قراءة الآيات القرآنية .
تفسير قوله تعالى : (( أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير )) .
2 - تفسير قوله تعالى : (( أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( أم اتخذوا من دونه )) أي الأصنام (( أولياء )) أم منقطعة بمعنى : بل التي للانتقال ، والهمزة للإنكار أي ليس المتخذون أولياء (( فالله هو الولي )) أي الناصر للمؤمنين والفاء لمجرد العطف (( وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير )).
قال المؤلف الشارح: " أم منقطعة بمعنى بل التي للانتقال والهمزة للإنكار أي ليس المتخذين أولياء " يعني هؤلاء اتخذوا أولياء الأصنام، والأصنام بعضها شجر وبعضها حجر وبعضها مخلوقات كونية كالشمس والقمر، وبعضها مخلوقات بشرية كل هذه لا تنفع صاحبها، ولذلك تجد المشركين إذا وقعوا في الضرورة من يدعون ؟ يدعون الله عز وجل إذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين، فهي لا تنفع، وهم أيضا مقرون بهذا يقولون : (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )).
" (( فالله هو الولي )) أي الناصر للمؤمنين، والفاء لمجرد العطف " الفاء في قوله : (( فالله )) يعني أنها ليست جوابا لشرط ولكنها لمجرد العطف (( فالله هو الولي )) انتبه في إعراب الجملة هذه، الله: مبتدأ وهو: ضمير فصل والولي: خبر المبتدأ، واعلم أن ضمير الفصل حرف وليس اسما هذه واحدة نعم وله ثلاث فوائد :
الفائدة الأولى: الحصر .
والفائدة الثانية : الفصل بين الخبر والصفة، يعني مثلا إذا قلت: فلان الكريم، فلان مبتدأ والكريم خبر، ويحتمل أن يكون فلان مبتدأ والكريم صفته والخبر محذوف، فلان الكريم حاضر، فإذا قلت : فلان هو الكريم تعين أن تكون الكريم خبرا وليست صفة، ولهذا يسمونه ضمير الفصل لأنه يفصل أن يميز بين الخبر وبين الصفة، ليس له محل من الإعراب، ولهذا نقول : الله: مبتدأ والولي: خبره وهو: ضمير فصل لا محل له من الإعراب، إذا هو يفيد الحصر والتوكيد، والتمييز بين الخبر والصفة، واضح ؟ طيب نزيد ذلك بالمثال: محمد الرسول، يحتمل أن تكون الرسول صفة لمحمد وأن التقدير محمد الرسول صادق طيب إذا أتيت بهو وقلت : محمد هو الرسول، يتعين أن الرسول خبر هذه واحدة، أيضا هو الرسول يفيد الحصر يعني لا غيره، ولا شك أن محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هو الرسول لهذه الأمة ولا رسول غيره .
الفائدة الثالثة : التوكيد، هو الرسول، هذا فائدة ضمير الفصل، أما إعرابه فليس له محل من الإعراب لأنه حرف.
(( فالله هو الولي )) قوله : (( هو الولي )) يقول المؤلف : " أي الناصر للمؤمنين " وفي هذا نظر لأن المؤلف الآن قصر الولاية على الولاية الخاصة، والصواب أنها عامة هو الولي لكل أحد في الولاية العامة والولاية الخاصة، الولاية العامة لكل أحد فإنه لا يتولى شؤون الخلق إلا الله عز وجل، الولاية الخاصة هي ولاية النصرة والتأييد، وعلى هذا فاقتصار المؤلف رحمه الله على الولاية الخاصة فيه نظر، إذا هو الولي على كل أحد بالولاية العامة والولاية الخاصة، والفرق بين الولاية العامة أن الولاية العامة تشمل كل أحد فكل أحد فالله وليه يتولى أمره حتى الكافرون الله وليهم، الولاية الخاصة تقتضي النصر والتأييد ومنه قوله تعالى : (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ))[البقرة:257] (( فالله هو الولي )) الجملة هذه فيها حصر أو لا ؟ فيها حصر، ما هو طريقه ؟ ضمير الفصل (( فالله هو الولي وهو يحيي الموتى )) وغيره لا يمكن أن يحيي الموتى، لأن الإحياء هو جعل الشيء حيا بعد أن كان ميتا، وهذا لا يقدر عليه إلا الله، بل إن الله عز وجل إذا أراد أن يميت أحدا لا يمكن لأحد أن يمنع الموت كما قال عز وجل : (( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها )) يعني هلا ترجعونها (( إن كنتم صادقين )) الجواب يمكن أو لا يمكن ؟ لا يمكن، إذا الله يحيي الموتى ويميت الأحياء عز وجل: (( وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير )) على كل شيء، أي شيء معدوم فالله قادر على إيجاده، أي شيء موجود فالله قادر على إعدامه، كل شيء فالله تعالى قدير عليه، ضد القدرة العجز، ولهذا قال الله عز وجل : (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ))[فاطر:44]
3 - التعليق على تفسير الجلالين : (( أم اتخذوا من دونه )) أي الأصنام (( أولياء )) أم منقطعة بمعنى : بل التي للانتقال ، والهمزة للإنكار أي ليس المتخذون أولياء (( فالله هو الولي )) أي الناصر للمؤمنين والفاء لمجرد العطف (( وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير )). أستمع حفظ
تفسير قوله تعالى : (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) .
4 - تفسير قوله تعالى : (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) . أستمع حفظ
التعليق على تفسير الجلالين : (( وما اختلفتم )) مع الكفار (( فيه من شيء )) من الدين وغيره (( فحكمه )) مردود (( إلى الله )) يوم القيامة يفصل بينكم ، قل لهم (( ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) أرجع .
وقوله : (( من شيء )) يقول الشارح : " من الدين وغيره " أي نعم، من الدين، الدين كل ما يتعبد به الإنسان لله، وغيره ما ليس كذلك، فحكمه إلى الله عز وجل وحده أي مرد حكمه إلى الله ولهذا قال: " فحكمه مردود (( إلى الله )) يوم القيامة يفصل بينكم " والصواب أنه مردود إلى الله في الدنيا والآخرة ويدل لهذا قوله تعالى : (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )).
5 - التعليق على تفسير الجلالين : (( وما اختلفتم )) مع الكفار (( فيه من شيء )) من الدين وغيره (( فحكمه )) مردود (( إلى الله )) يوم القيامة يفصل بينكم ، قل لهم (( ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) أرجع . أستمع حفظ
فائدة في حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية وحكم واضعها .
ثانيا : أنه لو علم أحوال الناس من حيث العموم هل يمكن أن يعلم حال كل أحد لأن الناس يختلفون حتى في الحكم الواحد، أرأيت غني وفقير الغني عليه زكاة والفقير ليس عليه زكاة، الفقير يجوز دفع الزكاة له والغني لا يجوز له، العاجز والقادر، القادر يصلي قائما والعاجز يصلي قاعدا، هل هذا الذي وضع القانون يعرف أحوال الناس بحيث يكون القانون صالحا لكل حال من أحوال الناس ؟ لا، فهذا نقص آخر .
ثالثا : واضعو القانون هل يدرك أحوال الناس في المستقبل أو لا ؟ لا يدرك، ومعلوم أن الأحكام تختلف باختلاف الأحوال، ولهذا نجد أن الشريعة الإسلامية تختلف عن الشريعة النصرانية، والشريعة النصرانية تختلف عن الشريعة اليهودية، فها هو عيسى يقول : (( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم )) والدين الإسلامي أيضا جاء مغايرا في كثير من الأشياء الفرعية لما سبقه من الأديان قال الله تعالى : (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )) إذا القانون قاصر من كل وجه، إذا كان قاصرا من كل وجه فهل يمكن أن يكون هذا الشيء القاصر مردا في النزاع ؟ لا يمكن.
بقينا من رجع إلى القانون فهل يكون كافرا ؟ يحتاج إلى تفصيل، إذا لم يجد الإنسان طريقا إلى أخذ حقه إلا عن طريق القانون فليس هذا بكفر، بل ولا محرم، فلو كنت في بلد تحكم بالقانون ولك خصومة مع شخص ولا يمكن أن تلجأ إلى حكم شرعي، فلا حرج أن تتحاكم إلى القانون، وإذا حكم لك فهذا يعني أنه كالشرطة، ولو أننا قلنا بهذا لضاعت حقوق الناس، وقد أشار إلى هذا المعنى المحقق ابن القيم رحمه الله في كتاب الطرق الحكمية، لكن إذا تحاكمت إلى القانون وأنت تعلم أنه يحكم بالظلم، فهل يجوز أن تتحاكم إليه أو لا ؟ لا يجوز، ما فيه إشكال، لأن بعض الناس قد يكون من حيث الحكم الشرعي لا يستحق هذا الشيء، لكن باعتبار القانون يستحقه فقال : أحاكمه لآخذ حقي بمقتضى القانون، ماذا نقول ؟ نقول : هذا حرام ولا يجوز، مثال ذلك: ما يسمونه بالفوائد البنكية، الفوائد البنكية في الحكم الشرعي حرام، طيب هذا الرجل يعرف أنها حرام في الشرع لكن قال : أريد أن أتحاكم إلى القانون لأن القانون سوف يمكنني منها، لا يجوز، لأن هذا أكل للمال بالباطل، إذا التحاكم إلى الطاغوت وهو ما خالف الحكم الشرعي إن كان لاستخراج الحق لا لاعتقاد أن ما حكم به هو الحق ـ انتبه للفرق ـ لاستخراج الحق لا لاعتقاد أن ما حكم به حق، أجيبوا، فهذا جائز وكأنك جعلتهم شرطة يستخرجون حقك من هذا الذي ظلمك، وإن كان لاعتقاد أن ما جاء في القانون حق مع مخالفته للشرع فهذا حرام، هذا في التحاكم إلى القانون.
بقينا في وضع القانون، واضع القانون إما أن يعلم أنه مخالف للشرع لكنه يعتقد أنه أنفع للخلق من شرع رب الخلق، فهذا كافر لا شك، كافر كفرا مخرجا عن الملة، لأنه مكذب لقول الله تعالى : (( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )) ومكذب لقوله تعالى : (( أليس الله بأحكم الحاكمين )) لأنه وضع الآن كتابا بدلا عن كتاب الله، وهذا واضح أنه كافر، أبدل دين الله بغيره، أبدل حكم الله بغيره، فهذا كافر، أما إذا كان لا يدري أنه مخالف للشرع، وإنما صنع ذلك بتأويل إن كان من أهل الاجتهاد أو بتضليل إن كان من غير أهل الاجتهاد فهذا لا يكفر، مثل أن يعتقد أن مسألة العينة جائزة ويضعها قانونا، ومسألة العينة معروفة عندكم: أن يبيع شيئا بثمن مؤجل ويشتريه نقدا بأقل فيقول مثلا: مادة كذا: إذا باع شيئا بثمن مؤجل واشتراه بأقل فالعقد صحيح، هذه المادة تخالف الشرع، لكن هو لا يدري أنها تخالف الشرع، أو تأول أنها جائزة بناء على صورة المعاملة، فهذا لا يكفر، وقد يكون وضع القانون المخالف للشرع عن تضليل لا عن تأويل، بحيث يكون الحاكم جاهلا أميا لكن ضلله بعض علماء الدولة، قال : هذا لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ونحن نعلم أن هذا خير لنا في الدنيا بناء على ظنه، فهذا لا يكفر، فصار الآن الذي يضع قانونا مخالفا للشرع معتقدا أنه أولى من الشرع وأنفع للخلق فهذا كافر لا نشك في هذا، لكن بشرطين: أن يعلم أنه مخالف للشرع، يعتقد أنه أنفع للخلق أو مثل الشرع، حتى الذي يعتقد المماثلة فهو كافر لأن الله يقول : (( ومن أحسن من الله حكما )) ويقول : (( أليس الله بأحكم الحاكمين )).
أما من وضعه مخالفا للشرع بتأويل أو تضليل فإنه لا يكفر لأن هذا في نظره لم يخالف للشرع فلا يكفر بهذا، الخلاصة الآن: عندما يختلف الناس في شيء فإلى من يرجعون ؟ إلى الله: (( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله )) فإذا قال قائل : من أين نعلم حكم الله ؟ قلنا: من القرآن والسنة، يفسر هذا قوله تعالى : (( فإن تنازعتم فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ))[النساء:59].
تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فحكمه إلى الله )) يوم القيامة يفصل بينكم ، قل لهم (( ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) أرجع .
(( ذلكم الله ربي عليك توكلت )) ذلكم ويمر بنا كثيرا ذلك، فلماذا تختلف الكاف من موضع إلى موضع ؟ فالجواب أن الكاف بحسب المخاطب، واسم الإشارة بحسب المشار إليه، وهنا اختبار بالنسبة لكم، الكاف باعتبار المخاطب واسم الإشارة باعتبار المشار إليه، طيب أشر إلى مذكر مفرد مخطبا مذكرا مفردا.
الطالب: ذلك.
الشيخ : ذلك صح، أشر إلى اثنين مخاطبا اثنين.
الطالب: ذلكان.
الشيخ : ذانكما، ذان هذا المشار إليه، المخاطب كما، ذانكما، طيب أشر إلى أنثى مخاطبا ذكرا.
الطالب: ذلك.
الشيخ : لا، ما يمكن أنت الآن جعلت المرأة ذكرا.
الطالب: تلك.
الشيخ : تلك صحيح، أي نعم تلك لأن الإشارة للأنثى بالتاء تلك، طيب أشر إلى أنثى مخاطبا أنثيين.
الطالب: تلكما.
الشيخ : تلكما، طيب تمام، إذا الحمد لله فهمنا ليس هناك حاجة نستوعب جميع الأمثلة، اسم الإشارة بحسب المشار إليه، الكاف بحسب المخاطب طيب.
هنا (( ذلكم الله ربي )) اسم الإشارة بحسب المشار إليه لأنك تشير إلى لفظ الجلالة (( ذلكم الله )) واحد، ويخاطب جماعة (( ذلكم الله ربي )) ذلكم: مبتدأ، والله: عطف بيان، ربي: خبر المبتدأ، يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يعلن لهؤلاء أن الله تعالى ربه وأنه لا رب له سواه، وإنما قلنا : وأنه لا رب له سواه لأن طرفي الجملة معرفة، لأن كلا من طرفي الجملة معرفة، وإذا كانت الجملة قد عرف طرفاها دلت على الحصر، لو سألنا سائل بما تعلقت الكلمة عليه ؟ قلنا : تعلقت بتوكلت، بما تعلقت إليه ؟ قلنا بينيب، إذا العامل متأخر عن المعمول في: (( عليه توكلت )) وفي: (( إليه أنيب )) والقاعدة عند البلاغيين أنه إذا تقدم ما حقه التأخير كان ذلك دليلا عل الحصر، (( فعليه توكلت )) بمنزلة ما توكلت إلا عليه (( إليه أنيب )) بمنزلة لا أنيب إلا إليه.
(( عليه توكلت )) أي فوضت أمري إلى الله تفويضا كاملا، والتوكل على الله ليس كالتوكل على البشر، التوكل على البشر بمعنى أنك تعمده أن يشتري لك شيئا، وهذا تفويض خاص، وأيضا تفويض تعتقد أنك أنت صاحب الشأن فيه، بمعنى لو شئت لأزلته وفسخت الوكالة، لكن توكلك على الله تفويض إلى الله في كل شيء، ولا يمكنك أن تفسخ الوكالة، حتى لو فسختها فالله عز وجل وكيل عليك، وبهذا نعرف الفرق بين أن يقول القائل : توكلت على فلان يعني أني وكلته، وتوكلت على الله، هل توكلت على الله مثل وكلت فلان ؟ لا أبدا، وإن اتفق اللفظان لكن يختلف المعنيان اختلافا عظيما، لاحظوا يا جماعة توكلت على فلان أي فوضته بأمري والأمر إلي أن شئت عزلته، لكن توكلت على الله فوضت أمري إليه مستندا إليه جل وعلا في تيسير أمري وتسهيله، وحينئذ لا نقول : إن من توكل على شخص في شراء شيء يكون مشركا بالله، لا نقول هذا، لأنه يظهر الفرق العظيم بين توكلي على الشخص الذي وكلته أن يشتري حاجة وبين توكلي على الله، توكلي على الله تفويض واستعانة، لكن على الشخص لا، استخدام في الواقع، توكيلي إياه أو توكلي عليه في الوكالة عبارة عن استخدام، ولهذا متى شئت قلت: لا أتوكل عليه وأعزله، لكن بالنسبة للتوكل على الله ليس كذلك، فما هو التوكل على الله ؟ قلنا: تفويض الأمر إلى الله عز وجل تفويضا تاما، وبعضهم يقول: صدق الاعتماد على الله ـ يعني التوكل ـ صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله عز وجل، يفسر هكذا: صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله عز وجل، وهل التوكل على الله عز وجل يعني إلغاء الأسباب ؟ لا، ولهذا لو قيل : لرجل تزوج حتى يأتيك أولاد، قال : أنا متوكل على الله، يصلح ولا ما يصلح ؟ لا يصلح، لأن الأولاد لا ينبتون بالسطح، افعل الأسباب وتوكل، وفي المثل: " اعقلها ـ يعني الناقة ـ وتوكل " لا تطلق الناقة وتقول : أنا متوكل على الله، الناقة إذا أطلقتها ذهبت حيث شاءت، حتى لو كنت متوكل على الله افعل الأسباب، لو أن إنسانا قيل له : يا فلان ابتغي الرزق، بع اشتر، اعمل الأسباب التي تحصل بها المال قال : أبدا أنا متوكل على الله، هل هو صادق ؟ هذا توكل المتهاونين، إذا كنت صادقا في التوكل على الله فاعمل السبب، ولكن لا تعتمد على السبب اجعل السبب سببا والمدبر هو الله عز وجل.
" (( وإليه أنيب )) أرجع " أرجع إلى الله تعالى في عباداتي وفي جميع أحوالي.
7 - تتمة التعليق على تفسير الجلالين : (( فحكمه إلى الله )) يوم القيامة يفصل بينكم ، قل لهم (( ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )) أرجع . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير )) .
وطائفة أخرى يقولون : الإنسان مستقل بعمله يفعل ما يشاء ولا علاقة لله تعالى في عمله، وهؤلاء هم القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، لأن هؤلاء يقولون: الحوادث الكونية لها خالقان، حوادث العباد هم يخلقونها، وحوادث الكون يخلقها الله عز وجل، فجعلوا للحوادث خالقين كما أن المجوس جعلوا للحوادث خالقين، ولهذا سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة، وعلى رأيهم يكون في ملك الله ما لا يشاءه الله، إن الله له ملك السماوات والأرض فإذا كانت أفعال العباد بغير مشيئة الله وإرادته صار في ملكه ما لا يشاء، وهؤلاء ضالون غالطون، لأنه كيف يكون الله هو الخالق للعبد ونقول : العبد مستقل عن الله ولا لله فيه دخل ولا شيء، أهل السنة والجماعة يقولون : إن الإنسان يفعل باختياره وإرادته والقرآن دل على ذلك: (( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ))[الإسراء:19] (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها )) (( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة )) يقولون : الإنسان له إرادة واختيار ويفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري ولا شك، الإنسان يقوم ويقعد ويأكل ويشرب وينام ويستيقظ كل ذلك لا يشعر أن أحدا يجبره عليه، ولكن مع هذا، هذا الفعل وهذه الإرادة مخلوقة لله عز وجل، كيف تكون مخلوقة لله ؟ لأن الإنسان نفسه مخلوق لله، فإراداته التي تكون في نفسه والأفعال التي تكون في جوارحه تكون مخلوقه لأن أوصاف المخلوق وأفعال المخلوق مخلوقة، كما أن أوصاف الخالق غير مخلوقة، ولهذا نقول : القرآن غير مخلوق لأنه كلام الله، إذا أهل السنة والجماعة والحمد لله هداهم الله للحق فكانوا وسطا بين متطرفين الآية الكريمة: (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة )) ترد على القدرية الذين يقولون : إن الإنسان مستقل بعمله، على رأيهم لا يستطيع الله عز وجل أن يهدي الناس جميعا أو يضلهم جميعا .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : أن من حكمة الله عز وجل أن ينقسم الناس إلى مؤمن وكافر من قوله : (( ولكن يدخل من يشاء في رحمته )) لأنه لا يمكن أن تظهر أثر الرحمة إلا إذا انقسم الناس إلى مرحوم وغير مرحوم، فكان من حكمة الله عز وجل أن اختلف الناس، نحن نعلم لولا اختلاف الناس لم يتميز مؤمن من كافر، لولا اختلاف الناس ما قام جهاد، ولا قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يكن فائدة في خلق الجنة والنار إلى غير ذلك .
ومن فوائد هذه الآية الكريمة : إثبات الرحمة لله عز وجل لقوله : (( في رحمته )) واعلم أن الرحمة نوعان : مخلوقة وغير مخلوقة، أما غير المخلوقة فهي رحمة الله التي هي وصفه، فهذه غير مخلوقة، لأن جميع صفات الله غير مخلوقة، وأما المخلوقة فهي الشيء البائن عن الله الذي كان من آثار رحمة الله التي هي وصفه، قال الله عز وجل : (( وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )) هذه مخلوقة، في للظرفية، ولا يمكن أن تكون رحمة الله التي هي وصفه ظرفا لهؤلاء الذين آمنوا، إذا ففي رحمة الله أي المخلوقة، ما هي رحمة الله المخلوقة ؟ هي الجنة لقوله تعالى للجنة : ( أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ) طيب (( وربك الغفور ذو الرحمة )) ما المراد بالرحمة هنا الصفة أو المخلوقة ؟ الصفة، إذا من صفات الله تعالى الرحمة.
والعجب من قوم يدعون أنهم منزهون لله يقولون : إن الله لا يوصف بالرحمة، نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا يقولون: إن الله لا يوصف بالرحمة لأن الرحمة انفعال وانكسار كما ترحم الصبي ترحم اليتيم والله عز وجل منزه عن ذلك، طيب ماذا نفعل بالآيات التي لا تحصى المثبتة لرحمة الله ؟ قالوا : فسر الرحمة بالإنعام، فيفسرونها بالرحمة المخلوقة، أو فسر الرحمة بإرادة الإنعام فيفسرونها بالإرادة، وهؤلاء الأشاعرة، لأنهم يقرون بالإرادة على أنها صفة لله، وسبحان الله حجتهم في هذا يقول : الإرادة دل عليها العقل والرحمة ما دل عليها العقل، بل دل العقل على خلافها، فنقول لهم : ما هو العقل الذي دل على الإرادة ؟ قالوا: العقل التخصيص، تخصيص المخلوقات، الجمل له صورة معينة الشاة لها صورة معينة بنو آدم لهم صورة معينة، فكونه يجعل البعير على هذه الصفة والشاة على هذه الصفة وبني آدم على هذه الصفة تدل على الإرادة، طيب الرحمة هناك أدلة عقلية على الرحمة أكثر دلالة من دلالة التخصيص على الإرادة، كل ما في الكون من النعم ماذا يدل عليه ؟ يدل على الرحمة، ولهذا العامي إذا أمطرت السماء قال : مطرنا بفضل الله ورحمته، فدلالة هذه الأشياء على الرحمة أقوى من دلالة التخصيص على الإرادة، فنحن نؤمن بأن لله رحمة، فإذا قال : إن الرحمة انكسار وانفعال قلنا : أن هذا بالنسبة لرحمة المخلوق، أما رحمة الخالق فهي تليق به عز وجل، ما فيه انكسار ولا فيها نقص ولا فيها عيب، أرأيتم الغضب ؟ الغضب انفعال يحدث للإنسان حتى يفقد أعصابه ويتصرف تصرف المجانين، حتى ربما كسر ماله، وضرب أولاده، وطلق زوجته، وربما يؤدي إلى أن يرمي بنفسه في الماء، الغضب لأنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب الإنسان حتى يفور دمه، هل نقول: إن غضب الله كغضب الإنسان ؟ أبدا حاشا، إن غضب الله صفة تليق به تدل على كمال سلطانه وقدرته على الانتقام، لكنها لا يمكن أن ينتج عنها سوء تصرف أبدا، بخلاف غضب المخلوق.
المهم أن نقول : هناك قوم أنكروا رحمة الله وبماذا فسروا الرحمة ؟ بواحد من أمرين: إما الإنعام أو إرادة الإنعام، وهذا لا شك من ضلالهم وبدعهم وإرجاعهم أمور الغيب إلى ما تقتضيه عقولهم القاصرة، والحقيقة أن هذه العقول ليست عقولا بل هي أوهام وإلا فنحن نعلم علم اليقين أن ما جاءت به الشريعة لا يمكن أن يخالف صريح المعقول أبدا، صحيح المنقول لا يخالف صريح المعقول أبدا، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب مجلدات في بيان موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ويسمى " درء تعارض العقل مع النقل " طيب.
من فوائد الآية الكريمة : سوء عاقبة الظلم لقوله : (( والظالمين ما لهم من ولي ولا نصير )) حتى أولياؤهم في الدنيا لا ينفعونهم في الآخرة، ليس لهم ولي يتولاهم ولا نصير يدفع عنهم الأذى .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن القائم بالعدل له ناصر وولي، تؤخذ من مفهوم المخالفة، إذا كان الظالم لا ولي له ولا نصير فمن قام بالعدل فله ولي ونصير .
8 - فوائد قوله تعالى : (( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير )) . أستمع حفظ
فوائد قوله تعالى : (( أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير )) .
ومن فوائد الآية الكريمة : أن هؤلاء طلبوا شيئا من غير محله لقوله : (( فالله هو الولي )) فهو الذي ينبغي أن يتخذ وليا عز وجل فالله هو الولي .
ومن فوئد الآية الكريمة : إثبات الولاية لله لقوله : (( فالله هو الولي )) وهل هي عامة أو لا ؟ الجلالين مشى على أنها خاصة قال : " ولي المؤمنين " والصحيح أنها في هذه الآية عامة، الله ولي كل أحد، فإن الله تعالى ولي للكافرين يرزقهم ويعافيهم ويدفع عنهم السوء ويتولاهم كما قال تعالى : (( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق )) لكننا نقول : الولاية قسمان عامة وخاصة كما بيناه في التفسير .
ومن فوائد الآية الكريمة أنه لا ولاية لأحد دون الله من قوله : (( هو )) لأن هو ضمير فصل يفيد الحصر.