل فلا يسمعون (( وهو عليهم عمى )) فلا يفهمونه (( أولئك ينادون من مكان بعيد )) أي هم كالمنادي من مكان بعيد لا يسمع ولا يفهم ما ينادى به . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )) .
ومِن فوائِد هذه الآية الكريمة أنَّ الحُجةَ لا تقُوم حتى يفْهَم الإنسان معنى هذه الحجة وأنَّ مجرَّدَ البلاغ لا يُعَدُّ حجة قائمة حتى يفهمَها مَن بلغَتْه، لأنه لو أَلْقَيْتَ كلامًا عربيًّا بأفصَح ما يكون على قومٍ عجم وهم لا يعرفون مقصودَك أصلًا هل يفْهمون شيئًا؟ وكذلك بالعكس لو جاءَ رجل أعجمي وقام يتكَلَّم بأفصَح ما يكون من لغة العجم ونحن لا نعرِف مرادَه لم نفهَم منه شيئًا ولهذا قال تعالى: (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )) فإن قال قائل: يرد على قولكم هذا -وهو أنَّه لابد من فهم الحجة بعد بلوغِها- يرِدُ على ذلك قوله تعالى: (( لأنذرَكم به ومَن بلغ )) ولم يقل: ومن بلغ وفهم. قلنا: هذا مطلق لكن الآيات الأخرى تقَيِّدُه أنه لا بدَّ مِن البيان والمعرفة، وكذلك لو قال قائل: يرِدُ على قولِكم هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لا يسمَع بي أحدٌ مِن هذه الأمَّة يهُودِيٌّ ولا نصرانِيّ ثم لا يؤمن بما جئْتُ به إلا كان من أصحاب النار ) فقال: (لا يسمع بي) فيقال: نعم لأنه إذا سمِع به يجِبُ عليه أن يبْحَث حتى وإن كان لا يفهَم يجب عليه أن يبحث، أما أن يترُك فهو لا يُعذَر لتفريطِه وتهاونِه، وعلى هذا فلا بد من بلوغ الحجة ولا بد مِن فهمِها، ونحن في الحقيقة لا نتهاون في تكفِير مَن كفَّرَه الله ولا نبالي أن نكَفِّر من كفَّرَه الله لكننا لا نتجَاسَر أن نكَفِّر مَن لم يُكَفِّره الله عز وجل لأنَّ الحكم ليس إلينا الحكم بالتكفير وعدم التكفير إلى الله عز وجل ليس إلينا ولا إلى عواطفنا، وإلا لو كان إلينا أو إلى عواطفنا لكنا نكفِّر مَن كان فاسقًا بل قد نكفر من كان تاركًا للأولى لأن الإنسان لا شكَّ أن معه غيرةً يبغِض بها من خالف الشرع لكن كوننا نحكم عليه بالكفر أو بعدم الكفر ليس إلينا بل هو إلى الله، والخلق عبيد الله عز وجل ليسوا عبيدَنا حتى نحكُم عليهم بما نرى بل نحكُمُ عليهم بمقتضى كلام الله ورسوله، فإذا دار الأمر بين أن نقول: هذا كافر وهو ينتسب إلى الإسلام وبين أن نقول: ليس بكافر أيهما أحوط؟ أن نقول: ليس بكافر، لأنَّ بهذا سالمون لكن لو نكَفِّره ثم بناءً على التكفير نستبيح دمَه وماله المسألة ما هي سهلة ونستبيح ألَّا نصَلِّيَ عليه وألا ندعُو له بالرحمة المسألة صعبة جدًّا، ولهذا خطأُ مَن يتسرَّعون بالتكفير أشدُّ من تهاوُن مَن لا يكفرهم، لِمَا يترتَّب على التكفير من المصائب والبلاء.
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ التناقض بين الرسول والوحي مستحيل الدليل قوله تعالى: (( ولو جعلناه قرآنا أعجمِيًّا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي )) وهذا مستحيل أن يتناقض الوحي ومَن أُوحِيَ إليه.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ القرآن يكون لأقوامٍ رحمة ولآخرين نِقمة ويشهد لهذا قولُه عليه الصلاة والسلام: ( القرآن حُجَّة لك أو عليك ) رحمةٌ لِمَن؟ للمؤمنين ونقمَة على الكافرين قال الله تعالى: (( وإنه لحسرة على الكافرين )).
ومن فوائد الآية الكريمة أنه لا يمكن أن يُبتغَى الهدى مِن غير القرآن، لقوله: (( قل هو للذين آمنوا هدى )) فمن ابتغى الهدى من غير القرآن أضلَّه الله قال الله تعالى: (( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى )).
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ القرآن شفاءٌ مِن أمراض القلوب وأسقام الأبدان لقوله: (( هدى وشفاء )) وقد فهمنا أثناء التفسير أنَّ الفاتحة رُقْية كذلك أيضًا إذا أردت أن ترْقِي أحدًا فانظُر مع الفاتحة الآيات المناسبة فمثلًا إذا كنتَ تريد أن ترقيَه من السحر فاقرَأْ إضافةً للفاتحة (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس)، لأنهما السورتان اللتان رُقِي بهما الرسو صلى الله عليه وسلم، كذلك انظُر إلى آيات السحر التي تُبطِل السحر مثل قوله تعالى عن موسى: (( ما جئتم به السحر إنَّ الله سيبطله إنَّ الله لا يصلح عمل المفسدين )) وأمثال ذلك، إذا كنت تريد أن ترقِيَ مِن مرض اقرَأ الآيات المناسبة مثل (( وإذا مرِضتُ فهو يشفين )) لأنَّ التناسب بين الآيات التي هي الدواء وبين المرض الذي هو الداء لا بد أن يكون أمرًا مهِمًّا يراعيه الإنسان كما يُراعِي ذلك في الأدوية الحِسِّيَّة: الحارّ يُعالَج بايش؟ بالبارد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحمى قال: ( إنَّ الحمى من فيح جهنم فأبرِدُوها بالماء ) وقد شهد الأطباء الآن أنَّ البرودة لمن أُصِيب بالحمى من أكبر العلاج حتى كانوا يجعلون المريض أحيانًا إلى جنب مرَاوح المكيِّف من أجل البرودة، وحتى يضعون أحيانًا على المريض بالحمى ثوبًا مبلولًا بالماء من أجل التبريد، نعم.
ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ الإنسان كلما كان أقوى إيمانًا كان أهدَى وأشفَى من أين نأخذه؟ (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )) وقد أخذنا قاعدة مفيدة مهمة أنَّ كل حكم مرتَّب على وصْف فإنه يقْوى بقوة ذلك الوصف كل حكم معلقه وصف أو مرتَّب على وصْف فإنه يقْوى بقوة ذلك الوصف ويضعَف بضُعف ذلك الوصف. أنتم معنا يا جماعة؟ انتبهوا لهذا.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بلاغة القرآن بتصْوير المعقول بصورة المحسوس، هؤلاء الذين لا يؤمنون لو أنَّك نظرتَ إليهم نظرة حسِّيَّة لم تجِدْ في آذانهم وقرًا، لأنهم يسمعون وقد يكونوا أقوى سمعًا من المؤمنين، ولم تجِد أيضًا أنهم إذا قُرِئ عليهم القرآن عمِيَت أعينُهم كما قال (( وهو عليهم عمى ))، ولم تجد أنهم يُنادَون من مكان بعيد بل تُعرَض عليهم الدعوة وهم إلى جنب الداعي، لكن هذا من بلاغة القرآن أن يُصَوِّر الشيء المعقول بصورة المحسوس، حتى يكون أقربَ إلى الفهم، فهنا صوَّر الله حالَ هؤلاء بأنهم صُمّ وبأنهم عُمْي وبأنهم بعيدون من الداعي.
ثم قال الله تبارك وتعالى
2 - فوائد قوله تعالى : (( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )) . أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )) .
الطالب: أحسن الله إليكم .... يشكل علي قوله عليه الصلاة والسلام: ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي
الشيخ : أجبنا عنه أجبنا عنه، نعم
3 - تفسير قوله تعالى : (( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )) . أستمع حفظ
سؤال عن كيفية العلاج بالقرآن والتوسع في الرقية .؟
الشيخ : لكن بالكيفية ولَّا بالكلمات؟
الطالب: كيفية يأتي بطرق من عنده
الشيخ : أنا أرى أنَّ الأولى بالقارئ أن يقتصِر على ما جاء عن السلف، هذا الأولى أمَّا غيرُ ما جاء عن السلف فهذا ربما نقول: إنه خاضع للتجربة إذا جُرِّب ونفَع فالمقصود النفع، وإذا لم يُجرَّب ولكن الإنسان يتخَرَّص فالظَّنّ بعضُه إثْم.
قلنا في الفوائد أن الأصل إبقاء المطلق على ما جاء ولكن بعض أهل العلم يبينون بعض الأمراض بآيات معينة فهل هذا فيه مخالفة للقاعدة .؟
الشيخ : لا لا مي هي مخالَفة للقاعدة هذا موافَقَة للحكمة كما ذكرْنا قبل قليل ماذا قلنا؟
الطالب: .. الآية المناسبة
الشيخ : إنَّ المرض يُعالَج بما يناسِبُه
الطالب: يا شيخ من أين عرفوا هذا؟
الشيخ : حكمة الله عز وجل نعرف هذا من الحكمة، نعم.
5 - قلنا في الفوائد أن الأصل إبقاء المطلق على ما جاء ولكن بعض أهل العلم يبينون بعض الأمراض بآيات معينة فهل هذا فيه مخالفة للقاعدة .؟ أستمع حفظ
في قوله تعالى : (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )) ألا يكون هدى من الضلالة وشفاء من الغي فيكون الأول لمرض الشبهات والثاني لمرض الشهوات .؟
الشيخ : ذكرنا هذا لكن اختلاف اللفظ نعم.
6 - في قوله تعالى : (( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء )) ألا يكون هدى من الضلالة وشفاء من الغي فيكون الأول لمرض الشبهات والثاني لمرض الشهوات .؟ أستمع حفظ
قلنا يشترط في الرقية أن يكون المرقي مؤمنا بالقرآن وزعيم القوم الذي رقاه أبو سعيد كافر فكيف ذلك .؟
الشيخ : نعم؟
الطالب: أن يكون المرقي الي يتلى عليه القرآن مؤمِنًا به، وزعيم القوم هذا -يا شيخ- لم يكن مسلمًا؟
الشيخ : .. هو مو هو مؤمن بالقرآن ما ندري عنه هل آمن بالقرآن ولَّا لا لكن مؤمن بأنَّ قراءتهم سوف تفيد وهذا لا بد منه، لأنه إذا لم يؤمِن لم تنفَعِل النفس وتكون قابلة، لا يمكن أن تنفعِلَ النفس لقَبُول هذا العلاج إلا إذا آمن بأنه مفيد.
الطالب: الكافر يا شيخ يتلى عليه القرآن؟ الكافر يُعالج بالقرآن؟
الشيخ : أي نعم يُعالج بالقرآن وربما يكون علاجه بالقرآن أولى مِن علاج المؤمن به، لأنه إذا عرف أنه مُؤَثِّر يكون ذلك سببًا لإسلامه
7 - قلنا يشترط في الرقية أن يكون المرقي مؤمنا بالقرآن وزعيم القوم الذي رقاه أبو سعيد كافر فكيف ذلك .؟ أستمع حفظ
في قوله تعالى : (( لولا أن رأى برهان ربه )) وهل لولا هنا شرطية .؟
الشيخ : اقرأ اللي قبلها (( ولقد همَّت به وهَمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه )) يعني لَفَعَل فهي شرطية لكن محذوفة الجواب.
الطالب: الهم ما حصل منه؟
الشيخ : بلى يعني: لولا برهان ربه لفعَل يعني لأجابَها إلى ما دعَتْ، ما هو بـ:لولا برهان ربِّه لما هَمّ، لأن لو كان كذلك تناقض الكلام بل هو هَمَّ بها لكن لولا أنَّه رأى برهان ربه لأجابَها إلى ما دَعَت. نعم
ما حكم استنطاق الجن بالقرآن .؟
الشيخ : والله يا أخي ما أدري عن هذا دائمًا أقول .. مثلما قلت أنهم يستنطقون ودائما يعالجون بالتخييل يضع القارئ يدَه على رأس الإنسان ويقول غَمِّض ... أشوف كذا وكذا من تتهم؟ أتهم فلان، ما ندري هذه طرق غريبة فهذه تحتاج إلى دراسة يعني أحوال هؤلاء القارئين تحتاج إلى دراسة ومعرفة كيف يتوَصَّلون إلى هذا ومن أين جاءهم. أي نعم
قلنا أن إقامة الحجة تكون بالفهم فكيف يجاب على قوله تعالى : (( ختم الله على قلوبهم )) .؟
الشيخ : نعم، ختم عليهم بعد الفهم، لأن الختم معناه قد يكون ختم يمنع الفهم، وقد يكون ختم يمنع الانقياد كقوله تعالى: (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ))، نعم
10 - قلنا أن إقامة الحجة تكون بالفهم فكيف يجاب على قوله تعالى : (( ختم الله على قلوبهم )) .؟ أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( ولقد ءاتينا موسى الكتاب )) التوراة (( فاختلف فيه )) بالتصديق والتكذيب كالقرآن (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة (( لقضي بينهم )) في الدنيا فيما اختلفوا فيه (( وإنهم )) أي المكذبين به (( لفي شك منه مريب )) موقع في الريبة .
11 - التعليق على تفسير الجلالين : (( ولقد ءاتينا موسى الكتاب )) التوراة (( فاختلف فيه )) بالتصديق والتكذيب كالقرآن (( ولولا كلمة سبقت من ربك )) بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة (( لقضي بينهم )) في الدنيا فيما اختلفوا فيه (( وإنهم )) أي المكذبين به (( لفي شك منه مريب )) موقع في الريبة . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )) .
ومن فوائد هذه الآية إثباتُ رسالَةِ موسى تُؤخَذ مِن أين يا أخ؟ وجهُ ذلك؟ ارفع صوتك
الطالب: وجه ذلك أن الكتاب لا يؤتى إلا لنبي
الشيخ : أحسنت وجه ذلك أنَّ الكتاب لا يؤتى إلى لنبي طيب.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة وُجوب الإيمان بأنَّ الله تعالى آتى موسى كتابًا، لأن الله أخبرَ به وخبرُه حقّ، ولأنَّ ذلك مِن الإيمان بكُتُبِ الله.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الخلاف لم يكن بِدعًا في الأمم وقد سبقَ هذه الأمة مَن اختلفُوا في كتبِهم ورسلِهم، لقوله: (( فاختلف فيه )).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تسلية الـمُصَاب بذكْر المشارِك له لأنَّ الغرض مِن ذلك أي نعم الغرض من إخبار أنَّ الله آتى موسى الكتاب فاخْتُلِف فيه تسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فينبغي تسلِيَة المصاب ومنه ما يُسمَّى بتعزِية المصاب بالموت فمَن أُصِيب بموْت فإنَّ مِن السنة أن يُعَزَّى أي يُقَوَّى على الصبر على المصيبة، إذًا من فوائد الآية تسلية المصاب وهل هذه التسلية سُنَّة أو هي مباحة؟ نقول: هي سنة لِمَا في ذلك مِن رفْع ألم المصيبة عن أخيك المسلم.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة حِكمَةُ الله عز وجل بتأْخِير العذاب عمَّن كذَّبُوا الرسل، لأنَّ الله تعالى جعل لكل شيء قدْرًا فمِن حكمتِه تأخيرُ العذاب عن الأمم لعلَّهم يرجعون.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة تمامُ سلطان الله عز وجل وأنَّه جل وعلا هو المدَبِّر للأُمور أخذًا ورفعًا، لقوله: (( ولولا كلمة سبقت من ربك )).
ومن فوائد هذه الآية الكريمة رفعةُ منزلة الرسول عليه الصلاة والسلام عند الله تُؤْخذ يا محمد؟ رفعة منزلته لأنَّه قال: (( مِن ربك )) فأضافَ الربوبية إليه وهذه ربوبية خاصة وهي تُفِيد عُلُوَّ منزِلَة المربُوب عند الله عز وجل، وقد اجتمعت الربوبيتان العامة والخاصة في قول السحرة مِن آل فرعون: (( قالوا آمَنَّا برب العالمين * رب موسى وهارون )) الأولى (رب العالمين) عامة والثانية خاصة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الله تعالى يُكَنِّي عن الشر ببِناء الفعل لِمَا لم يُسَمّ فاعله لقوله: (( لَقُضِيَ بينهم )) ولم يقل لَقَضَى بينَهم وهذا هو المطَّرِد في القرآن والغالب، وانظر إلى أدَب الجن حيثُ قالوا: (( وأنا لا ندري أشَرٌّ أريد بمَن في الأرض أم أرادَ بهم ربُّهم رشدًا )) أدب عالي وفي الشر قالوا: (أريد بمَن في الأرض) ولم يُضيفوه إلى الله، وفي الرَّشَد قالوا: (أم أراد بهم ربُّهم رشدا) ولم يقولوا: أم أريد بهم رشدا بل قالوا (أم أراد بهم ربُّهم رشدا) وهذا مِن أدَب الجن والجنُّ أحيانًا يكونون آدَب مِن الإنس (( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ))[الأحقاف:29] أوصَى بعضُهم بعضًا أن يُنصِتُوا حتى يستمعوا استماعًا تامًّا (( فلما قُضِي )) (قُضِي) أيضًا لم يتوقَّفوا أو يكسَلوا (( ولوا إلى قومهم منذرين )) بادروا إلى قومِهم منذرين (( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا)) إلى آخره.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ المكذِّبِين بكتابِ موسى في شَكٍّ مُريب مُوقِعٍ في الريب وهو الشَّكُّ مع القَلَق يعني الفرق بين الريب والشكّ قريب ولهذا يُفسِّر بعض العلماء الريب بالشك ولكنَّ شيخ الإسلام رحمه الله قال: هذا تفسير قريب والرَّيْب أخصُّ مِن مطلق الشك إذْ أنَّ فيه قلقًا مع الرِّيبة وذلك لأنَّ الأمر المشْكُوك فيه إمَّا ألا يكون ذا أهمية فتجِدُ الشاكَّ فيه يقول: ما يهمني ثبَتَ أمْ لم يثبُت، وإمَّا أن يكون ذا أهمية فحينئِذٍ إذا شَكَّ فيه سيكون في قلَق أيُؤمِن بهذا أم يُنكِر لأنَّه أمر هام، فالغالب أنَّ الريبة لا تأتي إلا في الأمور الهامة أما الشك الذي يشك فلانٌ قدِم أو ما قدِم وليس له أهمية في قدومِه أو غيابِه فهذا لا يُوجِب الريبة.
طيب (( وإنهم لفي شك منه مريب )) ومن فوائد الآية الكريمة أنَّ الإيمان يجِب ألَّا يُخالطَه شَكّ وأنَّه إذا ورَد على القلب شكّ ولو يسيرًا بشرط ألا يُدافِعَه بل يرْكَنُ إليه فإن هذا مُحبِطٌ للإيمان، أمَّا لو ورد الشك على القلب وطردَه وجاهد نفسَه على دفعِه فهذا لا يضرُّه شيئًا ولهذا أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الناس يتساءلون مَن خلق كذا مَن خلقَ كذا حتى يقولوا: مَن خلَقَ الله؟ وهذا شكّ ولكنَّ الرسول أخبر قال: ( فإذا بلغَ أحدكم ذلك -أو كلمة نحوها- فلْيَسْتَعِذ بالله ولْيَنْتَهِ )) وأخبرَه الصحابة أنهم يجِدُون في نفوسهم ما يحِبُّون أن يكونوا حُمَمة أي فحمَة محترِقَة ولا ينطِقُون به فقال صلى الله عليه وسلم: ( ذاك صريحُ الإيمان ) فالحاصل أنَّ الشكَّ الوارِد على القلب إن اطمَئَنَّ به الإنسان وركَن إليه فليعلَم أنَّه ليس بمؤمن، لأنَّ الإيمان ينافيه شيئان الشكّ والإنكار، أما إذا وردَ على القلب وطاردَه وجاهد نفسه على تركِه ففي هذه الحال ايش يضُرُّه أو لا؟ لا يضُرُّه بل هذا صرِيح الإيمان وخالِص الإيمان وذلك أنّ الشيطان لا يُورِدُ مثل هذه الأمور على قلْب ميِّت القلب الميت مستريح منه إنما يُورِدُه على قلبٍ حيٍّ ليُمِيتَه، ولَمَّا ذكرَ اليهود لابن مسعود أو لابن عباس أنَّهم كانوا لا يُوَسْوسُون في صلاتهم يريدون بهذا أن يفتَخِرُوا على المسلمين قال: " صدقُوا وما يصْنَع الشيطان بقلْبٍ خرَاب " كلمة عظيمة يعني يقول إنَّ قلوبَهم خرِبَة والشيطان ماذا يصنَع في قلبٍ خرَاب أيأتي إليه ليُخَرِّبَه؟ الجواب: لا إنما يأتي الشيطان بهذه الوساوس إلى قلبٍ حَيّ ليهْلِكَه أو يُمرِضَه، طيب يقول: (( وإنهم لفي شك منه مريب ))
12 - فوائد قوله تعالى : (( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( من عمل صالحا فلنفسه )) عمل (( ومن أساء فعليها )) أي فضرر إساءته على نفسه (( وما ربك بظلام للعبيد )) أي بذي ظلم لقوله تعالى (( إن الله لا يظلم مثقال ذرة )) [ 40 : 4 ] .
الطالب: عمِل
الشيخ : وجواب الشرط؟
الطالب: (فلنفسه)
الشيخ : (فلنفسه) تمام، هذه الجملة الشرطية فعل الشرط (عمل) وجواب الشرط (فلنفسه) واقترَنَت بالفاء، لأنها جملة اسمية إذ التقدير: فعمَلُه لنفسِه وقدَّرَها المفسر بقوله: " فلنفسِه عمِل " ولكن إذا قدَّرْناها جملة اسمية فلا حرج، (من عمل صالحا) (صالحا) هذه صفَةٌ لموصوف محذوف والتقدير: عمَلًا صالحًا فما هو العمل الصالح؟ العمل الصالح ما اجتمع فيه أمران: الأول: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: المتابعة لشريعة الله انتبه المتابعة لشريعة الله لا نقول: المتابعة لمحمد صلى الله عليه وسلم، لأننا نتكَلَّم عن العمل الصالح في هذه الأمة وفي غير هذه الأمة، ولهذا فنقول: الإخلاص لله والمتابعةُ لشريعة الله لِيشمَل ما كان في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وما كان في أُمَمٍ سابقة، إذا فُقِد الإخلاص فليس بصالح، لأنه شرك مردودٌ على صاحبه قال الله تعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَن عمِل عملًا أشرَكَ فيه معي غيرِي تركتُه وشِرْكَه ) ومَن أخلص لكن على غير شريعة الله فعملُه بدعة مردود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَن عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رد ) وفي رواية: ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهُو رد ) إذًا العمل الصالح ما اجتمع فيه شرطان.
قال: (( ومَن أساءَ فعليها )) قوله: (فلنفسه) يعني فالمصلحة لنفسِه فإنَّ ذلك لا ينفعُ الله شيئًا ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه أنَّ الله قال: ( يا عبادي لو أنَّ أولَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكِي شيئًا ) لماذا؟ لأنَّ الله تعالى لا ينتفِع بطاعة الطائعين ولا يتضَرَّر بمعصية العاصين، العمَل لنفسِه : (( ومَن أساء فعليها )) أي فضرَر إساءَتِه على نفسه " ولو قلنا: التقدير: فإساءَتُه عليها. لكفَى، (مَن أساء) أي عمِل عملًا غير صالح الذي، ما الذي يدلُّنا على أنَّ المراد بالإساءة هنا العمل غير الصالح؟ لأنَّه قُوبِل بما سبَق بمن عمِل عملًا صالحًا وهذا أحدُ الطرق التي يُعرَف بها تفسير القرآن الكريم بل وغيرُه من الكلام: إذا ذُكِر الشيء ثم ذُكِرَ ما بعدَه على وجهِ المقابلة ففَسِّرْ ما بعدَه على ضِدِّ ما قبلَه، ومِن ذلك قوله تعالى: (( فانفروا ثبات أو انفروا جميعا )) لو أنك تأمَّلْت ما معنى (ثُبَاتٍ) هل معناها: انفِرُوا ثابتين على الجهاد؟ لا، يفسِّرُها ما بعدها (أو انفروا جميعًا) فيكون معنى (ثُبَاتٍ) أي: فرادَى أو انفرُوا جميعًا، طيب (ومن أساء فعليها) إذًا الإساءة تكون إمَّا بالإشراكِ بالله كالرياءِ مثلًا، وإمَّا بالبدعة كبِدَع الصوفية وغيرِهم مِن أصحاب الطرق الذين هم مخلصُون لله ويوَدُّون التقرُّب إلى الله لكن بغير ما شرَع الله فكانوا ضالِّين كالنصارى تمامًا نعم
(( ومن أساء فعليها وما ربك بظَلَّام للعبيد )) أي بذي ظُلْمٍ " (وما ربك) كقوله -فيما سبق- (( سبَقَتْ من ربك )) وما ربُّكَ الخطاب لمن؟ للرسول صلى الله عليه وسلم، و(ما) هنا تميمية أو حجازية؟ كُلُّ ما في القرآن فهو حجازِي، لأنَّه بلغة قريش وعلى هذا فمتى أتَتْكَ (ما) فهي حجازية قال الله تعالى:(( ما هذا بشرًا )) ولو كانت تميمية لقال: ما هذَا بشرٌ. لكن قال: ما هذا بشرا. إذًا كلما أتتْك (ما) التي تكونُ دائرةً بين الحجازية والتميمية فاجعَلْها حجازية، فهنا نقول: (ما) حجازية و(رب) اسمها و(ظلام) خبرُها لكنَّه جُرَّ بحرف الجَرّ الزائد، طيب وقوله: (( وما ربك )) هل الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام أم هو عام؟ سياق الآية يدل على أنَّه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام ولكن ليُعْلَم أنَ ما وُجِّهَ الخطاب فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يعني أنَّ الحكْم خاصٌّ به بل هو له وللأمة، ولهذا نقول: الخطاب الموَجَّه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام انتبهوا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول ما دَلَّ الدليل على أنَّه خاصٌّ به كقوله: (( ألم نشرح لك صدرك )) هذا خاص ولَّا عام؟ خاصٌّ بالرسول، طيب الثاني: ما دلَّ الدليل على أنَّه عَامّ كقوله تعالى: (( يا أيها النبي -وهذا خطاب للرسول- إذا طلَّقْتُم النساء فطَلِّقُوهُنَّ )) هذا عام، لأنه قال: (يا أيها النبي إذا طلقتم) ومنه قول تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ )) فأَوَّلُ الآية خاصّ والثاني عامّ، القسم الثالث: ما لا دلِيلَ فيه على هذا ولا على هذا فهو خاصٌّ بالرسول لكنْ نحنُ لنا فيه أُسْوة، وقيل: إنَّه للأمة لكن خُوطِب بها الرسول، لأنه قائدُها عليه الصلاة والسلام، (( وما ربك بظلام للعبيد )) قال المؤلف: " أي بذي ظلمِ " إشارةً منه رحمه الله إلى أنَّ (ظلام) صيغة نِسبَة وليسَتْ صيغَة مبالغة (( ظَلَّام )) فسَّرَها المؤلف بأنها صيغةُ نسبة وليست صيغة مبالَغة، لأنَّ (فَعَّالًا) تأتِي للنسبة كنَجَّار وحدَّاد وخَشَّاب وما أشبه ذلك، وتأتي للمبالَغة فهنا هل (ظلَّام) هنا للمبالغة أو للنسبة؟ يتعيَّن أن تكون للنسبة، لأنك لو جعلْتَها للمبالغة لكان المنفِيُّ هو المبالَغَةُ في الظُّلْم دون أصْلِ الظُّلْم والمعلوم أنَّ الله تعالى منفِيٌّ عنه الظلم أصلُه والمبالَغَةُ فيه، إذًا يتعَيَّن أن نقول: إنَّ (ظلام) صيغةُ نِسْبَة