تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا ءاذناك )) أعلمناك الآن (( ما منا من شهيد )) أي شاهد بأن لك شريكا .
(( وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضَعُ إلا بعلمه )) ما تحمل مِن أنثى أيّ أنثى من بني آدم أو من الحيوان أي أنثى ما تحمل ولا تضع إلا بعلم الله عز وجل، فابتداء الحمل معلومٌ عند الله ووضعُه كذلك معلوم عند الله تبارك وتعالى، نرجع إلى قوله: (من أنثى) وإلى قولِه (من ثمرة) الإعراب: (من) حرف جر زائد: زائد مِن حيث الإعراب وليس زائدًا مِن حيث المعنى، لأنَّه يفيد معنًى وهو التوكيد، وعلى هذا فنقول: (من ثمرة) (من) حرف جر زائد و(ثمرة) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة [كذا] المحل بحرف الجر الزائد، وكذلك يقال: (من أنثى) (من) حرف جر زائد و(أنثى) فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع مِن ظهورها التعذُّر وهو في محلِّ جرٍّ لفظًا لدخول (من) عليه، وقوله (( إلا بعلمه )) بعلمه السابق أو الحادث عند وجود هذا الشيء؟ الجواب: السابق، لأنَّ علمَ الله تعالى مُحيطٌ بكل شيء أزلًا وأبدًا فهو يعلم ما تخرج مِن ثمراتٍ مِن أكمامها إلى يوم القيامة، وكذلك ما تحمِل مِن أنثى وما تضع.
ثم قال عز وجل: (( ويوم يناديهم أين شركائي )) يعني: (يوم) ظرف والظرف يحتاج إلى ما يتعلَّقُ به، لأنه مفعولٌ فيه وإذا كان مفعولًا فيه فلا بد مِن فعلٍ يكون عاملًا فيه فأين العامل؟ العامل في هذا مقدَّر والتقدير: واذكُرْ يومَ يناديهم وهو -أي مثل هذا التعبير- موجودٌ في القرآن كثيرًا والتقدير كما ذكرت: العامِل محذوف التقدير: اذكُر يوم يناديهم أين شركائي إلى آخره، وإنما أمر الله تعالى نبيَّه بذكره، تخويفًا لهؤلاء المكذبين وتسليَةً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقوله: (( يناديهم )) أي يدعوهم بصوت رفيع لأن النداء يكون بصوتٍ رفيع والمناجاة تكون بصوت أدنَى، وفاعل (يناديهم) هو الله، بدليل قوله: (أين شركائي) يعني أنَّ الله تعالى يُنادي هؤلاء المشركين يقول: أين شركائي؟ وهذا الاستفهام للتعجيز والتوبيخ أيضًا فهو جامِع بين معنيين: التعجيز والثاني التوبيخ يعني: أين الذين أشركتُم معي يقول الله عز وجل: (( قالوا آذَنَّاك )) أعلمناك الآن (( مَا مِنَّا مِن شَهِيد )) (آذَن) بمعنى أعلم ومنه قوله تعالى: (( وأذانٌ مِن الله ورسوله )) أي إعلامٌ مِن الله ورسوله فـ(آذَن) بمعنى أَعْلَم ومنه ما في الحديث أنَّ الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال للنساء اللاتي يغسِلْن ابنتَه: ( إذا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي ) أي: أعلمنَنِي، (آذناك) يقول المؤلف: " أعلمناك الآن " فأفاد المؤلف بقولِه: " الآن " أنَّ الفعل الماضي (آذنَّاك) بمعنى المضارع فهو إذًا جملةٌ خبرية حالية بمعنى: الآن نعلمُك ما منا من شهيد، وقيل: آذناك إنَّها فعل ماضي على بابِها فهي بمعنى الخبر عن شيءٍ ماضي، انتبه الآن! فعندنا قولان: هل الإعلام هنا يومَ القيامة كما قال المؤلف (آذناك الآن) أو هو إعلامٌ سابق في الدنيا؟ إن نظرْنا إلى ظاهِر اللفظ قلنا: نُرَجِّح أنه إعلامٌ في الدنيا يعني: أعلمْناك في الدنيا فيكُونُ على ظاهِرِه لكن يُشكِل على هذا التفسير أنَّ واقِعَ حالِهم لا يدُلُّ على هذا، لأنهم مشرِكون فعلًا فكيف يؤذنونه أنَّه ما منهم مِن شهيدٍ بذلك، أجابَ القائلون بهذا: أنَّ المعنى آذناك بحسَب الفطرة وما في قلوبنا، لأنه ما مِن مولودٍ يُولَد إلَّا على الفطرة، انتبهوا الآن للمعنى آذَنَّاك صيغتُها: فعل ماضي يقتضِي أن يكون هذا الإعلامُ سابقًا عن وقت الخطاب، هذه واحدة، (آذناك) فعل ماضي لكن يُراد به الخبر عن الحالِ الحاضرة فهو بمعنى: نحن نؤذِنُك الآن، هذا التفسير مخالف لظاهر اللفظ لكنَّه موافِقٌ لواقِع حالِهم، التفسير الأول: موافِقٌ للفظ لكنَّه مخالف لظاهر حالهم، لأنهم لا يُعلِمُونه بذلك إذ أنهم مشركون فعلًا، أجاب هؤلاء الذين يقولون إنه (آذناك) في الدنيا بأنهم أعلمُوه بحسَب الفطرة التي فُطِرُوا عليها، لأنه ما مِن مولودٍ يُولد إلا على الفطرة.
(( قالوا آذناك ما منا من شهيد )) أي شاهدٍ بأنَّ لك شريكًا " (ما منا من شهيد) (ما) نافية، و(منا) جار ومجرور خبر مقدم، و(من) حرف جر زائِد إعرابًا، و(شهيد) مبتدأ مرفوعٌ بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، يعني معناه: أننا قد أقررنا بأنَّه لا أحدَ منا يشهَد بأنَّ لك شريكًا وهم يقولون هذا الآن لكنّه لا ينفعهم، لأنه إقرارٌ بعد معاينة العذاب والإقرارُ بعد معاينة العذاب ليس بنافع، ولهذا أقرَّ فرعون حين أُغرِق بأنَّه لا إله إلا الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل ولكنه لم ينفَعْه فقيل له: (( الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ))
1 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا ءاذناك )) أعلمناك الآن (( ما منا من شهيد )) أي شاهد بأن لك شريكا . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( وضل )) غاب (( عنهم ما كانوا يدعون )) يعبدون (( من قبل )) في الدنيا من الأصنام (( وظنوا )) أيقنوا (( ما لهم من محيص )) مهرب من العذاب والنفي في الموضعين معلق عن العمل وجملة النفي سد مسد المفعولين .
(( وظنُّوا )) قال: أيقنوا (( ما لهم من محيص )) (ظَنَّ) هنا بمعنى أيقن وهل يأتي الظن بمعنى اليقين؟ الجواب: نعم يأتي كثيرًا قال الله تعالى: (( ورأى المجرمون النار فظنُّوا أنهم مواقعوها ولم يجدُوا عنها مصرفا )) إذًا (ظنوا) بمعنى أيقنوا، وقال الله تبارك وتعالى: (( الذين يظنُّون أنهم مُلاقوا ربهم )) معنى يظُنُّون أي: يُوقِنون أنهم ملاقوا ربِّهم ولو كان الظنّ بمعنى الشيء الراجح لم يكونوا مؤمنين لكن يظنون بمعنى يوقنون، إذًا الظن في اللغة العربية يأتي بمعنى اليقين هنا (ظنوا ما لهم من محيص) أيقنُوا ولَّا صار عندهم احتمالٌ راجح؟ أيقنوا، وقوله: (ما لهم من محيص) فيها تقديم وتأخير وتوكِيد، التقديم والتأخير أنَّه قُدِّم فيها الخبر وأُخِّرَ فيها المبتدأ، أين الخبر؟ (لهم) أين المبتدأ؟ (محيص)، فيها أيضًا توكيد وهو (مِن) الزائدة، لأنَّ (محيص) مبتدأ مؤخر ودخلت عليه (من) الزائدة للتوكيد وإعرابُه أنه مبتدأ مرفوع للابتداء وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، وقوله: (محيص) مهْرَب من العذاب " يعني أيقنوا أنه لا مهرَبَ لهم من العذاب ولا مفَرَّ لهم منه وأنَّه واقعٌ بهم لا محالة، ثم قال المؤلف: " والنفي في الموضعين معلِّقٌ عن العمل وجملة النفي سدَّت مسَدَّ المفعولين " النفي في الموضعين أين الموضعان؟ (قالوا آذناك ما منا من شهيد) هذه (ما) نافية معلِّقَة عن العمل، لأن (آذناك) أعلمناك وهي تنصِب ثلاثة مفاعيل (أعلَم) تنصب ثلاثة مفاعيل تقول مثلًا: أعلمْتُ زيدًا عمرًا قائمًا. هذه نصَبَت كم؟ ثلاثة مفاعيل (زيدا) و(عمرا) و(قائما)، هنا (آذناك) المفعول الأول موجود وهو: الكاف (آذَنَّاك) المفعول الثاني والثالث معلَّق أغنَتْ عنه جملة الاستفهام (ما منا من شهيد)، وعلى هذا فتكون جملة (ما منا من شهيد) كلها تكون في موضع نصب سدَّتْ مسَدَّ مفعولي (آذَن) أقول: الأوَّل والثاني ايش؟ لا، أقول الثاني والثالث، طيب (( وظنوا ما لهم من محيص )) هذا الثاني (ظنوا) هذه (ظن) تنصب كم مفعولًا؟ تنصب مفعولين هنا ما فيه مفعولان ليس فيه مفعولان أين هما؟ عُلِّقَتْ عن العمل بجملة النفي وهي قوله: (( ما لهم من محيص )) وعلى هذا فيكون (( ما لهم من محيص )) جملة في محلِّ نصب سدَّتْ مسَدّ مفعولي (ظن) هذا إعراب في الحقيقة لا يدركه إلا مَن كان عنده علم بالمفَاعيل لكنَّا نحن الآن شرحناه فمَن فهِمَه فهذا المطلوب ومَن لم يفهَمْه فإنه لا يضُرّ، لأنَّه ليس له علاقة المعنى علاقتُه إنما هو بالإعراب في الإعراب فقط
2 - التعليق على تفسير الجلالين : (( وضل )) غاب (( عنهم ما كانوا يدعون )) يعبدون (( من قبل )) في الدنيا من الأصنام (( وظنوا )) أيقنوا (( ما لهم من محيص )) مهرب من العذاب والنفي في الموضعين معلق عن العمل وجملة النفي سد مسد المفعولين . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( إليه يرد علم الساعة ... )) .
الطالب: (( إليه يُرَدُّ علمُ الساعة ))
الشيخ : كيف أخذُها من أنه عند الله وحده؟
الطالب: لما قدم ما حقه التأخير .. أراد الحصر
الشيخ : طيب لأنه قدَّم ما حقّه التأخير -وهو المعمول- وهذا يفيد الحصر.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ مَن ادعى علم الساعة فهو كافر وجه ذلك: أنَّه مكذِّبٌ لله وتكذيبُ الله كفر، ومَن صدَّقَه فهو كافر أيضًا، لأنه صدَّقَ بما هو تكْذيب للقرآن الكريم ومَن صدَّق بما هو تكذيب للقرآن الكريم فإنه كافر بلا شك ونأسف أنَ الوقت قد انتهى الآن ونعود إليه إن شاء الله غدًا بإذن الله
قراءة الآيات القرآنية .
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تبارك وتعالى: (( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير )) (لا يسئم) يعني: لا يمل فهو دائمًا يسأل الخير مِن المال والغِنَى والجاه وغير ذلك .. ما ذُكِرَت؟ طيب ما الذي ذُكِر مِن الفوائد؟ ... طيب إذًا نأخذ الفوائد
تتمة فوائد قوله تعالى : (( إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد * وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص )) .
ومن فوائدها أنَّ مَن ادَّعى علم الساعة فهو كافر، لأنه مكذِّبٌ لله ورسوله وتكذيبُ الله ورسوله من أسباب الردة، لأنَّ الرِّدَّة تدور على شيئين: إما تكذيب وإما استكبار، فكلُّ رِدَّة يحكم العلماء بها فإنها لا تخرج عن هذين الأمرين: إما التكذيب وإما الاستكبار.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة عُمومُ علمِ الله عز وجل، لقوله: (( وما تخرج من ثمرات من أكمامها )) إلى آخره.
ومن فوائد الآية الكريمة توبِيخ الكفار يوم القيامة لقولِه: (( ويوم يناديهم أين شركائي )) والتوبيخ في ذلك المكان مِن أعظم ما يكون من التوبيخ، لأنَّه اليوم المشهود الذي يشهده الله والملائكة وجميع خلقِه.
ومِن فوائدها إقرارُ هؤلاء المكذِّبِين بالبعث في ذلك اليوم أنَّه لا شريك لله عز وجل، لقوله: (( قالوا آذناك ما منا من شهيد )).
ومِن فوائد الآية التي بعدها أنَّ ما يُعبَد مِن دون الله فإنَّه هلاك وضلال ولن يُجدِي شيئًا عن عابدِيه، لقوله تعالى (( وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل )).
ومن فوائدها أنَّ هؤلاء المكذبين يُوقِنوا في ذلك اليوم أنَّه لا مفَرَّ لهم من عذاب الله لأنه ليس هناك أحدٌ يدفع عذاب الله تعالى عنهم فيوقِنون بأنَّه لا محيصَ لهم منه
5 - تتمة فوائد قوله تعالى : (( إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد * وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير )) أي لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما (( وإن مسه الشر )) الفقر والشدة (( فيئوس قنوط )) من رحمة الله وهذا وما بعده في الكافر .
6 - التعليق على تفسير الجلالين : (( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير )) أي لا يزال يسأل ربه المال والصحة وغيرهما (( وإن مسه الشر )) الفقر والشدة (( فيئوس قنوط )) من رحمة الله وهذا وما بعده في الكافر . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( ولئن )) لام قسم (( أذقناه )) آتيناه (( رحمة )) غنى وصحة (( منا من بعد ضراء )) شدة وبلاء (( مسته ليقولن هذا لي )) أي بعملي (( وما أظن الساعة قائمة ولئن )) لام قسم (( رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى )) أي الجنة (( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ )) شديد ، واللام في الفعلين لام قسم .
الطالب: الشرط
الشيخ : الشرط فيُحْذَف جواب الشرط ولهذا جاء جواب القسم في قولِه: (( ليقولَنّ )) قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
واحذِفْ لدى اجتماعِ شَرْطٍ وقَسَم جَواب ما أخَّرْتَ فهو مُلْتَزَم
واحذِفْ لدى اجتماعِ شَرْطٍ وقَسَم جَوابَ ما أخَّرْتَ فهو -أي هذا الحذف- مُلْتَزَم.
قوله عز وجل: (( ولئن أذقْناه )) آتيناه لكن عبَّر بالإِذاقة عن الإِيتاء، لأنَّ مَن ذاق شيئًا فقد انتفَع به، والإيتاء قد ينتفع به الإنسان وقد لا ينتفِع فإذا أعطيتك خُبْزة مثلا قد تنتفع منها وقد لا تنتفع يعني قد تأكلها وقد لا تأكلها لكن إذا ذقتَها فقد أكلْتَها وانتفعْتَ بها فلهذا عبَّر عن الإتيان بالإذاقة، لأنه أبلَغُ في الممَاسَّة وفي الانتفاع، وقوله: (( رحمةً منا )) فسَّر المؤلف رحمه الله الرحمة بأنه الغِنَى والصِّحَّة وهذا مثال وليس هو الحصر بل تشمل الرحمة كلَّ ما هو مطلُوبٌ للإنسان مِن غِنى وصِحَّة وجَاه وأموال وبنين وغير ذلك، وقوله: (( منا )) إشارة واضحة إلى أنَّ هذه الرحمة ليست بكسْبِه ولكنَّها فضلٌ مِن الله عز وجل فالغِنَى أتَاه مِن حيث لا يحتسِب والصِّحَّة أتتْه من حيث لا يحتسب والبنُون وغيره هي مِن عند الله وواضِح أنَّها مِن الله وليست بكسبِه، وقوله: ((رحمة من بعد ضراء مسته )) يعني معناه أنَّه تُيُقِّنَ الضَّرَر ثم جاءت الرحمة مِن عند مَن؟ مِن عند الله، وهذا أبلغ في النعمة أنْ تأتِيَ بعد الضرر، لأنَّ النعمة الدائمة لا يُحَسُّ بها لكنِ النعمةُ الطارئة بعد الضرر هي التي يُحَسُّ بها ولهذا مَن لم يذُقْ مرارَةَ المرَض فإنَّه لا يتذَوَّقُ حلاوة الصِّحَّة حتى في الأمور الشرعية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا ينقُضُ الإسلام إلا مَن لم يعرِفِ الجاهلية " أو كلمةً نحوها يعني: الذي لا يعرف الكفر لا يعرِفُ قدْرَ الإيمان، كذلك أيضًا الرحمة إذا كانت مستدِيمة مستمِرَّة لا يُحِسُّ بها الإنسان لكن إذا جاءَت مِن بعد الضرر أحَسَّ بها وذاقَ لها طعمًا وأضرِب لكم مثلًا الآن في النَّفَس: النَّفَس نعمَة كبيرَة مِن أكبر النعم، الإنسَان لا يُحِسُّ بها ما دامت النعمة مستمرة لكن لو أُصِيب بكَتْم النفس وحَجْبِه ثم فُرِّجَ عنه لوجَد لهذا النَّفَس نعمَةً عظيمة وأثرًا عظيمًا، كذلك المرَض: الإنسانُ الصحيح المستمر في صحتِه لا يعرف قدرَها لكن لو مُرِض ثم شُفِي تبَيَّن له قدْرُ النِّعْمَة، الرَّحمة التي ذَكَر الله هنا رحمَة مِن بعد الضراء يكون لها أثَرٌ بالغ أعظم مما لو كانت الرحمة مستمرة، إذا أذاقَه الله عز وجل رحمة مِن عنده مِن بعد الضراء (( ليقولن هذا لي )) هذا جواب القسم يعني: يقول: هذا لي. ما معنى هذا لي؟ قيل: المعنى: هذا بعملي فتكون اللام بمعنى (مِن) أي: هذا منِّي وليس مِن الله. وقيل: اللام للاستحقاق يعني: أنِّي مستَحِقٌّ له فلا مِنَّةَ لله عليَّ به، لأني له أهْلٌ فأنا حَقِيقٌ به. المؤلف مشى على القول الأول وهو أنَّ اللام بمعنى (مِن) أي: ليقولن هذا مني وأنا الذي اكتسَبْتُه أنا الذي اتَّجَرْت أنا اكتسبت وما أشبه ذلك، القول الثاني يقول هذا مِن الله لكن لا منةَ عليَّ به، لأني مستحقٌّ له، والآية تحتمِل هذا وهذا والقاعدة في التفسير أنه إذا كانت الآية تحتمِل معنيَيْن لا يُنافي أحدُهما الآخر فإنها تُحمَل عليهما جميعًا إذا لم يُوجَد الـمُرَجِّح لأحدِهما.
(( ليقولن هذا لي وما أظنُّ الساعةَ قائمةً )) نسأل الله العافية يعني ظنَّ أنَّه مُخَلَّد، لما جاءته هذه الرحمة قال: إذًا لا بعْث ولا جزَاء (( وما أظن الساعة قائمة )) ثم قال: (( ولئن رُدِدتُّ إلى ربي إن لي عنده للحسنى )) يعني على فرض أن تقوم الساعة وأُرَدُّ إلى الله فإنَّ الذي نعَّمَنِي في الدنيا سوف يُنعِّمُني في الآخرة ولهذا قال: (( ولئن رُجِعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى )) أي الجنة نقول في (لئن رجعت إلى ربي) في الإعراب ما قلناه في (ولئن أذقناه)، لأنَّه اجتمع قسم وشرط وتأَخَّر الشرط فحُذِف جوابُه وبقي جواب القسم في قوله: (إن لي عنده للحسنى) فتجد هذا الرجل مِن غرورِه -والعياذ بالله- أنه أكَّد بالقسم و(إنَّ) واللام: القسم في قوله: (لئِن) و(إن) في قوله: (إنَّ لي) واللام في قوله: (للحسنى) فهو أكَّد أنه على فرْض أن يرجِع إلى الله فسَيَجِدُ الحسنى وهي الجنة كما قال المؤلف رحمه الله وأخذ المؤلفُ هذا التفسير مِن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة )) حيث قال: إنَّ الحسنى الجنة والزِّيَادة النَّظَر إلى وجهِ الله، إذًا هذا الرجل مغرور في غاية الغُرور أوَّلًا أنَّه أضافَ النعمة التي حصلَتْ له في الدنيا أضافَها إلى نفسه إمَّا مباشرة هو الذي حصَّلَها بدون الله وإما لأنَّه مُستحِقٌّ لها فلا فضلَ لله عليه فيها، الغرور الثاني أنه أنكر البعث لقوله: (ما أظن الساعة قائمة)، الغرور الثالث أنه على فرض أنَّ الساعة قائمة فسَيجِدُ عند الله ما هو أحسن (إن لي عنده للحسنى).
قال الله تعالى: (( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ )) (فَلَنُنَبِّئَنَّ) أي نُخْبِرَنَّ والفَاء عاطِفَة واللام مُوَطِّئَة للقسم المحذوف والتقدير: فوالله لنُنَبِّئَنَّ، إذًا الجملة مؤَكَّدَة بثلاثة مؤكدات: (فلننبئن) المؤكد الأول: القسم والثاني: اللام والثالث: نون التوكيد في قوله (لَنُنَبِّئَنَّ) والضمير في قولِه: (لننبئن) يعود على الله عز وجل وعاد إليه بصيغة الجمع مِن باب التعظيم، وإلَّا فالله إلهٌ واحد، (( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا )) أي بالذي عملوه نخبرُهم بذلك يوم القيامة وكيفيّة هذا أنَّ الله سبحانه وتعالى يُحصِي أعمالَهم يوم القيامة فيُنادَى عليهم على رؤوس الأشهاد بأنَّهم قد أخزاهم الله (( ألا لعنة الله على الظالمين ))، ثم يقول: (( ولنذيقنهم من عذاب غليظ )) يعني بعد أن ننبِّئَهم ويُقرُّون بذلك نذِيقُهم مِن عذاب غليظ أي شديد، قال: " واللام في الفعلين لام قسم " أيْن الفعلان؟ (لَنُنَبِّئَنَّ) و(لَنُذِيقَنَّ)
7 - التعليق على تفسير الجلالين : (( ولئن )) لام قسم (( أذقناه )) آتيناه (( رحمة )) غنى وصحة (( منا من بعد ضراء )) شدة وبلاء (( مسته ليقولن هذا لي )) أي بعملي (( وما أظن الساعة قائمة ولئن )) لام قسم (( رجعت إلى ربى إن لى عنده للحسنى )) أي الجنة (( فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ )) شديد ، واللام في الفعلين لام قسم . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط * ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ )) .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة أنَّ الله تعالى يرحَم الكافر لقوله: (( ولئن أذقناه رحمة )) وبناء على هذا لو سَأَلْنا سائل: هل الله يرحم الكافر؟ فالجواب: نعم يرحمُه والدليل هذه الآية، ولكن اعلَمْ أنَّ رحمةَ الله تبارك وتعالى نوعان: رحمةٌ خاصة ورحمةٌ عامة فما به قِوَام البَدَن مِن الرحمة العامة وما به قوام الدين مِن الرحمة الخاصة، خليكم معنا الرحمة نوعان: عامة وخاصة فما به قِوَام البَدَن عامة، لأنه يشمل المؤمن والكافر والبَرّ والفاجر والإنسان والحيوان هذه رحمة عامة، وما به قوام الدين فهو الرحمة الخاصة وهذا يختَصُّ بالمؤمنين والفرق بينهما أنَّ الرحمة العامة إنما هي غِذَاء البدَن فقط وتزول بزوالِه، والرحمة الخاصة غذاء الروح تبقى ببقاء الروح، والروح منذ خلقها الله لا تفنَى الأرواح من الأشياء التي خُلِقَتْ للبقاء بخلاف الأجساد قال الله: (( كل من عليها فان )) لكن الروح لا تفنى كالوِلْدان في الجنة والحور العين في الجنة خُلِقَت للبقاء، إذًا نقول الفرق بين الرحمة العامة والخاصة: الرحمة العامة غذاءٌ للأبدان فقط وتنقضي بموت البدن، وأمَّا الرحمة الخاصة فهي غذاء الأرواح وتبقى دائمًا في الدنيا والآخرة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة بيانُ فضْل الله عز وجل على الكَافر لكون الرحمة التي أصابت الكافر من عند الله لقوله: (( منا )).
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة إعجَاب الكافر بنفسه حيث يُضِيف هذه الرحْمة التي هي من الله إلى نفسه لقوله: (( هذا لي )) أو يضيفها إلى استحقاقِه إياها فكأنَّ اللهَ لا مِنَّةَ له عليه على القول الثاني أنَّ معنى قوله: (( هذا لي )) هذا مستحَقٌّ لي.
ومِن فوائد هذه الآية الكريمة بيانُ عُتُوِّ الكافر حيث أنكر ما قامت الأدلة الشرعية والعقلية والحِسِّيَّة على ثبوتِه في قولِه (( وما أظن الساعة قائمة )) الأدلة الشرعية على ثبوت قيام الساعة كثيرة لا تُحْصَى، الأدلة العقلية هو أنه ليس مِن الحكمة أن يُوجِدَ الله هذه الخليقة ويأمُرُها وينهَاها ويُسَلِّطُ بعضَها على بعضٍ بالسيف فيقاتل المؤمنُ الكافر ثم تكون النهاية لا شيء، هذا سَفَه وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون )) أيُّ فائدة لخلقٍ يُوجَد ويُؤْمر ويُنهى ويُسَلَّطُ بعضُه على بعض في القتل العمْد ثم النهاية لا شيء، لا فائدة مِن هذا وحكمَةُ الله تبارك وتعالى تأبَى أن يقَعَ مثلُ ذلك من الله هذا دليل عقلي واضِح دليلٌ عقليٌّ يوجب أن يُبعَث الناس ليُجَازَوا على أعمالهم، أمَّا الدليل الحِسِّي على ثُبوت البعث وإمكانِه وجوازِه فالله تعالى يكرِّرُه في القرآن (( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة )) يعني هامِدة ليس فيها نبات (( فإذا أنزلنا عليها الماء )) أي: ماء المطر (( اهتزَّت وربَتْ )) فصارت حيَّة بعد أن كانت ميِّتَة قال الله تعالى: (( إنَّ الذي أحياها لمُحْيي الموتى إنَّه على كل شيء قدير )) فإحياء الأرض من بعد موتها والناس شاهدون دليل على إمكان إحياء الموتى وبعثِهم وهذا دليل واضح حسِّيٍّ ولا عقلي؟ حسي مُشاهَد، كذلك أيضًا أشهدَنا الله عز وجل في الدنيا إحياءَ الموتى فلنَسْتَعْرض هذا في القرآن: المشهَد الأول: بنو إسرائيل قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. فأخذتهم الصاعقة وماتوا ثم بُعِثُوا هذا في الدنيا، المشهد الثاني: القَتِيل الذي اختلفت القبيلتان فيه فأمرهم الله أن يذْبَحُوا بقرة وأن يضرِبوا القتيل ببعضِها ففعلوا فحَيِيَ القتيل وقال: إن الذي قتلَه فلان. إحياءٌ بعد الموت، المشهد الثالث: الذي خرجُوا من ديارِهم وهم ألوف حذَرَ الموت خافوا من الموت وخرجوا من ديارهم فقال لهم الله موتوا فماتُوا ثم أحياهم، أماتَهم ليعلموا أنه لا مفرَّ لهم من قضاءِ الله ثم أحياهم ليقضِي أجلًا مُسَمَّى، المشهد الرابع: صاحبُ القرية مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها